مشاريع القوانين المثيرة للجدل في المغرب.. لماذا سحبتها حكومة أخنوش بهدوء؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع اختتام الدورة الأولى من "السنة التشريعية" للبرلمان في المغرب، تعالت أصوات المنتقدين للحكومة بتخصصها خلال هذه الفترة القصيرة في "سحب مشاريع قوانين مثيرة للجدل".

وبعدما كانت تلك المشاريع الموروثة عن الحكومتين السابقتين "رهينة الانتظار" جراء خلافات بشأن بعض موادها، سارع الائتلاف الجديد برئاسة عزيز أخنوش إلى "سحبها" الواحدة تلو الأخرى دون تعديلها وإرجاعها للتصديق عليها.

ومن أبرز هذه المشاريع، القانون الجنائي المتضمن لمادة عن "تجريم الإثراء غير المشروع"، والتأمين الصحي للوالدين، و"احتلال الملك العمومي".

وهذا الأخير ينهي حالات الاحتلال التي تحولت إلى ملكية دائمة مع إرجاع الملك العمومي المحتل إلى الدولة.

انتقاء مستغرب

ومنذ نيل حكومة أخنوش ثقة مجلس النواب في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وحتى نهاية "الدورة الخريفية" الأولى في الأول من يناير/كانون الثاني 2022، بصم الائتلاف المشكل من 3 أحزاب على "إنجاز فريد من نوعه".

وسحبت أحزاب التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، 7 مشاريع قوانين ظلت تراوح مكانها داخل "ثلاجة البرلمان".

وعبر البرلماني حسن أومريبط عن "عدم تفهمه" لأسباب سحب الحكومة لمشاريع قوانين ذات أهمية بالغة، والمعروفة بالقانون الجنائي، والتغطية الصحية للوالدين، وكذلك قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي، دون تقديم أي تفسير أو تبرير"، مستغربا "الانتقائية" في السحب.

وأشار  إلى أن "الحكومة تجاهلت المبادرات التشريعية للنواب، بحيث لم تتفاعل نهائيا مع أي مقترح قانون".

وذكر أومريبط لموقع "الأيام 24" المحلي في الثاني من فبراير/شباط 2022 أن "هناك 25 مقترح قانون لفرق المعارضة، مع العلم أن الدستور ينص على تخصيص يوم واحد على الأقل كل شهر، لمناقشة القوانين المقدمة من فرق المعارضة".

بدورها، انتقدت النائبة البرلمانية عن "فدرالية اليسار"، فاطمة التامني، "غياب تصور تشريعي واضح لدى حكومة أخنوش".

وأشارت إلى أن "الحكومة سحبت مشاريع قوانين ورثتها عن الحكومتين السابقتين، لكنها بالمقابل لم تقدم أي تصور بديل، إلى حدود اليوم".

فيما قال زعيم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب رشيد حموني إن "رئيس الحكومة أقدم على سحب بعض مشاريع القوانين من جدول أعمال مجلسي البرلمان، دون تقديم مبررات لذلك".

وأضاف "بغض النظر عن الجوانب الدستورية والقانونية التي تعطي لرئيس الحكومة حق سحب هذه المشاريع، فإن الأمر يجعلنا نتساءل عن منطق الانتقائية الذي جرى التعامل به مع النصوص المسحوبة، وعن المبررات التي كانت وراء اتخاذ قرار سحب مشاريع قوانين بعينها دون الأخرى".

ولفت حموني في رسالة للحكومة إلى أن “تبرير قرار السحب برغبة رئيس الحكومة في إعادة النظر فيها، وإعادة طرحها للتداول البرلماني، هو مبرر نعتبره فارغا من الشفافية اللازمة في التعامل مع البرلمان".

وشدد على أنه "كان بالإمكان الاحتفاظ بها ضمن جدول أعمال المجلسين (النواب والمستشارين) في أفق تعديلها، سواء في اللجان البرلمانية التي تجري فيها مناقشتها أو في الجلسات العامة، لأن النظامين الداخليين لكلا مجلسي البرلمان يضمنان للحكومة هذا الحق".

غير أن الجانب "الأكثر استفزازا" للرأي العام، يقول حموني “هو أن النصوص المسحوبة تنصب على مقتضيات تحارب الريع والامتيازات، وهو ما يطرح معه السؤال حول مدى جدية الحكومة في التصدي للفساد ومحاربته، ما دامت اختارت سحب مشاريع قوانين تشكل مدخلا لذلك".

لكن الناطق باسم الحكومة، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، دافع عن سحب الحكومة 7 مشاريع قوانين.

وقال بايتاس خلال ندوة صحفية في الثاني من فبراير/شباط 2022، إن "مخرجات 8 سبتمبر/أيلول 2021 (نتائج الانتخابات) لديها معنى وأرسلت مجموعة من الرسائل، نسبة مشاركة قوية، وتغيير في الخريطة السياسية، والناس تطمح لأن ترى أمورا جديدة".

وأكد أن هذه الحكومة "ماضية في اتجاه الاستجابة لتطلعات المواطنين عبر إنتاج قوانين ذات جودة"، لافتا إلى أن "سحبها بعض القوانين سببه أنها لا تراعي مستوى من الجودة الذي تريده".

هزيلة ومرتبكة

الناطق باسم الحكومة، بايتاس، اعتبر أيضا في ندوته الصحفية أن حصيلة الحكومة الحالية في علاقتها بالبرلمان، "مهمة وإيجابية" مقارنة بحصيلة حكومتي بنكيران، وسعد الدين العثماني.

وسجل بايتاس، أن وتيرة التشريع بالنسبة للحكومة في علاقتها بالبرلمان "طبيعية" وأن الحكومة "تنشد الجودة".

وفي بيان أعقب جلسة حكومية في 3 فبراير 2022، قالت الحكومة إن "علاقات التعاون بينها وبين البرلمان أسفرت عن إنتاج تشريعي ورقابي مهم خلال هذه الدورة التشريعية، التي تعتبر الأولى للولاية الحكومية الحالية".

إلا أن البرلماني أومريبط قال في تقييمه إن "الحصيلة الحكومية هزيلة ومرتبكة على المستوى السياسي والتشريعي في انتظار ما نأمله من أن يكون هناك تغيير جذري خلال الدورة التشريعية المقبلة".

وخلص إلى أن "الحصيلة هزيلة ونتمنى صادقين أن نكون مخطئين وأن تظهر لنا هذه الحكومة نجاحها أو بوادر النجاح على الأقل التي لم نجدها حتى الآن".

من جانبها، وصفت البرلمانية فاطمة التامني، الحصيلة التشريعية لهذه "الدورة الخريفية" بـ"الهزيلة جدا".

وقالت لموقع "الأول"، مطلع فبراير/شباط 2022 إنها "تبقى دون الانتظارات"، إذ لم يتعد عدد مشاريع القوانين المصادق عليها خلال هذه الفترة، 12 فقط، جلها تخص اتفاقيات دولية.

وفيما يؤخذ على البرلمانيين تقاعسهم في المبادرة إلى التشريع كواحدة من مهامهم داخل المؤسسة؛ يلاحظ أن عددا منهم قدموا خلال هذه الولاية مقترحات قوانين، لم تجد طريقها بعد نحو المناقشة، إذ لم يبرمجها مكتب مجلس النواب.

واحد من بين هذه المقترحات، ذلك الذي تقدمت به التامني نفسها، ويرمي إلى تقنين أسعار المواد الأساسية والمحروقات، عبر توقيف تحرير أسعارها أو تحديد هوامش الربح القصوى، مع تسقيف أثمنة خدمات التعليم الخصوصي بكل مستوياته.

بدورها، قالت الأمينة العامة للحزب “الاشتراكي الموحد”، نبيلة منيب إن "حكومة أخنوش لم تعط أي توجه حقيقي فيما يخص الدولة الاجتماعية"، مؤكدة أن "المؤسسات الدستورية من قبيل المجلس الأعلى للحسابات ومجلس المنافسة لا يؤدون أدوارهم المنصوص عليها في الدستور، علما أنه لا الدستور ولا المؤسسات التشريعية ولا القضائية تحترم".

وأكدت منيب، في أول "بودكاست" نشرته على موقع "اليوتيوب" مطلع فبراير/شباط 2022، على "ضرورة أن تكون هناك مراقبة صارمة لعمل حكومة أخنوش حتى نعرف مدى التزامها بالوعود الكثيرة التي قطعتها في الانتخابات".

واستغربت كيف أن الحكومة بدل أن تضع مشاريع قوانين ينتظرها المغاربة، عمدت إلى سحب أخرى موجودة، مثل مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن تجريم الإثراء غير المشروع، متسائلة "هل هذا يعني أن الحكومة تريد الإثراء غير المشروع وأن يبقى الملك العمومي محتلا؟".

وأشارت إلى أن "ثلثي المغاربة يعيشون الفقر، ومع ذلك فإن الحكومة منذ بدايتها رفعت الأسعار وثمن المحروقات"، متسائلة "أين الأمن الغذائي والمائي للمغاربة؟".

وشددت منيب على أن "المغرب يشهد ردة سياسية وحقوقية، والمنظومة التعليمية والثقافية والرياضية جرى تخريبها، والفساد يتفشى والسياسيون الذين يتعاقبون يزدادون غنى عوضا عن أن يدافعوا عن المصلحة العامة".

الكاتب حسن أبو عقيل لفت إلى أن "الحكومة أصبحت تتعامل مع المواطن بمنطق الذكورية الراسخة، حيث يغلب طابع الاستقواء والتحكم، وما على الشعب إلا الانصياع لفعل الأمر دون التعليق أو الإدلاء بالرأي، وقد أبانت حكومة أخنوش على هذا الدور في أوج انطلاقتها مباشرة بعد التنصيب، حيث سخرت المقاربة الأمنية".

وقال أبو عقيل في تدوينة عبر صفحة على فيسبوك إن "الحكومة تناست أنها تسلمت المناصب باسم المواطنين وإلا ما كان لها وجود، والحقائب التي عينت من أجلها أمانة تكليف مقابل رواتب شهرية من خزينة الشعب دافعي الضرائب، ولا داعي لأسلوب الاستقواء دون حصيلة تدبير مشرفة قال عنها الشعب إنها (فاشلة)" .

وتابع: "عندما يصبح المواطن جمادا وفوقه يدور القتال٫ فالموت أرحم له من الحياة على  أن يسخر لخدمة التافه الفاشل ولو كان صاحب المال والثراء، لأن الأخير حصيلة تدبيره مراتب في مؤخرة جل المؤشرات والدليل رتب المغرب غير المشرفة في جميع المجالات".