موازنة دون مساعدات بسبب الانقلاب.. ما بدائل السودان لتعويض العجز المتفاقم؟

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشف السودان عن ميزانيته لعام 2022، وسط حالة من الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد، والتي اعتمدت فيها على مواردها الذاتية بعد امتناع الدول الغربية عن تقديم المساعدات لاشتراطهم ضرورة وجود حكومة يقودها المدنيون.

فمنذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، جمدت واشنطن برنامجا يتيح للسودان 700 مليون دولار، وكذلك توقف برنامج لتخفيف ديون الخرطوم الخارجية التي بلغت 59 مليار دولار قبل نهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير.

وتتمثل الموارد الذاتية التي ستعتمد عليها موازنة السودان في الذهب ومصادر النقد الأجنبي الأخرى.

وأعلنت وزارة المالية في 23 يناير/كانون الثاني، عن تخصيص 70 بالمئة من عائدات تصدير الذهب لاستيراد "السلع الإستراتيجية"، مثل الوقود والقمح، وأيضا 30 بالمئة لاستيراد "السلع الأساسية" التي تحددها وزارة التجارة الخارجية.

وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، إن الموازنة العامة لعام 2022، تهدف إلى زيادة الإنفاق والإيرادات غير الآتية من المساعدات الأجنبية بأكثر من الثلث، وتتضمن عجزا قدره 363 مليار جنيه سوداني (826.88 مليون دولار).

وأوضحت أن إجمالي تقديرات الإيرادات دون المنح الأجنبية بلغ 3326 مليار جنيه (7.55 مليار دولار) بمعدل زيادة 34 بالمئة عن الموازنة المعدلة للعام 2021، بينما بلغ إجمالي المصروفات 3689 مليار جنيه (8.37 مليار دولار) بزيادة 38 بالمئة.

إلا أن اعتماد السودان في موازنته لعام 2022 على موارده من الذهب التي لا تكفي لتمويل نفقاتها في ظل عدم وجود مصادر للتمويل يمثل خطورة على مخصصات التنمية ما قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي، وسط تقهقر القطاعات الإنتاجية نتيجة التضخم.

وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم، في ديسمبر/كانون الأول 2021، أن الحكومة ستعتمد على الموارد الداخلية لكنها لن تتمكن من تغطية كل السلع الإستراتيجية.

وصدر السودان، وهو أحد أهم منتجي الذهب في إفريقيا، رسميا 26.4 طن في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 و25.2 طنا في 2020 وفقا لبيانات البنك المركزي. ويقدر مسؤولون أن أربعة أمثال هذه الكميات يجرى تهريبها إلى الخارج.

خطورة كبيرة

وبحسب الخبير الاقتصادي محمد الناير، فإن عائدات الذهب لا تكفي استيراد السودان ككل، مشيرا إلى أنها قد تغطي السلع الإستراتيجية ولكن باقي السلع قد تأتي عبر مصادر النقد الأجنبي الأخرى.

وأضاف الناير لـ"الاستقلال" أن الحكومة تسعى إلى تقليل عمليات تهريب الذهب من أجل تعظيم عائداته عبر تخفيض الرسوم المفروضة عليه.

وبين أن الحكومة تريد تخفيض غرام الذهب من قبل الشركة السودانية للموارد المعدنية من ألف جنيه سوداني (2.27 دولار) إلى 400 جنيه (0.91 دولار).

يضاف إلى ذلك أنه جرى إلغاء الضمان العيني للتصدير بغرض تصنيع الذهب، والاستعاضة عنه بضمانات أكثر يسرا ما يجعل الأمر أكثر سهولة بالنسبة للتاجر.

وكان ينبغي على التاجر السوداني سابقا تقديم كمية مساوية للذهب الخام الذي يجرى تصديره إلى دولة مثل تركيا أو الإمارات بهدف إعادته مرة أخرى بعد تصنيعه.

كذلك العمل على تكثيف إجراءات بنك السودان المركزي لبيع النقد الأجنبي، وتوسيع قائمة السلع المستحقة للتمويل عبر المزادات.

هذا فضلا عن تسريع إقامة بورصة الذهب والسلع الأخرى، وفق بيان وزارة المالية الأخير.

وأوضح الناير، أن الموازنة العامة للدولة لعام 2022 هي الأولى من نوعها التي تعتمد على الموارد الذاتية بهذا الشكل الكبير دون وجود قروض أو منح أجنبية، الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة جدا.

فمع استمرار حالة الانسداد في الأفق السياسي والسيولة الأمنية لفترة طويلة لن يكون هناك استقرار اقتصادي، وبالتالي لن يتم تنفيذ هذه الموازنة وسيكون أداؤها ضعيفا.

وبلغت المساعدات المقدمة للخرطوم خلال عام 2021 نحو 839 مليون دولار، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية.

وانقطعت مليارات الدولارات من المساعدات الأجنبية المطلوبة بشدة بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021.

يأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد هروب رؤوس الأموال نتيجة عدم الاستقرار وسوء الخدمات وانعدام البنيات التحتية من دون وجود أمل لحلول في المستقبل القريب.

وألمح الناير، أنه في ظل انعدام مصادر خارجية لتمويل عجز الموازنة، فلن يتبقى أمام الحكومة سوى الاعتماد على مصادر التمويل المحلية عبر الاستدانة من الجمهور من خلال القطاع المصرفي مثل شهادة شهامة.

وأشار إلى أن عجز الموازنة يبلغ حوالي 10 بالمئة من الموازنة مساويا بذلك الاعتمادات الخاصة بالتنمية.

أي أنه في حال لم تستطع الحكومة تمويل العجز لن تكون هناك تنمية في عام 2022، وبالتالي من الصعوبة من بمكان أن تحقق الدولة معدلات النمو المستهدفة.

وتعد شهادة شهامة، عبارة عن صكوك تقوم على أساس شرعي تصدرها وزارة المالية والاقتصاد الوطني نيابة عن حكومة الخرطوم وتديرها شركة السودان للخدمات المالية، بأجل عام واحد يمكن تجديدها في نهاية المدة.

قيمة الشهادة الواحدة تبلغ 500 جنيه سوداني (1.14 دولار) ويحق للمستثمر أن يطلب شراء أي عدد من الشهادات.

وتستهدف موازنة 2022 تحقيق نمو نسبته 1.4 بالمئة، وسط زيادة في حجم الإنفاق على الصحة والتعليم، وفق وكالة الأنباء السودانية.

ويتوقع الخبير أنه في حال حقق الاقتصادي السوداني معدلات إيجابية فسيكون بحد أقصى بين 0.4 و0.5 بالمئة، نظرا لصعوبة تحقيق معدل النمو المستهدف في ظل موازنة تعتمد على مواردها الذاتية بنسبة 100 بالمئة ووسط ارتفاع تكاليف الإنتاج في القطاعات الإنتاجية.

وفيما يتعلق بنفقات الموازنة، يرى الناير أنه يوجد تحديات في الموازنة كونها ستجابه بالتزام الدولة بزيادة أجور العاملين بها بصورة كبيرة لتلافي الآثار السالبة لروشتة صندوق النقد الدولي.

كما تشمل أيضا التحديات دعم العاملين في القطاع الخاص وغيره، حيث يتوجب أن يكون هناك برامج حماية اجتماعية أو ضمان اجتماعي تستطيع أن تخفض من الآثار السالبة لروشتة صندوق النقد الدولي خاصة التي جرى تنفيذ بعض منها خلال عام 2021 ولا تزال تنفذ حتى مطلع العام 2022، وفق قوله.

وتمثلت روشتة الصندوق خلال عام 2021، في زيادة أسعار الكهرباء بصورة كبيرة ما أثر بالسلب على كل القطاعات الإنتاجية سواء القطاعات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، أو القطاع الصناعي بشقيه الصناعات الاستخراجية والتحويلية، أو القطاع الخدمي بكل مكوناته، كما لم يسلم المواطن حيث طالت القطاع السكني أيضا.

لم تتوقف آثار تلك الروشتة عند هذا الحد فقد ألغي الدعم عن الخبز في مطلع عام 2022، ليصبح كله تجاريا، ما يشير إلى تفاقم الأزمة.

إذ سيرتفع سعر الخبز التجاري خلال الفترة القادمة، مما يصعب المشهد على المواطن السوداني ويساهم في مزيد من الضغوط المعيشية عليه.

وأعلنت شركة سيقا، إحدى أكبر شركات إنتاج الدقيق في البلاد، تطبيق زيادة جديدة في أسعار الدقيق ليرتفع سعر شواله إلى 21200 جنيه (48.13 دولار) بدلاً من 17800 جنيه (40.41 دولار)، وتبعتها العديد من شركات الدقيق، وعزوا تلك الزيادة إلى تأثرها بارتفاع سعر الصرف خلال الأسبوعين الحاليين.

فيما أعلنت حكومة ولاية الخرطوم، في 21 يناير 2022، عن وضع أسعار جديدة للخبز بزيادة بلغت 100 بالمئة مقارنة مع الأسعار القديمة، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج من خميرة وزيوت وملح.

مؤشرات متضاربة

وتهدف موازنة 2022 إلى خفض معدلات التضخم إلى 202 بالمئة، مقارنة بنحو 359 بالمئة في موازنة العام 2021، إلا أن ذلك الهدف يصطدم بالعملة المحلية التي تعاني من تقهقر مستمر خاصة بعد أحداث أكتوبر 2021.

وفي الخامس والعشرين من الشهر المذكور، جرى توقيف الغالبية الساحقة من المسؤولين المدنيين وبينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك (استقال لاحقا) بعد رفضهم دعم الانقلاب الذي قاده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وقال تجار لوكالة رويترز البريطانية إن قيمة العملة السودانية تراجعت بأكثر من 3 بالمئة إلى 465 جنيها للدولار في السوق السوداء، مع تصاعد الطلب على الدولار بسبب استمرار حالة عدم اليقين السياسي.

ويرى الناير، أنه من المستحيل خفض معدل التضخم خلال عام 2022 وذلك نتاج عاملين أساسيين سبق ذكرهما وهما زيادة أسعار الكهرباء بصورة غير مسبوقة ما يؤثر في مجمل النشاط التجاري بالبلاد، وإلغاء الخبز المدعوم الذي يعني زيادة التضخم بصورة كبيرة.

وهذا الأمر يعكس تعارض المؤشرات وهو ما أكده الناير، بقوله إن الموازنة تقبع بين تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي وما تبقى منها.

هذا إضافة إلى مؤشرات أخرى تعتبر معاكسة للخطة مثل خفض معدل التضخم خاصة في ارتفاع معدل البطالة والفقر وغيرها من التحديات الكبرى.

وذكر بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء السوداني أن التضخم تباطأ إلى 318.21 بالمئة على أساس سنوي في ديسمبر 2021، مقابل 339.58 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

وارتفعت نسبة البطالة في السودان إلى 19 بالمئة، وبلغت بين الشباب حوالي 34 بالمئة وبين الخريجين 48 بالمئة وبين النساء 45 بالمئة، وفقا للنشرات الرسمية.

يضاف إلى تلك المعطيات التأثير السلبي على الجنية السوداني بسبب عزم البنك الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة ما سيقود الدولار إلى ارتفاع قيمته أمام العملات الأخرى.

وهو ما يعني مزيدا من التقهقر للعملة السودانية خلال عام 2022 لتتزايد معدلات التضخم في دولة تعتمد على الاستيراد من الدرجة الأولى.

إذ سجل السودان عجزا تجاريا سنويا واسعاً تراوح من أربعة إلى أكثر من ستة مليارات دولار منذ انفصال جنوب السودان المنتج للنفط في 2011.

ووفق الناير، فإن رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي من شأنه أن يؤدي لانتقال الكثير من الأموال إلى الولايات المتحدة، ما قد يؤثر سلبا على الدول النامية مثل السودان بصور كبيرة حيث ترتفع قيمة الدولار.

في خضم ذلك، يبقى المواطن الذي يعاني من معدلات فقر مرتفعة تدك المستوى المعيشي للأسرة السودانية، مفعوله به وسط رهانات القوى السياسية وانقلابات الجيش والمساعدات الخارجية، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار.

ويرى الناير، أن المواطن السوداني مثلما عانى في موازنة عام 2021، ستتواصل معاناته في ظل ارتفاع الخبز وأسعار الكهرباء التي ينعكس ارتفاعها على جميع السلع والخدمات ما يعني زيادة الآثار السلبية على المواطن وخاصة مع محدودي الدخل وذوي الدخول الضعيفة.

وأشار إلى أن المرتبات في القطاع العام "لا تسمن ولا تغني من جوع"، وأن حديث وزير المالية بأن الحد الأدنى للأجور يتراوح بين 3000 إلى 12 ألف جنيه أي أقل من 20 دولار "أمر لا يعقل.

وأردف: "لا يمكن لإنسان أن يعيش على هذا المبلغ لمدة 30 يوما، بل لا تكفي لإيصال مواطن من منزله إلى مكان العمل و يعود مرة أخرى".

ووفقا لآخر إحصاء لمفوضية الضمان الاجتماعي بالسودان والذي أعلنت نتائجه في سبتمبر/أيلول عام 2020، يقبع 77 بالمئة من السودانيين البالغ 40 مليون تحت خط الفقر، ولم يتجاوز دخل الفرد دولارا واحدا و25 سنتا فقط لليوم.

وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن واحدا من كل ثلاثة من سكان السودان سيحتاج لمساعدات إنسانية هذا العام بزيادة بنحو مليون عن العام 2021.