"الزواج الأبيض".. علاقة مساكنة على الطريقة الغربية تهدد المجتمع الإيراني

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أخذت ظاهرة "الزواج الأبيض" تنتشر في المجتمع الإيراني بشكل متزايد مع تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة الشباب على الارتباط، الأمر الذي بدأ يقلق  سلطات الحكومة.

ويطلق "الزواج الأبيض" على الارتباط بطرق غير شرعية سواء عرفية أو رسمية، فهو يختلف عن زواج المتعة المعتمد لدى المذهب الشيعي، إذ يتفق الزوجان بهذا النوع على العيش المشترك بالتراضي دون اتباع أي من الآليات الشرعية.

وتصف الحكومة هذا الزواج بأنه "مخطط إمبريالي عالمي يسعى إلى القضاء على الأسرة في بلد إسلامي كإيران".

أصل الظاهرة

كلمة "الزواج الأبيض" كانت موجودة في الاصطلاحات الفارسية منذ سنوات عدة ويسمى هذا الارتباط بالفارسية "ازدواج سفيد"، لكن البعض يعتبر أن هذه الكلمة مشتقة من "marriage blanc" الفرنسية التي تستخدم للإشارة إلى الزواج الذي لا يوجد فيه اتصال جنسي بين الزوجين.

"الزواج الأبيض" اتفاق شفهي بين شاب وشابة على العيش المشترك كزوجين، لكن دون إضفاء أي صفة شرعية أو قانونية ودون التزام أي من الطرفين بأي حقوق أو واجبات.

يشبه إلى حد ما، علاقة الأصدقاء الحميميين المنتشرة على نطاق واسع في الدول الغربية، بحسب تقرير نشرته "بي بي سي" في 15 يوليو/تموز 2019.

في إيران، يعتبر البعض أن أصل المصطلح مرتبط بعدم تضمين مثل هذا الزواج في بطاقة الهوية، نظرا لأن هذا النوع غير مسجل في شهادة الميلاد أيضا والتي تظل خانتها (الحالة المدنية) فارغة.

وبناء على ذلك، فلا بد من القول إن هذا النوع من الزواج في إيران يعادل المعاشرة في اللغة الإنجليزية أكثر من الزواج الأبيض بمعناه الفرنسي، حيث يعيش الطرفان معا في نفس المكان، ويمكن أن يكون الجنس أيضا جزءا من العلاقة.

ويقول بعض ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، إن الظاهرة منتشرة على نطاق واسع في المدن الكبيرة مثل طهران، إذ يثني جزء كبير من الشباب عليها مبررين ذلك بغلاء المعيشة في المدن وخاصة العاصمة، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن شركاء مناسبين للعيش معهم لفترة طويلة دون شروط أو التزامات بقية حياتهم.

ويقول مؤيدو هذا "الزواج" حسبما جاء في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في يوليو/ تموز 2019، إن القيود التي تفرضها السلطات عليهم ومنعهم من العيش بشكل طبيعي، تدفعهم إلى اتخاذ الطريقة التي يرغبون العيش بها وليس كما تريد السلطات، لأن حياتهم الخاصة ملك لهم".

وتتجسد العوامل الفكرية في عدم وجود القناعة بالزواج الرسمي، وحرية الاختيار، وملكية الجسد، أما العوامل الاقتصادية فهي مثل تكاليف الزواج الباهظة.

وتتمثل العوامل النفسية بالتهرب من المسؤولية، وعدم الثقة بشريك مدى الحياة، والرغبة في التعارف قبل الزواج الرسمي.

"الزواج الأبيض" الذي بدأ ينتشر في إيران منذ نحو عقدين من الزمن تقريبا، ويتحول اليوم إلى ظاهرة مجتمعية ولاسيما في المدن الكبرى، هو دخيل على المجتمع، وقد انتقل إليه من المجتمعات الأوروبية، حسبما يرى الخبراء والباحثون الإيرانيون بالقضايا الاجتماعية.

استطلاع للرأي

على الرغم من انتشار الزواج الأبيض، لا توجد معلومات رسمية دقيقة حول انتشار هذا النوع في إيران، وقد يكون أحد أسباب ذلك العوائق القانونية والثقافية لقبوله.

لكن في آخر استطلاع للرأي أجراه مركز "إيران أوبن داتا" المحلي غير الحكومي عن انتشار ظاهرة "الزواج الأبيض" ونشره على موقعه الإلكتروني في 12 يناير/ كانون الثاني 2022، فقد قال إن 9 من كل 10 أشخاص يعرفون هذا المصطلح.

وأكد المركز الإيراني أن أكثر من نصف المجيبين على الاستطلاع مروا بتجربة "الزواج الأبيض" أو كانوا على دراية بتجربة هذا النوع للآخرين.

إذ تشير تقارير المستطلعين إلى أن أصدقاءهم كانوا أكثر تفضيلا لزواجهم الأبيض من أفراد أسرهم من الدرجة الأولى.

واستمر الاستطلاع لمدة شهر كامل، حيث أجاب 1397 مستخدما على الأسئلة، وأن 23 بالمئة من المجيبين على هذا الاستطلاع من الإناث و75 بالمئة من الذكور، و2 بالمئة اختاروا الخيار الآخر حسب الجنس.

وينتشر المستطلعون في 31 مقاطعة من البلاد، فيما أكد معظمهم أنهم يعيشون في العاصمة طهران. وقال 22 بالمئة من المستجيبين إنهم مروا شخصيا بالزواج الأبيض. بعبارة أخرى، كان خمس المستجيبين قد عاشوا ذلك، أو عاشوا مع شخص دون زواج رسمي.

نحو ثلث أولئك الذين يقولون إنهم لم يختبروا زواجا رسميا يقولون إنهم يعرفون أصدقاء أو أقارب ومعارف عاشوا مع شخص بدون زواج رسمي. وبالتالي، يمكن القول إنه في المجموع 56 بالمئة من المستجوبين إما قد اختبروا الزواج الأبيض بأنفسهم أو على دراية بتجربة زواج للآخرين.

وبخصوص قبوله من العائلة من الدرجة الأولى (الوالدان أو الأشقاء أو الأطفال)، فقد قال 21 بالمئة من المستطلعين الذين اختبروا الزواج الأبيض بأنفسهم إن أفراد أسرهم وافقوا عليه. في المقابل، قال 29 بالمئة إن أفراد أسرهم من الدرجة الأولى عارضوه.

أما من حيث العمر، فإن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما هم أكثر عرضة من الفئات العمرية الأخرى لتجربة "الزواج الأبيض" من بين المستطلعين، حسبما ذكر المركز الإيراني.

من جهته، يقول الباحث بالقضايا المجتمعية الإيرانية، كامل أحمدي، خلال تصريح نقله تقرير صحفي في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2018 إن دراسة أجريت بشأن "الزواج الأبيض" استخلصت أنه فضلا عن آثاره السلبية على النظام الأسري والقيم المجتمعية فإن له تداعيات أخرى.

ومنها الضغوط النفسية الناتجة عن سرية هذا الزواج، وعدم شرعيته، وانهيار القيود الجنسية، وولادة أطفال بلا هوية قانونية ومحرومين من الحقوق كالإرث والإجهاض.

ونقل التقرير عن الباحث الاجتماعي الإيراني مجيد أبهري، أن مشاكل الزواج الدائم، والتملص من المسؤولية، وتوقعات عالية لدى الشباب، والمهور الثقيلة "التعجيزية" أحيانا تسببت في تزايد حالات الزواج الأبيض، مما أسهم في تراجع العقود الرسمية.

وأضاف أبهري أن "العلاقات في هذا النوع من الزواج قصيرة المدة لانعدام التزامات أخلاقية وقانونية وشرعية، لذلك يمكن أن يستيقظ أحد الزوجين صباحا ويقرر إنهاء هذه العلاقة لأنه لا يوجد أي رادع والتزام رسمي، وبهذه الحالات النساء هن الضحية".

"عيش أسود"

وتعليقا على هذه الظاهرة، قال المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريح عام 2019 إن "الزواج الأبيض أو زواج المساكنة ما هو إلا مخطط إمبريالي عالمي يسعى إلى القضاء على الأسرة في بلد إسلامي كإيران".

وكانت وسائل إعلام إيرانية نقلت عن خامنئي أيضا أنه طلب من عدد من الأئمة "التركيز على بناء العائلة في البلاد، لأن أعداء إيران عزموا على القضاء على نظام الأسرة بين البشر".

وأضاف: "صمم أعداء الإنسانية، الرأسمالية العالمية والصهيونية منذ قرابة 100 عام، على القضاء على الأسرة بين البشر، ونجحوا في بعض الأماكن، لكنهم أخفقوا في أماكن أخرى ومنها إيران الإسلامية، إلا أنهم ما زالوا يسعون ويعملون على تحقيق ذلك".

وأمر مكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي المسؤولين عام 2015 بشن حملة ضد من يعيشون معا خارج رباط الزواج، وانتقد رجال دين محافظون ذلك بوصفه "زواجا مشؤوما" يخالف تعاليم الشريعة.

وحتى الآن لا ترغب السلطات بالحديث عن ظاهرة الزواج الأبيض، وإنما تشير إليها بشكل عام وخجول.

وعليه طالب وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي في يوليو/تموز 2019 بضرورة إجراء تحقيقات خاصة حول انتشار هذا الزواج، قائلا إن "الجهات المعنية أعدت تقارير بهذا الشأن وناقشتها"، دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.

وكان نائب المدير الفني في مكتب خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بوزارة الصحة الإيرانية محمد إسلامي، أعلن أن وزارة الداخلية أبدت قلقها من انتشار الزواج الأبيض بين الشباب والفتيات الإيرانيات، مبينا أن الداخلية وبالتنسيق مع دوائر وزارة الصحة شرعت بتشكيل لجنة لبحث دوافع انتشار هذه الظاهرة.

وقال محمد إسلامي في تصريح نقلته وكالات محلية إيرانية في مايو/ أيار 2016 إن "وزارة الداخلية قررت التدخل في قضية انتشار ظاهرة الزواج الأبيض بين الشباب والفتيات"، مؤكدا "تزايد قلق المسؤولين في البلاد".

وبين أن "الزواج الأبيض الذي يجري بين الشباب عادة لا يتخلله عملية إنجاب أطفال أو ربما يجري معالجة الأمر لاحقا عبر الإجهاض غير القانوني".

وكان وزير الثقافة الإيراني السابق علي جنتي، قد أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ارتفاع معدلات الطلاق والزواج الأبيض خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2012، 2013، 2014)، معتبرا أن هذه الظروف ستفتت المجتمع الإيراني.

وبرر وزير الثقافة الإيراني انتشار ظاهرة "الزواج الأبيض" بالمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الأسرة الإيرانية، داعيا الحكومة إلى وضع حلول مناسبة لهذه المشكلة.

وكان قائم مقام وزارة الداخلية للشؤون الاجتماعية والثقافية، مرتضى مير باقري، قد أشار خلال تصريحات تناقلتها مواقع إيرانية عام 2016، إلى "تغير نمط الحياة وتحول ظاهرة الزواج الأبيض إلى عرف اجتماعي"، مؤكدا أن "هذا النوع من العلاقات غير المسجلة بعقد زواج كان موجودا بين الرجل والمرأة في الماضي".

في ديسمبر/ كانون الأول 2018 كسرت السلطة القضائية صمتها عبر تحذير أطلقه مساعد رئيس السلطة بعد استخدامه "العيش المشترك الأسود" بدلا من "الزواج الأبيض"، قائلا إنه "يتعارض مع الشرع والقانون، وكل من يساهم في نشره أو يعلم به ارتكب مخالفة قانونية وشرعية وساعد في نشر الفحشاء".

وتكون معاقبة من يثبت عليه هذا النوع من الزواج، طبقا للعقوبة الشرعية، أي أنها تعامل على أنها زنا بحسب ما أقر رجال الدين في إيران، وفقا لما ذكرته تقرير لـ"بي بي سي" في 15 يوليو/ تموز 2019.