"لست ميسي".. ما خطط بنكيران لترميم "المصباح" المغربي بعد انكساره بالانتخابات؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ عودة عبد الإله بنكيران إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية "المصباح" المغربي، في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2021، يظهر أنه يعتمد سياسة جديدة عنوانها الأبرز "الدفاع أفضل من الهجوم".

وبدا أن سياسة بنكيران تغيرت من تصريحاته الإعلامية المثيرة إلى هدوء وتريث، مع التركيز على "ترميم" قواعد الحزب، دون الدخول في مواجهة مع الائتلاف الحاكم.

وبعودة بنكيران إلى دفة القيادة، يأمل أعضاء وأنصار ”المصباح“ أن يتجاوز الحزب "الجريح" نتائج "نكسة" الانتخابات التشريعية في 8 سبتمبر/أيلول 2021، مع أمانيهم أن يعيد الأمين العام وهج "العدالة والتنمية" مجددا.

"لست ميسي"

وخلال فترة رجوعه لترؤس الحزب، شارك بنكيران في لقاءات حزبية محدودة العدد، ولم يكن مضمونها بتلك "السهام" التي تصيب هدفها وتخلق ضجة في المشهد السياسي.

وبعد انتخابه أمينا عاما "للعدالة والتنمية"، دعا بنكيران إلى "العمل الجماعي لتجاوز التراجع الحاد في انتخابات البرلمان الأخيرة"، معتبرا "الأهم أن الحزب حافظ على وحدته".

واستدرك: "لن أخفيكم إن قلت إني ما زلت عاجزا عن استيعاب وضعية الحزب بعدما حصل في 8 سبتمبر".

لكن عقب مرور 9 أسابيع من تجديد الثقة فيه، وخلال لقاء حزبه في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، قال بنكيران: "أنا لست ميسي"، في إشارة إلى لاعب الكرة الأرجنتيني المحترف.

وأضاف "أنا مواطن عادي… لكن لا أخفي أنه عندما كنت أمينكم العام (2008-2017)، ارتقينا بالحزب وكنا في مراتب مرتفعة، ولكن لست أنا لوحدي، بل نحن جميعا وبتوفيق من الله، لأننا ساعتها كنا متبعين منطقا واحدا، ولكن ليس بهذه السهولة سأعرف ما علي فعله، وما زلت أراجع".

وخاطب أعضاء حزبه "أول شيء ينبغي أن نفعله هو مراجعة أنفسنا، وبذل مجهود جماعي تربوي.. على كل حال لنكن واضحين، فشلنا وسقطنا من الطابق الـ17".

وفي تعليقه على التغيرات الجديدة داخل العدالة والتنمية، قال الصحفي مصطفى الفن: "الواقع أن كثيرين داخل (المصباح) وخارجه كانوا (يعتقدون) أن الحزب سيعود إلى سابق قوته بمجرد عودة بنكيران إلى كرسي الرئاسة..".

واستدرك: "لكن ها قد عاد بنكيران إلى كرسي الرئاسة.. فماذا تغير في أيام وما حال الحزب؟"، مجيبا "لا شيء تقريبا، بل كل الوقائع على الأرض تقول إن الحزب لا يزال يراوح ضعفه وأعطابه ولم تعد له أنياب".

وفي تدوينة على "فيسبوك" في 27 ديسمبر/كانون الثاني، تساءل الفن: "ما لي لا أرى العدالة والتنمية في أي مكان، لا داخل المؤسسات ولا خارجها؟.. وما لي لا أرى قادته ولا وزراءه ولا برلمانييه السابقين ولا مناضليه ولا مدونيه في أي ساحة من ساحات النقاش والنضال؟.. وما لي لا أراهم في أي معركة من معارك المجتمع؟".

وأعرب عن خشيته أن "يكون (الحزب الإسلامي) التحق بلائحة الغائبين الذين استقالوا من مهام الدفاع عن قضايا وهموم الناس.. ليتني أتلقى أجوبة تفي بالغرض في هذا المنحى ممن يهمهم شأن حزب ضربه (زلزال) غير عادي في 8 ديسمبر".

عضو المجلس الوطني السابق للعدالة والتنمية، ورئيس اللجنة المركزية لشبيبة الحزب، حسن حمورو، أكد أن "من الصعب أن ينجح بنكيران في ترميم صورة الحزب لوحده".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الأمر يتطلب عدة عمليات متداخلة، يشارك فيها الجميع داخل الحزب، ومهمة بنكيران الذي يملك من المؤهلات والقدرات ما يجعله قادرا على النجاح فيها، هي تعبئة هذا الجميع، وبث الروح من جديد داخل الحزب والتذكير القوي والمقنع بالقيم والمبادئ المؤسسة".

وشدد حمورو على أن "الترميم يتطلب منه قرارات جريئة يفهم منها الاعتذار للشعب، على الأخطاء المكلفة التي ارتكبها الحزب في المرحلة السابقة، وصيغ الاعتذار كثيرة مباشرة وغير مباشرة".

وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، قاد "العدالة والتنمية" الحكومة منذ 2011، إثر تصدره نتائج انتخابات ذلك العام (107 مقاعد) والتي تلتها في 2016 بـ(125 مقعدا)، قبل أن يتراجع في نتيجة غير متوقعة إلى المرتبة الثامنة (13 مقعدا فقط) في انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021.

إحياء المبادئ

وأشار حمورو إلى أنه "من خلال خطاباته الأخيرة، يظهر أن بنكيران يريد أخذ الوقت الكافي لفهم الأسباب الحقيقية لوضعية الحزب، خاصة الذاتية والداخلية.

فالحزب حسب تصريحاته "كبر واحتل المواقع السياسية بفضل عوامل ذاتية بالأساس تتعلق بمدى الالتزام بالمبادئ وتطبيقها والحرص على تمثلها والدعوة إليها".

واعتبر أن "سياسة بنكيران ستكون مرتبطة بكيفية إحياء المبادئ ونفض الغبار عنها في نفوس مناضلي الحزب، وتصحيح الثقافة السائدة عندهم بخصوص السياسة والامتيازات التي تتيحها بعض المواقع السياسية، ثم إعادة ضبط بوصلة النضال والتدافع والصراع وتوجيهها نحو معارك سياسية كبرى يرى أنها ستنفع البلاد وبالتالي الحزب".

من جانبه، قال المحلل السياسي المغربي، محمد شقير: "يبدو أن العدالة والتنمية قد راهن بعد نكسته الانتخابية المدوية على شخصية بنكيران لإعادة توحيد صفوفه، في خطوة تذكر بالفترة التي كان يعاني فيها من ضربات السلطة ومواجهة ما كان يسمى بالوافد الجديد (حزب الأصالة والمعاصرة عام 2008)".

واستدرك قائلا: "غير أن هذه المهمة تبدو صعبة، لأن بنكيران ما قبل رئاسة الحكومة ليس هو نفس الشخص، إذ رغم المانع لمجريات الحزب التنظيمية وتوفره على أتباع وأنصار فهو قد استنفذ قدراته السياسية وأصبح وجها محروقا لا أمام السلطة التي أبعدته بمعاش سياسي ولا أمام الرأي العام الذي فقد لديه شعبيته السياسية السابقة".

ولفت شقير في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "بنكيران يحاول منذ توليه رئاسة الحزب أن يترأس بعض تنظيمات الحزب الشبابية وغيرها، والتركيز على بعض المسائل المذهبية، وعدم قبوله بقذف خصومه السياسيين".

وتابع: "إذا كانت سياسات بنكيران قد أنقذت الحزب لحد الآن من أي انقسام، فإنها لم تعده إلى حيويته السياسية السابقة أو رص صفوفه الداخلية، خاصة بعد ابتعاد أو إبعاد قيادات عن أنشطة الحزب".

وشدد شقير على أنه "من الصعب أن يغير بنكيران كشخصية شعبية وصدامية، طريقته في المواجهة، سواء مع منافسيه أو خصومه، طبعه يغلب تطبعه".

أما مواجهته الائتلاف الحكومي فهو يتجه حاليا للمعاينة، نظرا لأنه لا يمتلك حزبا متماسكا، ولا فريقا برلمانيا قويا عدديا في كلا المجلسين، وفق تعبيره.

بنكيران والحكومة

وإثر انتقادات موجهة إلى أمين عام العدالة والتنمية لعدم انتقاده حكومة عزيز أخنوش منذ قيادته للحزب، قال بنكيران: "الحكومة إذا حققت إنجازا سأساندها، أما إذا فعلت شيئا سيئا فعلا، نوض ليها (سأقوم لها) باللي كتب الله، باستثناء مقدسات البلاد، وعلى رأسها الدين والملكية الدستورية، وليس البرلمانية".

وفي كلمته مع أعضاء حزبه في الأول من يناير/كانون الثاني 2022، شدد بنكيران على أنه "لا يمكن لمن تحطم أن ينهض بسرعة، تطلبون مني أن أعارض، ماذا سأعارض؟، ماذا سأقول أصلا!؟، لحد الآن لا يظهر لي ما أعارض".

وأضاف "ما زلت أقوم بمراجعات، لذلك طلبت من إخواني عدم التسرع في المعارضة، قلت لهم لا تستعجلوا، لكن لم أقل لهم اسكتوا.. لا”.

وفي تعليقه على اختيار بنكيران لـ"المهادنة" مع الحكومة الجديدة، قال حمورو إنه "لم يغير شيئا، والذين يقولون إنه يريد معارضة هادئة لا يعرفونه، أو يسعون للتشويش عليه فقط، هو والمعارضة وجهان لعملة واحدة، لكنه لم يكن يوما معارضا أي شيء وبأي أسلوب".

وأوضح أن "بنكيران يعارض ما يراه غير صائب وغير مناسب وغير منسجم مع دين الأمة وهويتها وثوابتها، وما ليس في مصلحة البسطاء الذين لا يجدون من يتحدث عنهم".

وأكد حمورو أن زعيم العدالة والتنمية "طوال مساره لم يكن معنيا بالتموقع الميكانيكي في الأغلبية أو المعارضة، وإنما يكون مع الأغلبية إذا أحسنت ويكون في المعارضة إذا أساءت".

وأشار إلى أن "بنكيران كان رئيس حكومة وكان خطابه معارضا لممارسات كثيرة، وتجربته جعلته يفهم أن الحكومة ليست مسؤولة عن كل شيء، وأن الكثير من القرارات التي يجب أن تعارض بقوة قد لا تكون هي مصدرها، إذن هو غير معني بممارسة المعارضة إزاءها فقط".

من جهته، قال الصحفي الفن: "لا أعرف حاليا طبيعة العلاقة بين الحزب وبين حكومة أخنوش، هل هو مساند لها أم أنه معارض لها أم أنه في منزلة ثالثة بين المنزلتين؟".

وتابع في تدوينته: "لكن ما هي طريقة بنكيران لإنقاذ الحزب من حالة الضعف والهوان؟"، مضيفا: "لا جواب.. وهو نفسه يكاد يقول إنه لا يملك أي وصفة لهذا (الستاتيكو/القانون) داخل بقايا الحزب".

واعتبر الفن أن "بنكيران مكبل بماضيه الحكومي لأنه لم يحدث (ربما) في تاريخ المغرب أن قاد رئيس حكومة سابق حزبا سياسيا، كما أنه مطوق أيضا بواجب التحفظ، لأن الرجل اطلع على أسرار وملفات كلها أسرار وملفات دولة".