عمان متمسكة بموقفها.. لماذا أرسلت "جنيف الشرق" وفدا إلى النظام السوري؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتفرد سلطنة عمان في شكل العلاقة مع النظام السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011 عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقدم مسقط نفسها على أنها لاعب دبلوماسي مقبول عربيا ودوليا.

وانطلاقا من ذلك كان النظام برئاسة بشار الأسد ينظر إلى مسقط باعتبارها جهة عربية موثوقة عنده أولا، وتمتلك خيوطا دبلوماسية غليظة مع الأطراف الرئيسة والمؤثرة في الملف السوري.

ولهذا على مدى العقد الأخير سار رتم العلاقة بين النظام السوري وسلطنة عمان في وتيرة واحدة، كان المستفيد الأول منها بشار الأسد، لا سيما أن الوقائع كشفت أن مسقط لعبت أدوارا دبلوماسية في مفاوضاتها السرية بين إيران والولايات المتحدة عام 2015.

ومع مساعي بعض الدول العربية لإعادة تطبيع العلاقات مع الأسد، والدفع نحو عودة سوريا لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، بدأت مساعي عمان، المعروفة بـ"جنيف الشرق الأوسط"، تدخل مرحلة جديدة.

الحضور العماني

وجديد ذلك ما كشفته وسائل إعلام موالية للأسد في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عن عقد اجتماع لم يفصح عنه في مبنى وزارة الخارجية بالعاصمة السورية دمشق، ضم وفودا وزارية من سلطنة عمان وإيران مع أخرى من النظام في 23 من الشهر المذكور.

وضم الاجتماع كلا من وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد ونائبه أيمن سوسان، والسفير العماني في دمشق تركي بن محمود البوسعيدي، والسفير الإيراني مهدي سبحاني.

واكتفت وسائل الإعلام بالقول إن المجتمعين بحثوا عددا من الملفات السياسية والاقتصادية، وعلى رأسها سبل تطوير وتعزيز العلاقات بين الأطراف الثلاثة، وزيادة النشاط الاقتصادي وحركة التبادل التجاري والاستثمار في سوق البناء السوري.

بينما طرح المقداد خلال الاجتماع عدة مشاريع على سلطنة عمان، منها إعادة إعمار بعض المناطق في غوطة دمشق، وتأهيل مناطقها الصناعية والبنى التحتية.

وتمثلت العزلة العربية تجاه النظام بقرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد للثورة الشعبية.

لكن سلطنة عمان تعاملت مع تلك العزلة تجاه الأسد بطريقتها الخاصة عبر الحفاظ على علاقاتها مع النظام وعدم إغلاق سفارتها أبدا بل تركها دون سفير والاكتفاء بقائم بالأعمال وهو خالد بن سالم السعدي.

وشكل إعلان سلطنة عمان إعادة تعيين تركي بن محمود البوسعيدي سفيرا جديدا لها لدى النظام السوري في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أولى علامات المرحلة الجديدة التي يمكن أن تلعبها مسقط نحو التمهيد لعودته إلى الحضن العربي.

إذ كان البوسعيدي أول سفير خليجي يعود إلى دمشق منذ سحب السفراء، وسبقه قائم بأعمال السفارة الإماراتية وهو عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، حينما أعادت أبوظبي فتح سفارتها بالعاصمة السورية أواخر 2018.

اللافت أن سلطنة عمان بدأت منذ عام 2021 في زيادة زخم العلاقات مع النظام، إذ وقعت مسقط مع حكومة الأسد في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، اتفاقية ملحقة بأخرى سابقة بهدف الاستمرار في عملية حفظ وصون مقتنيات سورية متضررة خلال سنوات الحرب.

وبحثت وقتها وزيرة الثقافة التابعة للنظام لبانة مشوح مع وفد عماني في دمشق ترأسه الأمين العام للمتحف الوطني في عمان جمال بن حسن الموسوي، التعاون الثقافي والمتحفي بين السلطنة وسوريا وترميم مقتنيات أثرية.

صوابية القرار

لكن ما هو واضح أن سلطنة عمان تسعى للتأكيد على "صوابية" قرارها منذ البداية بعدم الاصطفاف إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي في اتخاذ موقف حازم تجاه النظام السوري بعد قمعه للثورة بالحديد والنار.

وكانت مسقط ترغب بالبقاء في زاوية ما يطلق عليه البعض "الحياد الإيجابي" دون بلوغ الخطوط الحمراء على الأقل تلك التي وضعتها حليفتها الولايات المتحدة تجاه الأسد.

وتشتهر سلطنة عمان بأنها قادرة على فتح قناة تفاوض تلعب فيها دور الوسيط بين أضداد السياسة.

وأبرز مثال على ذلك، فتحها قناة تفاوض سرية بين إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وإيران لإنجاز الاتفاق النووي صيف عام 2015 والذي مزقه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 ويعمل الرئيس الجديد جو بايدن لإعادة تفعيله من جديد.

ومن ذلك أيضا، محافظة مسقط على حيادها وعدم انخراطها في الانقسام الخليجي الذي اندلع في يونيو/حزيران 2017 وعدم تدخلها في حرب اليمن ضد مليشيا الحوثي إلى جانب التحالف السعودي الإماراتي، وهو ما جعل منها عنوانا لسياسة النأي بالنفس والرقص مع الجميع.

ودائما ما ينظر المراقبون إلى أن النوافذ العمانية تطل على دروب كثيرة وغير تقليدية وما محافظتها على علاقات دبلوماسية علنية مع نظام بشار الأسد إلا بهدف كسب مساحة من المناورة بعيدا عن الحلفاء كواشنطن والأشقاء الخليجيين.

وكان بشار الأسد قد استقبل وزير الشؤون الخارجية السابق لسلطنة عمان "يوسف بن علوي" في دمشق 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وذلك بالتزامن مع كشف موقع "فردا" المقرب من دوائر صنع القرار في طهران عن حصول محادثات "أميركية سورية" سرية برعاية الدولة الخليجية في مسقط.

وعقب ذلك كثفت وفود عمانية حضورها في سوريا، عبر بوابة معرض دمشق الدولي، وخاصة في دورته الحادية والستين، عام 2019، حينما حضر وفد عماني مؤلف من 32 رجل أعمال بغية الاطلاع على شركات القطاع الخاص السورية وإمكانياتها.

كما جرى في 21 مارس/آذار 2021 توقيع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد خلال زيارة الأخير لمسقط اتفاقية "الإعفاء المتبادل" لحملة الجوازات الخاصة من تأشيرة الدخول.

التفاف إيراني

وأمام هذه المعطيات، فإن سلطنة عمان تريد الانخراط في السوق السورية بقوة، إلا أن ساستها ربطوا التوقيت بدخول البلاد في مرحلة البناء وإعادة الإعمار، وهذا تكتيك تصر عليه عدد من الدول العربية.

ويلعب مجلس رجال الأعمال السوري العماني، الذي تأسس عام 2007، ولا يزال مستمرا، دورا كبيرا في تمكين العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

وفي هذا الإطار يستبعد الخبير الاقتصادي السوري، خالد تركاوي، أن "تدخل سلطنة عمان في أي مشاريع بسوريا في الوقت الراهن، نتيجة عجزها في الموازنة ومشاكل اقتصادية كبيرة، خاصة أن بعض الدول كان لها وعود بالاستثمار في السلطنة إلا أن أزمة جائحة كورونا أوقفت هذه الاستثمارات".

وأضاف تركاوي لـ "الاستقلال"، أن "سلطنة عمان لديها حاليا عجز في الموازنة، وبالتالي هي غير قادرة على الاستثمار في سوريا".

واستدرك قائلا: "حتى المستثمرين العمانيين في القطاع الخاص ليس لديهم مصلحة في الاستثمار بسبب ضعف القوة الشرائية في سوريا. والنظام ضعيف وحتى إن الوضع الأمني غير ملائم".

بدوره قدم الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، نظرة أخرى لأهداف الاجتماع الثلاثي في دمشق.

وقال: "إن الاجتماع جرى بطلب من السفير الإيراني كوسيط لنقاش الكثير من المشاريع الاقتصادية التي ممكن أن يتفق عليها الجانبان ومنها مشاريع إعمار بنى تحتية في ريف دمشق".

وأضاف علوان لـ"الاستقلال": "باعتقادي أن الاجتماع هو التفاف من إيران لتحقيق مصالحها الاقتصادية في سوريا عبر سلطنة عمان، وذلك بعد التفاهمات الروسية الإماراتية".

وبين أن تلك التفاهمات الأخيرة من المرجح أنها لا تناسب المصالح الإيرانية في سوريا بما فيها الاقتصادية.

وذهب إلى القول "إن المحتمل أن تكون هناك مشاريع توقعها دمشق مع مسقط، لكن في الحقيقة تقوم بها شركات إيرانية، وهذا ما زال حديثا أوليا ضمن الاجتماع ولا سيما أن سلطنة عمان ستدرس مخاطر ذلك بما يتعلق بالعقوبات الأميركية".

لاعب دبلوماسي

وكانت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، نشرت تقريرا لها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، رأت فيه أن النظام السوري "يرى في عمان ضامنا محتملا لقناة خلفية لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول التي ترغب دمشق بشدة في ثروتها لإعادة الإعمار".

وبين التقرير أن سلطنة عمان كانت هي العضو الوحيد في مجلس التعاون الذي لم يتخذ أي إجراء دبلوماسي تقريبا ضد دمشق.

وأوضح أنه بالتوازي مع فكرة أن "معظم الحكومات الغربية ليست مستعدة للتعامل مباشرة مع النظام السوري دبلوماسيا أو من خلال موسكو أو طهران، فإنه يمكن لسلطنة عمان أن تستمر في ترسيخ نفسها كطرف وسيط للمشاركة بين سوريا والغرب كدولة لا تحمل سوى القليل من العبء في علاقاتها الخارجية".

واعتبر أن "نفوذ عمان المتزايد بسوريا يمكن أن يجعل السلطنة لاعبا دبلوماسيا ذا أهمية متزايدة في عملية إعادة دمج دمشق في العالم العربي والمجتمع الدولي".

ورأى كذلك أن "زيادة نشاط عمان في سوريا لا يشير فقط إلى المصالح الخاصة للسلطنة هناك، والتي تشمل فرص الاستثمار وفرص تأكيد تأثير القوة الناعمة لعمان كجسر دبلوماسي في منطقة مستقطبة، بل يشير إلى مجموعتها الأوسع من الشراكات في الشرق الأوسط وخارجه".

ويضيف: "فعلاقات مسقط المهمة مع روسيا وإيران والإمارات -حيث يرحب الجميع بدور عماني في سوريا- لها صلة بموقف مسقط تجاه النظام بصفتها العضو الأكثر حساسية لأمن طهران ومصالحها الجيوسياسية ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي".

 واعتبر التقرير أن "دعم مسقط المتزايد لدمشق جزئيا على الأقل يجب أن يفهم في سياق علاقتها الخاصة بطهران، مما يساعد على وضع عمان كقوة توازن في الشرق الأوسط".

وتأتي التحركات العمانية في سوريا عقب لقاء وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، برئيس النظام بشار الأسد في دمشق 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وجاءت الزيارة المذكورة عقب تلقي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، اتصالا هاتفيا من بشار الأسد تناول فيه العلاقات بين الجانبين.

وكان هذا هو الاتصال الثاني المعلن بين الجانبين، بعد مكالمة هاتفية أجراها ابن زايد في 27 مارس/آذار 2020 مع الأسد بحثا فيه "سبل التصدي لتفشي فيروس كورونا".