تعذيب وإخفاء قسري.. هذا ما يواجهه المهاجرون عند وصولهم إلى ليبيا

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "ذا نيو هيومانتاريان" المهتمة بالقضايا الإنسانية أن وضع طالبي اللجوء والمهاجرين في ليبيا كان سيئا منذ سنوات، لكنه تفاقم أخيرا.

معتصم السنوسي، وهو طالب ومدافع عن حقوق الإنسان، قال: "نشأت وأعيش في العاصمة طرابلس، حيث كان اللاجئون والمهاجرون، معظمهم من إفريقيا جنوب الصحراء، جزءا من مجتمعنا منذ عقود".

وأضاف: "ينظر الكثيرون في ليبيا إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم أدنى منزلة، لكنني أؤمن بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتضامن الإفريقي. وكنت دائما أرى أن وجودهم يثري مجتمعنا".

جولات النزاع

وتابع الناشط الليبي: "في الأول من أكتوبر/تشرين الأول (2021) استيقظت مبكرا لأجد منشورات من أصدقائي على وسائل التواصل الاجتماعي حول صوت إطلاق نار كثيف في الجزء الغربي من المدينة".

ذكرنا الصوت بجولات النزاع المسلح العديدة التي عانينا منها في طرابلس، وكان البعض يخشى الأسوأ، وفق ما يورد.

"اتضح أن إطلاق النار لم يكن بداية للمزيد من الاشتباكات، بل حملة من قبل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا على الأشخاص الذين صورهم المسؤولون خطأً على أنهم تجار مخدرات وعاملات في الجنس في حي بالعاصمة يدعى قرقريش"، حسب السنوسي.

ويعيش العديد من الأفارقة المستضعفين من جنوب الصحراء في قرقارش، حيث يقول السنوسي إنه سرعان ما اكتشف أن أكثر من 5000 شخص، بما في ذلك العديد من المعترف بهم كلاجئين من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن على مدار عدة أيام وإرسالهم إلى مراكز الاحتجاز مكتظة بالفعل. 

وأثناء ذلك، قتل شخص واحد على الأقل بالرصاص وأصيب 15 بجروح. وبحسب ما ورد تضاعف عدد المحتجزين في مراكز الاحتجاز التي تديرها الحكومة في طرابلس ثلاث مرات بين عشية وضحاها تقريبا.

وبعد حوالي أسبوع، قتل ستة على الأقل من طالبي اللجوء والمهاجرين وأصيب 24 آخرون على أيدي حراس في مركز احتجاز غوط الشعال بطرابلس خلال محاولة هروب جماعية. 

ويخيم العديد من الذين نجوا الآن أمام مركز تنمية مجتمعية تديره المفوضية وبعض المنظمات غير الحكومية الشريكة. 

وفي المجموع، ينام الآن حوالي 3000 شخص في العراء على جانب الطريق أمام المجمع.

ويشير الناشط الليبي "أمضيت الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول) في تنظيم وإدارة مبادرة مستقلة لتقديم العون والمساعدة لهؤلاء الأشخاص".

وأردف: "عندما زرت المخيم المؤقت لأول مرة في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول مع عدد قليل من المتطوعين الآخرين، بما في ذلك طبيب ومعالج، رأينا مئات الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة".

وأضاف أن المهاجرين كانوا مصابين بطلقات نارية وأن علامات كانت بارزة على أجسادهم من جراء التعذيب، بالإضافة إلى كسور في العظام وجروح ورضوض في رؤوسهم. 

ووقعت بعض الإصابات خلال مداهمات أكتوبر/تشرين الأول، لكن بعضها الآخر كان بسبب تعرض أشخاص للعنف من قبل المهربين والمليشيات أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط ​​أو في مراكز الاحتجاز.

وكان هناك أيضا نساء حوامل ومرضى السكر بحاجة إلى الأنسولين ومرضى الكلى الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى والعديد من الأشخاص المصابين بمرض السل وأمراض أخرى منتشرة في المرافق المزدحمة وغير الصحية حيث جرى احتجازهم.

مواجهة عدم الثقة

كان طالبو اللجوء والمهاجرون غير واثقين بفريق السنوسي عندما التقى بهم لأول مرة خلال الزيارة، حيث سألوا أفراد الفريق عن المنظمات التي ينتمون إليها.

 وهنا أوضح السنوسي "لو عملنا مع مجموعة أو منظمات مساعدات دولية، لكان الكثيرون من المهاجرين قد رفضوا مساعدتنا. كان علينا أن نشرح باستمرار أننا مستقلون ونريد فقط المساعدة".

وكجزء من هذه المبادرة، استخدم الناشط الليبي وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات من الأصدقاء والليبيين الآخرين الذين يرغبون في المساعدة. 

وغالبا ما شجع السنوسي الناس على الذهاب إلى المركز الذي تديره المفوضية بأنفسهم لتقديم المواد التي تبرعوا بها حتى يرى طالبو اللجوء والمهاجرون أن كل الليبيين ليسوا مهربين أو أشخاصا سيئين يحاولون إلحاق الأذى بهم.

وكان تركيز السنوسي الرئيسي على تقديم الدعم للأطفال والنساء خاصة أن الأخيرات معرضات للخطر بشكل خاص ويواجهن حواجز أبوية ولكنهن ما زلن يتمتعن بروح نسوية قوية ويرفعن أصواتهن للدفاع عن أنفسهن، على الرغم من كل الصعاب.

ويشير الناشط الليبي "تمكنا من مساعدة بعض النساء الحوامل ودعم إحداهن أثناء الولادة على الرغم من أنها لم تستطع الوصول إلى المستشفى العام، الذي يرفض دائما مساعدة طالبي اللجوء والمهاجرين".

 لكن التبرعات التي تلقيناها وجهودنا ليست كافية، فلا يزال الوضع صعبا، وفق ما يقول.

ويجمع الأشخاص أمام المركز المجتمعي الأموال من أجل الطعام فيما بينهم، لكن هذا لا يكفي، فالناس يعانون من الجوع. 

لا يوجد أيضا حمام أو مرحاض، وهناك عدد كبير من الإصابات، وغيرها من الحالات الطبية المستعجلة، لذلك فإن الوضع على وشك أن يصبح أزمة صحية كبيرة، بحسب قوله.

ومن خلال النوم أمام مبنى تديره المفوضية، يأمل المهاجرون أن تتم حمايتهم من المزيد من الغارات، لكنهم فقدوا أيضا ثقتهم في المنظمات الدولية التي تقدم لهم المساعدة في ليبيا والتي يرون أنها ضمادة مؤقتة وغير فعالة لمشاكلهم. 

ويحتاج هؤلاء إلى حل جذري وشامل، حيث يطالب اللاجئون - ولن يقبلوا أقل من ذلك - بالإجلاء الفوري من ليبيا إلى الدول الأوروبية، قائلين إنهم لا يمكن أن يكونوا آمنين في هذا البلد.

واستؤنفت رحلات الإجلاء والإعادة التي تنظمها الأمم المتحدة من ليبيا إلى البلدان الإفريقية أخيرا بعد أن أوقفتها السلطات الليبية في أغسطس/آب.

 لكن الرحلات الجوية لا تزال غير متكررة، وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون (أو لا يرغبون) في العودة إلى بلدانهم الأصلية، أو يتم إرسالهم لانتظار مستقبل غير معروف في بلد إفريقي آخر، لا توجد حلول واضحة.

قلب الأشياء

بدعوى المخاوف الأمنية، علقت المفوضية عمليات المساعدة التي كانت تنفد من مجمع المركز المجتمعي، لكنها لا تزال تقدم المساعدة لطالبي اللجوء والمهاجرين في أماكن أخرى في العاصمة.

وتبدو وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مأزق، لأنها عالقة بين القيود التي فرضتها عليها السلطات الليبية وعدم وجود أي إرادة حقيقية من الدول الأوروبية لإيجاد حلول حقيقية، وبين مطالب المهاجرين الذين ليس لديهم أي جهة أخرى يلجؤون إليها للحصول على المساعدة ويشعرون بالإحباط والتخلي.

ومن الواضح أنه يجب أن تكون هناك دعوة أقوى لتغيير القوانين والسياسات المتعلقة بالهجرة في ليبيا والتي تعامل جميع طالبي اللجوء والمهاجرين على أنهم موجودون في البلاد "بشكل غير قانوني" ويخضعون للاحتجاز التعسفي، تقول الصحيفة.

ولإعادة بناء الثقة مع الأشخاص الذين تخدمهم، تحتاج المفوضية إلى الضغط على السلطات الليبية لضمان عدم تكرار مداهمات أكتوبر/تشرين الأول. 

كما تحتاج إلى العمل أيضا كوسيط والتعامل مع الأشخاص الموجودين أمام مركزها المجتمعي للعمل من أجل حلول قابلة للتحقيق، وفق الصحيفة.

أيضا الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مطالبون وفق السنوسي بإنهاء سياستهم في دعم اعتراض خفر السواحل الليبي لطالبي اللجوء والمهاجرين في البحر.

 وقد أدت عمليات الاعتراض المدعومة من الاتحاد الأوروبي إلى تفاقم الأزمة وأسفرت عن إعادة أكثر من 27500 شخص إلى مراكز الاحتجاز خلال العام 2021.

ويعد التحدث عن هذه القضايا والقيام بعمل تطوعي مستقل مع طالبي اللجوء والمهاجرين في ليبيا أمرا خطيرا، حيث يمكن أن يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان للإخفاء القسري من قبل الجماعات المسلحة أو ترهيبهم والتحقيق معهم من قبل الأجهزة الأمنية.

ومرد ذلك أن الهجرة موضوع حساس ترى السلطات الليبية أنه يضر بسمعة البلاد على المستوى الدولي.

وحتى الآن، تمكن فريق السنوسي من تقديم بعض المساعدة التي تعتبر إجراء مؤقتا يمكن أن يملأ جزئيا الفجوة التي خلفها تفكك العلاقة بين المنظمات الدولية وطالبي اللجوء والمهاجرين في أعقاب المداهمات في أكتوبر/تشرين الأول.

ويبدو الأمر متروكا الآن للمنظمات الدولية والسلطات الليبية والدول الأوروبية الداعمة لخفر السواحل الليبي للعمل معا لإيجاد بعض الحلول التي تمس الحاجة إليها. 

وإلا فإن معاناة طالبي اللجوء والمهاجرين في ليبيا لن تستمر فحسب، بل ستتعمق، تقول الصحيفة.