"محادثات إيجابية".. كيف تؤثر على شكل العلاقات بين الرياض وطهران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فتحت أولى المحادثات السعودية – الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، باب التساؤل واسعا بخصوص شكل العلاقة المتوقعة بين البلدين، في ظل رغبة الطرفين بإنهاء حالة التوتر وتحقيق تقدم في القضايا الخلافية بعد قطيعة دامت 5 سنوات.

وعلى إثر إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2016، أحرق محتجون إيرانيون مبنى السفارة السعودية بطهران، ليعلن وزير خارجية المملكة السابق عادل الجبير في اليوم التالي قطع العلاقات مع إيران وسحب البعثة الدبلوماسية.

محادثات جديدة

في 27 سبتمبر/ أيلول 2021 كشفت وكالة "أسوشييتدبرس" الأميركية عن جولة محادثات ثالثة عقدت في العاصمة العراقية بغداد بين طهران والرياض، في أول اجتماع من نوعه منذ أداء الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، اليمين الدستورية.

ونقلت الوكالة الأميركية عن مسؤول عراقي لم تسمه أن "الاجتماع الذي عقد (نهاية ذات الشهر) بحث المسائل العالقة بين البلدين وفقا لخارطة طريق تم الاتفاق عليها سابقا بما في ذلك التمثيل الدبلوماسي بين البلدين".

ووصف المسؤول، الذي اشترط عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالإدلاء بتصريحات رسمية، المحادثات بأنها "إيجابية".

وفي السياق ذاته، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عراقي (لم تكشف عن هويته) في 29 سبتمبر/ أيلول 2021 حدوث "لقاء بين مسؤول إيراني وآخر سعودي في بغداد، في إطار الاجتماعات السابقة التي جمعت بين البلدين”، لكن لم يحدد هوية المسؤولين.

كذلك، أكد مصدر حكومي وآخر سياسي (عراقيين) مطلع عقد المحادثات بين الطرفين خلال الشهر، دون مزيد من التفاصيل عن مضمونها وعن مستوى التمثيل.

وتأكدت المحادثات بين البلدين بشكل رسمي للمرة الأولى في كلمة للملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 22 سبتمبر/ أيلول 2021.

وقال الملك سلمان إن "إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة".

وأعرب عن أمله في أن يمهد ذلك "لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقفها جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة".

وعقب كلمة العاهل السعودي، نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، تأكيده أن المباحثات بين طهران والرياض قبل أشهر، حققت "تقدما جادا" بشأن أمن الخليج.

وقال المسؤول الإيراني: "إذا أولت حكومة المملكة اهتماما جادا برسالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن حل المشكلات في المنطقة يكمن داخل المنطقة نفسها (...) حينها يمكن أن تكون لدينا علاقة مستقرة وجيدة بين البلدين المهمين في المنطقة، وهما إيران والسعودية".

وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2021، أعلن سفير إيران في العراق إيرج مسجدي إحراز تقدم في المحادثات الإيرانية السعودية، مشيرا إلى اهتمام الجانبين بالحوار، وإتمام هذه المحادثات.

وقال مسجدي إن الجولة الرابعة من المباحثات مع السعودية ستعقد في بغداد، معربا عن أمله في أن تتقدم بشكل بناء.

وأضاف أن المباحثات مع السعودية تسير على قدم وساق، آملا في التوصل لنتائج مؤكدة سيتم الإعلان عنها، مشيدا بالدور العراقي الناجح على مستوى المنطقة.

وأجرى مسؤولون سعوديون وإيرانيون جولات عدة من المباحثات خلال الأشهر الماضية في العاصمة العراقية بغداد، كشف عنها للمرة الأولى في نيسان/ أبريل 2021 خلال فترة رئاسة حسن روحاني.

أقرب للتقارب

المحلل السياسي الإيراني، عماد أبشناس، رأى خلال تصريحات صحفية في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "إيران والسعودية يقتربان من ظروف مصالحة قادمة، حيث كان هناك اتصالان خلف الكواليس بإدارة وزير الخارجية حسين عبداللهيان، وبإيعاز من الرئيس الإيراني".

وأوضح أبشناس أن هذه المحادثات تأتي في محاولة لحلحلة بعض الخلافات التي تعرقل مسار المصالحة بين البلدين، ويبدو أنها كانت ناجحة جدا.

ولفت إلى أن ثمة تقاربا بين الطرفين وجولة جديدة ولكن رسمية هذه المرة، من المفاوضات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، والتي قد تؤدي إلى فتح سفارات البلدين.

في المقابل، رأى المحلل السياسي السعودي شاهر النهاري خلال تصريحات صحفية في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 أن المحادثات التي يقال إنها جارية بين السعودية وإيران قد تجري من خلال عدة جهات محتملة.

وأكد أن محاولات العراق أن تكون طرفا فيها لن تفلح، لأنها غير مهيئة لأن تكون وسطيا بين الطرفين، على اعتبار سيطرة طهران عليها بشكل كامل.

وقال النهاري إن "الجهات الأخرى التي قد تكون متداخلة في الحوار الدائر بين السعودية وإيران ربما سلطنة عمان، أو دولة قطر، لكن ذلك ليس مذكورا في الإعلام، ولن يكون أيضا بالشكل المطلوب، لأن طهران تحتاج إلى حوار في وجود جهات عالمية مثل الأمم المتحدة".

ولفت المحلل السعودي إلى أن الحوار المباشر لن يكون في صالح المملكة، لأن الحكومة الإيرانية تعمد إلى تضييع الواقع وخلق واقع بديل، وتعطي أوهاما ووعودا كثيرة، ولا تلتزم بأي منها، مشيرا أن الحوار في الوقت الحالي سيعطي إيران فرصة أن تضخم من صورتها في الشرق الأوسط، وأمام الدول العربية والعالمية.

وبحسب رأي النهاري فإن السعودية في غنى عن هذا الحوار مع إيران في الوقت الحالي، وبعد أن يصبح الوقت مناسبا، لا بد من البحث عن وسيط يستطيع أن يضمن لكلا الطرفين حقوقه.

وأعرب عن اعتقاده بأن الحوار في ظل ما تتعرض له المملكة من تهديدات بالطائرات والصواريخ لن يكون منطقيا أو عادلا، هناك محاولة كسر ولي الذراع في مثل هذه الحوارات.

وشدد النهاري على ضرورة أن تتم هذه المحادثات برعاية فرنسا وروسيا والصين أو أي دولة ذات مصداقية، في الوقت الذي ابتعدت فيه أميركا عن المملكة رغم الأخطار المحيطة.

تشويه وغدر

وتعليقا على مستقبل المحادثات وشكل العلاقة بين السعودية وإيران، قال الكاتب فريد أحمد حسين إن "هذه الرغبة التي عبر عنها الملك سلمان قوبلت بتصريح موجب من قبل المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية خطيب زاده".

ورأى الكاتب خلال مقال نشرته صحيفة "الوطن" البحرينية في 28 سبتمبر/أيلول 2021 أن "هذا أمر طيب لو أن إيران وفرت الأمثلة المناسبة على جديتها ومنعت رجالها من تخريب ما جرى أو قد يجري الوصول إليه بتصريحاتهم غير المسؤولة".

ومن هذه التصريحات ما ذكره أحمد علم الهدى ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في خطبة جمعة بمدينة مشهد: إذا كان أحد الجيران ملحدا ولا يعتقد بقضية ولاية الفقيه تصرفوا معه بسلم فقط ولا ينبغي إقامة المزيد من العلاقات معه.

والمعنى المباشر لهذا باختصار "قاطعوا جيرانكم الذين لا يعترفون بولاية الفقيه"، وفق ما يقول الكاتب.

وأوضح حسين، قائلا: "حقيقتان يدركهما العالم جيدا، الأولى أن السعودية جادة في رغبتها ومسعاها وتعمل على استقرار المنطقة، والثانية هي أن النظام الإيراني لا يزال مكبلا بتلك المواد التي أقحمها في دستور إيران وصار بموجبها يعتبر نفسه وصيا على "المضطهدين والمظلومين والشيعة" في العالم.

وخلص الكاتب في مقاله إلى أن "التقدير هو أن الرياض وطهران ستتوصلان إلى تفاهمات مهمة، وأن النظام الإيراني سيشوه تلك التفاهمات ويغدر".

من جهته، رأى الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط، حسين عبد الحسين، أن "الفوضى التي أحدثتها المليشيات الموالية لإيران في اليمن ولبنان، لا تزال طهران تطمح من خلالها إلى استعادة مكانتها السابقة كقوة إقليمية رئيسة، ولكن ليس من خلال التعاون مع جيرانها العرب والغرب".

بل تتمثل إستراتيجيتها لتحقيق تلك الطموحات في الابتزاز والترهيب ورعاية المليشيات وإثارة الحروب بالوكالة وإرسال طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات، وفق قوله.

وأوضح الباحث خلال مقال نشره مركز "سينديكيشن بيرو" للدراسات في 23 سبتمبر/أيلول 2021 أن "التعقيدات" التي لم يجر تجاوزها والتي أشار إليها الإيرانيون بعد جلسات المحادثات السابقة مع السعوديين هي في واقع الأمر قضايا خالية من التعقيد تماما.

وأردف: "ببساطه يرغب الإيرانيون في خروج القوات الأميركية، والانفراد بالساحة وأن تصبح إيران هي القوة المسيطرة".

واستدرك: "إذا تمكنت إيران من تعديل وتحسين سلوكياتها كدولة ذات سيادة وليس كدولة ناشرة للثورات، وإذا تمكنت من احترام سيادة جيرانها والتخلي عن فكرة التوسع، فقد يكون من الممكن تحقيق تقدم غير مسبوق في الجولة التالية من المحادثات مع الرياض وبعد ذلك مع بقية دول العالم".

وعليه فمن المرجح أن تبقى جلسات المحادثات لا طائل منها، عبارة عن جولة أخرى من الجدل السياسي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. ويجب ألا نمعن في التفاؤل فالحل لا يزال بعيد المنال، بحسب الباحث.