البنية التحتية بمناطق سيطرة النظام السوري.. لماذا تسعى الإمارات لتأهيلها؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يزداد الزحف العربي نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري عبر مشاريع اقتصادية وتنموية يعود النفع فيها بالمقام الأول إلى تلك الدول لا لسوريا على الأقل في هذا الوقت. 

 إلا أن واحدة من تلك الدول أخذت منحى آخر في مد يد العون للنظام السوري المنهار اقتصاديا، ألا وهي الإمارات العربية المتحدة.

وأصبح تقارب الإمارات مع النظام السوري مكشوفا بعد إعادة فتح سفارتها بالعاصمة السورية دمشق أواخر 2018.

ورغم التزام أبوظبي ظاهريا بالقطيعة العربية المتخذة ضد رئيس النظام بشار الأسد منذ عام 2011 لقمعه الثورة الشعبية ضد حكمه، فإنها كانت تسير بالتوازي مع ذلك في مرحلة تمتين العلاقة.

واستقبلت الإمارات رؤوس الأموال السورية المقربة من النظام عقب اندلاع الثورة، وربما هذا ما حدا بقائم أعمال السفارة الإماراتية عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، لوصف علاقة أبوظبي مع الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2019 بأنها "متينة ومتميزة وقوية".

ووصف النعيمي رأس النظام السوري بـ"الحكيم"، ليرد عليه وقتها فيصل المقداد نائب وزير خارجية الأسد، والذي يقود الوزارة حاليا بقوله: "إن سوريا لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانبها في حربها على الإرهاب".

وجاءت تصريحات المقداد خلال الاحتفالية التي نظمتها سفارة أبوظبي في دمشق بمناسبة العيد الوطني للإمارات.

دور وظيفي

تصريحات النعيمي وقتها استفزت الأوساط السورية المعارضة، إذ اعتبر القيادي البارز في الجيش الوطني السوري مصطفى سيجري، أن "وصف الأسد بالقائد الحكيم بعد أن قتل أكثر من مليون مواطن سوري، وهجر نصف الشعب، وسلم البلاد والعباد للمحتل الإيراني والروسي، تعبر عن حقيقة الدور الوظيفي للنظام الإماراتي تجاه الثورة منذ انطلاقتها".

وتنحصر مساعدات الإمارات التي تعتبرها "إنسانية" في صالح النظام السوري فقط، دون تقديم أي دعم للنازحين في مخيمات الشمال المحرر، والبالغ عددهم نحو خمسة ملايين.

وفي 27 مارس/آذار 2020 أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اتصالا هاتفيا مع بشار الأسد معلنا تقديم الدعم له للحد من انتشار فيروس كورونا.

لم يكن مستغربا وقوف الإمارات إلى جانب الأسد الذي شرد نحو عشرة ملايين سوري ودمر منازلهم وقتل مئات الآلاف منهم، لكن ما اتضح في الوقت الراهن أن أبوظبي كانت تتحين الوضع الدولي الملائم كي تساهم في تأهيل البنية التحتية للنظام.

تعد الإمارات من أشد الدول العربية حرصا على إعادة تأهيل النظام السوري، لكنها تبحث عن إيجاد توازن بين هذه الرغبة، وعدم التغريد خارج سرب سياسة الولايات المتحدة في التعاطي مع الملف السوري في شقه المتعلق بالأسد.

ولهذا شارك وزير الموارد المائية التابع للنظام السوري تمام رعد، 21 سبتمبر/أيلول 2021 بأعمال المنتدى العربي الخامس للمياه بمدينة دبي تحت شعار "الأمن المائي العربي من أجل السلام والتنمية المستدامة".

وكان لافتا إعلان وزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي سهيل المزروعي خلال لقاء منفرد مع رعد، عن دعم وتقديم بلاده المساعدة التقنية ونقل الخبرات اللازمة للمساهمة في إعادة تأهيل وتطوير المنظومات والبنى التحتية المائية في سوريا، على أن يتم موافاة الجانب الإماراتي بالمذكرة التقنية المناسبة، وفق ما نقلت صحيفة الوطن الموالية.

الخطوة الإماراتية الجديدة نحو الأسد، لا يمكن فصلها عن مرحلة تمهيدية لعبت عليها أبوظبي في جس نبض الأرضية الاقتصادية في سوريا ومدى انخراطها فيها والظفر بعقود استثمارية يقودها رجال أعمال من الإمارات.

وهذا ما جرى حقيقة حينما زار في أواخر أغسطس/آب 2019 وفد رفيع المستوى من 40 رجل أعمال إماراتي للمشاركة في فعاليات الدورة 61 لمعرض دمشق الدولي، ضم شركات متنوعة في قطاعات البناء والطاقة والصناعات الغذائية وإدارة الفنادق.

وقال وقتها الأمين العام لغرف التجارة والصناعة في الإمارات، حميد بن سالم، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن زيارة المعرض كانت بهدف الاطلاع على الفرص الموجودة في سوريا وتحقيق التقارب بين القطاع الخاص لإيجاد مزيد من الشراكات المستقبلية بين الجانبين في مجال استيراد وتصدير المواد الغذائية والتجارة والتجزئة.

تفويض ودلالات

إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أبقت الباب مواربا حول طبيعة التعامل مع الملف السوري، رغم التكهنات المسبقة حول اتجاهها لتبني إستراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب السابقة، تمكنها من استعادة الدور الأميركي المتراجع في سوريا لصالح روسيا.

فالإمارات تلقت سابقا تحذيرا باسمها وبشكل مباشر من إدارة ترامب، حول مضيها قدما في مساعدة الأسد، إذ وصف المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري فتح أبوظبي السفارة بدمشق، بأنها "فكرة سيئة للغاية".

وحذر جيفري بمؤتمر صحفي في 16 يونيو/حزيران 2020، الإمارات من إمكانية تعرضها لعقوبات إذا واصلت مساعيها لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وأكد حينها رفض بلاده بشدة ذلك التطبيع.

ويرى أستاذ العلوم المالية في أكاديمية باشاك شهير في إسطنبول، فراس شعبو، أن الدول العربية إجمالا تحاول تطبيع العلاقات مع النظام السوري لكن ما يردعها هو العقوبات الأميركية، مثل الأردن ومصر والإمارات والبحرين والسودان وجزء من ليبيا".

وقال الخبير الاقتصادي السوري شعبو لـ "الاستقلال": "حاليا بعض الدول حصلت على تفويض من واشنطن لبعض الممارسات التي تدعم الأسد انطلاقا من سياسة الولايات المتحدة التي تؤكد أنها لا تريد تغيير النظام بسوريا ولا تسعى لذلك".

وبالتالي هؤلاء الدول تدخل من باب تغيير سلوك النظام ودعمه من أجل تحقيق ذلك.

وأردف قائلا: "ومن هنا جاءت التدخلات العربية ومن بينها الإمارات التي لم تكن من البداية مع الثورة السورية بل عملت على تغليف رؤيتها بموقف محايد أو إنساني".

لكنها بعد سنتين انقلبت على الوضع وأصبحت ضد الربيع العربي والثورة السورية وبالتالي فإن موقف الإمارات اليوم بدعم أي نظام دكتاتوري هو أمر غير مفاجئ، وفق تقديره.

وأشار الأكاديمي إلى أن "حديث أبوظبي عن إعادة تأهيل منظومة المياه للنظام السوري يحتاج لسنوات وكذلك لن يساهم برفد موارد الدولة بشكل أساسي لأن التعاقدات تتم إما بشكل مباشر أو عن طريق مناقصات.

بمعنى أنه لن يسلم النظام السوري الأموال كاش حسب مقتضيات العقوبات الأميركية.

ويتابع: "حتى بالنسبة لموضوع خط الغاز العربي لمساعدة لبنان الذي يمر من سوريا فكان الرأي الأميركي أن يقدم للنظام جزء منه لقاء سماحه بالمرور عبر الأراضي السورية، وذلك منعا من استخدام الأموال ضد الشعب السوري".

واعتبر شعبو أنه في "النهاية هذه مشاريع خدمية وسيستفيد منها الشعب السوري، لكن الحديث هنا يدور عن التعامل مع مافيا وأفراد يسيطرون على ما يسمى دولة وأقصد النظام السوري".

وعليه فإن ضخ الإمارات لن يحسن من اقتصاد سوريا لكونه حسب تقارير أممية يحتاج إلى 450 مليار دورلار من أجل تلك المهمة، وفق قوله.

وأضاف "الأموال هي ما دفع روسيا للترويج لإعادة الإعمار، فهم يعرفون أنه عند إقرار البناء في سوريا رسميا من الأمم المتحدة فسيتم فرض مبالغ مالية على كل دولة كمساهمة، لذا يعد موقف الإمارات ذا دلالات سياسية أكثر من كونها اقتصادية".

هامش مناورة

ومع انعدام فرص إسقاط النظام السوري عسكريا، بدأت تتعالى أصوات نقاش عميق بين حكومات عربية بشكل علني وليس سري كما كان في السابق، حول إعادة الأسد للحضن العربي.

ولا سيما أن عزلة الأسد سارية منذ قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد لثورة الشعب السوري.

لكن بعض الدول تنطلق من الواقعية السياسية في التعامل الجديد مع الأسد، ومن فكرة أن عددا من الدول العربية بدأت تحصل على استثناءات من قانون "قيصر" الأميركي للتعامل مع النظام السوري اقتصاديا، مثل الأردن ولبنان.

وقانون "قيصر" الأميركي طبق في 17 يونيو/ حزيران 2020، وينص على معاقبة كل من يساند النظام ويمارس أنشطة اقتصادية، سواء على مستوى الدول أو الشركات والأفراد.

وفي هذا السياق ينظر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، إلى "أن تنظيم المعابر المدنية بين الأردن ومناطق سيطرة النظام وما يتعلق بخط الغاز لتوليد الكهرباء إلى لبنان عبر مناطق سوريا وما انتشر عن خطة الإمارات لدعم البنية التحتية المائية ليست قفزا على عقوبات قانون قيصر أو مخالفة للسياسة الأميركية حول الأسد".

ورغم وجود مؤشرات عسكرية تدل على أن النظام السوري غير راغب في فك الشراكة مع إيران والانسحاب من محورها، فهناك دول عربية وعلى رأسها الإمارات تلهث وراء التطبيع مع الأسد ظنا منها أنه سيسرع من تقليم أظافر إيران بسوريا.

لكن وفق كثير من الخبراء لا توجد وقائع ميدانية تدل على ذلك.

وفي هذا السياق، يقول علوان لـ"الاستقلال": "ما يزال حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ملتزمين بعدم تقديم الدعم السياسي أو العسكري للنظام السوري في مقابل محاولاتهم لدفعه للتحرر من السيطرة الإيرانية ولو نسبيا".

وذهب الباحث للقول إنه "ربما لا نقتنع بأن النظام السوري قادر أو راغب بالانفكاك عن المشروع الإيراني وربما ننظر إلى المحاولات العربية على أنها محاولات عبثية ستستفيد منها إيران بدلا من أن تعود بالضرر على مشروعها".

واستدرك: "لكن من جانب آخر فإن دول المنطقة عموما متأثرة بالموقف الأميركي الذي يعلن مرارا أنه لا يريد تبديل النظام في سوريا وإنما يهدف إلى تغيير سلوكه".

كذلك فإن دول المنطقة تحاول تأمين الكثير من مصالحها الاقتصادية أو السياسية مع روسيا عبر هذا الهامش الأميركي.