إسرائيل أم حماس.. من يتفوق في معادلة الردع العسكرية على حدود غزة؟

محمد النعامي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يعيش صدمة بعد عملية إطلاق النار التي نفذها شاب فلسطيني على الحدود الشرقية لمدينة غزة في 21 أغسطس/آب 2021، تجاه أحد عناصر جيش الاحتلال.

واخترقت الطلقة التي أطلقت من مسدس، رأس الجندي "بارئيل حدريا شموئيليوالد" لتصيبه إصابة وصفتها وسائل إعلام عبرية بالقاتلة، أدت إلى وفاته في 30 من الشهر نفسه.

وعقب العملية وصف يوسي والد الجندي المصاب رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت في مكالمة جرت بينهما بأنه "جبان وخائف".

تأتي العملية في الوقت الذي ادعت فيه إسرائيل أنها ردعت المقاومة الفلسطينية في غزة بعد العدوان الأخير (10-21 مايو/أيار)، وأن مستوطني الاحتلال سيعيشون فترات طويلة من الهدوء والأمان. 

عودة التصعيد

فجرت عملية إطلاق النار وما صاحبها من تصعيد فلسطيني شعبي على الحدود عاصفة انتقادات للحكومة والجيش الإسرائيلي.

إذ لم تستغرق عودة التصعيد مع غزة سوى شهرين لتعود البالونات الحارقة والمتفجرة تشعل عشرات الحرائق في المزارع والمستوطنات القريبة من القطاع المحاصر.

وعادت المسيرات وفعاليات الإرباك الليلي على الحدود حتى وصل الأمر إلى إطلاق المقاومة الفلسطينية في 16 أغسطس/آب صاروخين باتجاه الأراضي المحتلة لأول مرة منذ انتهاء العدوان على غزة.

وهو ما لم يقابله الاحتلال برد خشية تصاعد الأمور عسكريا، حسب الإعلام العبري.

هذه التطورات الميدانية شككت فيما أعلنته الحكومة الإسرائيلية في بداية العدوان الأخير بأنها أتت لتجلب مدة طويلة من الهدوء وتردع حركة المقاومة الإسلامية حماس.

في السياق، ذكر قائد في فرقة غزة بجيش الاحتلال الإسرائيلي -لم تشر إلى هويته- أن التصعيد بات قريبا، بحسب ما نشرت القناة 12 العبرية في 27 أغسطس/ آب.

من جانبه، قال عضو الكنيست الإسرائيلي "عميحاي شيكلي" في ذات اليوم: إنه يخشى من عدم قدرة الجيش على ترميم قوة الردع أمام حركة حماس.

وأضاف في تصريح نشرته القناة "7" العبرية، أن "تآكل قوة الردع أفقدتنا الجندي عاميت بن يجئال (قتل بعد إلقاء حجر عليه في الضفة الغربية يونيو/حزيران 2020)، وما تلاه من الفشل الذي تمثل باقتراب أحد ناشطي حماس من السياج الحدودي، وإطلاق النار على جندي إسرائيلي من مسافة صفر". 

وتوقع شيكلي: أن جيش الاحتلال لن يتمكن من حسم المواجهة القادمة مع حركة حماس.

وبدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة: إن مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين اعترفوا بفشل عملية "حارس الأسوار" في مايو / أيار في ردع المقاومة الفلسطينية، والتأثير على قدرتها في الدخول في مواجهات عسكرية قريبا.

 وهو ما يثبت فشل العملية التي كان هدفها الأساسي جلب الهدوء لفترات طويلة، حسب ما أعلنته الحكومة الإسرائيلية آنذاك. وفي غضون 3 أشهر عادت صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات غلاف غزة.

وأكد في حديث لـ "الاستقلال" على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت قدم نفسه منذ توليه رئاسة الحكومة كالسياسي الذي سيكسر قطاع غزة من خلال تشديد الحصار ومنع المنح المالية المقدمة من قطر ووقف الإعمار ورهنه بإعادة الجنود الأسرى لدى المقاومة.

 وتوعد بالرد على كل بالون حارق بصاروخ، ولكنه اليوم بدأ يرفع الراية البيضاء أمام غزة؛ عندما بدأت باستخدام القوة وأثبتت أنها لا تخشى مواجهة جديدة في حال استمر الحصار، وهذا يمثل فشلا لسياسته التي يتراجع الآن عنها، بحسب تقديره.

من يردع الآخر؟ 

وأضاف أبو شمالة "الاحتلال اليوم في موقع رد الفعل والمقاومة في موقع الفعل، وهذا لا يمكن أن يكون سلوك جهة مردوعة بل رادعة".

ونتيجة هذا الردع تشهدها غزة الآن بالتسهيلات اليومية التي يقدمها الاحتلال من إدخال للبضائع والسيارات ومواد البناء وسماحه بصرف المنحة القطرية للأسر الفقيرة عبر الأمم المتحدة، بحسب المحلل السياسي.

فالاحتلال لن يغامر بجولة تصعيد أخرى يعرف يقينا أنه سيخرج منها خاسرا، على الأقل بعدما أثبتت المعركة الأخيرة بينه وبين غزة أن المقاومة تستطيع إيلام العدو كثيرا والضغط عليه.

 لذلك يقول أبو شمالة: "نرى هذه التسهيلات التي يريد منها أن تحول بينه وبين مواجهة جديدة".   

وحمل عدد من السياسيين الإسرائيليين رئيس الحكومة بينيت مسؤولية الفشل أمام المقاومة في غزة.

وقال عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب الليكود أوفير أكونيس: إن "حكومة بينيت تعيش في غيبوبة، أنا قلق من عدم وجود ردود قوية من الجيش الإسرائيلي ضد غزة".

 أما عضو الكنيست عن حزب الليكود دافيد بيتان فقال في تصريحات إعلامية في أغسطس/آب: "يتضح أن قائد حماس في غزة يحيى السنوار هو عدو لدود ويتلاعب بالإسرائيليين بقسوة وبلا رحمة".

وبدوره، قال الباحث السياسي زكريا السلاسلة: إن الواقع العسكري خلال معركة سيف القدس بات رادعا للاحتلال عن التفكير في أي مواجهة جديدة مع قطاع غزة.

فغزة التي تبلغ مساحتها 1 بالمئة من فلسطين التاريخية باتت تصل صواريخها لكل الأراضي المحتلة وبقوة تدميرية عالية جدا، من خلال سلاح الصواريخ الذي أثبت قدرته على الوصول لأهداف في العمق الصهيوني، وضرب المدن الحيوية كتل أبيب التي كان لها النصيب الأسد من الضربات بعيدة المدى لصواريخ المقاومة، وفق قوله.

وأضاف في حديثه لـ "الاستقلال": "نجحت المقاومة في إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي في الحرب الأخيرة، حيث أغلقت المطار الرئيس في إسرائيل وهو مطار بن غوريون، وعلقت كافة شركات الطيران رحلاتها إليه بعد أن قصفته المقاومة الفلسطينية".

وتابع: "كانت المفاجأة بتصنيع المقاومة صاروخ عياش 250 وهو الذي يغطي كافة مساحة فلسطين تقريبا، واستخدمته أخيرا في قصف مطار رامون في جنوب فلسطين، وهو ما مثل منعطفا خطيرا في مسار الملاحة الجوية بدولة الاحتلال".  

وأكد السلاسلة أن المقاومة باتت أكثر قدرة على نقل المعركة إلى داخل مدن الاحتلال، ولم يعد الأمر مقتصرا على المواقع العسكرية وتحشدات الجنود ومستوطنات غلاف غزة الملاصقة للقطاع.

 وهو ما يجعل الاحتلال يفكر كثيرا قبل خوض معركة مع غزة، ويضعف من قدرته على الاستمرار في معارك طويلة؛ لأن الحياة ستكون شبه متوقفة طيلة الحرب في المدن الكبيرة والحيوية وسيكون الأمن منعدما فيها، بحسب تقديره.

الجبهة الداخلية 

وتابع "تطوير المقاومة طائرات مسيرة انتحارية واستخدامها في الحرب الأخيرة يشكل رادعا إضافيا في وجه الاحتلال".

ويكسب هذا السلاح المقاومة القدرة على ضرب أهداف دقيقة داخل الأراضي المحتلة، ويشكل رعبا نفسيا لمستوطني الاحتلال.

 وكل هذه الإمكانيات العسكرية تجعل الاحتلال يبتعد عن خيار المواجهة مع المقاومة، وهنا يتضح كيف نجحت الأخيرة بردعه وليس العكس، بحسب المحلل السياسي.

ومن جانبه، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة: إن المعادلة العسكرية ما بين الاحتلال والمقاومة بعد معركة سيف القدس اختلفت كثيرا.

ففاتورة المواجهة مع غزة باتت ثقيلة جدا على الاحتلال بعد التطور النوعي في قدرات المقاومة.

لذلك، فإن الحديث عن نجاح الاحتلال بردع المقاومة يبدو مغلوطا وهناك إجماع إسرائيلي على أن نتائج المعركة كانت كارثية، وهو ما سيلعب دورا في صياغة معادلة ردع مخالفة لما أرادته تل أبيب.

وأضاف لـ "الاستقلال": "الجبهة الداخلية في إسرائيل لن تتحمل مواجهة جديدة، فبعد المواجهة الأخيرة توجه الآلاف من المستوطنين لطلب المساعدة النفسية جراء ضربات المقاومة".

وأكد أبو زايدة على أن القيادة السياسية والعسكرية للاحتلال رأت أن المقاومة لا تخشى خوض معركة جديدة وبدأت بتصعيد الأوضاع الميدانية بالتدريج وهو ما وصل لاستخدام الصواريخ.

وبين أن قيادت الاحتلال "فهمت أنها لا تستطيع أن تواصل السياسة العقابية تجاه غزة".

وقال المحلل العسكري الإسرائيلي تال ليف رام خلال تصريحات إذاعية: إن الأمور بدأت تتضح أكثر فأكثر، بأن "حمـاس جاهزة لتصعيد جديد، وأن جولة قتالية أخرى بينها وبين وإسرائيل هي مسألة وقت فقط".

ومن جانبه، قال الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع: إن الاحتلال يعلم جيدا أنه هو من جرى ردعه في العدوان الأخير، وخرج مهزوما وفشل عدوانه على غزة.

وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن المقاومة خرجت من المعركة منتصرة وعادت إلى مراكمة القوة لاستكمالها مع الاحتلال والاستعداد لأي مواجهة مقبلة.

وأكد على أن حركته وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية في صراع مفتوح مع الاحتلال وجاهزة لأي عدوان.