ما لم تقله البيانات الرسمية.. الأسباب الحقيقية لقطع الجزائر علاقاتها مع المغرب

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وصلت العلاقات بين المغرب والجزائر إلى حالة تدهور غير مسبوقة بعد سلسلة من المواقف دفعت أخيرا إلى قطع شعرة التواصل الدبلوماسي الخجول، وسط تشكيك لا ينتهي.

الجزائر أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارها المغرب؛ جراء ما قالت: إنها "سلسلة مواقف وتوجهات عدائية" تجلت في 3 تطورات خلال الأسابيع الأخيرة.

جاء ذلك بعد أن دعت الرباط الجزائر مرارا إلى طي صفحة الخلافات بين البلدين، في مبادرات أعلن عنها ملك البلاد محمد السادس، اعتبرتها الجارة الشرقية مناورات و"قنابل دخان" للتغطية على "العداء".

في بيان تلاه أمام الصحفيين٫ قال: إنه بتوجيه من الرئيس عبد المجيد تبون، ذكر وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة عددا من الأسباب لقطع العلاقات، لكن المغرب يرى أن هناك أسبابا أخرى لم يعرج عليها البيان. 

صك الاتهامات 

قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحفي عقد 24 أغسطس/آب 2021: إن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، بسبب "سلسلة مواقف وتوجهات عدائية" ضدها من جانب المسؤولين في الرباط.

وتابع أن بلاده انتظرت، منذ 16 يوليو/ تموز 2021، توضيحا رسميا من القيادة المغربية بشأن تصريحات لمندوبها لدى الأمم المتحدة عمر هلال "تعدى فيها على سيادة الجزائر"، بحديثه عن دعم استقلال منطقة القبائل، على حد قوله.

واعتبر أن "صمت النظام المغربي يعكس بوضوح الدعم السياسي لهذا الفعل"، ورأى أن المغرب أصبح "قاعدة خلفية لدعم سلسلة الاعتداءات الخطيرة ضد الجزائر، وآخرها اتهامات باطلة ضدها من وزير خارجية إسرائيل (يائير لابيد)، بحضور نظيره المغربي (ناصر بوريطة) وبتحريض منه".

تحدث لعمامرة عما قال إنه "تعاون موثق للمملكة مع منظمتين تصنفهما الجزائر كمنظمتين إرهابيتين وهما: ماك (الحركة من أجل استقلال القبائل) ورشاد (توجه إسلامي)، واللتين ثبت تورطهما في حرائق الجزائر الأخيرة".

وأردف: الجزائر كانت صبورة مع هذه التطورات الدرامية للعلاقات خلال الآونة الأخيرة، على أمل أن يراجع المسؤولون المغاربة حساباتهم، لكن ذلك لم يحدث.

وقال لعمامرة: إن أغلبية الدول الإفريقية وخاصة المغاربية، باستثناء المغرب، عارضت قرار مفوضية الاتحاد الإفريقي قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد.

وأضاف أن المنظمة القارية ستواصل دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وعاصمتها القدس الشريف.

من جهته، أعرب المغرب عن أسفه لقرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، ووصفت الخارجية المغربية القرار بأنه "غير مبرر تماما"، وأنه متوقع بالنظر لما سمته منطق التصعيد المسجل خلال الفترة الأخيرة.

وقالت وزارة الخارجية في بيانها: إن المغرب يرفض رفضا قاطعا "الذرائع الواهية والسخيفة" وراء قطع الجزائر علاقاتها مع المملكة.

وأضاف البيان أن المغرب سيظل شريكا صادقا ومخلصا للشعب الجزائري وسيواصل العمل بحكمة ومسؤولية لتنمية علاقات مغاربية سليمة ومثمرة.

وكذلك أعرب رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني عن أسفه، وقال في تصريحات نشرها موقع "أصوات مغاربية": إنه يأسف كثيرا "لهذا التطور الأخير".

وأكد أن المغرب "يعتبر استقرار الجزائر وأمنها من استقرار بلاده وأمنها، واستقرار الرباط وأمنه من استقرار الجزائر وأمنها".

تعددت الأسباب

أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، اعتبر ما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده لعمامرة واضحا للغاية، وأن الأمر يتعلق بتراكمات ذكر وزير الخارجية أمثلة منها، لكنه لم يحصرها جميعها. 

وردد في مقابلة تلفزيونية على قناة "المملكة" الأردنية، في 24 من أغسطس/آب 2021، ما جاء في بيان مجلس الأمن الجزائري، بكون المملكة المغربية "تشن حربا قذرة على الجزائر، تستخدم فيها كل الوسائل لإلحاق الضرر والشر بها".

رأى بوعمامة أن قرار الخارجية كان منتظرا في أوساط الجزائريين، واصفا إياه بالمنطقي، وأضاف أن الجزائريين "مرتاحون للقرار" باعتباره دفاعا شرعيا عن النفس ضد دولة "تمادت وتجاوزت كل الخطوط الحمراء". 

وتابع خبير العلوم السياسية، بالقول: إن الجار الغربي للجزائر "ذهب بعيدا عندما وضع يده في يد دول عدائية أخرى بالنسبة لبلده وللمنطقة". 

واعتبر المتحدث أن "الجزائر أعطت فرصة للنظام المغربي عبر وسطاء لكي يسحب سقطاته ويصحح أخطائه وانحرافاته الخطيرة". 

قال بوعمامة: إن أبرز هذه "السقطات"، هي دعوة الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة باستقلال منطقة القبايل عن الجزائر، وهو ما تعتبره الرباط رد فعل طبيعي عن دعم جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن المملكة.

أشار أستاذ العلوم السياسية أيضا إلى التهمة التي وجهتها الجزائر لجارتها باحتضان حركة استقلال منطقة القبائل (ماك) المتهمة بالتورط في إشعال الحرائق التي طالت البلاد. 

وقف بوعمامة عند تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد خلال زيارته الرسمية الأولى إلى المغرب في 11 أغسطس/آب 2021، عندما تحدث عن "هواجس إزاء الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران، والحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي".

وقال المتحدث: إن "المغرب جعل من أراضيه منطلقا لممثلي دولة الاحتلال الصهيوني لأجل التهجم على جارتها", واعتبر بوعمامة أن ما جاء به لعمامرة هو "لائحة من الأحداث والحقائق التاريخية. 

وعن إعلان ملك المغرب محمد السادس عن مبادرة فتح الحدود، قال أستاذ العلوم السياسية: إنها "قنابل دخان للتغطية عن العبث بأمن البلد ووحدته الترابية"، وأن تبون عندما تحدث في 2020 عن مبادرة للصلح كانت جدية.

أما عن التوقيت الذي قررت فيه الجزائر قطع العلاقات، قال بوعمامة: إن الجزائر راعت حسن الجوار، لكن في السنتين الأخيرتين "استغل المغرب الحراك وتجنيد بعض المشاركين فيه لتدمير وتفكيك الدولة". 

وذهب المتحدث إلى القول بأن المغرب وضع يده في يد إسرائيل للعب بورقة الأقليات في الجزائر -في إشارة إلى دعم القبايل. 

تعتبر الجزائر "المملكة المغربية قاعدة خلفية لتنظيمات إرهابية"، وهو ما جاء على لسان بوعمامة -في إشارة إلى حركة الماك التي تصنفها الجزائر كذلك إرهابية، مضيفا أن "الفريق العملياتي للحركة يوجد على الأراضي المغربية".   

يحركها العسكر

 المحلل السياسي المغربي وأستاذ القانون الدولي بجامعة الرباط، تاج الدين الحسيني، قال: إن ما جاء في بيان لعمامرة، هي أسباب ظاهرية تتشبث بها المؤسسة العسكرية في الجزائر للوصول إلى مثل هذا النوع من القرارات التي ترتبط بوضعية استثنائية عرفتها المنطقة تمثلت في اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء.

وأضاف الحسيني لـ"الاستقلال": كانت الجزائر تراهن "في تواطؤ مشبوه مع بعض البلدان" على أن الولايات المتحدة ستتراجع عن ذلك.

إذ سارعت ألمانيا بعقد مجلس الأمن بهذا الخصوص، كما لاحظنا أن العلاقات الإسبانية المغربية تشنجت بعد زيارة زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، إلى البلد الأوروبي، وفق ما قال. 

وأضاف: "لاحظنا التحاور المشبوه بين هذه أحد هذه الأطراف والجزائر، لكن الأخيرة توصلت إلى أن الاعتراف أصبحت له صبغة رسمية حتى بالنسبة للإدارة الجديدة، وأنها لن تغير رأيها.

ومن هنا بدأ المزيد من الدعم للبوليساريو، والسماح له باستخدام السلاح ضد المغرب، الشيء الذي يخرج عن القواعد التي وضعها مجلس الأمن منذ عام 1991. 

قال خبير العلاقات الدولية: من يقول البوليساريو فهو يقول الجزائر، جازما بأن "رصاصة واحدة لا تخرج من الجبهة دون إذن مسبق من السلطات والمخابرات الجزائرية".

وتابع المتحدث: يظهر واضحا أن أهداف النظام الجزائري لم تتحقق، وهي تبحث الآن عن وسائل بديلة، بدأت بسحب السفير ثم قطع العلاقات، وقد تصل في المستقبل القريب إلى استعمال السلاح ليس عبر الترخيص للبوليساريو بذلك، بل بالدخول معها في هذه الحرب.

وزاد: هذا أمر ليس بالجديد عليها، فمعارك أمغالا التي جرت ما بين 1975 و1976 لا تزال حاضرة في الذاكرة حيث أسرت القوات المغربية أكثر من 200 ضابط وجندي جزائري، وتدخل حسني مبارك الذي كان آنذاك نائبا للرئيس المصري، وكذا الأمير فهد الذي كان وليا للعهد السعودي، هو الذي أفضى إلى الإفراج عن الأسرى الجزائريين. 

رأى الحسيني أن "هناك مكيدة جديدة تدبر في الخفاء من أجل التشبث في قطع العلاقات والدخول في دعم مباشر للبوليساريو في معارك الصحراء، وحينها سيكون الأمر واضحا للمجتمع الدولي.

وبين الحسيني أن المؤسسة العسكرية هيأت الأسباب للوصول إلى هذه المرحلة.

قال خبير العلاقات الدولية: إن اتهام المغرب بالتورط في الحرائق جاء في الوقت الذي عرض فيه الأخير إرسال نصف الطائرات التي يتوفر عليها لإطفائها، وقبلها الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس لفتح الحدود.

 وذكر الحسيني بأن الملك اقترح عام 2018 إنشاء لجنة ثنائية مشتركة لتسوية كل القضايا العالقة بين الطرفين.

يظهر أن للمؤسسة العسكرية في الجزائر اختيارات أخرى، على حد تعبير الحسيني، مضيفا أنها "تتشبث ببعض الادعاءات التي لا يمكن اعتبارها حججا". 

يعتبر تاج الدين الحسيني أن المؤسسة العسكرية في الجزائر هي التي تدفع إلى هذا الاتجاه، مستدلا على كلامه بكون الرؤساء الذين أظهروا حسن نيتهم عبر المبادرة بحل الأزمة تم إقصاؤهم أو "إعدامهم".

وهو ما حدث -على حد تعبيره- مع "(الرئيسين الجزائريين السابقين) الشاذلي بن جديد الذي أقصي بعد أن فتح باب الحوار الجدي والفعال مع المغرب ومع محمد بوضياف، الذي اتخذ موقفا صارما بإنهاء النزاع حول الصحراء، فقتل دون أن يكشف عن التفاصيل".

النظام الجزائري -يقول أستاذ القانون الدولي-: "يبحث عن مهرب في الخارج ليغطي صدماته في الداخل؛ التدهور الاقتصادي، والوضعية غير المستقرة، كما هناك تخوف كبير من تطور خطير داخل سير المؤسسات، وبالتالي يعتبر أن الوسيلة المثلى هي خوض معركة جديدة ضد المغرب".