أدار حروبا ضد الربيع العربي.. ماذا يفعل اليهودي برنار ليفي في أفغانستان؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 14 أغسطس/آب 2021 وقبل يوم واحد من سقوط العاصمة الأفغانية كابول في يد حركة "طالبان"، قالت صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية: إن "أحمد" نجل القائد الراحل شاه مسعود، بعث رسالة استغاثة لباريس.

أحمد، والده القائد مسعود الذي اغتيل على يد تنظيم القاعدة في سبتمبر/أيلول 2001، بعث بالرسالة أيضا إلى الفرنسي اليهودي الغامض "هنري برنار ليفي"، وتوسل فيها باريس ألا تتخلى عن "مقاتلي الحرية في أفغانستان".

قالت صحيفة "دو ديمانش": إنه بعث نفس الرسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" FDD، وهي جماعة ضغط أميركية ذات طابع استخباري، ليحذرهم من انتقام طالبان من النساء، وفرضها "العبودية".

بالتزامن مع إعلان "أحمد مسعود" تمرده على طالبان في مقاطعة بنجشير، استجاب له عراب الحروب اليهودي "ليفي" وسافر إلى أفغانستان وظهرا سويا يستعرضان قوات مسعود.

وسائل إعلام أفغانية أكدت وصول "ليفي" إلى وادي بنجشير ولقائه مع جماعة أحمد شاه مسعود، وقادة جيش هاربين، من أجل تقديم فرنسا الدعم لقوات تحالف الشمال هناك لمواجهة طالبان. 

العلاقة بين مسعود وليفي قديمة وسبق له زيارة فرنسا عدة مرات وجرى تكريمه في حضور ليفي والرئيس السابق حامد كرزاي وإطلاق اسمه على ممر في حدائق الشانزليزيه باسم "أحمد شاه مسعود" يوم 27 مارس/ آذار 2021.

يطلق على هنري ليفي: "عراب الربيع العربي" وهو صحفي وفيلسوف فرنسي، لكن تحركاته تشير إلى أنه ممثل خفي للمخابرات الفرنسية والغربية، ويلعب أدوارا سرية لتحقيق الأهداف التي تفشل فيها الآلة العسكرية الغربية بالقوة.

ملف أسود

"برنارد ليفي" أكاديمي وإعلامي وسياسي يهودي فرنسي مثير للجدل، له صداقات مع كبار الأثرياء والساسة الفرنسيين بمن فيهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. 

كلما زار عاصمة من عواصم الربيع العربي، كانت تشهد لاحقا انقلابات أو ثورات مضادة، وظهر في ميدان التحرير بمصر، وفي ليبيا وسوريا وكردستان العراق واليمن وغيرها، ويتردد أنه "أداة للمخابرات الفرنسية".

ليفي هو صاحب نظرية "الحرب من أجل التغيير"، ومنتقدوه يصفونه بـ "عراب الثورات"، أو "عراب الفوضى" فهم يقولون: إنه حيثما حل، حل معه الخراب.

مسيرة "ليفي" المتنقل بين الدول التي تعيش أزمات وحروبا تشير إلى دوره الخفي في هذه الفوضى والخراب.

أطلق عليه فلاسفة فرنسيون كبار، من أمثال جيل دولوز وأستاذه جاك دريدا والمؤرخ بيار فيدال ناكيه وصف "المخادع الثقافي".

ويعتبر ليفي من أبرز مناهضي ما أسماه "أسلمة أوروبا"، حيث يدعم حظر ارتداء الحجاب.

ووقع بيانا عام 2006 مع 14 مثقفا علمانيا بينهم سلمان رشدي صاحب رواية "آيات شيطانية" المعادية للإسلام، يرفضون الاحتجاجات التي اندلعت ضد الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي تمس الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام.

كما انحاز ليفي إلى المواقف المتشددة التي اتخذها البابا بنيدكت السادس عشر في يناير/كانون الثاني 2010 ضد الإسلام، ورأى أن "البابا صديق مخلص لليهود".

وأظهر عداءه للتيار الإسلامي، عقب اندلاع الربيع العربي حين أبدى تخوفا من صعود الإخوان المسلمين أكثر من مرة، في مقال بموقع "هافنغتون بوست" 15 فبراير/ شباط 2011.

زعم أن تخوفه من الإسلاميين، وتحديدا الإخوان المسلمين، يرجع إلى أنهم يدعمون حركة المقاومة الإسلامية حماس ضد إسرائيل، ويتسمكون بتطبيق الشريعة الإسلامية.

ذهب هنري ليفي إلى كردستان العراق خلال استفتاء الانفصال عن العراق في أكتوبر/ تشرين أول 2017 فأعلنوا الاستقلال وكادت تحدث حرب بين بغداد وأربيل.

وذهب إلى سوريا ديسمبر/كانون أول 2019 والتقى "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تديرها واشنطن وهدفها إنشاء "سوريا علمانية" فزادت فوضى الحرب هناك، والدمار والخراب وتزايد العداء لإسلاميي سوريا ولتركيا.

وزار ليبيا يوليو/تموز 2020 في ظل الموقف الفرنسي الداعم لهجوم اللواء الانقلابي خليفة حفتر على طرابلس، ما أثار ضجة كبيرة حول من دعاه، ولفظه الجميع، وظل هدف الزيارة مشبوها.

قبل هذا سافر إلى تونس بعد عام من نجاح انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر لتخريب ثورتها، لكنه واجه مواقف محرجة وخرجت احتجاجات عدة على زيارته، كما تنصلت جهات سياسية عدة من الوقوف وراء دعوته إلى زيارة البلاد 2014.

فقد حضر في فترة انشغال تونس بالانتخابات التشريعية والرئاسية، ما أثار تساؤلات، وقد قام أمن مطار قرطاج الدولي بترحيله.

وسبق له أن ذهب إلى أفغانستان والتقى أحمد شاه مسعود (الأب) عام 2002، فحل فيها الانقسام والاقتتال. وبعد مقتل الأب اتخذ ابنه مسعود الابن صديقا له.

حضوره إلى أفغانستان هذه المرة في وقت يهرب منها من يسمون "عملاء الاحتلال"، ليس مستغربا، بعدما أطلق "مسعود" نداء استغاثة للغرب معلنا استعداده وجاهزيته عسكريا لمحاربة طالبان، ليعيد الحديث عن دور "ليفي" كمنسق استخباري للغرب.

ويبدو أن جولته (كمبعوث للغرب) تستهدف دعم جبهة مقاومة لحكم طالبان، بدأت تتبلور في إقليم بنجشير، الذي ظل مستعصيا على الحركة طول فترة حكمها السابق قبل الغزو الأميركي.

أفصح ليفي عن أهدافه في حوار مع شبكة الراديو RTL (تبث من لوكسمبورج) يوم 16 أغسطس/آب 2021 حينما قال: إن الأمل معقود على "أحمد مسعود" الذي يعمل على تنظيم المقاومة من وادي بنجشير ضد طالبان.

كشف أن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود فريقا من 12 مستشارا في مواجهة الوضع الأكثر حرجا في أفغانستان" وأنه "على اتصال بمسعود، وآخر مكالمة بينهما كانت في 15 أغسطس/آب 2021".

قال: إن رئيس الدولة الفرنسية على علاقة طيبة للغاية بمسعود الابن منذ لقائهما في قصر الإليزيه في أبريل/نيسان 2021.

دعوة للغرب

مهد "مسعود" الابن لهذا التدخل الاستخباري الغربي وطلب دعمهم عسكريا بسلسلة مقالات نشرها في صحف أميركية وفرنسية وإيطالية.

كتب مقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست" بعد سقوط كابول في يد طالبان، يقول في عنوانه: "مقاومة المجاهدين لطالبان تبدأ الآن لكننا بحاجة للمساعدة".

أكد للأميركان أن "الآلاف من قوات الكوماندوس وضباط الجيش الأفغاني لجؤوا إلى إقليم بنجشير"، ودعا الغرب إلى مساعدته للوقوف في وجه طالبان.

ذكر مسعود في مقاله المنشور 18 أغسطس/آب 2021، أن الجنود الأفغان قد جلبوا معهم عشرات الآليات العسكرية والمدرعات والطائرات العسكرية.

ناشد الولايات المتحدة وبريطانيا (تعلم فيها بكلية الحرب) وفرنسا، مد يد العون له قائلا: "نحن بحاجة إلى المزيد من الأسلحة والذخيرة والإمدادات".

ثقة مسعود في قواته ودعم الغرب له ترجع إلى أن إقليم بنجشير كان خارج سيطرة حركة طالبان خلال حكمها لأفغانستان ما بين عام 1996 و2001 بسبب صعوبة دخول المنطقة ذات الطبيعة الجغرافية.

سبق للولايات المتحدة، عبر إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان دعم "المجاهدين" ضد الغزو السوفييتي، فلماذا لا تدعمهم الآن ضد طالبان؟

وكتب مسعود في صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، 17 أغسطس/آب مقالا بعنوان: "نحن المقاومة وعلى العالم أن يساعدنا".

قال: "أناشد فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي وغيرهم الذين ساعدونا كثيرا في معركتنا من أجل الحرية ضد السوفييت في الماضي وضد طالبان قبل عشرين عاما مساعدتنا مرة أخرى؟".

وبعد يوم واحد من دعوة نجل أحمد شاه مسعود إلى مواجهة طالبان، هاجمت مجموعات من الأفغان المسلحين مقاتلي الحركة، 20 أغسطس/آب 2021 وطردتها من ثلاث مناطق شمالية.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن قادة محليين مناهضين لطالبان زعمهم، في مقابلات 21 أغسطس/آب 2021 أنهم قتلوا 30 منهم وأسروا 20 آخرين أثناء الاستيلاء على مناطق في مقاطعة بغلان التي تبعد 170 كم شمال العاصمة.

كلمة "بنجشير"، تعني بالفارسية "الأسود الخمسة"، لذا يعتبر مسعود وتحالف الشمال ومن تبقى من جيش أفغانستان، أنفسهم "الأسود" التي ستقف في وادي بنجشير الحصين المنيع وتلتهم قوات طالبان.

لجأ عدد كبير من ضباط وجنود الجيش وعناصر الأمن إلى بنجشير بعد سقوط كابول خوفا على حياتهم ومعهم أسلحتهم.

وادي بنجشير هو الجبهة المقبلة في وجه "طالبان"، فـ "تحالف جبهة الشمال" سبق أن قاوم حكم الحركة بين عامي 1996 و2001، وأعلن الحرب عليها الآن.

يصر القادة المتحصنون فيها، لا سيما أحمد مسعود، وأمر الله صالح نائب الرئيس، على قتال حركة طالبان ومقاومتها، رافضين الاستسلام للوضع الجديد. 

يتحصن معهم في بنجشير الجنرال بسم الله محمدي، وزير الدفاع، القائد الجهادي السابق وأحد أهم قادة "جبهة الشمال"، والذي أكد بعد سقوط حكومة أشرف غني أنه لن يقبل بـ "طالبان" وسيستمر في المقاومة.

قبل الغزو الأميركي ثم الرحيل الأخير، تمكنت حركة طالبان من دون عناء كبير من السيطرة على جميع الأقاليم الأفغانية، باستثناء إقليم واحد، هو بنجشير.

لم تحاول قوات طالبان هذه المرة دخول الوادي الذي تحيطه جبال شاهقة من كل الأطراف، وتبلغ مساحته 3610 كيلومترات، ويتمركز فيه حاليا المعارضون للحركة، لأنها حاولت وفشلت قبل الغزو الأميركي عام 2001.