في صراعه مع إسبانيا.. كيف يوظف المغرب علاقاته مع بريطانيا؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتفاوض حكومة "جبل طارق" -وهي منطقة حكم ذاتي تابعة لبريطانيا- مع الرباط لإعادة فتح الطرق التجارية جوا وبحرا، وسط صراع لا ينتهي مع الجارة إسبانيا.

الطلب الأخير جاء في خضم أزمة المغرب مع إسبانيا وإغلاق الرباط معبري "المضيق-ترخال" ومليلية الحدوديين، والمخصصان لتمرير السلع، وأيضا تعليق عملية عبور مغاربة الخارج، والتي كانت إسبانيا تحقق منها مكاسب هائلة.

وهنا بدا يدور تساؤل في الأفق حول إمكانية توظيف المغرب علاقاته مع بريطانيا في صراعه مع إسبانيا.

مشاريع جديدة

صحف إسبانية قالت إن وزير الأعمال والسياحة في جبل طارق، فيجاي دارياني، قدم تفاصيل عن "الجهود" التي بذلتها حكومته "لمحاولة إقامة علاقات بحرية وجوية مع المغرب".

وأفاد الوزير أن حكومته ستواصل جهودها لإعادة إنشاء الطرق البحرية والجوية مع المغرب في أقرب وقت ممكن.

وقالت الصحيفة إن جهود جبل طارق لإعادة الصلات مع الرباط تتناقض مع إغلاق الحدود الذي فرضته الرباط على عبور المغاربة من إسبانيا.

أعلنت الحكومة المغربية في بداية يونيو/حزيران 2021، أنها لن تقبل سوى المواطنين الذين ينطلقون على متن سفن من موانئ في فرنسا وإيطاليا، ولكن ليس من إسبانيا، وأرجعت القرار إلى أسباب صحية.

وأشارت تقارير إسبانية إلى أن القرار المغربي جاء في سياق أزمة دبلوماسية خطيرة بين الرباط ومدريد.

وأفادت شبكة "الحرة" الأميركية، بأن استثناء الموانئ الإسبانية من عملية عبور المضيق، التي تعرف في المغرب بعملية "مرحبا"، كبد شركات الملاحة في هذا البلد خسائر تقدر بنحو 450 إلى 500 مليون يورو، نقلا عن شركة "إيبيريا" الإسبانية. 

واندلعت الأزمة بين البلدين عند استضافة إسبانيا إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء الغربية للعلاج في أبريل/نيسان 2021 "لأسباب إنسانية".

وهو الأمر الذي اعتبرته الرباط "مخالفا لمبدأ حسن الجوار"، مؤكدة أن غالي دخل إسبانيا من الجزائر "بوثائق مزورة وهوية منتحلة".

دعم إسرائيلي

تخطط بريطانيا لربط إقليم جبل طارق الخاضع لسيادتها، بمدينة طنجة الواقعة في أقصى الشمال المغربي، على طول 28 كيلو مترا.

لكن لم تحدد إلى الآن طبيعة الربط إن كان نفقا تحت البحر أم جسرا معلقا، مما يعيد إلى الواجهة حلم الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا عبر إسبانيا والمغرب، الذي طرح منذ سبعينيات القرن الماضي ولم ير النور قط.

لكن الحكومة البريطانية، تعتزم بجدية بحسب تقارير إعلامية، إنشاء مشروع الربط القاري لاستغلال تداعياته على تعزيز التبادل التجاري الأوروبي - الإفريقي، وبالخصوص بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي زاد حاجتها إلى توسيع مجال شراكاتها الاقتصادية.

رجحت تقارير احتمال دخول إسرائيل على خط إنجاز النفق، بحكم وجودها بالشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، وكذلك لوجود جالية يهودية في كل من جبل طارق ومدينة سبتة في الشمال المغربي والتي تحتلها إسبانيا.

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي. ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألفا، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497.

وترفض الرباط الاعتراف بشرعية مدريد على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

في 21 أبريل/نيسان 2021، عقد وزير التجهيز والنقل المغربي، عبد القادر اعمارة، اجتماعا بـ"الفيديو كونفرانس" مع نظيره الإسباني، خوسيه لويس أبالوس، تطرقا فيه إلى إعادة تنشيط مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق.

وكان آخر لقاء عن الموضوع عقد في مدينة طنجة (شمال) سنة 2009.

الوزير اعمارة شدد على أن "المشروع لن يتيح الربط بين دولتين فحسب، بل بين قارتين أيضا، وأن المغرب سيكون بمثابة حلقة الوصل بين أوروبا وإفريقيا". 

ونشأت الفكرة، التي وصفتها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بـ"شبه المثالية" في أذهان المهندسين الفرنسيين ثم الإسبان في النصف الثاني من القرن الـ19، ثم تنافست الإمبراطوريات الاستعمارية، ولا سيما فرنسا وإسبانيا اللتان هيمنتا على المغرب، على خطط نقل الثروة الإفريقية إلى أوروبا.

علاقات وطيدة

إسبانيا تعتبر أكبر مستثمر في المغرب، حيث يوجد أكثر من 1000 شركة مقرها المملكة، ولديها تعاملات تجارية مع ما لا يقل عن 7 آلاف شركة مغربية أخرى.

حسب إحصائيات رسمية، تطورت واردات المغرب من إسبانيا بين عامي 2013 و2017 من 4.8 إلى 6.85 مليارات يورو (16.9 بالمئة من جملة واردات المملكة من الاتحاد الأوروبي).

فيما قفزت صادرات المغرب إلى إسبانيا في تلك الفترة من 3.27 إلى 5.46 مليارات يورو، إذ تمثل حصتها ضمن تلك الموجهة للاتحاد الأوروبي 23.7 بالمئة.

ومن المتوقع أن تتطور التبادلات التجارية بين البلدين من حوالي 12 إلى 24 مليار يورو في 2025، وفق الاتحاد العام لمقاولات المغرب.

 وتخضع هذه المبادلات، لاتفاق الشراكة المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مارس/آذار عام 2000.

ويعتبر المغرب ثاني شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر مدريد الشريك التجاري الأول للمملكة.

وتصدر أكثر من 20 ألف شركة إسبانية منتجاتها نحو المغرب، بينما تتمركز أكثر من 800 شركة بالمملكة وأكثر من 600 شركة لديها أسهم في شركات مسجلة في البلد المغاربي.

ويقول كثيرون: إنه لولا احتلال إسبانيا المدينتين وباقي الجزر المغربية الأخرى، لكانت العلاقات المغربية الإسبانية من أحسن العلاقات التي يقيمها المغرب مع أي دولة خارجية.

في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بدأت السلطات الإسبانية تركيب سياج حدودي جديد يفصل مدينة سبتة عن المغرب، بميزانية تزيد عن 32 مليون يورو.

شاركت في الميزانية الصناديق الأوروبية بـ75 بالمئة، من خلال صندوق الأمن الداخلي وصندوق اللجوء والهجرة والتكامل، بعد أن رأت إسبانيا أنها خطوة ضرورية للحد من الهجرة غير النظامية.

وصل 5121 مهاجرا إلى الأرخبيل بين مطلع يناير/كانون الثاني و15 سبتمبر/أيلول 2020، أي بزيادة قدرها 500 بالمئة خلال عام واحد، وفقا لوزارة الداخلية الإسبانية.

وتدفع الأرقام المهولة إسبانيا إلى إعطاء أهمية خاصة لدول المغرب العربي، عبر التعاون الاقتصادي والاتفاقيات الأمنية بإيعاز من الاتحاد الأوروبي، وتميل إلى توطيد العلاقات بحكم التداخل الحدودي.

فإسبانيا، شريطة قبولها كعضو جديد بالمجموعة الأوروبية سنة 1985، تعهدت بمراقبة الحدود الجنوبية للمجموعة الأوروبية.

ومنذ انضمامها الرسمي إلى اتفاقية شينغن سنة 1991، تحولت الحدود الإسبانية إلى حدود "منطقة شينغن" -باستثناء مدينتي سبتة ومليلية لوضعهما الاستثنائي- فقد التزمت مدريد بمراقبة هذه الحدود.

رسائل سياسية

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد شقير: إن سياسة المغرب الخارجية الحالية تقوم على التنويع، وفي إطار ذلك يعمل على التعامل مع عدة دول أوروبية، خاصة وأن انجلترا خرجت من الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصدد جرى عدد من الزيارات المتبادلة وعدة اتفاقيات تقوم على التعاون الثنائي.

وأضاف المتحدث لـ "الاستقلال" أن جبل طارق يدخل في إطار النفوذ الإنجليزي بهدف تنويع علاقاته وشراكاته بعد التوتر بينه وبين إسبانيا.

ومن المؤكد أن المغرب يبحث عن تعاونات أخرى، حيث جرى عقد اتفاقية مع البرتغال، ومن المحتمل عقد أخرى مع جبل طارق.

يعتبر الأخير من أقرب المنافذ البحرية للمغرب، وفق شقير، ويمكن أن تربطهما من هذا المنطلق عدة اتفاقيات ومشاريع تخص النقل والسياحة أيضا.

وزاد: تقوم سياسة المغرب بالأساس على تنويع الشركاء وعدم الاقتصار على شركاء بعينهم، حتى داخل الاتحاد الأوروبي، فالرباط تركز على المصالح المتبادلة في إطار "رابح-رابح".

وفي إطار هذا التوتر، يرى خبير العلوم السياسية أنه من المؤكد أن المغرب يوجه رسائل سياسية لإسبانيا، مفادها أنها ليست الشريك الوحيد.

ومن الطبيعي أن يحاول المغرب أن يضغط بشكل مباشر أو غير مباشر على إسبانيا، وفق تقديره.

وقال شقير: "فهمت إسبانيا الرسالة ومن الواضح أنها تحاول القيام بعدد من الخطوات بغرض التقرب من المغرب، منها إقالة وزيرة الخارجية الإسبانية، وهي إشارة إسبانية لمحاولة التقارب".

ما على إسبانيا تفهمه، بحسب الخبير هو أن المغرب أعاد النظر في تعاملاته الخارجية وحدد عددا من مداخل السياسة الخارجية، تقوم على الشفافية والندية والمصالح. 

ويرى المتحدث أن إسبانيا فهمت أن المغرب هو شريك إستراتيجي لا محيد عنه، بعد أن ألغى عملية العبور (عبور المقيمين بالخارج) التي تكبدت فيها مدريد خسائر فادحة، تجعل صانع القرار الإسباني يعيد النظر في أسلوبه في التعامل مع الرباط.

وختم بالقول: متى ما شعر المغرب أن إسبانيا جاهزة للتعامل الجديد، فمن المؤكد أنه سيعقد اجتماع اللجنة المشتركة المؤجل، لتجاوز كل هذه النزاعات العالقة.