رغم الحشد والتجنيد.. لماذا انقلب الحوثيون على السلفيين في اليمن؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشن جماعة "الحوثي" حملة اعتقالات واسعة ضد السلفيين في العاصمة صنعاء والمدن الخاضعة لسيطرتها، يتخللها اقتحام للمساجد والقائمين عليها والمراكز التعليمية التابعة لهم.

واستخدم الحوثيون السلفيين في خدمة أجندتهم ومشاريعهم في اليمن، مستغلين موقف تيار منهم بعدم الخوض في السياسة والقبول بولاية المتغلب والانحناء للعاصفة الحوثية منذ انقلابها على الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014.

نتيجة لذلك، تمكن الحوثيون من توجيه الخطاب السلفي، فجندوا أتباعه للهجوم على السعودية والتعبئة النفسية والشحن الديني ضد التحالف العربي الذي يضم أيضا دولة الإمارات.

استخدام السلفيين لم يقتصر على التحشيد ضد السعودية والإمارات فقط، بل لمهاجمة الإصلاحيين، العدو التقليدي للحوثيين.

إذ كثف السلفيون هجومهم على حزب الإصلاح خلال السنوات الماضية، ومضوا في التحذير من الإصلاحيين وخلق بروباغندا معادية لكل ما يتعلق بهم، وهو الأمر الذي ينسجم مع أجندة جماعة الحوثي.

في حديث مقتضب لـ"الاستقلال"، يقول رشاد أحمد وهو من سكان منطقة مفرق حبيش بمحافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين إن "الهجوم على الإصلاحيين هو الشغل الشاغل للشيخ السلفي البارز عبدالعزيز البرعي، إذ لا تكاد تخلو خطاباته من الهجوم على الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين، في مظهر يتناقض مع ادعائهم بأنهم لا يخوضون في السياسة".

ومنذ انقلابهم وحتى الآن، يستدعي الحوثيون هؤلاء السلفيين كمثال على أن الجماعة لا تضيق على المخالفين لهم في الفكر والعقيدة، وذلك للرد على من يقول إن المليشيا تفرض أفكارها الأحادية والطائفية على المجتمع اليمني.

تهجير وتفجير

 ومع كل الخدمات التي قدمها السلفيون للحوثيين فلم ينجوا من حملات الاعتقال والتضييق والتهجير والاقتحام للمراكز.

 فبعد حملات التفجير والتهجير التي شنها الحوثيون تجاه سلفيي دماج بمحافظة صعدة شمالي اليمن، في يناير/كانون الثاني 2014، تعود الجماعة وتشن حملة أخرى للتهجير والاعتقال.

 فمنذ منتصف يونيو/حزيران 2021 اعتقلت جماعة الحوثي نحو 150 عضوا من السلفيين في 6 محافظات خاضعة لسيطرتها، هي صنعاء، ذمار، إب، تعز، الحديدة، المحويت والحديدة، وزجت بهم في السجون والمعتقلات.

وفي 21 يونيو/حزيران 2021، اقتحم الحوثيون مسجد بشائر الخير في منطقة جدر شمال غربي صنعاء ومسجد الفتح في حي شميلة جنوبي صنعاء.

كما نزلت لجنة من وزارة الأوقاف التابعة للحوثيين إلى مركز السنة، وهو من أشهر المراكز السلفية بمنطقة سعوان شرقي صنعاء، ووضعوا على الشيخ عبدالباسط الريدي مسؤول المركز عدة شروط لاستمرار عمل المركز.

هذه الشروط هي: منع الدروس العامة وحلقات القرآن الكريم، وأي نشاط ثقافي أو علمي أو محاضرات أو غيرها، وثانيا: لا يستثنى المسجد من كل ما يسري على المساجد الأخرى التي تخضع لرؤية وتوجيه وزارة الأوقاف الخاضع لسيطرة الحوثيين، وثالثا: أن تشرف اللجنة على خطبة الجمعة وتفرض خطيبا من طرفها.

أجابهم الشيخ الريدي بأن يتركوهم في حالهم أو يمنحوهم الضمان والأمان ليخرجوا من صنعاء، "وتم الاتفاق مع اللجنة على هذا الأمر".

وكان الدكتور محمد جميح سفير اليمن لدى منظمة اليونسكو علق على هذا الأمر في منشور له على صفحته في فيسبوك قائلا: "اقتحم الحوثيون اليوم جامع السنة في سعوان بالعاصمة صنعاء، واعتقلوا القائمين عليه وكثيرا من المصلين".

وأضاف: "حضروا بقضهم وقضيضهم للمسجد، واقتحم المسلحون مصلى النساء، واختطفوا عشرات الطلبة الذين يحضرون دروس الجامع طبعا، بعد فرض الحوثيين أئمة وخطباء منهم لمساجد العاصمة ترك الكثير من الناس صلاة الجمعة، واكتفوا بالصلاة في بيوتهم أو الذهاب إلى مساجد بعيدة".

يضيف جميح: "من بين المساجد التي مثلت بديلا للراغبين في صلاة الجمعة كان جامع سعوان الذي يمتلئ يوم الجمعة ويصلي الكثير من الناس في الشوارع القريبة منه لازدحامه بالمصلين".

وأردف: "اغتاظ الحوثيون لهذا الأمر واليوم قرروا السيطرة على المسجد واقتحموه، وامتلأ الدور الثاني منه بالمسلحين، الذين اعتقلوا الكثير من المصلين وذهبوا بهم إلى جهة غير معلومة، وغدا ربما يفرض الحوثيون خطيبا جديدا منتميا إليهم على الجامع".

يتابع جميح : "مصدر قريب من إدارة الجامع قال إن الحوثيين منعوا الدروس المسجدية وتحفيظ القرآن، وبالإضافة إلى مسجد السنة بسعوان اقتحم الحوثيون كذلك مسجد بشائر الخير في جدر ومسجد الفتح في حي شميلة".

ويختم بالقول: "هذه الجماعة الطائفية تعتقد أن بإمكانها تغيير مذاهب الناس بالقوة… الباعث على السخرية أن هؤلاء المجرمين يقولون إنهم ليسوا طائفيين، ولا يمثلون مذهبا بذاته، بل يمثلون الأمة كلها، زمن التمظهر والكذب ولى، لتظهر هذه الجماعة أقبح ما فيها من طائفية مقيتة وسلالية عفنة"، وفق تعبيره.

تبييض السمعة

في حديث لـ"الاستقلال"، يقول الكاتب اليمني محمد الأحمدي: "الحقيقة أن مليشيا الحوثي استفادت من كل الذين نجحت في تحييدهم عن معاركها ضد الشعب اليمني خلال السنوات الماضية، سواء من السلفيين أو غيرهم".

وفيما يبدو، فقد اطمئن السلفيون الذين هجروا من دماج بمحافظة صعدة واستقروا في صنعاء إبان عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، أي قبل الانقلاب، بأن جماعة الحوثي لن تقوم بتهجيريهم مرة أخرى، بحسب تقديره.

يتابع الأحمدي: "ربما كان السلفيون يعولون على علاقتهم الطيبة بجناح صالح وقواته التي شاركت في الانقلاب، لكن بعد أن تخلص الحوثيون من صالح أصبح السلفيون في مناطق سيطرة الحوثيين هم الخصم الجديد لدى الجماعة".

وعن إحدى طرق الاستفادة منهم يقول الكاتب اليمني: "كانت مليشيا الحوثي تبقي على السلفيين الذين كانوا ينتمون لمدرسة الشيخ الوادعي لإظهار أن هناك نوعا من التنوع في مناطق سيطرتها، في مسعى منها لإثبات أنها متسامحة مع بقية المذاهب ومنفتحة مع الجماعات الدينية".

 لكن الأمر لم يكن كذلك بالطبع، فقد كانت هذه المحاولة لتحسين وجهها، وكان من الواضح بعد ذلك أنها ستأتي مراحل أخرى للتخلص من التيارات وقمعها بوحشية، كما شاهدنا مؤخرا في الهجمات على مراكز ومساجد السلفيين في صنعاء، يقول الأحمدي.

يضيف الكاتب اليمني: "لدى مليشيا الحوثي عداء مذهبي وأيديولوجي مع كل الذين تضعهم في خانة الوهابية، بمن في ذلك السلفيون وفصائل أخرى من التيارات الإسلامية".

وبالتالي ففي الآونة الأخيرة خصوصا بعد مجيء حسن إيرلو (سفير إيران في صنعاء)، ويبدو كما لو أنه الحاكم الفعلي في مناطق سيطرة الحوثيين، بدت الإستراتيجية الجديدة لمليشيا الحوثي هو التخلص من أي جيوب فكرية وسياسية ومذهبية خارجة عن السياق الأحادي الذي تفرضه الجماعة، وهي توجهات إيرانية فكرا وسلوكا وسياسة.

ويتابع : "الحملات الأخيرة لمليشيا الحوثي على مراكز ومساجد السلفيين هي جزء من إستراتيجية هذه الجماعة لفرض لون واحد في مناطق سيطرتها، لون مذهبي سياسي وفكري واحد ووحيد، وهي تنظر لكل هذه الجماعات التي تختلف معها في الرأي كخونة، وكانت تخضعها للرقابة طوال السنوات الماضية، وتتحين الفرصة لخلق ذرائع للإجهاز على ما تبقى منها".

ويخلص الأحمدي إلى القول: "كانت مسألة وقت بالنسبة لمليشيا الحوثيين للاستفادة من وجود السلفيين في مناطق سيطرتهم، وأعني بالسلفيين هنا الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ مقبل الوادعي".

أما بقية السلفيين من التيارات السياسية التي ناهضت الحوثيين منذ الوهلة الأولى فقد كانوا بالنسبة للجماعة خصوما بدرجة لا تختلف عن بقية القوى السياسية الأخرى، كما قال.