"المال السياسي".. كيف يؤثر في نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعربت قوى وشخصيات سياسية عراقية عن خشيتها من استخدام المال السياسي في الانتخابات البرلمانية المبكرة، كونه سيقود إلى "كارثة"، بل وصفه البعض منهم بأنه أخطر من السلاح المنفلت، في حال بقيت مفوضية الانتخابات مكتوفة الأيدي حيال ذلك.

الانتخابات البرلمانية المبكرة من المقرر أن تجري في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أي قبل نحو عام من انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، وذلك بضغط من الحراك الشعبي الذي اندلع في 2019، وأقيلت على إثره حكومة عادل عبدالمهدي.

بذخ فاضح

في 16 مايو/ أيار 2021، كشف النائب محمد الخالدي رئيس كتلة "بيارق الخير" بالبرلمان العراقي، عن تحركات "كبيرة" للأحزاب السياسية عبر منح مليار دينار عراقي (684 مليون دولار) لكل مرشح لتمويل حملته الانتخابية.

وقال النائب محمد الخالدي في تصريحاته الصحفية إن "الأحزاب السياسية المتنفذة بالحكومة استغلت نفوذها واستخدمت المال السياسي للترويج للحملات الانتخابية"، مشددا على أن "المفوضية العليا للانتخابات مطالبة بتطبيق قانون -من أين لك هذا؟-، ومتابعة الأموال التي تصرف من بعض الأحزاب السياسية والمرشحين بالدعاية الانتخابية".

وأوضح الخالدي أن "بعض المرشحين نفذوا مشاريع كبيرة تصل تكلفتها إلى مليار دينار، منها إيصال المياه والصرف الصحي وتبليط الشوارع في القرى والأرياف من أجل كسب وشراء أصوات تلك المناطق ضمن دوائرهم الانتخابية".

لكن النائب عن تحالف "الوطنية" في البرلمان العراقي حسن خضير الحمداني، قال خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أبريل/ نيسان 2021، إن "المال السياسي وصل أن يعطى إلى النائب مليون دولار حتى يدير حملته الانتخابية، فضلا عن منح السلاح والسيارة كهدايا إلى شيوخ العشائر مقابل الحصول على ولائهم الانتخابي".

وتعليقا على ذلك، قالت مصار سياسية (طلبت عدم الكشف عن هويتها) في حديث لـ" الاستقلال" إن "الجهات السياسية التي تحدث عنها النائب محمد الخالدي، تدور اتهامات على أنه يتزعمها رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وذلك بمنح عدد من مرشحيه للانتخابات مشاريع تعبيد الطرق ومد أنابيب الماء ومياه الصرف الصحي، بمبالغ تصل إلى مليار دينار عراقي".

وأوضحت المصادر أن "مبلغ مليون دولار أصبح يمثل الأمر اليسير في الحملات الانتخابية بالعراق، فقدت كلفت حملة إحدى الشخصيات السياسية الرئيسة في البلد 8 مليون دولار عام 2018، لكنه لم يفز فيها وبالتالي تبددت كل هذه الأموال، التي لو وزعت على الأيتام والأرامل في مدينته لكانت هي من أتت بأصوات الناخبين".

وأشارت إلى أن "هذه الأموال الكبيرة التي تصرف وقت الانتخابات لها مصدران اثنان أساسيان، الأول أن يكون ممولا من دول خارجية، والثاني هو من الكسب الفاسد الذي حصل عليه من خلال استغلال منصبه في الدولة العراقية، وربما البعض اليسير هو من يصرف من ماله الخاص".

تشتيت الأصوات

من جهتها، تقول الباحثة السياسية، نور العابد، خلال تصريحات صحفية في 3 مايو/أيار 2021 إن "تكلفة طلب الترشيح المستقل هي 1500 دولار أميركي، والأحزاب الكبرى ذات المال السياسي الضخم تستغل ذلك لطرح أسماء لا تهدف منها الفوز بمقاعد طبعا، بل فقط لتشتيت أصوات الناخبين".

وأكدت العابد أن "الأحزاب السياسية الكبرى لا تركز على لعبة الدوائر في السباق الانتخابي فحسب، بل عبر ترشيح أشخاص مستقلين في الواجهة، لكي يشتتوا الأصوات".

وأضافت أنه "قبل أربعة أيام كان عدد المرشحين في نينوى (شمال العراق) 180 مرشحا و31 امرأة، ولكنه أصبح 478 مرشحا و119 امرأة، وغالبيتهم يدعون أنهم من المستقلين"، مشيرة إلى أن "الأهالي يشعرون بأن القانون لم ينصفهم بحسب تقسيمه".

أما رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي إحسان الشمري، فقد رأى خلال تصريحات صحفية في 3 مايو/ أيار 2021، أن "عملية تقسيم الدوائر راعت الأحزاب السياسية الكبرى".

فالقانون لم يشرع إلا بعد حصول توافق بين الأحزاب الكبرى"، مؤكدا أن "الدوائر رسمت على أساس التفاهمات السياسية للقوى التقليدية".

وأشار إلى أن "قانون الدوائر المتعددة لا يحقق التمثيل الحقيقي إلا إذ ترافق مع نضج ووعي سياسي لدى الأحزاب والناخبين، فضلا عن ضبط المال الانتخابي وقضايا التزوير".

وفي السياق، كشفت تقارير في أبريل/ نيسان 2021 أن قوى سياسية عراقية، تدفع أموالا تقدر بملايين الدولارات لبعض المرشحين مقابل انسحابهم من كتلهم السياسية والانضمام إليها.

ويعود هذا إلى أن فرص فوزهم مرتفعة في مناطقهم، الأمر الذي يضمن لهم مقعدا في البرلمان ويقلل من فرص فوز القائمة المنافسة.

استغلال الفقر

وبخصوص مدى تأثيره، رأى الكاتب العراقي كاظم الطائي أن "المال السياسي المستخدم قبيل وأثناء العملية الانتخابية، يدفع أصحاب المصالح للسيطرة على إرادة فئات من المجتمع للتصويت لصالحهم دون الالتفات إلى القوانين والأنظمة التي تجرم مرتكبي هذا الممارسات، والتي ما زالت بحسبهم حبرا على ورق لعدم تجريم أي من مستخدمي هذا المال ومعاقبتهم".

وأوضح الكاتب خلال مقال نشره موقع "ألواح وطنية" في 16 مارس/آذار 2021 أن "البعض من الساسة يعتقد أنهم يشاكسون القانون ويلتفون على بنوده، تحت عنوان (الفقر والديمقراطية لا يجتمعان) كقاعدة أساسية في علم الاجتماع السياسي".

ورأى الطائي أن "هذه الممارسات في ظل ما يشهده المجتمع العراقي من حالات فقر وعوز وبطالة تدفع بهم إلى التعامل مع المرشح الأقوى ماليا لتلبية بعض احتياجاتهم وربما إيجاد حلول لبعض مشكلاتهم التي عجزت الجهات المعنية عن تقديمها".

وتابع: "استغلال عوز المواطن وربما تحت عناوين مختلفة يمكن من شراء صوته بأي شكل من الأشكال، وهنا يكمن الخلل الذي يحدد لنا بوضوح الخلل القانوني الذي صاغه جياع الكتل السياسية المتعطشة للمال".

وواصل: "غالبية المرشحين يستغلون جيوب الفقر والعوز لجلب أصوات القاطنين في هذه المناطق (الفقيرة) لصالحهم الأمر الذي يؤثر على إرادة الناخبين وشراء أصواتهم لكسب المنافع الشخصية المتعلقة بهذا وذاك".

وعلى نحو مماثل، حذر القيادي في ائتلاف "النصر" عقيل الرديني خلال تصريحات صحفية في 13 فبراير/ شباط 2021  مما وصفه بـ"فوضى المال السياسي" في الانتخابات المقبلة.

وقال إن "المال السياسي له تأثير واضح وكبير على نتائج الانتخابات، خاصة مع لجوء البعض إلى دفع أموال وتجهيزات كهربائية وأفرشة للناخبين في الانتخابات،  الماضية عام 2018، مقابل التصويت لصالح قوائمهم".

وأضاف أن "المال السياسي إذا ما عاد مرة أخرى في الانتخابات القادمة سيقود إلى الفوضى، لأنه يمثل أكبر عملية فساد، وهو من سبب ببدء انهيار النظام السياسي في البلاد"، مؤكدا أن: “المفوضية السابقة لم تتخذ للأسف أي إجراءات رادعة بحق أي مرشح أثر على نتائج الانتخابات من خلال المال السياسي".

وأشار الرديني إلى أن "المفوضية الجديدة، إذا أرادت إجراء انتخابات حرة ونزيهة فعليها أن تلجأ إلى حرمان أي مرشح من المشاركة بالانتخابات إذا عمد إلى استخدام المال في التأثير على الناخبين، لكسب أصواتهم"، مؤكدا: "المال السياسي هو الفساد بعينه، وهو الفوضى التي قد تقودنا للمجهول".

ولفت إلى أن "أحزابا متنفذة تسيطر على آبار نفط ومنافذ حدودية وشركات عملاقة لديها إمكانيات مالية كبيرة، تحاول من خلالها كسب الأصوات، خاصة وأن البلاد تمر بأزمة اقتصادية صعبة وبطالة مرتفعة، لذا سيكون للمال السياسي دور في التأثير على الناخبين".