الفلسطيني نجيب أبو كيلة.. كيف اعتلى عرش السلطة في السلفادور؟

تحدثت صحيفة الإندبندنت البريطانية، عن رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة وكيفية صعوده إلى السلطة، في هذه الدولة الصغيرة الواقعة في أميركا الوسطى.
وقالت النسخة التركية من الصحيفة، في مقال للكاتب أوزغور أويانيك: "كان أبو كيلة يبلغ من العمر 36 عاما فقط عندما أعلن ترشحه لرئاسة السلفادور خلال بث مباشر على فيسبوك في يوليو/تموز 2018".
وتم اعتبار الأمر مجرد مزحة؛ لأن أبو كيلة لم يكن لديه حتى حزب، لكن المزحة تحققت، وأصبح أبو كيلة رئيسا للسلفادور بعد سنة من ذلك.
وأعلن الرجل رئاسته بتغريدة قال فيها: "أنا أروع رئيس في العالم رسميا". ولم تكن تغريدة "الرئيس الرائع" خاطئة تماما.
فقد بدأ أصغر رئيس في تاريخ السلفادور بوضع حد لامتيازات الحزبين اللذين كانا يسيطران على السياسة طوال الأربعين سنة الماضية بطريقة "رائعة" للغاية، وفق الكاتب.
وأوضح قائلا: فقد كان أبو كيلة يعلن قراراته بطرد بعضهم وتعيين بعضهم الآخر عبر حسابه على تويتر. وكان هناك أطفال وأحفاد وقادة حامية الرؤساء السابقين من بين الذين أقالهم من مناصبهم.
مع أن معدلات استخدام تويتر ليس مرتفعا في السلفادور التي تبلغ مساحتها الإجمالية 21 ألف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 7 ملايين، خاصة وأن 30 في المائة من الشعب أمي لا يعرف القراءة والكتابة و39 في المائة فقراء.
وعلى الرغم من الفقر ونقص التعليم والبنية التحتية الرقمية في بلاده، إلا أن اللمسات السحرية للرئيس أبو كيلة تصل إلى الشعب.
فبعد أن حقق هدف الرئاسة بدون حزبه، نجح أبو كيلة في الحصول على أغلبية البرلمان في الانتخابات التي أجريت يوم 28 فبراير/شباط، بعد عام واحد، وفقا للكاتب التركي.
درجات الصعود
وبحسب أويانيك ولد نجيب أبو كيلة كابن لأب فلسطيني مسلم. فيما يتمتع الأب أرماندو أبو كيلة بكل سمات الهوية العربية، حيث يُعرف بالإمام والتاجر الذي بنى مسجدا.
ومع أن العرب يشكلون 3-6 بالمئة من سكان السلفادور، إلا أنهم مجتمع قوي. ويعتبر الفلسطينيون من أكبر هذه المجموعات والتي ينتمي إليها الرئيس نجيب أبو كيلة.
ويعتبر "نادي السلفادوريون العرب" الذي يتكون من 1600 أسرة، قوة اقتصادية مهمة في البلاد، حيث تمتلك هذه المجموعة استثمارات في العاصمة ومحيطها بقيمة 20 مليار دولار، يلفت الكاتب.
ويستدرك قائلا: "ومع أن أبو كيلة يحاول رسم صورته كرجل أعمال ناجح إلا أنه لا يوجد ما يدعم هذا الادعاء، حيث يقال إنه كان يدير ملهى ليليا في العشرينات من عمره. أما قبل دخوله السياسة، فقد كان يُنظر إليه كمدير في شركة والده، كما يبدو أنه عمل كممثل لشركة ياماها أيضا".
وتابع قائلا: "وبما أن شركة والده أدارت أعمال الدعاية لجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني الحاكمة لمدة 12 عاما، دخل أبو كيلة السياسة من خلال هذا الحزب بسبب علاقة والده مع زعيم الجبهة شفيق حنظل، الذي كان أيضا من أصل عربي وأصبح مرشحا لبلدية نويفو كوسكاتلان الذي يبلغ عدد سكانها 6000 نسمة، ليفوز فيها بـ 2862 صوتا".
وقد اتبع أبو كيلة أسلوب إدارة غير متوقع في هذه المدينة الصغيرة، فقبل كل شيء لم يقم بتسريح أي من عمال البلدية، بل رفع رواتبهم.
سهل التعليم والرعاية الصحية، وركز على تحسين المعيشة وتوفير مياه الشرب وعبد الطرق المؤدية إلى العاصمة وعمل على إحياء اقتصاد البلدية، وتعزيز السياحة المحلية وتحسين البنية التحتية العامة، وبدأ في تقديم معونة غذائية شهرية للمسنين، كما تبرع براتبه لتمويل المنح الجامعية، وفقا للكاتب.
وتابع: "نتيجة للتقدم الذي أحرزه خلال ثلاث سنوات تم اختيار بلديته كبلدية نموذجية في الأمم المتحدة. لكن ما يثير الاهتمام أنه خسر الرئاسة في أول انتخابات دخلها.
وهكذا رشحته جبهة فارابوندو لمنصب رئيس بلدية العاصمة، ليفوز في هذه الانتخابات بفرق ضئيل ويقوم ببداية مماثلة للانتخابات السابقة.
كان أبو كيلة يستهدف الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد عامين، لقد كانت هناك عقبتان أمام تحقيق هدفه: الأول كان حزبه جبهة فارابوندو للتحرير الوطني، والثاني منافسه التاريخي التحالف الجمهوري الوطني.
ويوضح الكاتب ذلك قائلا: فلم يكن ليستطيع أبو كيلة أن يفرض نفسه على جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني كرئيس للدولة؛ لكنه يستطيع أن يمنع ظهور بديل آخر.
أما بما يتعلق بالعقبة الثانية فقد تمكن أبو كيلة من التأثير على قاعدة التحالف الجمهوري الوطني بخطاب يميني شعبوي، ذهب به إلى إطلاق اسم الضابط روبرتو داوبويسون أرييتا، مؤسس التحالف الجمهوري الوطني على أحد الشوارع.
نحو عرش السلطة
ويذكر أويانيك أن أبو كيلة قطع علاقاته مع جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني وبدأ في بناء سياسته الخاصة. وجاء نجاح استراتيجيته في هجومه على هذين الحزبين المسؤولين عن النظام المشوه والفاسد الذي نشأ بعد الحرب الأهلية مرة واحدة.
فلم يستنفد الحزبان توقعات وآمال الشعب فحسب، بل كانا قد شاخا أيضا في الثلاثين عاما الماضية.
كان أبو كيلة يقول عنهم بأنهم "دائما نفس الرجال المسنين". هذا صحيح، فقد كان الذين يشغلون المقاعد السياسية من كبار السن في السلفادور، الذين يبلغ متوسط أعمارهم 38 عاما، وفق الكاتب.
لكنه أصبح عدوانيا مع تزايد قوته في السياسة حتى أنه شجع معجبيه على مهاجمة الصحف المناهضة له في العالم الواقعي والافتراضي.
وخرج أبو كيلة من تحت أنقاض نظام الحزبين، متلألئا كنجم ضد الفساد والفقر والعصابات. ويكفي لفهم نموه السريع أن نعرف أن اثنين من بين الرؤساء السابقين خلال الثلاثين سنة الماضية يقبعون في السجن والثالث منهم هارب منها.
ويضيف: كانت فضائح الفساد والنظام الفاسد يقويان من موقف أبو كيلة، ليتحول إلى رئيس مثالي قاتل بمفرده في المعركة ضد كل من الصحافة وجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني والتحالف الجمهوري الوطني.
وكان يرفع شعارا لافتا يقول فيها "أعيدوا ما سرقتموه" أمام لافتة "لنصنع التاريخ".
ولم يكن يتحدث عن المرشحين الآخرين بشكل مباشر أبدا كما لم يدخل في أي نقاش. ودخل الانتخابات مع "التحالف الكبير من أجل الوحدة الوطنية"، الذي أسسه مع أحزاب صغيرة أخرى، وفاز في الجولة الأولى بفارق 20 بالمئة عن أقرب منافسيه، التحالف الجمهوري الوطني، وفق الكاتب.
وبعد أن تولى نجيب أبو كيلة الرئاسة، واصل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنشاط، كما زاد من ضغطه على الحزبين المهيمنين في البرلمان، واستهدف المحكمة العليا التي لم تؤيد قراراته.
وعكس هذا الصراع للشعب بشكل مبالغ فيه، وكان يقول إن عناصر "النظام القديم" تمنعه من "نقل البلاد إلى المستقبل"، بحسب الكاتب.
وعلى الرغم من أن أبو كيلة أجل مدفوعات الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه أثناء تفشي فيروس كورونا، وقدم 300 دولار لكل منزل إلا أن الإنفاق غير المنتظم أدى إلى ظهور فساد يعادل ملايين الدولارات.
ويتابع: اعترف وزير الخزانة أن وزير الصحة قدم عطاء لأسرته وأن الكمامات قد تم شراؤها بأسعار مرتفعة.
ومع ذلك، تمكن أبو كيلة من تقديم نفسه كقائد يفعل الكثير لأجل شعبه على الرغم من النظام، من خلال الدعاية بأن البرلمان لم يخصص "فلسا واحدا" في الميزانية لأجل الوباء.
بلا أيديولوجية
ويستطرد أويانيك قائلا: وبغض النظر عن مدى معارضة اليمين إلا أنهم يراقبون أبو كيلة بإعجاب، فيما يتحدث عنه اليساريون والليبراليون والمدافعون عن حقوق الإنسان بقلق. كيف يجب عليهم ألا يفعلوا والرئيس الشاب لا يتخذ أي موقف سياسي. إنه تقريبا "مخلص" أو حتى "مسيح"، وفق تعبير الكاتب.
وتابع موضحا: فقد حشد الجيش في ساحة العاصمة وأعلن "حربا مقدسة" ضد الفساد. إنه يقدم القوات المسلحة في كل فرصة على أنها نصب أخلاقي لا يرقى إليها الشك وأنها فوق المجتمع. ومن الواضح أن أبو كيلة يستخدم الجيش والشرطة كقوة حزبية خاصة به.
وأردف: "إنه يشن حربا غير شرعية ليس فقط ضد المعارضة، بل على الصحافة والمحكمة العليا. فهو لا يحترم المؤسسات الديمقراطية التي تضمن الحقوق. إنه يحرض الناس باستعمال نقاط ضعفهم. والأهم من ذلك كله، أن التعددية تعني الشرائح غير المحددة في أسلوبه السياسي، فهو يسرق شيئا من كل أيديولوجية".
ويضيف: وفي الواقع، يقوم كل شيء في النظام الجديد المبني على شخصية أبو كيلة على عدم اليقين. فلا تستند الميزانية إلى معايير فنية كما تفتقر التزامات القروض إلى صافي الضمانات المالية.
وقد اضطر محافظ البنك المركزي الذي طبع سندات دين بقيمة 2.6 مليار دولار إلى الاستقالة في نهاية سبتمبر/أيلول، لأنه لم يستطع شرح ذلك للجنة البرلمانية.
كما استقال وزير الخزانة، نيلسون فوينتس، الذي اختلف مع الرئيس في السياسة. ولا يعرف اليساريون ولا اليمينيون كيف يواجهون أبو كيلة.
فالذين يتهمونه بالديكتاتورية لا يمكنهم حتى الآن تفسير ما تغير في هذا البلد في أميركا الوسطى الذي خسر فيه 75 ألف شخص أرواحهم في الحرب الأهلية وفي عهد هيمنة العصابات، وفقا للكاتب التركي.
ويقول: نحن نعلم أن أبو كيلة لم يتلق تعليما أكاديميا، فربما لم يقرأ رئيس السلفادور الشاب كتابا واحدا في حياته.
كما أنه لم يُلاحظ أبدا أنه يمنح الاهتمام لأي شخص أكثر من عشر دقائق. لهذا لا أحد يفهم كيف تحول إلى رئيس يتمتع بشعبية كبيرة جدا.
ووفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش لن يكون أبو كيلة قادرا على التصرف بشكل مريح مع وصول الرئيس جو بايدن. كما يرى رئيس منظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو، أبو كيلة، بديلا موثوقا ضد إدارة دانييل أورتيغا في نيكاراغوا المجاورة، بحسب ما نقل الكاتب.
ووصل أبو كيلة أخيرا إلى مرحلة جديدة بإضافة المجلس إلى القوة التي بناها بسرعة. هو يحطم الديمقراطية المؤسساتية التي لم تتمكن السلفادور من تحقيق الاستقرار بها حتى الآن.