أرقام رسمية تخفي الحقيقة.. لماذا يقبل الأطفال على الانتحار في إيران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسجل إيران ارتفاعا صادما في حالات الانتحار بين الأطفال، وسط تحذيرات من تنامي الظاهرة بالمجتمع كونها بلغت أرقاما قياسية غير التي تعلنها السلطات، ولا سيما بمناطق البلاد الغربية في همدان وكرمانشاه وكردستان ولرستان ومحافظة كهكیلویه وبویر أحمد.

خلال مدة لا تتجاوز الشهرين، سجلت إيران 6 حالات انتحار في صفوف الأطفال بمحافظة خوزستان غرب البلاد، حيث أعلن محافظ المدينة، آرش قنبري، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب حوادث انتحار الأطفال الأخيرة بالمحافظة.

التزايد الملحوظ في حالات الانتحار بين الأطفال، أثار تساؤلات عن الأعداد الحقيقية لأعداد المنتحرين؟ وما هي الأسباب الرئيسة التي تدفعهم إلى قتل أنفسهم؟ وهل ثمة إجراءات حكومية لإيقاف الظاهرة التي باتت تشكل تحديا حقيقيا للسلطات الحاكمة في إيران؟.

أرقام صادمة

توثق وسائل إعلامية إيرانية بصفة دورية حالات انتحار وسط الشباب والمراهقين، ووفق إحصاءات منشورة، فإن أكثر من 13 شخصا ينتحرون يوميا في إيران، وتتراوح أعمار جل المنتحرين بين 15 و35 عاما.

معدل الانتحار ارتفع في إيران ربيع عام 2020 بنسبة 23 بالمئة، مقارنة بعام 2019، كما ارتفعت هذه النسبة إلى 60 بالمئة في فترة السنوات الأربع من عام 2015 إلى 2019 بمعدل 15 بالمئة سنويا، وفقا لـ"المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" في يوليو/ حزيران 2020.

وفي فبراير/ شباط 2020، أعلنت منظمة الطب الشرعي في إيران، أن 7 في المئة من حالات الانتحار في البلاد هي للأطفال والمراهقين، فيما تؤكد وسائل إعلام إيرانية معارضة أن السلطات في الجمهورية الإسلامية لم تنشر تقارير دقيقة عن إحصاءات الانتحار أو وفيات الانتحار لأكثر من 7 سنوات.

وسجلت مدينة رامهرمز بمحافظة خوزستان، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، آخر حالة انتحار في إيران، والتي كانت لطفلة في الخامسة عشر من عمرها، أقدمت على شنق نفسها.

وانتحرت طفلة أخرى تدعى باراستو جليلي عازار (13 عاما) في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بعد 10 أيام فقط من انتحار الطفل محمد موسوي زادة (11 عاما).

وهناك الكثير من الأمثلة عن أطفال ينتحرون في إيران جراء الفقر المدقع، مثل روجان (14 عاما)، وسنندج (17 عاما) في منطقة عبادان خلال سبتمبر/ أيلول 2020.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 أيضا، انتحرت عسل (16 عاما) في رباط كريم، وكذلك زهرة (16عاما) في كنجان بوشهر، وكذا مرتضى الذي كان يبلغ 10 أعوام، في إيلام، بالإضافة إلى موبينا (11 عاما) في طهران.

"مرصد حقوق الإنسان الإيراني" قال في بيان صدر 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "هذه ليست سوى أمثلة قليلة على عمق الكارثة الإنسانية التي نشأت في ظل الحكم في إيران".

وحسب موقع "إيران بلا أقنعة" المعارض، فإن العدد الحقيقي لحالات الانتحار يفوق ما تعلن عنه وسائل الإعلام الإيرانية، إذ نقلت عن الخبير الإيراني مصطفى إقليما، قوله: "لا يتم الإعلان عن عدد حالات الانتحار ما لم تكن علنية".

ولفت الموقع إلى أن "وسائل الإعلام الحكومية تسعى بين الحين والآخر إلى أن تعزو انتحار الأطفال والصبيان إلى عوامل أخرى غير الفقر لتنقذ النظام من تحمل المسؤولية عن تفشي الكارثة بين الأطفال".

وقبل ذلك، أعلن رئيس منظمة الطب الشرعي الإيراني، أحمد شجاعي، في مايو/ أيار 2019، أن سبب عدم نشر إحصاءات الانتحار في إيران هو الخوف من الآثار "غير المرغوبة" المترتبة على ذلك، مدعيا أن معدلات الانتحار في إيران أقل من أوروبا وشرق آسيا.

دوافع متباينة

تباينت تفسيرات الخبراء بشأن الدوافع التي تقود الأطفال واليافعين إلى الانتحار في إيران، ففي وقت تعزو فيه السلطات الظاهرة إلى الخلافات العائلية، والغزو الفكري، فإن مختصين يؤكدون أنها نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الرواتب، واتساع الفجوة الطبقية.

وقال رحيم رستمي، مدير دائرة التربية والتعليم، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "إن حالات انتحار الأطفال مؤخرا في المحافظة، تعود إلى "خلافات عائلية، وتعصبات عمياء، والغزو الفكري، وعدم الاستجابة لمتطلبات الحياة".

وأضاف: أن "4 آلاف تلميذ على الأقل من أصل 27 ألفا في المدينة، محرومون من اقتناء الهواتف الجوالة لمتابعة دراستهم"، في إشارة إلى آخر 6 حالات انتحار وقعت منذ بدء العام الدراسي في سبتمبر/ أيلول 2020، وكان سببها عدم حصول الطفل على هاتف محمول لإتمام واجباته الدراسية.

وفي المقابل، رأى أستاذ الدراسات التركية والإيرانية في جامعة القاهرة، سامح الجارحي، أن الظروف الاقتصادية الصعبة والعنف الأسري، سببان كافيان لتفاقم ظاهرة الانتحار بين الأطفال والشباب.

مضيفا: "خصوصا في المناطق الواقعة على أطراف إيران، ويسكنها عدد كبير من الأقليات، التي لا يرغب فيها النظام الإيراني، لذا يتركها تعاني التهميش والإقصاء، بجانب أن العنف الأسري، الذي يماَرس ضد الطفل والمرأة، هو نتاج أيضا للأحوال الاقتصادية المتردية".

ولفت الجارحي خلال تصريحات صحفية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلى أن أحد الأسباب الأخرى وراء تفاقم ظاهرة الانتحار، هو عمالة الأطفال، إذ يعمل عدد كبير منهم في مهن خطيرة وصعبة أدت إلى تسربهم من التعليم، فضلا عن أن الظروف الاقتصادية أثرت على النواحي الاجتماعية وخلفت تفككا أسريا عظّم المشكلات النفسية لدى الأطفال، ومن ثم ميلهم إلى التخلص من حياتهم.

وأردف: "نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال تكون من أبناء اللاجئين الأفغان، لأن ذويهم يتعرضون للقمع والتعذيب، ما يجعلهم يفقدون العائل الأساسي لأسرهم. كل هذا لأن النظام الإيراني يمارس العنصرية تجاه اللاجئين".

من جهته، أكد كيانوش هادي شريعتي، الخبير الإيراني في مجال حقوق الأطفال، أن "العنف والضغوط والإجبار في التعليم والزواج القسري وتقليد مشاهد الإعدام العلنية والتوزيع غير العادل للثروة، لا سيما بين المدن الحدودية، تعد من الأسباب الحقيقية لارتفاع حالات الانتحار بين الأطفال والناشئين في إيران".

وقال شريعتي خلال حديث صحفي مع وكالة "إيلنا" الإيرانية في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "الانتحار بين الأطفال في بلادنا أصبح مثيرا للقلق ووصل إلى حد التحذير".

وأشار إلى أن العامل الأكثر تأثيرا في حالات الانتحار بين الأطفال في بلاده هو "الإعدامات العلنية التي ينفذها النظام في الشوارع بحق المحكومين بالإعدام لأسباب مختلفة".

أما صحيفة "حمدلي" الإيرانية، فكتبت في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن "هذه ليست المرة الأولى التي يدفع فيها الفقر أطفال دولة غنية مثل إيران إلى الانتحار".

وذكّرت الصحيفة قراءها بزينب التي شنقت نفسها في مدينة إيلام خلال مارس/آذار 2020 لأنها لم تكن ترتدي ملابس جديدة للعام الجديد. وقالت: إن "أمنيتها الأخيرة كانت شراء مجموعة من الملابس الجديدة لعيد نوروز".

ونشرت منظمة الرعاية الاجتماعية الإيرانية في 26 مايو/ أيار 2020، نتائج تحقيقات جرت حول حالات انتحار الأطفال، وأظهرت أن أهم أسباب الانتحار لدى الأطفال: "انهيار العلاقات العاطفية، والصراع مع الأسرة، وانهيار العائلات، والمشاكل النفسية".

تقاعس حكومي

في ظل تزايد حالات الانتحار بين الأطفال، فإن السلطات الإيرانية تحاول التكتم على نشر أخبار انتحار الأطفال، فقد دعا محافظ المدينة آرش قنبري خلال رسالة رسمية موجهة إلى دائرة وزارة الإرشاد والثقافة في المحافظة، وسائل الإعلام والصحفيين المحليين، إلى تجنب نشر أخبار حالات الانتحار بحجة عدم انتهاء التحقيقات.

وأعلن محافظ المدينة آرش قنبري، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب حالات انتحار الأطفال مؤخرا في المحافظة، مكونة من خبراء من الشرطة، والطوارئ الاجتماعية، وأطباء، وإدارتي المحافظة والتربية والتعليم.

لكن "مرصد حقوق الإنسان الإيراني" يشير إلى تقصير الحكومة في إنهاء أسباب الانتحار لدى الأطفال، بالقول: إن "النظام وعد بتلبية متطلبات التعليم عبر الإنترنت مجانا، بما في ذلك توفير الهواتف الذكية والإنترنت المجاني للطلاب، إلا أن مسؤولين حكوميين يتوقعون احتمال تسرب 36 في المئة من الأطفال، بسبب الفقر وعدم القدرة على توفير الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحية، ولا سيما في المناطق الريفية".

في غضون ذلك، سلطت جمعية "الإمام علي" الإغاثية الطلابية، على إحدى الحالات التي تقاعست الحكومة في تداركها، وقالت: إن "طفلا يبلغ من العمر 11 سنة ينتمي إلى عائلة تعاني من ظروف معيشية سيئة في كرمانشاه، أقدم على الانتحار ولقي مصرعه".

وكتبت هذه الجمعية الخيرية على صفحتها بموقع "تويتر" في 8 يونيو/ حزيران 2020 أن الطفل آرمين تشاجر مع جدته ثم أنهى حياته بتناوله حبوب الميثادون، فيما كان والد الطفل مدمنا، ووالدته متوفية بسبب مرض السرطان.

ولفتت جمعية "الإمام علي" إلى أنه رغم إبلاغ هذه الحالة إلى الموظفين والمسؤولين في مراكز الطوارئ الاجتماعية ومنظمة الرعاية الاجتماعية لحماية ورعاية أطفال هذه الأسرة لكنهم لم يقوموا باتخاذ أي إجراء بهذا الخصوص. وذكرت أن "آرمين ضحية أخرى لتقاعس وإهمال المسؤولين ونقص قوانين دعم الأطفال".