في متناول الجميع.. لماذا أغرق التحالف و"الانتقالي" اليمن بالحشيش؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن فكرة نشر الحشيش والمخدرات في أوساط المجتمعات باتت الوسيلة المثلى والأقل كلفة لخمد أي حراكات شعبية واحتجاجات غاضبة، جراء تدهور الأوضاع وغياب الخدمات الأساسية.

في عدن جنوبي اليمن، تعاني المدينة من تدهور حاد في الخدمات الأساسية، تمثلت بغياب الكهرباء وانقطاع المياه وانقطاع الرواتب، مع تزايد نسبة الجريمة واتساع رقعة الانفلات الأمني.

يأتي ذلك بالتزامن مع انتشار وتهريب الحشيش والمخدرات، فالسفن التي تهرب تلك المواد الممنوعة باتت تتقاطر إلى عدن، وتسلك طريقها من قبالة ساحل المهرة (شرق البلاد)، وبين الحين والآخر تعترض سلطات خفر السواحل تلك السفن وتقوم باحتجازها.

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اعتقلت قوات خفر السواحل اليمنية سفينة كان على متنها 6 بحارة إيرانيين وباكستاني واحد، محملة بحوالي طن من المواد المخدرة، قبالة سواحل مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة.

ووفق وكالة سبأ اليمنية، فإن شحنة الممنوعات بلغت نحو 730 كيلوجراما من الحشيش الخارجي (رايتنج)، بالإضافة إلى نحو 216 كيلوجراما من الحبوب المخدرة متعددة الأنواع.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أحبطت إدارة أمن عدن 3 أطنان من الحشيش معبأة في أكياس خاصة بالسكر في إحدى الحاويات، وكانت الكمية المضبوطة قد أتت على متن سفينة قادمة من البرازيل، وصلت إلى ميناء جدة، قبل أن تقوم بتفريغ شحنتها في عدن.

إتجار وتهريب

وزارة الداخلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء، ضبطت في 15 سبتمبر/أيلول 2020، 7 أطنان و16 كيلو جراما من الحشيش خلال شهر أغسطس/آب 2020، وذلك في 155 قضية اتجار وتهريب للمخدرات، قبضت من خلالها على 409 متهمين، بينهم 215 ينحدرون من جنسيات أجنبية.

وقالت الداخلية: إن "تحالف الرياض أبوظبي يسعى لإغراق اليمن بالمخدرات عبر مرتزقة سخرهم لهذه المهمة"، محملة في ذات الوقت التحالف المسؤولية الكاملة، بصفته المسيطر على جميع المنافذ البرية والبحرية في اليمن.

وكانت رئيسة مركز عدن للتوعية سعاد علوي قد أفادت في تصريح لصحيفة "الأيام" اليمنية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2019، قالت فيه: إن انتشار ظاهرة المخدرات في الجنوب تقف خلفه جهات نافذة وقوى متنفذة في السلطة وخارجها، مؤكدة انتشار الحشيش بين أوساط الشباب على نحو واسع.

ومما يشير إلى تورط قيادات جنوبية بتعاطي المخدرات أن القيادي العسكري في المجلس الانتقالي ومسؤول مكافحة الإرهاب وأحد أبرز العاملين لصالح القوات الإماراتية يسران المقطري، تم إلقاء القبض عليه في القاهرة وبحوزته كمية من الحشيش والمخدرات.

السلطات الأمنية المصرية ألقت القبض على المقطري بشقة في أحد أحياء القاهرة في ديسمبر/كانون الأول 2018، قبل أن تقوم السلطات الإماراتية بالتوسط والإفراج عنه لاحقا.

 

تثبيت الانقلاب

بالنسبة للمجلس الانتقالي، فإن غياب الخدمات وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بشكل حاد في عدن يأتي في وقت حساس للغاية، حيث يسعى لتثبيت انقلابه على الشرعية وإعلانه الإدارة الذاتية في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية.

ومن شأن الاحتجاجات لو اندلعت إفشال مخطط تثبيت الانقلاب الذي أنفقت عليه الإمارات أموالا طائلة من خلال تمويلها الحرب والمليشيات الانقلابية التابعة للمجلس الانتقالي لأكثر من 5 سنوات.

كثيرون يربطون بين انتشار الحشيش في أوساط الشباب في عدن وبين تراجع المظاهرات، في إشارة إلى مسؤولية أجنحة في المجلس الانتقالي عن انتشار ظاهرة تسويق وتعاطي الحشيش من قبل الشباب.

غير أنه لا يمكن إثبات التهم التي تشير إلى تورط سلطات المجلس الانتقالي أو أجنحة تابعة له، بنشر الحشيش في أوساط أبناء عدن، ذلك لأنها تهم غير رسمية وغير مثبتة، لكن الانتقالي هو المستفيد الأكبر من تغييب وعي الشعب وإغراق المدينة بأصناف الحشيش، وبالتالي القضاء على أي احتجاجات أو مظاهرات، وفق متابعين.

من ناحية أخرى، فإن المجلس الانتقالي بصفته السلطة المسيطرة على عدن، يعد المسؤول الأول عن انتشار تلك الأصناف من الحشيش والمخدرات وبكميات كبيرة.

مصادر طبية في عدن كشفت في أبريل/نيسان 2018، عن وجود مواد مخدرة على شكل حلويات يتم ترويجها في أوساط الشباب والمراهقين وطلاب المدارس، وتزايدت عمليات ترويج المخدرات بهذا الشكل بعد أن كان يتم ترويجها في أوساط الشباب على شكل سجائر وخلطات المعسل وهو التبغ المستخدم في "الشيشة" وأشكال أخرى، بما يسهل ترويجها في أوساط الشباب والبالغين.

بلا محاكمات

ما يشير إلى فرضية تورط السلطات في عدن أنه رغم الإعلان عن إحباط كميات من المخدرات المهربة والقبض على أصحابها، إلا أنهم لا يمثلون للنيابة أو للمحكمة، ولم تصدر بحقهم أحكام.

الصحفي اليمني فتحي بن لزرق وهو من أبناء مدينة عدن غرد على تويتر قائلا: "أين يذهب تجار المخدرات عقب إلقاء القبض عليهم في عدن؟ لطالما سألت نفسي هذا السؤال مع الإعلان عن كل عملية ضبط تاجر مخدرات. خلال عام واحد تم الإعلان عن أكثر من 70 عملية ضبط مخدرات بواقع يجاوز 20 طنا. لكن للأسف لم نر تاجر مخدرات واحد يحال إلى القضاء أو النيابة.. أين يذهبون لاحقا؟".

وفي وقت سابق حذر ابن لزرق من انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات ورواج المواد المخدرة والحشيش والخمور في مدينة عدن، مؤكدا أن هناك من يعمل على تدمير شباب عدن وتدمير المجتمع بأكمله.

في متناول الجميع

في تصريح للاستقلال يقول كمال (اسم مستعار) وهو أحد أبناء مدينة عدن: إنه بات من الملاحظ جدا خلال السنتين الماضيتين انتشار الحشيش بين أبناء مدينة عدن بشكل واسع.

يضيف كمال الذي لم يرغب بالكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية أن أماكن بيع الحشيش باتت معروفة للكثيرين، حيث يوجد معظم بائعي الحشيش في أماكن غسيل السيارات، ويتسترون بمهنة غاسلي السيارات، مضيفا أن زبائنهم عادة ما يأتون لغسل السيارات، وغاسلو السيارات بدورهم يقومون بوضع الحشيش في سياراتهم.

يتابع كمال، وهو موظف في إحدى شركات الأدوية بعدن: "اشتهر أيضا سائقو الدرجات النارية بالترويج وبيع الحشيش، وهم أعرف الناس بأماكن وجوده وبيعه"، مضيفا: أن "كثيرين باتوا يعرفون أن هؤلاء يسوقون الحشيش، لكن لا أحد يعترضهم أو يكلمهم حتى من السلطات الأمنية".

ويتابع كمال: "المصيبة في الأمر أن سعر الحشيش بات في متناول الجميع، حيث يمكن شراء كمية من الحشيش تكفي ليوم أو يومين بقيمة علبة السجائر، أي بما يساوي دولارين تقريبا، وعليه فقد لوحظ زيادة نسبة الجريمة، حيث إن أكثر المتورطين بارتكاب جرائم في أحياء عدن عادة ما يكونون معروفين لدى الكثيرين من أبناء عدن بتعاطيهم الحشيش والمخدرات".

يختم جمال بالقول: "إدمان الحشيش يتزايد في صفوف الشباب على وجه الخصوص، وفي صفوف النساء أيضا، وبات كثير من الشباب لا هم لهم إلا تدبير قيمة الحشيش، ثم تدخينه، وهذا هو الهم اليومي لدى كثيرين".