تقلبات الفتوى.. هكذا تتعامل "كبار العلماء" السعودية مع الإخوان

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أن كانت على وفاق معها، انقلبت الأحوال اليوم بين المملكة العربية السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن حولتها الرياض إلى منظمة إرهابية وأعلنت عداء مستحكما ضدها.

وشنت السلطات السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان هجوما جديدا ضد جماعة الإخوان المسلمين، عن طريق هيئة كبار العلماء السعودية، واحدة من أكبر المؤسسات الدينية في البلاد، والتي وصفت الجماعة في بيان لها بـ "الإرهاب وإفساد البلاد والعباد".

وهو ما أثار قطاعات من الرأي العام العربي والإسلامي ضد بيان الهيئة، خاصة وأنه يأتي في ظل توقيت حرج، من الإساءة إلى المقدسات والشعائر الإسلامية.

وكذلك انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وثائق ومنشورات عن تاريخ الإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية، وارتباطهم بعلاقات طيبة مع بعض الملوك، مثل الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز.

لسان الأمير 

بعد الانقلاب العسكري في مصر، الذي راح ضحيته آلاف المواطنين بطريقة دموية، على يد السلطة الجديدة المدعومة من السعودية والإمارات، اتخذت الرياض بشكل واضح نهجا معاديا لجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت على سدة السلطة قبل الانقلاب، خلال عهد الرئيس المصري الراحل الدكتور محمد مرسي.

وفي مارس/ آذار 2014، قطعت السعودية كل السبل مع الجماعة، بعد أن صنفتها بشكل رسمي، وعبر مرسوم ملكي، جماعة إرهابية، وجرمت التعامل معها، في حدث غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين المملكة والتنظيم.

ومع صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى حكم المملكة، وبروز نجم ولي عهده محمد، ازدادت الهوة بين الطرفين، واستخدمت مؤسسة الحكم في المملكة أسلحتها ضد الجماعة، وخاصة المؤسسات الدينية.

ففي يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية، بيانها التي قالت خلاله: "منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئا بالشرور والفتن، ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادا مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم".

ذلك البيان من أكبر هيئة للفتوى في المملكة العربية السعودية، اعتبره كثيرون مسيسا، وبلسان الأمير ابن سلمان، الذي يعد أقوى رجال المملكة حاليا، والمتحكم الرئيسي في مسارها. 

فيما رد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، طلعت فهمي، في تصريح للأناضول، على البيان السعودي قائلا: إن "جماعة الإخوان دعوية إصلاحية، وليست إرهابية".

وذكر فهمي أن "الجماعة تأسست في مصر عام 1928، بعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب وتفريق صف الأمة، وهي منذ نشأتها جماعة دعوية إصلاحية تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة دون إفراط أو تفريط".

وأضاف: أن الجماعة "تنفي كل الاتهامات التي ساقتها هيئة كبار العلماء ضدها، وأن منهجها تأسس على كتاب الله وصحيح السنة دون شطط أو تطرف، وتاريخها يشهد بذلك".

واستشهد فهمي بأقوال علماء سعوديين بارزين هم: "عبد العزيز بن باز، وابن جبرين وسفر الحوالي، واللجنة الدائمة للإفتاء (رسمية)، بحق الجماعة، وأن "هؤلاء قالوا إن الإخوان من أقرب الجماعات إلى الحق، ومن أهل السنة والجماعة والفرق الناجية وجماعة وسطية وتقصد الإصلاح والدعوة إلى الله".

ولفت إلى أن "الجماعة بعيدة تماما عن العنف والإرهاب، وكانت دوما ضحية لعنف وإرهاب النظم الدكتاتورية.. الجماعة ظلت منحازة للعقيدة الإسلامية الصحيحة وقضايا الأمة العادلة، وأولها قضية فلسطين".

تنديد واسع 

بيان هيئة كبار العلماء السعودية ضد جماعة الإخوان، أحدث ردة فعل متباينة في الأوساط الإسلامية والعربية، ووجد تنديدا واسعا من هيئات إسلامية وعلماء دين بارزين.

وفي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اعتبرت حركة "مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي بالجزائر، أن "بيان هيئة كبار العلماء السعودية بشأن جماعة الإخوان ينشر الفتنة بين المسلمين".

وقال الحزب الجزائري: إن "بيان هيئة كبار علماء السعودية من الإخوان المسلمين سياسي ولا علاقة له بالشرع كما أنه ينشر الفتنة بين المسلمين".

كما رفض وندد أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، بهجوم هيئة كبار العلماء في السعودية على جماعة الإخوان المسلمين، متسائلا عن الأوجب في ظل الظروف الراهنة.

القره داغي، قال في تدوينة له عبر صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك": "ليس من باب الدفاع عن الإخوان، وإنما من باب إحقاق الحق، سؤال موجه إلى هيئة كبار العلماء".

وأضاف: "من باب فقه الميزان وفقه الأولويات: هل الهجوم على (الإخوان) أفضل أم الهجوم على مشجعي الرسوم المسيئة لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم؟".

وتساءل: "أم أنه الأوجب الهجوم على محتلي الأقصى والقدس، والمطبعين والمطبلين لدولة الاحتلال؟!" 

ويذكر أنه في فبراير/ شباط 2020، أعفى وزير التعليم السعودي، حمد آل الشيخ، عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لاستضافته شخصيات علمية، تبين فيما بعد أنهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين.

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، قامت بعض الجامعات في المملكة بإتلاف كل ما له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين في مكتباتها، وأنشأت وحدات للتوعية منهم في انقلاب شامل للوضع السابق، وتماهيا مع خط ولي العهد محمد بن سلمان، الذي تغافل تاريخ من وجود الإخوان المسلمين في ربوع المملكة، وعلاقتهم السابقة بقصر الحكم.

علاقات تاريخية

خلال حقب تاريخية سابقة، مرورا بالوقت الراهن، مثلت طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين (الظهير الشعبي الأكبر لتيارات الإسلام السني)، والمملكة العربية السعودية، أبعادا مختلفة.

فمن الاحتضان الكامل، والتوافق، والدعم بين الطرفين بداية من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والعصر الذهبي أثناء حكم الملك فيصل بن عبد العزيز، إلى انفجار الخصومة والعداء المستحكم بعد ثورات الربيع العربي حقبة الملك عبد الله، والملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان.

وعندما نشرت هيئة كبار العلماء السعودية، البيان الذي هاجم جماعة الإخوان المسلمين، تم تداول مواقع التواصل الاجتماعي، ما نشرته الصحف ووسائل الإعلام السعودية في زمن سابق عن الجماعة على لسان الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، عندما وصف الإخوان المسلمين بـ "المجاهدين".

وكانت مؤسسات المملكة الرسمية تحتضنهم وتكيل لهم المدائح، بينما هاجمت الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان ينكل بالإخوان في تلك الفترة، عندما قالوا عنه: "كافر بالإجماع"، ليظهر حجم التناقض في موقف المملكة بين الأمس واليوم، ويظهر التساؤل، لماذا لم ترع هيئة كبار العلماء السعودية ذلك التاريخ في فتواها الأخيرة؟ أم اعتمدت أن الناس لهم ذاكرة السمك، ويغفلون عن الموقف الرسمي القديم للمملكة؟ 

ضلالات مقصودة 

الأستاذ بجامعة الأزهر، الدكتور محمد أبو زيد، قال "للاستقلال": إن "فتوى هيئة كبار العلماء السعودية، المتعلقة بالإخوان المسلمين، مسيسة بوضوح وبلا شك، وخضعت في إصدارها لإرادة النظام الحاكم في البلاد، الذي اتخذ موقفا مناهضا ضد الجماعة منذ سنوات، وذلك بخلاف العهد القديم وسنوات الوئام واحتواء الجماعة".

وبذلك فقد خرجت الفتوى من مقصدها الشرعي، إلى أحكام الهوى والسياسة، وهو ما نطلق عليه (عوامل الخلل في منهجية إصدار الفتوى) ما يجعلها باطلة، وفاقدة للأهلية، وفق قوله. 

وأضاف متعجبا: "كيف لهيئة مثل كبار العلماء السعودية، وهي واحدة من أكبر منصات إصدار الفتوى في العالم الإسلامي، أن تصير إلى هذا السقوط المروع، وتنشر ضلالات مقصودة، ومكشوفة أمام علماء الأمة، بل وعامتهم، فعامل التاريخ جزء في إصدار الفتوى، والحكم على جماعة من الناس يستلزم الرجوع إلى تاريخهم وأفكارهم وأعمالهم".

وتساءل: "كيف أغفلت هيئة كبار العلماء علاقة المملكة بجماعة الإخوان المسلمين التاريخية، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود الذي التقى الشيخ حسن البنا، مرورا باحتواء الجماعة خلال فترة اضطهادهم زمن عبد الناصر، وحماية الملك فيصل لهم، واحتفائه بعلمائهم والمقربين منهم، ومن أمثلة ذلك الشيخ محمد قطب، والشيخ محمد الغزالي وغيرهم". 

وأردف: "إذا حدث تحول على المستوى السياسي في العلاقة بين الطرفين، قد يكون مقبولا، ولكن إدخال الشريعة والدين في الأمر هو أمر غير مقبول، وفيه تدليس وافتراء على الله عز وجل، قبل وصم الجماعة نفسها بما ليس فيها، ونحن هنا نسأل هؤلاء العلماء كيف تلقون الله بتلك الفتاوى، هل صدرت لله أم للحاكم؟".

ويرى أنه "لا بد هنا أن نستحضر قصة أحبار اليهود مع الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، عندما قالوا فيه أولا قبل علمهم بإسلامه (سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا) فلما علموا بإسلامه بدلوا القول، وقالوا (سفيهنا وابن سفيهنا، وجاهلنا وابن جاهلنا)، لذلك وصف هؤلاء الأحبار والعلماء من اليهود بأنهم (قوم بهت) يعلمون الحق، ثم يسلكون الدروب المخالفة". 

وتابع: أنه "من المحزن حقا والعالم الإسلامي يتعرض لهذه الهجمة الشرسة من الشرق والغرب، أن تخرج هيئات إسلامية كبرى، وتشغل المسلمين بصراعات داخلية، وخصومات محدودة، عن وظيفتهم الأساسية والنهضة بأحوالهم، والعمل على حمايتهم".

وأضاف: "للحق فإن هيئة كبار العلماء السعودية، بما تفعله مع الإخوان، لا تؤذي الجماعة فحسب، بل الأمة كلها، فالإخوان جماعة تصل إلى ملايين الأفراد في مختلف دول العالم، ولهم علماء ودعاة، وهم من أكبر جماعات أهل السنة والجماعة، ولو صار الأمر إلى السياسة وخلافاتها في الحكم على الجماعات، لن تبقى جماعة قائمة تدعو إلى دين الله في الأرض".

واختتم حديثه قائلا: "نحن الآن في مرحلة نحتاج فيها إلى كلمة سواء، وأن نري الله من أنفسنا خيرا كعلماء، وأن يكون صلب دعوتنا توحيد الأمة ورفع الظلم عن المظلومين، ولا نكون للظالمين والمجرمين ظهيرا، والأمة في مجموعها أوعى من أن تضل بفتاوى محرفة، وهي تعلم جيدا من هم الأعداء الذين يريدون بها الشر والسقوط".