التعليم عن بعد مع كورونا.. لماذا ذوو الاحتياجات الخاصة الأكثر تضررا؟

12

طباعة

مشاركة

بشكل عام أدى وباء كوفيد- 19 إلى حرمان ما لا يقل عن ثلث التلاميذ في أنحاء العالم، أو ما يعادل 463 مليون طفل، من التعليم لعدم قدرتهم على القيام بذلك افتراضيا بعد إغلاق الكثير من المدارس، وفقا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في تقرير نشرته في آب/ أغسطس 2020.

أدى إغلاق المؤسسات التعليمية بسبب جائحة فيروس كورونا إلى جعل الأمور صعبة على الطلاب من جميع الأعمار والفئات، لكن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كانوا أكثر تضررا.

يقول المتطوعون في مبادرات "التعليم الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة": إن تعليم هؤلاء الطلاب يتطلب استخدام أدوات مختلفة ولغة إشارة، لكن من الصعب جدا القيام بذلك عبر وضع الاتصال بالإنترنت.

لم تتمكن هذه الفئة طيلة الأشهر الماضية من متابعة تعليمهم بشكل صحيح، لأن التعليم عبر الإنترنت بالنسبة لهم مهمة شبه مستحيلة، وعبرت الأسر عن رغبتها في عودة الدراسة لشكلها الطبيعي، حتى يتمكن هؤلاء من الدراسة.

العديد من الآباء قالوا في تصريحات صحفية: إنهم لاحظوا تغيرات سلوكية على أطفالهم، إذ اعتاد هؤلاء الطلاب على فهم الدروس ومتابعتها في الفصل، لكنهم الآن يواجهون مشكلات مختلفة.

خطة الطوارئ

في مايو/ أيار 2020، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية تقريرا، قالت فيه: إن خطة لبنان لمواجهة فيروس كورونا أهملت ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ لم يحصل هؤلاء على الرعاية ولم يأخذوا بعين الاعتبار عندما وضعت الحكومة خطة الطوارئ.

يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان عقبات في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم عن بعد بشكل متساو مع الباقين. وأفادت المنظمة الحقوقية بأن عائلات هؤلاء الأطفال لا يملكون الدعم والخدمات التي يحتاجون إليها لمساعدتهم على التعامل مع الأزمة.

وحتى قبل الوباء، لم يكن أمام الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة إلا اختيار واحدة من 100 مؤسسة متخصصة تمولها وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تخلفت الوزارة عن سداد دفعات كبيرة لهذه المؤسسات، ما أثر على قدرتها على تأمين تعليم ذي جودة، كما يؤثر غياب الرقابة الحكومية على قدرة المؤسسات في بعض الحالات، على تأمين حق الأطفال بالتعليم.

يتضرر الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان، منذ 29 فبراير/شباط 2020، بسبب إغلاق المدارس والمؤسسات بعد فرض التعليم عبر الإنترنت (عن بعد) بدون الأخذ بعين الاعتبار وضعهم الخاص، وفق تقرير رايتس ووتش.

تمويل إضافي

وفي الأردن أعد الائتلاف الأردني للتعليم استطلاعا بعنوان "التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا" شمل 3 آلاف و843 أسرة، 163 منهم لديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوصل الاستطلاع إلى أن 23 بالمئة فقط من هذه الأسر راضون عن تجربة التعليم عن بعد بسبب التحديات الكبيرة التي واجهتهم خلال هذه الفترة.

وأوصى الائتلاف بإعطاء الأولوية للتعليم عن بعد للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وإدراج تمويل إضافي في سياسات الاستجابة لخطة كورونا والتعافي منها. 

أما في المغرب، وقبل أزمة كورونا، في 2019، كشفت المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، أن 70 في المئة من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمغرب لا يتوفرون على أي مستوى دراسي.

ولا يتعدى عدد المستفيدين من التعليم الابتدائي 4.6 في المئة، بينما لا تتجاوز نسبة الذين بلغوا مستوى التعليم الثانوي 8.5 في المئة، أما التعليم العالي فلا تتعدى نسبة الذين بلغوه 1.5 في المئة.

تحديات بالجملة

كشف عدد من المدرسين لصحيفة "تريبون" الفرنسية أنهم يقومون بشكل تطوعي بإجراء مكالمات مع أولياء أمور هؤلاء الطلاب كل يوم، مؤكدين أن التدريس عبر الإنترنت صعب بالنسبة لمثل هؤلاء الطلاب، لكنها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها البقاء على اتصال معهم. 

لفتت تقارير إلى أنه إذا كان لطفلك احتياجات خاصة، فقد يكون التعلم عن بعد مرهقا بشكل لا يصدق، فيما ركزت بعضها على تقديم نصائح لمساعدة الأطفال على التعلم.

في الولايات المتحدة، خلق التعلم عن بعد تحديا لما يقرب من 7.1 ملايين طفل يتلقون خدمات التعليم الخاص في المدارس الأميركية.

من المستحيل منح الدعم الفردي والاهتمام الذي يتلقاه الطلاب ذوو الاحتياجات الخاصة في المؤسسات بشكل مثالي في المنزل، لذلك لا خيار غير أن يبذل الآباء المزيد من الجهد لإنجاح هذا الأمر.

يعاني أطفال الاحتياجات الخاصة من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتركيز، ولا تملك كل الأسر نوع الوظيفة الذي يتيح لها الجلوس مع الطفل طوال اليوم.

غير ذلك جعل الوضع الحرج الذي يمر منه العالم، الناس يواجهون صراعات مع القلق والاكتئاب والتركيز تحت الضغط، وبالتالي فإن لديهم طاقة أقل للتعامل مع مشاكل أطفالهم.

تعيش أسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع عدة تحديات هي الأكثر شيوعا، أولها عدم القدرة على التركيز، ليس فقط بالنسبة للأطفال إنما للبالغين أيضا.

الاضطرار إلى الحفاظ على اتصال دائم بالعين، وتجنب إغراءات علامات التبويب الأخرى على جهاز الكمبيوتر، ومعالجة المعلومات المرئية طوال اليوم يمثل ضغطا حقيقيا على الانتباه.

بينما في الفصل الدراسي، يكون المعلم قادرا على إعطاء إشارات فردية غير لفظية، مثل الاتصال بالعين أو الابتسامة أو الإبهام أو اليد اللطيفة على الكتف لإعادة الطفل إلى التركيز. يمثل هذا تحديا على أجهزة الكمبيوتر. 

وينصح المتخصصون، الآباء في هذه الحالة بتقديم الدعم لأطفالهم وتشجيعهم وتحسيسهم بالتقدير وهم يركزون.

أما إذا لم تتمكن من مراقبة طفلك أثناء النهار، فاطلب من المعلم إبلاغك في رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية سريعة عندما يمضي طفلك يوما جيدا، حتى تتمكن لاحقا من مدحه، وفق ما تقول المرافقة النفسية للطلبة، الدكتورة ريبيكا برانستيتر، لمجلة "جريتر جود" المتخصصة في علوم التربية.

وأشارت المتخصصة إلى أن السماح بالحركة والاستراحات المتكررة، قد يساعد الطفل على التركيز. مضيفة: "قد يحتاج الأطفال إلى استخدام سماعات الأذن حتى يتمكنوا من الاستماع والتحرك".

وتابعت: "أثناء فترات الراحة الفعلية، ينبغي التأكد من أن الطفل يختار نشاطا يمكنه من تحريك جسمه، مثل الرقص وألعاب حركة لا تزيد مدتها عن بضع دقائق ويمكن القيام بها في فترة الراحة".

حلول نافعة

الطبيبة النفسية أوصت ببناء أنشطة الذهن كإستراتيجية استباقية لإعادة تشغيل التركيز. فقد ثبت أن اليقظة الذهنية تحسن الانتباه والتركيز والمزاج.

وأشارت برانستيتر إلى أنه عندما يكون الأطفال تحت الضغط، فقد يكونون أكثر حساسية ويبدون ردود فعل أقوى، وقد يبدو هذا وكأنه أحداث صغيرة تثير ردود فعل كبيرة.

أما إذا كان طفلك يعاني من ضبط النفس العاطفي والسلوكي قبل الوباء، تضيف الدكتورة: "فقد تتضخم هذه المشاعر والسلوكيات الآن".

وذكرت أن السلوك غالبا ما يكون "قمة جبل الجليد"، وما يخفيه هو الاحتياجات غير الملباة والمهارات المتأخرة التي يجب تعلمها، مثل مهارات التأقلم والتحكم العاطفي في النفس، وعلى الأرجح أنه يواجه صعوبة في التكيف.

أوصت المتخصصة بأن يكون الآباء فضوليين بشأن ما يحاول الأطفال توصيله من خلال سلوكهم، ثم العمل على إستراتيجيات التدريس للتعامل مع التحديات الأساسية. 

أظهر بحث نشرته جامعة هارفارد حول المرونة، أن علاقتك بطفلك تحميه من التوتر، وبتعبير آخر "التواصل هو الحماية".

وعندما يواجه طفلك تحديات عاطفية أو سلوكية، ابدأ بالتعاطف قبل حل المشكلة، فلا أحد يستطيع حل المشكلة عند الضغط على الطفل، لذا قلل من التوتر أولا بالتعاطف والتواصل، تقول الدكتورة.

يمكن للعاملين في مجال الصحة النفسية تقديم الدعم الفردي أو الجماعي لتعزيز مهارات التأقلم على التعليم عن بعد، لذا ينصح بالاستعانة بهم.

التعلم هو علاقة بين الطالب والمعلم، وعندما يحدث انفصال عن التعلم والواجبات، يجدر التفكير في كيفية رعاية العلاقة بين المعلم والطالب. ومثلما هو الحال في الفصل الدراسي الفعلي، فإن الطلاب الذين يشعرون بالارتباط بمعلميهم يكونون أكثر انخراطا في عملية التعلم.

ومن الصعب على المدرسين متابعة ما يجري في المنزل، لذا فإن تزويدهم بالملاحظات والمعلومات الكافية عن الطفل يقع على عاتق الآباء. فالتعاون مع المعلم هو أحد أسباب حصول الطفل على تعليم سلس وإن كان عن بعد.

بعد تخفيف إجراءات الحجر، ومع بداية السنة الدراسية الجديدة، وفرت عدد من المدارس إمكانية التعليم الحضوري وإن كان بشكل جزئي.

وإذا كان بإمكان الطفل الاستفادة من أقل عدد من الحصص بجودة أعلى، فلا حاجة لإثقاله بالحصص، قد يحتاج ذلك إلى تعاون الآباء مع المعلم، فالأمر لا يتعلق بتقليل الدقة الأكاديمية، إنما يتعلق بمساعدة الطفل على الاستمرار في الوصول إلى المنهج الدراسي بسلاسة في هذه الظروف غير العادية.