كورونا يعمق خسائر قطاع السياحة بمصر.. ما التبعات الاقتصادية؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد القطاع السياحي عالميا حالة من التراجع، يكاد يصل فيها إلى مستويات بلغت العدم في أغلب البلدان، وتأتي مصر في مقدمة البلدان المتأثرة بشدة من تراجع السياحة، بسبب اعتمادها على القطاع الذي يعد أحد أهم مواردها الرئيسية للنقد الأجنبي.

وقال وزير السياحة والآثار المصري خالد عناني منتصف مارس/آذار 2020: إن متوسط خسائر قطاع السياحة حوالي مليار دولار شهريا نتيجة وقف رحلات الطيران. 

وفي نهاية مايو/أيار، وضع معهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في ورقة بحثية صادرة عنه 3 سيناريوهات لعودة النشاط السياحي بعد انتشار جائحة كورونا.

السيناريو الأول هو استئناف النشاط الاقتصادي وتقليل الحظر وفتح الحدود بين الدول المختلفة وخاصة أوروبا وبدء رحلات الطيران الخارجي التي من المتوقع أن تكون في منتصف يونيو/ حزيران أو أوائل يوليو/ تموز 2020.

وقال المعهد: إن هذا السيناريو يعني أن خسائر القطاع ستصل إلى 90% خلال هذه الفترة، لتسجل السياحة عوائد بقيمة 300 مليون دولار لذات الفترة أي ما يعادل 100 مليون دولار شهريا.

السيناريو الثاني هو استئناف النشاط السياحي خلال الربع الأخير من 2020 أي خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول وحتى ديسمبر/ كانون الأول ومع استمرار وجود كورونا في معظم دول العالم فإنه من المتوقع أن لا تتعدى حركة التنقل والسفر أكثر من 25% من معدلاتها، وهذا يعني أن خسائر قطاع السياحة ستصل إلى 75%.

وأشار المعهد إلى أن السيناريو الأسوأ يفترض استمرار تفشي فيروس كورونا حتى نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2020، وهذا يعني انخفاض الحركة السياحية 100%.

ووفقا لهذا السيناريو الذي يتوقع عدم تعافي القطاع السياحي العالمي قبل نهاية 2020 فإن خسائر القطاع ستمتد لـ9 أشهر من منتصف مارس/ آذار وحتى ديسمبر/ كانون الأول وستقتصر إيراداته المحققة على مكاسب الربع الأول من العام فقط التي تقترب من 2.4 مليون سائح بإيرادات إجمالية 2.4 مليار دولار.

تقهقر الاحتياطي

وواصل احتياطي مصر من النقد الأجنبي تراجعه للشهر الثاني على التوالي، حيث انخفض نحو 3 مليارات دولار خلال أبريل/ نيسان 2020 بعد انخفاضه 5 مليارات خلال مارس/ آذار، ليصبح حجم الاحتياطي الأجنبي نحو 37.037 مليار دولار.

وتوقعت وكالة موديز في تقرير حديث لها أن يتراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر دون أرصدة الذهب ​​إلى نحو 30 مليار دولار في نهاية السنة المالية المنتهية في 30 يونيو/ حزيران 2020.

وبحسب الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، فإن الثلاثة السيناريوهات التي طرحها المعهد واقعية لأن هناك حالة من الترقب في التعامل مع فيروس كورونا.

وأكد الصاوي لـ"الاستقلال" وجود أسباب اقتصادية مؤثرة بشكل كبير جدا على دخول الأفراد الذين يمكنهم عمل رحلات سياحية سواء إلى مصر أو غيرها من المقاصد السياحية على مستوى العالم.

هذا بالإضافة إلى وجود تخوفات صحية لأن الوضع في مصر والطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع فيروس كورونا تثير مخاوف الكثير من الدول. ويتساءل: لو حضر هؤلاء السياح إلى القاهرة، هل سيتوفر لهم إجراءات السلامة بالقدر المطلوب؟

وأضاف أن كل تلك السيناريوهات ستؤثر على إيرادات السياحة بشكل كبير، مشيرا إلى أن إيرادات السياحة في عام 2019 بلغت نحو 12.5 مليار دولار وبالتالي الحديث حول بلوغ الإيرادات في أحسن السيناريوهات 3.5 مليار دولار سيكون له أثر كبير على المعروض من النقد الأجنبي.

وهذا الأمر سينعكس سلبا على كل من حجم الاحتياطي الأجنبي وسعر الصرف، كما سيحد من تصرف الحكومة في مسألة الواردات السلعية خلال الفترة القادمة. 

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أنه من الطبيعي أن يتكبد قطاع السياحة خسائر كبيرة نتيجة توقف الطيران عالميا وبخاصة أن حوالي 185 دولة من إجمالي 215 مشتركة في منظمة السياحة العالمية تم إغلاقها بشكل كلي والباقي إغلاق جزئي.

وبالتالي، يرى في حديثه لـ"الاستقلال" أنه من الطبيعي أن تتأثر الدول ذات الاقتصادات شبه الريعية والتي تعتمد في مواردها من النقد الأجنبي على قطاع السياحة مثل الاقتصاد المصري.

انعكاسات سلبية

ترتبط السياحة بشكل وطيد مع القطاعات الأخرى (الغذائية، المنسوجات والمفروشات، الصناعات اليدوية،... وغيرها)، وبالتالي فإن أي صدمات يتعرض لها، ستؤدي إلى آثار مباشرة على القطاع نفسه وغير مباشرة على القطاعات الأخرى.

وأكد الصاوي، أن قطاع السياحة يضم حوالي 2 مليون عامل في مختلف المنشآت بمصر مما سيؤثر على دخول تلك العمالة وارتفاع معدلات البطالة والفقر مع تأثير الأمر على قطاعات أخرى.

واعتبر أن القرار الأخير لشركة مصر للطيران الخاص بدفع 75% من مرتبات العاملين بها بالجنيه المصري بدلا من الدولار أحد الآثار الجلية نتيجة تراجع قطاع الطيران المرتبط ارتباطا لصيقا بقطاع السياحة.

وكانت قد أعلنت الشركة القابضة لمصر للطيران عن خفض رواتب الوظائف القيادية بها 10٪  اعتبارا من مايو/ أيار 2020 في ظل الخسائر الناجمة عن جائحة فيروس كورونا.

وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن شركة مصر للطيران ستسدد 75% من أجور أطقم الطيران بالعملة المحلية والنسبة الباقية بالدولار الأميركي بصورة "مؤقتة" نتيجة تداعيات أزمة فيروس كورونا.

 وقال رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران، رشدي زكريا، في رسالة للعاملين: إن "القرار جاء بصورة مؤقتة لحين تحسن الأوضاع وحتى تتمكن الشركة من سداد الالتزامات والقروض المستحقة عليها لدى الشركات والجهات المتعاملة معها بالعملة الأجنبية".

وأعلنت وزارة المالية المصرية في مطلع شهر مايو/ أيار، عن تقديمها ملياري جنيه (ما يعادل 127.47 مليون دولار) للشركة القابضة لمصر للطيران في شكل "قرض مساند" لمواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد.

وأشار ذكر الله، إلى أن السياحة قطاع يرتبط بمجموعة كبيرة من القطاعات الأخرى والتي تصل إلى أكثر من 12 قطاعا وصناعة وبالتالي تأثير هذا التراجع على المجتمع المصري سيكون متعددا منها ما يتعلق بالاستغناء عن عدد كبير من العمالة.

 هذا بالإضافة إلى عدم قدرة هذه العمالة على الالتحاق بوظائف أخرى في ظل الأزمة خاصة وأن معظمها عمالة عشوائية و قد تكون موسمية إلى حد كبير.

وتابع: "بالتالي ستواجه تلك العمالة مشاكل كبيرة كونها لا تجمعها نقابات حتى تدافع من أجل المطالبة بحقوقها أو لتقديم اقتراحات للدولة من أجل مساندتها".

بالإضافة إلى القطاعات الفندقية بصورة عامة والتي ستتأثر بشدة، هناك مجموعة من المصروفات الثابتة التي ستتحملها هذه المشروعات سواء عملت أم لم تعمل، كمصروفات الصيانة والآلات والتجهيزات والحدائق للحفاظ على المستوى اللائق لحين عودة السياحة مرة أخرى.

دعم السياحة

يتعين وضع إجراءات تطبق بشكل فوري لمساعدة قطاع السياحة على تجاوز فترة انتشار الوباء ليتمكن القطاع من التعافي سريعا لاحقا وتجنب تسبب هذه الأزمة في مشكلات خطيرة قد تدوم لسنوات كإفلاس العديد من العاملين بالقطاع وتسريح العمالة.

واقترح المركز المصري للدراسات الاقتصادية مجموعة من الحلول تتمثل في: "التخفيف عن المتضررين من خلال مد المواعيد النهائية المحددة لسداد ضرائب الشركات والضرائب العقارية وغيرها من الضرائب وتمديد آجال استحقاق القروض وإعادة جدولتها بدون فوائد، على أن تمتد هذه التسهيلات لفترة عام على الأقل بعد عودة النشاط السياحي إلى معدله الطبيعي".

كما اقترح تقديم حوافز تمويلية لإعادة تأهيل المنشآت السياحية، من خلال تفعيل صندوق إعانات الطوارئ لدعم القطاع بسيولة نقدية لمواجهة المصروفات الضرورية من رواتب وإيجارات ومرافق، على أن يتم استردادها بعد عودة النشاط السياحي بعام وبدون فوائد.

وأكد على ضرورة تفعيل صندوق الاستثمار السياحي بالمشاركة بين وزارة السياحة والقطاع الخاص، بالإضافة إلى قيام أصحاب المولات التجارية بإعفاء المستأجرين أصحاب السجلات التجارية التي تشمل المطاعم والكافيهات من الإيجار الشهري لمدة 6 شهور.

هذا إضافة إلى الإعفاء من سداد التأمينات الاجتماعية لأصحاب العمل والموظفين في استمارة 2 لمدة 6 شهور، والعمل على إعفاء المنشآت السياحية من سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي.

لكن يرى الخبير الصاوي، أنه لا يمكن التعويل التام على الحكومة لأن مشكلة قطاع السياحة أنه يعتمد بشكل كبير على الخارج لا الداخل.

وبالتالي، فإن التعويل على الدعم الحكومي يجب أن يكون في حدود وليس دعما مطلقا لأن المتغير هنا في المعادلة هو متغير خارجي يتعلق برغبة السياح الأجانب في القدوم إلى مصر وضمان سلامتهم في ظل أزمة كورونا.

وتابع: " الحكومة قدمت بعض المساعدات لقطاع السياحة من خلال إعفائه لفترة ما من الضرائب أو إعطائه فترة سماح لسداد القروض المستحقة عليه للجهاز المصرفي أو تخفيض سعر الفائدة، "لكن أظن أن هذا هو السقف الذي يمكن أن تتحرك فيه الحكومة".

ويعتقد أن "تحرك الحكومة في أكثر من تلك المساحة سيمثل عبئا على الموازنة العامة للدولة التي تعاني من قبل أزمة كورونا من أزمة عجز مزمنة والتي لا تجد الحكومة لها مخرجا بسبب سوء إدارتها الاقتصادية".

وطرحت مصر مبادرة جديدة لدعم قطاع السياحة والفنادق ذات العمالة الكثيفة في مواجهة التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا بقيمة 3 مليارات جنيه.

وذكر وزير المالية، محمد معيط في منتصف شهر مايو/أيار، أن الوزارة ستصدر ضمانة للبنك المركزي بهذه القيمة لصالح البنوك الوطنية لإقراض المنشآت السياحية والفندقية بسعر فائدة 5% سنويا، على ثلاث سنوات بفترة سماح عام اعتبارا من مايو/أيار الحالي إلى نهاية أبريل/نيسان 2021 بدون أي ضمانات، بحيث يتم سداد القرض على أقساط شهرية لتوزيع العبء على مدار عامين.