ماذا وراء النشاط الروسي في مناطق الوجود الأميركي بسوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحاول موسكو جاهدة إيجاد موطئ قدم لها في شمال شرقي سوريا التي تعتبر ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة، وذلك من خلال تحركات عسكرية وأنشطة استخباراتية نفذتها مؤخرا القوات الروسية، تاركة علامات استفهام كبيرة عن الدوافع والأهداف التي تسعى إليها.

المحاولات الروسية تأتي في توقيت حساس للغاية، إذ لا تزال الهدنة في إدلب بين قوات النظام السوري والمعارضة قائمة حتى اليوم، إضافة إلى قرب دخول قانون "قيصر" الأميركي حيز التنفيذ، والذي يستهدف النظام السوري وكل من يدعمه.

وتلاحق عقوبات قانون "قيصر" بشار الأسد والأفراد والشركات التي تمول النظام سواء كانوا سوريين أو أجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة. 

وتعود تسميته نسبة إلى مصور عسكري سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو "قيصر"، استطاع الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب.

تحركات عسكرية

في خطوة أثارت على ما يبدو أنها جس نبض للقوات الأميركية، انتشرت قوات عسكرية روسية مدعومة بالعربات المدرعة في 3 يونيو/ حزيران 2020، في قرية "قصر ديب" التابعة لمدينة المالكية، شمال شرقي سوريا، حيث تمركزت هناك.

وبحسب وكالة "الأناضول" التركية، فإن روسيا كانت تنوي إقامة نقطة عسكرية لكنها سرعان ما انسحبت بعد ضغوطات من دوريات أميركية طالبتها بالمغادرة وقطعت الطريق على شاحنات كانت تحمل معدات لوجستية إلى النقطة التي نزلت فيها القوات الروسية.

وأفادت بأن القوات الروسية أجبرت على العودة إلى قاعدتهم في مطار القامشلي قرب الحدود السورية التركية، بعدما كثفت القوات الأميركية الدوريات حول النقطة العسكرية الروسية قرية قصر ديب.

وفي السياق ذاته، أكدت صحيفة "ملييت" التركية في تقرير نشرته في 5 يونيو/ حزيران 2020 أن الولايات المتحدة، شددت في الآونة الأخيرة من سيطرتها على حقول النفط في الشمال السوري، في وقت كثفت فيه روسيا من أنشطتها الاستخباراتية في المنطقة ذاتها.

وأضافت أن روسيا لم تكتف بالاتفاقيات التي أبرمتها مع سوريا، وتستعد لتوقيع اتفاقيات جديدة، وهذا يعني أن التغول الروسي بمقوماته الاقتصادية والمادية والعسكرية سيزداد، واستخدام موسكو لدمشق كجسر عملياتي لها في ليبيا، يظهر أكثر التوقعات المستقبلية بالبلاد.

وأكدت الصحيفة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم تقتصر علاقاته مع رئيس النظام السوري بشار الأسد على الجوانب العسكرية فقط، فشركات الطاقة الروسية لديها سلطة التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية في سوريا، ما يجعلها قوة مشاركة في أزمة شرق البحر المتوسط.

ماذا وراءها؟

لمعرفة أسباب التحركات الروسية ومحاولة التوغل في مناطق الوجود الأميركي، قال الخبير العسكري العقيد السابق أحمد الحمادي لـ"الاستقلال": إن "روسيا سعت إلى تمديد نفوذها في المنطقة وخاصة في مطار القامشلي وقصر ديب لاتخاذها كقاعدة عسكرية".

وأضاف: أن "الولايات المتحدة اعترضت على هذا الوجود، لأنها تتمسك بمناطق المالكية وحقول النفط، ولا تزال تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي توجد فيها".

وبخصوص التوقيت، رأى الحمادي أن "الروس يريدون السيطرة على المرافق الحيوية والخروج للعالمية من البوابة السورية ولا يهمهم مصير الشعب السوري، فمن جعل سوريا حقل تدريب وقام بتجريب السلاح لا يهمه حال المواطنين".

واتساقا مع ذلك، أكد الخبير العسكري العقيد السابق عبد الله الأسعد: أن "روسيا حاولت نقل قواتها من قاعدة حميميم باتجاه مطار القامشلي بعدما استأجرته من نظام الأسد، لأسباب تكتيكية في المدى المنظور، وأخرى إستراتيجية على المدى البعيد".

ولفت في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن روسيا حاولت من خلال الوجود في الشمال الشرقي السوري أن تكون قريبة من حقول النفط التي تسيطر عليها القوات الأميركية والتي تحرسها قوات سوريا الديمقراطية، وحاولت أيضا أن تفتح قنوات مع الأخيرة، لكن القوات والإدارة الأميركية لن تسمح لها.

الأسعد أكد أنه على المدى الإستراتيجي البعيد تريد روسيا بوجودها في تلك المناطق أن تكون السند الأساسي لقوات النظام السوري لاستثمار المنطقة والحقول النفطية فيها وما يخرج في المستقبل من آبار.

"في المرمى"

وليست فقط حقول النفط هي الدافع وراء تحركات روسيا الأخيرة، فقد تطرق الخبير العسكري السوري عبد الله الأسعد إلى هدف إستراتيجي عسكري تسعى موسكو إلى تحقيقه من خلال محاولتها تثبيت موطئ قدم في مناطق الشمال الشرقي السوري.

وقال الأسعد لـ"الاستقلال": "توجد روسيا في مطار القامشلي عندما تكون لها قواعد، فهي أخذت البعض من قوات الدفاع الجوي إلى جانب مطار القامشلي، وهذا يعني أن تكون كل القوات الأميركية الموجودة في المنطقة من قاعدة إنجرليك وصولا إلى العمق السوري تحت مرمى واستطلاع القوات الروسية".

وبيّن الخبير العسكري أن "القوات الروسية استولت على مطار القامشلي وأصبحت قريبة من الحقول النفطية، والغاية من وراء هذه التحركات هي القرب من حقول النفط والغاز، وثانيا هدف عسكري إستراتيجي تريد أن تكسبه لصالحها ليكون ورقة ضغط بيدها على القوات الأميركية".

وأكد الأسعد أن روسيا تتحرك بقوة وحققت لها قاعدة في القامشلي، وأيضا جاءت تحركاتها في مدينة تدمر كسند أساسي للسيطرة على بعض محطات ضخ النفط الثالثة "تي 3" والرابعة "تي 4" وبعض هذه المناطق التي توجد فيها محطات ضخ.  

ونوه الخبير العسكري إلى أن "روسيا ليست وحدها من تتزاحم على هذه المنطقة، وإنما القوات الإيرانية أيضا أصبح لها وجود في منطقتي بير علي وجبة علي، وهي الآن تجند أبناء منطقة دير الزور، وتضعهم كخلايا نائمة".  

وفي تقرير نشره موقع راديو "صوت أميركا" في 5 يونيو/ حزيران 2020، قال: إن القوات الروسية في سوريا تتطلع إلى توسيع وجودها العسكري في الجزء الشمالي الشرقي حيث وصلت قافلة عسكرية روسية مؤخرا إلى قرية بالقرب من حدود سوريا مع تركيا والعراق.

وأضاف التقرير نقلا عن مراسل محلي للراديو الأميركي أن الضباط الروس التقوا هناك مع السكان المحليين وناقشوا إمكانية بناء قاعدة عسكرية في المنطقة المجاورة.

وقال: إن القاعدة ستبنى في قرية "قصر ديب" الواقعة بالقرب من بلدة "المالكية" ذات الأغلبية الكردية في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا التي تسيطر على معظمها قوات كردية.

ونقل الموقع عن "مسؤول كبير" في القوات الكردية اشترط عدم الكشف عن هويته قوله: إن "الروس يتجولون بحرية في منطقتنا، إن هدفهم النهائي هو إخراج الأميركيين من شمال شرقي سوريا".

وفي ظل محاولات روسيا الحثيثة للتوغل في مناطق الشمال الشرقي السوري واتخاذ قواعد عسكرية لتحقيق هدف إستراتيجي واستخدامه ورقة ضغط بيدها على القوات الأميركية، لا بد لنا من استعراض الانتشار الأميركي في الأراضي السورية.

14 قاعدة

وكشفت تقارير صحفية، عن وجود القوات الأميركية في 14 قاعدة بسوريا موزعة بين المناطق النفطية في محافظتي الحسكة ودير الزور، كما أنها تعمل على إنشاء قاعدتين إضافيتين في ريف الحسكة الشرقي والشمالي، الأولى في بلدة "تل براك"، والثانية إلى الشمال من بلدة "القحطانية".

القواعد الأميركية في سوريا، هي: قاعدة "رميلان" في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، وتضم نحو 500 عنصر، بينهم عدد من المظليين، وقاعدة المالكية (مطار روبار) تعرف عند القوات الأميركية باسم "رميلان 2" جنوب مدينة المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي، ويبلغ تعداد المقاتلين الأميركيين فيها 150 عنصرا.

وتسيطر أيضا على قاعدة "تل بيدر" غرب مدينة الحسكة، وقاعدة "لايف ستون" الواقعة على الضفة الشمالية الشرقية لبحيرة سد الباسل الجنوبي، ويبلغ تعداد القوات العاملة بداخلها نحو 50 عنصرا فقط.

أما قاعدة "قسرك" فتقع شرق بلدة "تل تمر"، إضافة إلى قاعدة "هيمو" غرب مطار القامشلي، وبات عدد العناصر الأميركيين فيها حوالي 350 عنصرا.

وتتخذ القوات الأميركية من "المدينة الرياضية" الواقعة بالطرف الجنوبي من حي غويران بمدين الحسكة، قاعدة لها ويتمركز فيها 150 عنصرا نقلوا مؤخرا إلى الأراضي السورية، ولديها قاعدة أخرى تسمى "صوامع صباح الخير" في جنوب من مدينة الحسكة، وتضم 50 عنصرا فقط.

كما لديها قاعدة "قاعدة الشدادي" التي أقيمت ضمن معمل الغاز الواقع على بعد 1 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة الشدادي النفطية، فيها نحو 350 عنصرا، واتخذت القوات الأميركية قاعدة "حقل العمر" في المدينة العمالية التابعة لـ"حقل العمر"، النفطي الواقع بريف دير الزور مقرا لها، ولا يعرف حجم التعداد البشري الموجود بداخلها.

وتنتشر القوات الأميركية في قاعدة "حقل التنك" ضمن مباني المدينة العمالية التابعة للحقل، ويوجد فيها نحو 50 عنصرا أميركيا، ولديها قاعدة في "حقل كونيكو" الغازي الواقع شمال مدينة دير الزور، ويوجد فيها نحو 50 عنصرا في الحد الأقصى.

وتنتشر القوات الأميركية في "قاعدة الرويشد" في منطقة مثلث البادية التي تربط بين محافظات "دير الزور، الحسكة، الرقة"، وتبعد عن حقل العمر النفطي حوالي 45 إلى الشمال الشرقي، كما تبعد عن حقول الجبسة في مدينة الشدادي نفس المسافة إلى الجنوب الغربي.

وتتخذ القوات الأميركية في عدد من النقاط في بلدة "باغوز فوقاني"، الواقعة بأقصى الجنوب الشرقي لمحافظة دير الزور، وهي توجد ضمن مباني سكنية تمت مصادرتها في الطرف الشمالي من المدينة، ولا يزيد العناصر المنتشرين في المنطقة عن 25 عنصرا.

وتفيد التقارير بأن القوات الأميركية عززت مواقعها في سوريا بـ200 عنصر جدد، ليبلغ عدد الجنود المنتشرين حاليا ما يزيد عن 1500 مقاتل، وذلك ضمن خطة إعادة الانتشار التي بدأتها مع إطلاق الحكومة التركية لعملية "نبع السلام"، في الشمال السوري بهدف محاربة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".