مرضى أم مجرمون.. كيف يمكن علاج التنمر والعنصرية ضد مصابي كورونا؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما تصاب بفيروس كورونا، فإنك تكون قد ارتكبت ما يكفي ليتم معاملتك بطريقة مختلفة في عدد من المجتمعات العربية، قد تستوجب إخراجك من المنزل أو طردك من الحي.

ففي المجتمعات التي تفتقر للوعي، يواجه المصاب بكوفيد 19 موجة من التنمر، حتى أصبح يحمل هم ردة فعل المجتمع العنيفة تجاه إصابته، أكثر من حمله هم الإصابة بالفيروس.

وبدافع الخوف من تفشي الوباء، شهدت عدد من البلدان العربية، من بينها مصر واليمن والمغرب وسوريا والعراق ولبنان تونس، انتشارا لظاهرة التنمر ضد المصابين بفيروس كورونا، وواجهوا ردات فعل عنيفة من قبل مجتمعاتهم، برز خلالها محاولات لطردهم من منازلهم وأحيائهم.

وبمجرد الإعلان عن حالة كورونا، يتسارع الجميع إلى تجريد الحالة من إنسانيتها وتحويلها إلى مصدر للخطر المؤكد، فيتم تداول الاسم بالكامل وتفاصيل العائلة وعدد الأولاد وأسماء مدارسهم، وأماكن وجودهم، وتصبح العائلة على امتدادها من المحظورات.

قصص حية

في منطقة سواد حنش غرب العاصمة صنعاء اليمنية، تعرضت أسرة أحمد الجهلاني للتنمر من قبل أهالي الحي.

وقال أحمد الجهلاني في حديث لـ"الاستقلال": "كان أخي الأكبر مريضا، وتم الاشتباه بإصابته بفيروس كورونا، كنا مطمئين، غير أن خبر إصابته شاع بين أبناء الحي، فطالبوا بإلحاح بأن نغادر منزلنا، بحجة عدم نقل العدوى لأهالي الحي".

وأضاف: "قلنا لهم إننا باقون في منزلنا ولن نغادره، لكن ذلك لم يكن مجديا، فقد دخلنا على إثر ذلك في مهاترات، أسفرت، بعد تدخل المتعقلين في الحي، عن تعهدنا بأن نبقى في المنزل تحت الحجر، وهو الأمر الذي كنا قد فرضناه على أنفسنا من قبل".

وبالرغم من التزامهم بالحجر، غير أنهم لم يسلموا من الشتائم والسباب من قبل بعض الأهالي في الحي، "كما لو أننا ارتكنبا ما يجلب العار"، وفق ما يقول الجهلاني.

وفي المغرب، بعد الإعلان عن تسجيل أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، تعرض المتغربون في أوروبا الذين عادوا إلى بلدهم للتنمر من قبل البعض، متهمين إياهم بنشر الفيروس في المغرب.

لم يقتصر ذلك السلوك العنيف على المصابين بكوفيد 19،  بل امتد ليشمل الأطباء والعاملين مع حالات مصابة بالفيروس، في وقت كان يفترض أن يحظى أولئك الأطباء بكثير من التقدير من قبل مجتمعاتهم.

في مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، تعرضت دينا مجدي، وهي طبيبة تتعامل مع حالات مصابة بفيروس كورونا للتنمر من قبل جيرانها، حيث نشرت مقطع فيديو في أبريل/نيسان 2020 قالت فيه: "إن جيرانها حاولوا طردها من المبنى".

وبطبيعة الحال، كان لذلك الأمر انعكاساته السلبية على الوضع النفسي للطبيبة، كما كان له أثر سلبي على مجتمع الأطباء بشكل عام.

وقبل ذلك، رفض أهالي قرية بولس بكفر الدوار، بمحافظة البحيرة، دفن والدة طبيب توفيت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا بعد انتقال العدوى لها من نجلها، ما استدعى تدخل قوات الأمن التي اشتبكت مع الأهالي.

تنمر ضد الأموات

التنمر ضد المصابين بكورونا لم يقتصر على الأحياء، بل طال حتى الأموات، الأمر الذي تسبب بأذى كبير لأهالي المتوفى وبكثير من الألم.

ففي مصر، رفض أهالي قرية شبرا البهو التابعة لمركز أجا في محافظة الدهقلية (شمال القاهرة) دفن جثة طبيبة بلغت من العمر 65 عاما، في مقبرة يمتلكها زوجها في القرية، مسقط رأس الطبيبة المتوفاة، خوفا من العدوى.

وقد تجمع أهالي القرية، ومنعوا سيارة الإسعاف من نقل المتوفاة، قبل أن تتطور تلك الحادثة وتتدخل على إثرها الشرطة، وتضطر لاستخدام المسيل للدموع لتفريق الأهالي، وتمكن فريق الإسعاف التابع لوزارة الصحة من دفن الجثة.

في تونس، منع السكان في منطقتي بنزرت وباجة السلطات البلدية من دفن جثماني مصابين بالوباء في مقابرهم، بحجة أن الفيروس قد يبقى على جنبات القبر ويهاجم الأصحاء منهم.

وفي العراق ، خرجت عشائر مسلحة في محافظة ديالى لمنع أحد العوائل التي كانت برفقة الكوادر الصحية من دفن رب الأسرة الذي توفي بعد إصابته بالفيروس بمقبرة المدينة. 

كذلك الحال في العاصمة بغداد، فقد رفض السكان في منطقة البسماية جنوب العاصمة، الفرق الصحية من دفن الموتى بالقرب من منطقتهم، وفي مقابر محافظة النجف الكبيرة حدثت عدة حالات مشابهة، منع فيها الأهالي من دفن الموتى بحجة منع تفشي الفيروس.

هذا العنف في التعاطي مع المصابين بالمرض، دفع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى إصدار فتوى قال فيها: "لا يجوز أبدا ولا شرعا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده، والواجب هو أن يدعو الإنسان لأخيه الإنسان، وأن يتضامن معه، وألا يسخر منه بكلمة أو نظرة أو فعل أو قول يؤذي المصاب ويؤذي أهله".

اختفاء قشرة الأدب

لم تكن المجتمعات العربية هي وحدها من شهدت تلك الظاهرة المقيتة، بل شهدته مجتمعات غربية في نيوزلندا وأستراليا ولندن وغيرها من دول العالم، خصوصا تلك الدول التي تشهد تناميا لموجات كراهية، وكأن كوفيد 19 أتى ليخلق لأولئك مبررا لتلك الكراهية.
 
ففي نيوزيلندا، وعندما جرى الإعلان عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا، تعرض مصاب وأسرته لحملة واسعة من الإساءة والتنمر، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع دائرة خدمات الصحة العامة في أوكلاند إلى إصدار بيان يدعو الناس للتوقف عن تلك السلوكيات المشينة. 

وقال البيان: "كخدمة صحية عامة، نشعر بالقلق من أن مثل هذه الهجمات ستقود الناس إلى إخفاء مرض كوفيد-19 وعدم التماس العناية الطبية".

ذلك التنمر طال حتى أولئك ذوي الملامح الأسيوية، ففي لندن، تعرض الطالب السنغافوري جوناثان موك لهجوم وحشي أثناء سيره في شارع أكسفورد.

ونشر  موك صورا لوجهه عبر فيسبوك قائلا في منشوره: "يجد العنصريون باستمرار أعذارا لممارسة كراهيتهم، وفي الوقت الحالي فإن فيروس كورونا هو العذر المتداول".

في مقال بعنوان "فيروس كورونا يخرج أسوأ ما في الناس"، كتب مارك لونغلي على موقع "نيوز هب" النيوزيلندي، أنه "قد لا يستغرق الأمر كثيرا حتى تختفي قشرة الأدب الرفيعة لكثير من الناس، حينما يكون هناك ملامح تهديد محتمل للبشرية، هنا يظهر الجانب المظلم من أنفسنا الداخلية".

جزء من العلاج

يقول الدكتور أحمد علي مصلح، وهو طبيب حميات يعمل في الترصد الوبائي: إن "العنف والتنمر الذي يحصل تجاه المصاب بكوفيد 19 أمر مؤلم، فهو يحتاج إلى المساندة والدعم النفسي من قبل المجتمع المحيط به، ومن قبل الأهالي والأقارب".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال: أن "الدعم النفسي هو جزء مهم من العلاج، وفي المقابل فإن التنمر يتسبب بمضاعفات نفسية على المريض، وهو الأمر الذي قد يتسبب بتدهور حالته الصحية".

يضيف الدكتور مصلح: "يجب على المجتمع أن يكون على قدر من الوعي والمعرفة، فيعرف طرق انتشار الوباء، على سبيل المثال، لا يمكن أن ينتقل الفيروس من جثة تم دفنها تحت التراب، ذلك لأن التراب يحول دون انتقاله أو تفشيه، بالإضافة إلى أن الوباء يموت عقب موت الخلايا في الإنسان، بفترات ليست طويلة".

يتابع الطبيب المختص بالحميات: "من ضمن الوعي الذي يجب أن يدركه الناس أن التجمعات والتجمهر التي تصاحب مواقفهم بمنع الدفن أو بالمطالبة بالطرد من المنزل، هي التي تمنح فرصة للفيروس للانتشار، لهذا يجب عليهم الالتزام بتعليمات الوقائية والتباعد الاجتماعي".

ويرى أن الهلع أو الخوف ليس مبررا لاستخدام ردود أفعال عنيفة ضد المصابين، مع العلم بأن الجميع عرضة للإصابة بهذا الفيروس.

ويدعو الطبيب السلطات المختصة ووسائل الإعلام إلى مضاعفة الجهود في رفع مستوى وعي المواطنين بأضرار التنمر على المصابين، وبأهمية تقديم الدعم المجتمعي لهم، حتى يتسنى لهم تجاوز المرض.
 
وأردف: أن "التنمر دفع بعض المصابين لإخفاء إصابتهم، وكان لهذا السلوك ضريبة كبيرة، حيث يمكن أن يتسبب بإصابة آخرين، ويمكن أن يتسبب للمريض نفسه بمضاعفات، جراء عدم ذهابه للمشفى".

يختم الدكتور أحمد: أن "ما يؤلم بشكل أكبر هو حالة الريبة التي يتم مواجهة الأطباء بها من قبل بعض الأهالي، ففي حين ينبغي تقدير الأطباء الذين يقفون في الصفوف الأولى لمواجهة هذا الوباء، يواجهون بحالة من الارتياب والتنمر والعداء من قبل البعض".