مجلة فرنسية: استقلال جنوب اليمن وهم.. وهذه الأسباب

12

طباعة

مشاركة

مقارنة بجيرانه، يبدو أن تاريخ اليمن فريد للغاية، بالنظر إلى القضية الجنوبية التي لا تزال تلعب دورا سياسيا راسخا، ففي 24 أبريل/ نيسان 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي استقلال المناطق الخاضعة لسيطرته من جانب واحد، فاتحا بذلك فترة من عدم اليقين.

في مقال له بمجلة "أوريان 21" الفرنسية، قال لوران بونفوا، الباحث في مركز البحوث الدولية بمعهد الدراسات السياسية في باريس: على الرغم من أن اسم "اليمن" مذكور على هذا النحو في القرآن، إلا أنه نادر ما كانت البلاد موحدة تحت راية واحدة، حيث يقول الخبراء إن تاريخ البلد مزدوج.

وخلال القرنين الماضيين، يتواجه الشمال الجبلي الذي توجد به الطائفة الزيدية (إحدى أفرع المذهب الشيعي) والذي لم يخضع أبدا للاستعمار الغربي، والجنوب المفتوح على العالم من خلال موانئه والاستعمار البريطاني من 1839 إلى 1967.

وأضاف الباحث: "لقد كان للتراث البريطاني، وخاصة في مدينة عدن، ثقل كبير، فمن خلال انخراط عمال الرصيف في النضال من أجل الاستقلال (14 أكتوبر/ تشرين أول 1963 - 30 نوفمبر/ تشرين ثاني 1967)، عزز ذلك تطور الحركة الماركسية". 

ومن بين جميع أنحاء العالم العربي، الجنوبيون فقط هم من نجحوا في ممارسة السلطة بشكل فعال، بعد إنشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، المسماة "اليمن الجنوبي".

لكن التجربة الاشتراكية لم تكن فاعلة على المستوى الاقتصادي بالجنوب اليمني، يشير "لوران بونفوا" في مقاله، إذ سمحت المساعدة التقنية من "الدول الشقيقة" في أوروبا الشرقية بظهور بيروقراطية توفر فرص عمل وتنطوي على بعض من أشكال التحديث.

وأكد الباحث أنه رغم تدفق الناشطين المعادين للإمبريالية إلى عدن وتغير المجتمع، ظلت الدولة ممزقة بسبب التوترات ونوبات العنف، خاصة أحداث يناير/كانون ثاني 1986، مما تسبب بوفاة الآلاف في غضون بضعة أسابيع.

وحدة مطعون فيها

ونوه بأن التنافس مع اليمن الشمالي، الذي يفوق الجنوب أكثر ثلاث مرات من حيث عدد السكان، وكان رسميا إلى جانب الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، أدى إلى نشوب صراع عامي 1972 و1979.

وفي ظل الحاجة إلى حليف بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي، انخرط جنوب اليمن في عملية توحيد مع الشمال انتهت في 22 مايو/ أيار 1990. 

وكما هو الحال في ألمانيا، لم يقم إنشاء جمهورية اليمن على أساس المساواة، ولذلك انتهى الأمر برؤية العديد من الجنوبيين أن هذا التوحيد هزيمة، وأن هيمنة الشمال شكل جديد من أشكال الاستعمار.

وفي وقت مبكر من عام 1993، تحدت النخب الجنوبية السابقة شروط التوحيد، وأعلن المهمشون، الانفصال الذي تسبب في صراع جديد وهاجمت قوات الشمال عدن في 7 يوليو/ تموز 1994.

وخلال السنوات التي تلت ذلك، استمر الاستياء كحنين للفترة الاشتراكية، وفي عام 2007، ظهر علم جنوب اليمن ذي النجمة الحمراء مرة أخرى في المظاهرات التي نظمها المتقاعدون من الجيش الجنوبي الذين كانوا يطالبون بدفع معاشاتهم.

وتدريجيا، يقول لوران بونفوا: "تم تنظيم الحراك الجنوبي الذي يطالب بالعودة إلى الحدود القديمة بين الشمال والجنوب، غير أن إستراتيجية الحركة لم تكن واضحة، في ظل الانقسامات الداخلية بين الأجيال، ولا سيما الشباب الذين لم يشهد الكثير منهم الفترة الاشتراكية على الإطلاق، ويتطلعون إلى شيء آخر بعيدا عن العودة للوراء".

وبين الباحث الفرنسي أن هؤلاء شاركوا مثل رفاقهم بالشمال في انتفاضة 2011 ضد سلطة الرئيس علي عبد الله صالح، وإجباره على الرحيل، بيد أن المرحلة الانتقالية التي استمرت حتى حرب عام 2015 شهدت تصلبا في مواقفهم، إلى حد مقاطعة مؤتمر الحوار الوطني حيث لدى سكان الجنوب تمثيل زائد.

جنوب مقسم

وأكد أن استيلاء الحوثيين العسكري على عدن في ربيع عام 2015 ساهم في توحد مؤقت للحركة، حيث يقاتل الانفصاليون الجنوبيون وقوات الحكومة معا في صفوف التحالف العسكري ضد الحوثيين المقربين من إيران والذين يسيطرون على مناطق واسعة في البلد الفقير منذ 2014، ضمن نزاع جعل ملايين السكان في اليمن على حافة المجاعة.

وفي إطار التحالف المناهض للحوثيين بقيادة المملكة العربية السعودية، تدير الإمارات العربية المتحدة جنوب اليمن، ولكنها ناهضت تدريجيا السياسة التي تتبعها الرياض.

وبين الباحث أن الإماراتيين عملوا على إضفاء الطابع المؤسسي على الحراك الجنوبي، وقدموا دعما سياسيا وماليا للمجلس الانتقالي الجنوبي (STC) الذي تأسس في أبريل/ نيسان 2017، وعارضه الرئيس هادي، المعترف به من قبل المجتمع الدولي، الذي تعود أصوله للجنوب ولكنه ملتزم بوحدة البلاد.

ورأى أن تحالف المجلس الانتقالي الجنوبي مع أبوظبي وعداءه الصريح لجماعة الإخوان المسلمين (ممثلة بحزب الإصلاح) يقسم السكان، مما يجعل مبدأ الانفصال السلمي مجرد وهم.

ونوه كذلك بأنه في أبريل/ نيسان 2020 ، أدى إعلان المجلس الانتقالي للحكم الذاتي من جانب واحد للمحافظات الجنوبية إلى إضعاف هادي دون توحيد الحركة.

وخلص الباحث في مقاله إلى أن جنوب اليمن لا يزال يتميز بخطوط صدع أيديولوجية وإقليمية أيضا، خاصة بين عدن والمناطق الشرقية من شبوة وحضرموت والمهرة.