الرواق العثماني.. هل يمتد عبث ابن سلمان إلى المسجد الحرام؟

محمود سامي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

امتدادا للخلاف التركي السعودي في السنوات الأخيرة، أطلق ناشطون سعوديون، قبل نحو أسبوع "دعوات للعبث بالحرم المكي" بإزالة الرواق العثماني، الذي يعود إلى أحد الخلفاء الراشدين وجددته الدولة العثمانية.

وقبل أيام رصدت تقارير صحفية تركية ما وصفته بأمنيات إزالة "الرواق"، لاعتباره يعود إلى الدولة العثمانية وهو ما دفع الإعلام السعودي إلى الرد والحديث بأنه يعود إلى الخليفة عثمان بن عفان.

وجدد الرواق العثماني بالحرم المكي، الحرب بين الإعلام السعودي والتركي، والمشتعلة منذ عام 2017. ووضع تصميم الرواق ذا الخمسمئة متر، بعد تجديده، المعماري التركي الشهير معمار سنان (1490م ــ 1588م)، ويتخذ شكل هلال يحيط بالكعبة الشريفة.

أبعاد متشابكة

وفيما يتعلق بقدرة السعودية على الإقدام على هذه الخطوة، أوضح الباحث السياسي المصري، المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، طارق دياب، أن ذلك "يتعلق بمستوى التصعيد ودرجته".

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذه الخطوة تعد ضمن المستويات العليا للتصعيد، وقد تقدم عليها المملكة إذا انتقل مستوى التوتر في العلاقات بين البلدين لمستوى أعلى".

واستبعد دياب إقدام النظام السعودي عليها، قائلا: إنه "من غير المرجح حاليا وليست بالأمر اليسير". وعزا ذلك إلى أن الأمر قد يزيد التوتر، لارتباط ذلك بأبعاد أخلاقية ودينية وروحية.

ورأى دياب أن التصعيد الأخير بين البلدين المتعلق بالموروثات العثمانية يعد أحد مخرجات التوتر بينهما، مستشهدا بتعميق التدهور في العلاقات بين البلدين، منذ منتصف عام 2017 وإلى الآن؛ جراء أزمة تلو الأخرى. 

ويمكن القول: إن الدافع المركزي خلف هذه التطورات، وفق دياب يتمثل في تصاعد دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قيادة المملكة.

وأشار إلى أن صعود ابن سلمان (يونيو/حزيران 2017) رافق بدء الأزمة الخليجية بين قطر من جانب والرباعي (السعودية والإمارات والبحرين بجانب مصر) في نفس الشهر، والتي اصطفت فيها أنقرة مع الدوحة في مواجهة الرياض وأبوظبي تحديدا.

كما لفت إلى جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والتي لم تتنازل فيها تركيا عن موقفها حتى الآن. 

وكانت آخر محطات قضية خاشقجي منتصف أبريل/نيسان 2020، حيث قبول محكمة تركية بلائحة الاتهام في هذه القضية، والتي تضمن المؤبد بحق مسؤولين سعوديين بارزين.

وأوضح دياب أن كل هذه المعطيات انعكست على ملفات إقليمية أخرى، وأثرت سلبا على العلاقات بين أنقرة والرياض، كالملفين السوري والليبي وشرق المتوسط والقرن الإفريقي، وباتت معها تحركات متناغمة بين الجانبين التركي والقطري في مواجهة السعودية والإمارات في هذه الملفات الإقليمية.

حرب إعلامية

جدد الرواق العثماني حربا إعلامية بين وسائل الإعلام السعودية والتركية، إذ كانت البداية من تقرير نشرته وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، رصدت فيه مطالبة أحد المغردين السعوديين على موقع "تويتر" بإزالة الرواق العثماني.

وكانت بداية القصة تحديدا في تغريدة كتبها المغرد السعودي منذر آل الشيخ مبارك المعروف بمواقفه العدائية لتركيا وثورات الربيع العربي، قائلا: "كم أتمنى ونحن في هذا الهدوء أن يزال الرواق العثماني من صحن الحرم المكي".

وأثارت أمنيات الناشط السعودي الذي يتابعه عبر "تويتر" قرابة 400 ألف متابع، بإزالة الرواق، تفاعل المئات من أقرانه، الذين غردوا حول الموضوع، وروجوا خلال التعليقات والردود أن الدولة العثمانية لم تقدم شيئا للحرم سوى القباب، وكان من ضمن المعلقين عبد العزيز بن فهد آل سعود، أحد أفراد العائلة الحاكمة.

واستشهدت وكالة الأناضول بجزء من رسالة دكتوراة للباحث السعودي محمد فهد عبدالله الفعر، نشرتها جامعة أم القرى عام 1986م، وعنوانها "الكتابات والنقوش في الحجاز في العصرين المملوكي والعثماني من القرن الثامن الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري".

وتضمنت الرسالة إنجاز السلاطين العثمانيين واهتمامهم بالحرمين الشريفين على مر التاريخ.

وذكرت الوكالة التركية أن الحديث عن اهتمامات العثمانيين بالمسجد الحرام كان شائعا في السعودية قبل تأزم العلاقات مع تركيا، وبعملية بحث بسيطة على الإنترنت، يمكن للقارئ أن يقف على ما كانت تنشره الصحف والمواقع لدى حديثها عن تاريخ المسجد الحرام وإعماره.

كما استشهدت بما نشره موقع الرئاسة العامة لشؤون مسجدي الحرام والنبوي، والتي أقرت تلك الإنجازات العثمانية تحت عنوان "عمارة المسجد الحرام".

تناقض واضح

تبدل موقف الإعلام السعودي من العمارة العثمانية للمقدسات الإسلامية، بصورة كبيرة، فبعد أن كان يورد حقيقة الدور العثماني في عمارة الحرمين، بات يبخس حقه مع ارتفاع وتيرة الخلاف بين البلدين في السنوات الأخيرة.

ففي ردها على تقرير الأناضول الذي رصد "دعوات للعبث بالحرم المكي وإزالة الرواق العثماني نكاية بتركيا"، زعمت فضائية الإخبارية السعودية الرسمية في تقرير لها أن نسبة الرواق إلى الدولة العثمانية أمر لا يستقيم.

كما أفردت صحيفة "عكاظ" السعودية مساحة عبر موقعها للحديث عن تاريخ تسمية الرواق، مشيرة إلى أن أصل التسمية تنسب إلى الخليفة عثمان بن عفان.

والأمر ذاته أكدته "الأناضول"، مبينة بأن الخلفاء العثمانيين أولوا المسجد الحرام عناية بالغة في الإعمار والتوسعة، حيث كان الحرمان الشريفان جوهر شرعية أي نظام إسلامي كانت له السيادة في الأمة.

ويأتي تبدل المواقف وتناقضها في الإعلام السعودي كمرآة للنظام، إذ سبق أن أفردت صحيفة "المدينة" السعودية في فبراير/ شباط 2016، تقريرا عن التطوير العثماني لأروقة المسجد الحرام وبناء القباب.

وذكرت الصحيفة السعودية آنذاك أن الدولة العثمانية أسهمت بدور كبير في ترميم المسجد الحرام بمكة المكرمة وعمارته، وقد ظهر هذا الاهتمام منذ ضم الحجاز للدولة العثمانية في سنة 923هـ /1517م. 

وأوردت أنه في عهد السلطان سليمان القانوني (1520-1566م)، لقي المسجد الحرام عناية خاصة منه، فقد أمر بترميم السقف الشرقي للمسجد الحرام عناية خاصة منه، بعد ظهور بعض الخلل في أخشابه، كما أمر بتبديل الأعمدة الموجودة حول المطاف بأخرى مصنوعة من النحاس الأصفر، وجعل بينهما أخشابا لتعليق القناديل عليها.

واسترسلت أنه في عهد سليمان القانوني أيضا بنيت الأساسات واستبدلت الأعمدة الخشبية التي تحمل السقف أخرى من الرخام.

بعد ذلك جرى بناء القباب على الطراز المعماري الإسلامي العثماني، فأصبح سقف المسجد مقببا لأول مرة، وذلك ليؤمن تآكل الأخشاب الذي كان كثير التلف، وعدم الحاجة إلى استبداله بين الحين والآخر، وحتى تكون الأروقة أكثر تبريدا بشكلها المقبب، ولوقاية السقف من الطيور والحشرات والزواحف.

الاستعانة بتركيا

قبل نحو 9 سنوات، قررت المملكة، توسعة وترميم الحرم المكي الذي أحاطته الفنادق والأبراج من كل ناحية، ولضرورات معمارية خاصة بتوسعة منطقة الطواف تمت إزالة الرواق العثماني مما أثار ردات فعل مختلفة. 

وخلال زيارته للسعودية في تلك الفترة، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (حين كان رئيسا للوزراء)، مع العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز بخصوص إعادة الرواق إلى الحرم المكي وبناء عليه منحت مجموعة شركات ابن لادن السعودية، مهمة إعادة ترميم وتركيب الرواق لشركة تركية.

وفي سبتمبر/ أيلول 2016، ذكرت صحيفة "ترك برس"، أن جزءا كبيرا من الرواق العثماني التاريخي عاد إلى الحرم المكي على بعد 20 مترا من مكانه القديم، بعد أن تمت إزالته مؤقتا في عام 2012م بسبب أعمال الترميم والتوسعة التي شهدها الحرم المكي.

وأشارت الصحيفة إلى أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وصف تلك الأعمال آنذاك أنها "بمثابة قلادة للكعبة الشريفة".

وكانت الشركة التركية أنشأت نماذج محاكاة لهذه القباب والأروقة في معمل الترميم بمشعر مزدلفة، للتأكد من قدرتها على إعادة بناء الرواق بالطريقة نفسها التي تمت بها في القرن العاشر الهجري وبأعمدة يعود بعضها إلى القرن الثامن (العهد العباسي).

ويذكر أن عدد القباب في المبنى العثماني القديم يبلغ 152 قبة موزعة في الواجهات الأربع المحيطة بالكعبة المشرفة.

قصة بناء الرواق

كانت أول توسعة للحرم المكي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وفي هذه التوسعة دخلت "الأروقة" في الحرم حيث لم تكن موجودة قبل ذلك، وبالفعل سُمي بالرواق العثماني نسبة للصحابي عثمان.

وشهد الحرم المكي توسعات وترميمات واعتناء خاصا من كل الخلفاء والسلاطين المسلمين على مر التاريخ.

وبحسب رسالة الباحث السعودي محمد الفعر، شهد الحرمان النبوي والمكي الكثير من الإعمار والترميم والتوسيعات في العصرين المملوكي والعثماني لاحقا.

وذكر الفعر أن الرواق في عصر العثمانيين، أصيب بالخلل فأدى ذلك إلى ميلان جدرانه، وعُرض ذلك على السلطان سليم الثاني عام 1571، فأصدر أوامره بعمارة المسجد الحرام كله، وأن تبدل سقوفه الخشبية في الأروقة بقباب حجرية دائرية.

وأوضح أن المسجد الحرام كان له سقفان خشبيان يعلو أحدهما الآخر لتخفيف درجة الحرارة داخل المسجد، لكن المساحة بين السقفين تحولت لوكر للحيات والطيور، فكانت القباب حلا مميزا في تلك الفترة.

ومع وفاة السلطان سليم الثاني، قبل إتمام أعمال الترميم والعمارة، باشر ابنه مراد الثالث إتمام عملية الترميم والإعمار التي استغرقت 4 سنوات من عام 1571 حتى عام 1575.

وجاء في كتاب "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" للكاتب قطب الدين الحنفي، المنشور عام 1885 أن إجمالي ما صُرف على إعادة الإعمار والترميم 100 ألف دينار ذهبي جديد، وذلك غير الأخشاب المحمولة من مصر والحديد وبقية آلات العمارة.

ومطلع 2015، نقلت تقارير سعودية عن عالم الجغرافيا السعودي معراج مرزا، تأكيده أن "أبا العمارة التركية المعماري العظيم سنان باشا هو من وقف وراء ابتكار الآلية الجديدة وغير المسبوقة في بناء القباب التي كانت عنوانا بارزا في عبقريته المعمارية وخاصة في هندسة الفضاءات المفتوحة داخل البناء".

واستند في ذلك إلى قيام سنان بتصميم وتنفيذ عمارة الحرم المكي، وترميم القباب فيه في عهد السلطان سليمان القانوني الذي عرف بالعصر الذهبي للدولة العثمانية.