جائحة كورونا.. هل تخلق موجة ثانية من ثورات الربيع العربي؟

12

طباعة

مشاركة

رجحت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، حدوث موجة أخرى من ثورات الربيع، في ضوء عجز أنظمة الحكم في الشرق الأوسط المضطرب عن مواجهة انتشار فيروس كورونا.

وقال الكاتب فريدريك ويري في مقال له: "سيكون لانتشار الفيروس التاجي الجديد تأثير مدمر على مجتمعات اللاجئين والمهاجرين في الشرق الأوسط. قد يسلط هذا الوباء الضوء على عدم الشرعية وعجز الحكم في الأنظمة هناك".

وسرد ويري الذي ألف كتاب "الشواطئ المحترقة: داخل المعركة من أجل ليبيا الجديدة"، قصة من آخر زيارة له إلى البلد الذي يشهد معركة بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

القتال في ليبيا

وقال: "في زيارة مؤخرا إلى ليبيا، قابلت عائلة تعيش في مأوى مؤقت في مخيم للنازحين شرقي طرابلس. واحدة من عشرات الآلاف من العائلات الليبية التي شردتها الحرب، كانت الأسرة المكونة من سبعة أفراد تعيش في غرفة بالكاد 20 خطوة طولا ونصف ذلك في العرض".

وتابع: "ملأ الغرفة كريهة الرائحة، حبل الغسيل وكومة من المراتب وطبق ساخن. في الخارج، واجهوا نقصا في مياه الشرب وسخرية مسيئة من السكان المحليين".

ويوضح أنه "يمكن لاستجابة صحية واقتصادية سريعة أن تعزز الحكم الاستبدادي من قبل هذه الأنظمة، ولكن ليس إلى أجل غير مسمى".

وأكد أن "الدرس الحاسم من الانتفاضات العربية لعام 2011 والاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي (2019) هو أنه بدون حكم أكثر شمولا، وفساد أقل، ومزيد من العدالة الاقتصادية، فإن الأدوات التكنوقراطية والقسرية ما هي إلا تدابير لسد الفجوة".

لذلك، فالكاتب الأميركي يتوقع أن تتزايد مطالب المواطنين في الشرق الأوسط بالمشاركة في القرار في أعقاب الوباء. وأضاف: "سيكون التأثير الأكثر إلحاحا وخرابا للوباء محسوسا في مناطق الحروب الأهلية النشطة: ليبيا واليمن وسوريا".

ويبين الكاتب مدى سوء الأحوال الصحية في ليبيا بالقول: "كانت البنية التحتية الطبية في عهد العقيد معمر القذافي ضعيفة للغاية، وقُضِيَ على ما تبقى منها خلال السنوات التسع التي تلت سقوطه، بسبب الفساد والإهمال وعدة جولات من الحرب الأهلية".

بدأت المرحلة الأخيرة في أبريل/نيسان 2019 عندما هاجم خليفة حفتر، أمير الحرب والحاكم العسكري لشرق ليبيا، العاصمة طرابلس، للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج.

وهاجم حفتر المرافق الصحية وموظفي الطوارئ، حتى جاء هذا الوباء ليزيد العنف في ليبيا، فقد استغلت الأطراف المتحاربة ومؤيدوها انشغال الدبلوماسيين بمقاومته، وفق قوله.

واتخذت الأطراف هناك سواء الحكومة الشرعية أو حفتر بعض الخطوات المتواضعة، مثل حظر التجول والتجمعات الكبيرة، لكن الاستجابة تعطلت بسبب المشاكل الاقتصادية المتزايدة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بالإضافة لحصار حفتر لموانئ النفط ورغبة النخب في كلا الجانبين في الاستمرار في دفع أجور مقاتليهم، وفقا للكاتب.

وتابع: "يمكن للجماعات المسلحة التي تعتمد عليها السلطات السياسية، استخدام هذه الأزمة الصحية لتعزيز سلطتها؛ بالفعل، هددت مليشيا حفتر الأطباء في شرق ليبيا الذين صرحوا بوجود أزمة صحية حقيقة".

من المحتمل أن يعترض قادة المليشيات المساعدات الطبية الخارجية ويوجهون المعدات إلى مقاتليهم أو يخزنون الإمدادات للبيع في السوق السوداء الليبية. قد يؤدي تفشي الفيروس في بلدة واحدة أو مجتمع ما إلى زيادة العنف، بحسب الكاتب.

ويقول: "الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، ومعظمهم من إفريقيا، الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا، هم عرضة للخطر بشكل مضاعف. فبإضافة فيروس قاتل، إلى العيش في مراكز احتجاز تديرها المليشيات، تحت وطأة التعذيب، والاغتصاب، تصبح معاناة هؤلاء المهاجرين لا توصف".

كارثة اليمن

وانتقل الكاتب للحديث عن اليمن بالقول: إنه "يعد أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم، حتى أن ليبيا تتضاءل بالمقارنة مع اليمن".

وتابع: "كشفت الحرب في اليمن بالفعل الطبيعة التكافلية للحرب والمرض، حيث تفشى الكوليرا، الأسوأ من نوعه في التاريخ الحديث، والذي كان نتيجة هجمات التحالف بقيادة السعودية على المستشفيات، ومرافق المياه، والصرف الصحي".

ونتج عن هذا القتال مجاعة مرعبة، فقد كان الناس يعتمدون تقريبا بالكامل على مساعدات الغذاء والوقود من الخارج، وفق ما قال.

وزاد الكاتب: "حتى الآن لم يبلغ اليمن عن أي حالات إصابة بالفيروس التاجي، وذلك بسبب عدم وجود اختبار كشف العدوى، وعدم استعداد الفصائل للإبلاغ عن العدوى. إن انتشار وباء الفيروس التاجي في اليمن سيجبر الكثيرين على الاختيار الوجودي بين العدوى أو المجاعة".

وتتصاعد الاشتباكات في اليمن إثر تعثر جهود تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة وداعميها من الخارج. وكما هو الحال في ليبيا، يوضح الكاتب: "يبدو أن الوسطاء الخارجيين أكثر تركيزا على تأجيج حرب بالوكالة أكثر من اهتمامهم بمصلحة المواطنين".

فقد تركت الحرب ويلاتها على القطاع الصحي، متمثلة في نقص الأدوية والعاملين الطبيين الفارين من البلاد، حتى أصبحت البلاد عرضة للخطر بشكل كبير.

ويحذر الكاتب من أن انتشار الوباء في اليمن، والذي سيتضخم بسبب الكثافة السكانية، سيزيد من عزلة البلد وتفككه، وينقل المزيد من السلطة إلى المتمردين والمليشيات.

ولذلك، فهو يعتقد أن وباء الفيروس التاجي سيؤدي إلى تفاقم الصراعات في الشرق الأوسط ويعرض للخطر عددا لا يحصى من النازحين واللاجئين.

الفيروس أم الأسد؟

أما في سوريا، يمكن أن يكون تأثير تفشي الفيروس مروعا حقا، خاصة بالنسبة لملايين النازحين في البلاد. فقد طمست الغارات الجوية، التي يشنها نظام الأسد وداعموه الروس، المرافق الصحية في مناطق المعارضة.

في إدلب، آخر محافظة يسيطر عليها الثوار، يوجد 153 جهاز تنفس صناعي لثلاثة ملايين نسمة. يقول الكاتب: إن النقص المتكرر في المياه وكثافة سكان المدن السورية - أكبر منها في مدينة نيويورك - يزيد من الخطر، فيمكن أن يموت أكثر من مائة ألف في إدلب وحدها، وفقا للكاتب.

ويقول: إنه "لا ينبغي أن يعتمد المواطنون في جميع أنحاء البلاد على قادتهم، لطالما استخدمت الفصائل المتحاربة تدخلات الصحة العامة كعملة سياسية وكأسلحة حرب. في الواقع إن آلاف السجناء السياسيين الذين سجنهم نظام الأسد في خطر شديد".

وأضاف: "حتى من قبل تفشي المرض، اندلعت الاحتجاجات في المناطق التي يسيطر عليها النظام بسبب الظروف الاقتصادية والمطالبة بالرعاية الطبية. ومع حالة السقوط الحر التي يتعرض لها الاقتصاد السوري، ومعدل الانخفاض الكارثي في سعر الليرة، فمن المرجح أن تتفاقم هذه الاحتجاجات أكثر وأكثر".

فرق الإطفاء

وبتقدير الكاتب، يمثل الفيروس تحديا كبير لقدرات الحكومات التي تبدو مستقرة، حيث "يمكن لملكيات الخليج الثرية أن تتغلب على العاصفة، لكن، مع ذلك، المواجهة ستكون صعبة".

فعلاوة على القيود المالية التي يفرضها انخفاض أسعار النفط والغاز، فإن محاولاتهم للتنويع في القطاع غير النفطي - للسياحة والتجارة والخدمات اللوجستية - قد تعثرت بسبب التراجع الاقتصادي العالمي، كما أوضح الكاتب.

ونتيجة لذلك سيكون من غير المحتمل أن توجه "ملكيات الخليج" المساعدة إلى الأنظمة الأكثر فقرا مثل، مصر والأردن والمغرب، والتي اعتمدت على سخائها في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت سابقا.

ومع خلو الشوارع من المتظاهرين استجابة لإجراءات الصحة العامة، قد تمنح أزمة الفيروس التاجي هذه الحكومات هدنة مؤقتة. لكن المتظاهرين يعيدون تجميع أنفسهم ويستعدون لجولة أخرى من الاضطرابات، الأمر الذي يمكن أن يجعل الظروف المتفاقمة أكثر انتشارا.

وذكر أن "المخاطر أكبر في تونس، الديموقراطية الوحيدة في العالم العربي: فكيف يمكن للحكومة التونسية، التي تتصدى للبطالة واسعة الانتشار، وارتفاع تكاليف المعيشة، والغضب العام من الفساد، أن تتعامل مع التداعيات الاقتصادية لوباء يمكن أن تكون اختبارا محوريا للديمقراطية العربية".

وتابع: "ومع استنزاف الخدمات من قبل الدولة، يمكن للمؤسسات غير الرسمية التي تشمل المجتمع المدني، أو المجموعات القبلية، أو المليشيات أن تسد الفجوة، وهذا ما يحدث منذ عقود في لبنان، ولكنها بدأت تنتشر الآن إلى مناطق النزاع المتعددة في المنطقة، وإلى المناطق الحدودية وبعض المدن".

ويخلص الكاتب إلى أن "ما يجعل هذه الصدمة للشرق الأوسط مختلفة وأكثر حدة هو، أن فرق الإطفاء المعتادة - خطة إنقاذ من دول الخليج أو المنظمات الدولية أو القوى العظمى - قد لا تصل كما كانت من قبل".

ويوضح أنه "ربما لا تزال المؤسسات الدولية تلعب دورا، ولكن مواردها المحدودة تستهلك بواسطة جائحة على المقياس العالمي. لقد أصيبت أوروبا بجروح خطيرة بسبب الفيروس. والوضع في الولايات المتحدة أسوأ فأعداد المصابين والوفيات ترتفع بسرعة، مما دفع إدارة ترامب إلى التحول للداخل".

ولفت إلى أن "قادة العالم العربي هم لوحدهم الآن، وعليهم ألا يأملوا في تكرار الماضي كثيرا، ويمكن أن تكون للتغيرات الزلزالية بدايات صغيرة، خاصة في منطقة يعطلها ركود اقتصادي، وتصلب سياسي، وحروب بالوكالة، وثقة لا أساس لها في استمرار الوضع الراهن"، وفقا للكاتب.

وكما يقول المثل العربي القديم: "حتى البعوضة يمكن أن تجعل عين الأسد تنزف".