بدعوى التطوير.. هكذا رسمت المخابرات المصرية خطة تطويع ماسبيرو

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ماسبيرو ليس مجرد مبنى فى الدولة.. ماسبيرو معنى للدولة"، مقولة عبر بها عصام شرف، أول رؤساء الوزراء بمصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عن أهمية مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو". 

ومنذ صعود عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/ حزيران 2014، وهندسة الملف الإعلامي من أشرس المعارك التي يخوضها نظامه، لإحكام قبضته الكاملة على جميع المنافذ الإعلامية العامة والخاصة، لا سيما الإعلام الرسمي للدولة. 

وهو ما بدا من خلال عشرات التقارير والتسريبات الغربية والعربية، التي كشفت خطط ومساعي نظام السيسي لهيكلة الإعلام، ومنع أي قناة أو وسيلة إعلام تغرد خارج السرب أو تنقل رسالة ورؤية مغايرة لرؤية وإرادة رأس هرم السلطة.

كان مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"، دائما ما يمثل محور قلق لرأس النظام، الذي طالما طالب بإخضاعه، والتحرر من ثقله، والبيروقراطية المحكمة بين أروقته.

بدأت السلطة تتخذ خطوات حاسمة، مؤخرا، بإدخال شركات خاصة تابعة للمخابرات، مثل الشركة المتحدة، لبداية ما أسمته "التطوير"، والتحكم بالمحتوى، داخل أروقة المبنى العتيق على ضفاف النيل بالعاصمة المصرية القاهرة.

حفل تدشين

في 23 يوليو/ تموز 1960، افتتح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مبنى ماسبيرو في الذكرى الثامنة لثورة 1952 في حفل تدشين تاريخي.

يبلغ حاليا عدد العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون 34 ألف موظف، وميزانيته السنوية 2.6 مليار جنيه بواقع 220 مليون جنيه شهريا، ويبلغ إجمالي ديونه 21 مليار جنيه.

يتبع اتحاد الإذاعة والتليفزيون 5 شركات وهى "النايل سات، ومدينة الإنتاج الإعلامى، وشركة ووكالة صوت القاهرة، وشركة CNE، وشركة راديو النيل".

تراجع دوره بشدة خلال السنوات الأخيرة، وأصبح يعاني من الترهل والبيروقراطية الحكومية، ومنذ سنوات يحاول نظام السيسي السيطرة عليه وإخضاعه بشكل كامل، واستغلال موارده، لخدمة أجندته الخاصة.

خطة الهيمنة

بداية الهيمنة المطلقة، كانت من يوم 20 يناير/كانون الثاني 2019، عندما وقعت الهيئة الوطنية للإعلام، بروتوكول تعاون لخمس سنوات مع شركة المتحدة، وهي شركة مملوكة لجهاز المخابرات العامة، من أجل إنشاء فضائية لخدمات "الأسرة العربية"، وتطوير محتوى قنوات الفضائية المصرية والأولى والثانية، مع مشاركة الحقوق الإعلانية.

ووفقا للبروتوكول، فستقوم شركة المتحدة بإنتاج عدة برامج في التلفزيون الرسمي، من أبرزها "صباح الخير يا مصر" و"التاسعة مساء"، ويذاع كلا البرنامجين على القناة الأولى والفضائية المصرية وقناة "أون"، وهي قناة خاصة تملكها المتحدة.

وتم البدء فعليا في خطة تطوير ماسبيرو بعد نحو شهر من تعيين وزير الإعلام المصري أسامة هيكل، في المنصب الذي غاب عن التشكيل الحكومي في مصر لنحو 5 سنوات. 

واعتبارا من 22 فبراير/ شباط 2020، انطلق برنامج "صباح الخير يا مصر" بطاقم عمل جديد اختارته المجموعة المملوكة للمخابرات العامة، وسيعرض بالتوازي مع قناة "أون تي في" الخاصة التابعة لنفس الجهاز السيادي. فيما استضاف الإعلامي وائل الإبراشي الفنان المصري محمد رمضان، في أولى حلقات التاسعة مساء على التلفزيون الرسمي.

حسام بهجت صحفي مصري كتب على "فيس بوك" "الهيئة الوطنية للإعلام اللي هي بتملك ماسبيرو اللي هو ملك للشعب حسب الدستور اختارت بالأمر المباشر شركة قطاع خاص اسمها المتحدة بالصدفة مملوكة بالكامل للمخابرات العامة عشان تطور ماسبيرو".

وأضاف: "طبعا أهم ما في ذلك هو أن نفس شركة المتحدة هي اللي اشترت تقريبا كل القنوات الفضائية الخاصة وأغلب الصحف الخاصة في البلد وهي اللي بتنتج كل مسلسلات رمضان بالدراع وبدخولها على ماسبيرو أصبح 90% من الإعلام المصري في ظرف 3 سنين ملك لشركة خاصة مملوكة بالكامل للمخابرات وغير خاضعة لرقابة البرلمان أو أي جهاز رقابي وهو وضع لم تشهده مصر حتى أيام عبدالناصر وقت تأسيس التلفزيون وتأميم الصحف في الستينيات".

قائد العملية

الرجل الذي قاد بضراوة عملية إخضاع "ماسبيرو" هو وزير الإعلام الحالي أسامة هيكل، صاحب التاريخ الطويل في منظومة السلطة، هيكل شغل نفس منصبه الحالي، كوزير للإعلام في عهد المجلس العسكري، ضمن حكومة رئيس الوزراء عصام شرف، عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وأدى اليمين الدستورية في ذلك الوقت أمام المشير محمد حسين طنطاوي، وكان هيكل في بدايته محررا عسكريا بصحيفة الوفد عام 1991.

كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي في سبتمبر/ أيلول 2014. كدلالة على ثقة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي فيه، ما دعاه للدخول إلى البرلمان، الذي شغل فيه منصب، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار.

وفي 2 مايو/ آيار 2017، كانت لهيكل تصريحات مثيرة بشأن "ماسبيرو" عندما قال: إنه "ضد خصخصة أو بيع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لكنه ضد أيضا استمراره بوضعه الحالي".

وأكد في ذلك الوقت، أن "بعض العاملين بماسبيرو هم من يخشون إعادة هيكلته ويثيرون الهلع في نفوس جميع العاملين بشأن الهيكلة، وذلك بهدف الحفاظ على المكاسب التي حققوها من الوضع الحالي".

تلك التصريحات أوضحت أن الرجل مضطلع على ملف ماسبيرو، منذ البداية، وأنه من المعنيين بإحلال سياسة النظام الحالي بداخله. لذلك فإن عودته إلى منصب وزير الإعلام في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بقرار دستوري من رئيس الجمهورية لم يكن من فراغ. 

وفي 1 فبراير/ شباط 2020، نص قرار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي رقم 210 لسنة 2020، بشأن تحديد أهداف سياسة الدولة الإعلامية، ومهام وزير الإعلام واختصاصاته، في "الإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة من خلال إتاحة مساحات أكبر للرأي والرأي الآخر وتطوير المحتوى الدرامي وزيادة المنافسة بين القنوات المختلفة، وذلك كله دون الإخلال باختصاص الهيئة الوطنية للإعلام".

وكذلك "إعداد خطط التعامل الإعلامى مع المواقف السياسية المختلفة محليا ودوليا بالتعاون مع الوزارات والأجهزة المختلفة"، أما النقطة الأبرز، والتي تخص ماسبيرو، فنصت على "العمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم الإعلام الرسمى للدولة وإعادته للمنافسة، وكذلك تدعيم حرية الإعلام الخاص".

قرار مدبولي أطلق يد هيكل للبدء فيما أطلق عليه خطة تطوير ماسبيرو، وإسناد المحتوى إلى الشركات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات العامة، من خلال صفقات مستمرة.

صفقة الاستحواذ

جاءت صفقة الاستحواذ على ماسبيرو، في 25 مايو/ آيار 2019، عندما وقعت الهيئة الوطنية للإعلام اتفاقية مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يُتاح بموجبها أرشيف ماسبيرو الدرامي والتلفزيوني بشكل حصري على تطبيق "Watch iT" الذي أطلقته الشركة التابعة لجهاز المخابرات مؤخرا، بغرض عرض المسلسلات الرمضانية التي أنتجتها شركة "سينرجي".

والمتحدة للخدمات الإعلامية التي يترأسها تامر مرسي، وتمتلك تحت مظلتها مجموعة "إعلام المصريين" مالكة قنوات on والحياة، وصحف ومواقع اليوم السابع وصوت الأمة وعين، وكذلك إدارة شبكة راديو النيل، وعدة شركات مثل "برزنتيشن" و"سينرجي"، وإيجل كابيتال، التابعة لصندوق استثماري تملكه المخابرات العامة، إضافة إلى مجموعة المستقبل المالكة لقنوات cbc، ومجموعة "دي ميديا" المالكة لقنوات dmc، والناس، وصحف "الوطن"، و"الدستور"، وموقع "مبتدا"، وراديو "9090".

جاء ذلك البروتوكول استكمالا لما تقوم به إدارة منصة Watch iT، بالحصول حصريا على حقوق محتوى مكتبة التلفزيون المصري، الذي يمتلك الكثير من المحتوى التاريخي المميز من أعمال درامية وإذاعية نادرة، غير متاحة في غيرها من المنصات.

الشركات الخاصة

اتجاه النظام حاليا لتشغيل مؤسسات ماسبيرو والمؤسسات الإعلامية التابعة للدولة بشركات خاصة مملوكة لأجهزة المخابرات، جاء مع النجاح النسبي للمؤسسات الخاصة، بعد فشل ماسبيرو والإعلام العام، في تنفيذ أجندة السلطة، وكونه أصبح محورا للثقل في بنيتها.

ففي منتصف العام 2017، وفي إطار خطتها الرامية إلى السيطرة على المنافذ الإعلامية، اشترت شركة "فالكون غروب" التابعة لجهاز المخابرات، مجموعة تلفزيون قنوات "الحياة"، بقيمة إجمالية بلغت مليارا و400 مليون جنيه، وترأس المجموعة التلفزيونية العميد محمد سمير، المتحدث السابق للجيش.

وقبل أن ينتهي العام 2017، أعلنت شركة "إيغل كابيتال للاستثمارات ش.م.م" التي تمتلكها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة، عن شراء حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في شركة "إعلام المصريين للتدريب والاستثمارات الإعلامية ش.م.م"، وهي الكيان المالك لشبكة قنوات "أون تي في"، وغيرها من الشركات والمؤسسات الإعلامية الفعالة بشكل كبير في مجالات الإعلام.

وتلك الصفقة تحديدا أنذرت بتغير كبير وتام في خارطة الإعلام، فالشركة التي تمتلكها الوزيرة السابقة استحوذت على منصات إعلامية بالغة الأهمية، فبالإضافة إلى مجموعة قنوات "أون.تي.في" ، تملكت الشركة تلك المواقع الإلكترونية بداية من موقع "اليوم السابع" إلى مواقع "انفراد، دوت مصر، دوت مصر TV، صوت الأمة، وعين المشاهير".

وفي مجال الصحافة المطبوعة ضمت صحف اليوم السابع، وصوت الأمة، وعين، بالإضافة إلى مجلتي ( إيجيبت تو داي، وبيزنيس توداي).

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل توغلت الشركة المحسوبة على النظام إلى الاستحواذ على عدة شركات أخرى لها ثقلها بالسوق مثل "بريزنتيشن سبورت"، كبرى شركات التسويق الرياضى والدعاية والإعلان بمصر والمنطقة، و مصر للسينما، و"سينرجي" للإنتاج، و"سينرجي" للإعلان، و"أي فلاي" التي أبهرت الجميع خلال الفترة الماضية من خلال التصوير الجوي سواء الأحداث العامة أو الرياضية.

إلى هنا وتبقى وسائل إعلام الحرس القديم في يد كبار رجال الأعمال المحسوبين على النظام في مصر، فمحمد الأمين يمتلك قنوات "سي بي سي" بالإضافة إلى مجموعة بانوراما التي تضم 4 قنوات، ويمتلك جريدة الوطن الخاصة.

بينما يمتلك رجل الأعمال المقرب من السلطة محمد أبو العنين قناة صدى البلد، وتبقى قناة "المحور" مملوكة لحسن راتب وهو من القليلين الذين يمتلكون استثمارات داخل سيناء، تقع قنوات "النهار" تحت طائلة رجل الأعمال علاء الكحكي.

ويمتلك رجل الأعمال نجيب ساويرس حصصا في وسائل إعلامية هامة، فيمتلك 20 بالمئة من أسهم صحيفة "المصري اليوم"، و60 بالمئة من أسهم قناة “TEN” الفضائية، بالإضافة إلى حصة في قناة "يورنيوز" الناطقة بالإنجليزية.

وشهد إعلام السيسي في يناير/كانون الثاني 2017 انطلاق مجموعة قنوات (دي.إم.سي) الفضائية الخاصة المملوكة لرجل الأعمال طارق إسماعيل، الذي يعد مجرد واجهة فقط، والقناة مدعومة بشكل مباشر من جهاز المخابرات الحربية، ويشارك في التمويل ياسر سليم ضابط المخابرات السابق، الذي كان يلقب بالقبطان، وقبض عليه بعد ذلك في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إثر خلافات مع النظام.