نزاعات عائلية واقتتال بين الأجهزة.. هل يتفكك نظام الأسد من الداخل؟

آدم الصبّاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم سيطرة النظام السوري على أكثر من ثلثي مساحة البلاد، بعد 8 سنوات من الصراع المسلح، وازدياد تلك الرقعة عما كانت عليه قبل هزيمة تنظيم الدولة، إلا أن تلك السيطرة باتت شبه معدومة، إلى حد أصبحت فيه سلطة بشار الأسد منزوعة على عائلته ذاتها.

عائلات تتقاتل فيما بينها، ومليشيات مسلحة تابعة لأجهزة أمنية واستخباراتية متناحرة تتنافس على ابتزاز المواطنين وتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية، تكتلات تجارية تستنزف ما تبقى من خيرات البلاد، إذ بات هذا المشهد العبثي هو الواقع الذي تعيشه مناطق النظام السوري.

بلطجة آل الأسد

انعدام سيطرة نظام الأسد لم يعد يقتصر على مناطقه، بل انسحب على عائلته، حيث تندلع بين الحين والآخر، وفق تقارير إعلامية محلية، معارك طاحنة بين القوات التابعة له مع متنفذين من عائلته.

أحدث فصول تلك المواجهات، كانت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بين قوات النظام ومجموعة تتبع لحافظ بن منذر الأسد والذي يدير مكاتب للرهانات، ويُتهم بممارسة جرائم الخطف والكسب غير المشروع وغسيل الأموال متخذا من القرداحة، مسقط رأس العائلة بمدينة اللاذقية مقرا له.

كما تسيطر المليشيات الموالية له على سوق الذهب والفضة في اللاذقية، وتحظر على أجهزة الدولة تحصيل فواتير الماء والكهرباء، وتمنع التموين والجمارك من مراقبة المحلات، مقابل فرض مبالغ شهرية مقطوعة (إتاوات) على التجار.

كانت مدينة اللاذقية قد شهدت مواجهات مفتوحة إثر إطلاق غيدق مروان ديب، حفيد بهيجة، أخت حافظ الأسد، النار على دورية أمن مشتركة كانت قد وصلت إلى منزله للتفاوض معه، بشأن تسليم نفسه، بعدما رفض كل الدعوات الهاتفية للامتثال إلى تحقيق أمني.

المواجهات أسفرت عن مقتل غيدق الذي يقود مليشيا مسلحة يطلق عليها اسم "قوات الغيدق"، سببت تلك المواجهات حرجا لآل ديب الذين  يتولون مناصب عسكرية وأمنية في النظام.

وفي الأسبوع الثاني من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، تردد الحديث عن إقدام سليمان هلال الأسد على قتل عنصر في الدفاع الوطني وضرب واعتقال رفاقه، إثر خلاف على أولوية  المرور في أحد شوارع اللاذقية.

بالتوازي مع ذلك شن النظام حملة على مدينة جبلة مستهدفا أفراد مليشيا "فوج" التي يتزعمها بشار طلال الأسد، وأسفرت عن اعتقال عدد من أفراد تلك المليشيا.

ويُتهم عناصر المليشيا بابتزاز تجار مدينة اللاذقية تحت التهديد بالخطف والقتل،  بذريعة تمويل الحملة على مدينة إدلب، ما اضطر بعض تجار المدينة لدفع مبالغ وصلت إلى 60 مليون ليرة سورية (الدولار يساوي 717 ليرة سورية).

وكانت القيادة الروسية في قاعدة حميميم قد وجهت لابن طلال الأسد تهمة قتل جنود روس خلال المعارك الأخيرة التي دارت على محور الكبينة بريف اللاذقية الشمالي قبل نحو شهر، عبر قصف عشوائي لخطوط الجبهات دون تحديد أهداف دقيقة.

وأسفر الصراع المحتدم بين حافظ بن منذر الأسد وبشار بن طلال الأسد عن مقتل وخطف عدد من أفراد عائلة الأسد، وحرق بعض البيوت، ويدور الحديث عن تمتع بشار ويسار ابني طلال الأسد بدعم غير معلن من ماهر الأسد الذي يرغب بإضعاف سلطة أخيه بشار الأسد في محافظة اللاذقية.

بدوره استهدف بشار الأسد وزوجته أسماء الدائرة التجارية المقربة من ماهر الأسد في دمشق بحملتهم المزعومة ضد الفساد، وفق الدراسة التي نشرها "المرصد الإستراتيجي".

ماهر ومخلوف

بعض الخلافات داخل العائلة كان بشار الأسد طرفا فيها، ومنها المقال الذي نشرته "التايمز" البريطانية أواخر أغسطس/آب الماضي، وأفاد بوجود تصدع داخل العائلة بسبب خلاف بين الأسد وابن خاله الملياردير رامي مخلوف الذي يعتبر أغنى رجل في سوريا، بعد أن رفض الأخير سداد ديون الحرب.

ورفض رامي مخلوف، أن يسلم الأصول المالية لعائلته، ما دفع النظام للاستيلاء عليها بحجة مكافحة الفساد، كما تشير تقارير إلى: أنه محتجز تحت الإقامة الجبرية مع 3 من أسرته.

ويقول آخرون: إن محاولات الأسد استعادة السيطرة على المدن والبلدات السورية، دفعه لاستخدام أموال مخلوف لتمويل مليشيات للقتال معه إلى جانب جيش النظام.

بينما يذهب البعض إلى: أن سبب الخلاف الحقيقي هو أن مخلوف نقل جزءا كبيرا من ثروته خارج البلاد، إلى جانب خفض استثماراته المالية في الداخل السوري.

وتحدثت تقارير إعلامية: عن صراع خفي بين الأخوين بشار الأسد وقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، وهو الخلاف الذي ظهر للعلن بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا.

هذه الخلافات تحولت في فبراير/شباط الماضي، إلى معارك ضارية بين الفرقة التي يقودها ماهر الأسد الموالي لإيران، وبين "قوات النمر" التي يقودها العميد الموالي لروسيا سهيل الحسن والذي يأخذ أوامره مباشرة من بشار.

التقارير أشارت إلى: أن روسيا وإيران غير متوافقتين في سوريا، بسبب محاولات موسكو تخفيض نفوذ طهران المتنامي هناك، ولفتت إلى: أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الخلافات بين ماهر وبشار، ولكن من غير المعلوم لغاية الآن ما إذا كانت إيران ستستمر بدعمها لماهر من عدمه.

الانفلات الأمني

ليس بعيدا عما أحدثته خلافات آل الأسد من فوضى أمنية في مناطق سيطرة النظام السوري، فإن جانب من فقدان سيطرة الأسد على تلك المناطق ترجمته حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق.

مدينة اللاذقية الساحلية تعيش منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوضاعا أمنية صعبة نتيجة انتشار قوى الأمن وإلقاء القبض على أشخاص مدعومين من آل الأسد وآل عمار، ممن يعملون في مجال تصريف العملة في السوق السوداء، ومكاتب رهانات، وأصحاب مستودعات، ومحلات تجارية.

وتتفشى مظاهر الاحتقان الشعبي في محافظتي اللاذقية وطرطوس جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية والانفلات الأمني، وتنامي موجات الهجرة، فضلا عن استمرار النزيف البشري، حيث فقدت المحافظتان عددا كبيرا من أبنائهما في معارك الشمال، ما أدى إلى تصاعد وتيرة الانتقاد العلني لسياسات النظام.

وتشهد محافظة درعا حالة غير مسبوقة من الفوضى والانفلات الأمني، نتيجة  عمليات الاغتيال واستهداف قوات النظام في شتى مدن وبلدات المحافظة، والصراعات المستمرة بين عناصر الفرقة الرابعة والفيلق الخامس.

وحسب المرصد الإستراتيجي: أقدمت بعض الفصائل في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على تمزيق صورة لبشار الأسد، مثبتة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، الخاضع لسيطرة النظام.

ويشتكي القائمون على المعبر من تراجع حاد في عدد الأردنيين الذين كانوا يدخلون بالمئات يوميا إلى أسواق درعا، والمحافظات المجاورة، بقصد السياحة والتسوق، وذلك بسبب القيود المفروضة على بعض البضائع وتخوفهم من الملاحقات الأمنية، وتعرض كثيرين لأعمال خطف وابتزاز على أيدي "الشبيحة"، الذين يسيطرون على طرق المرور الرئيسية.

أما في محافظة السويداء، فتنتشر عمليات الخطف والمواجهات بين مليشيات محلية وعناصر من النظام، وتتواصل الفوضى الأمنية في مدينة حلب ومحيطها جراء الصراع بين المليشيات المدعومة من روسيا ونظيرتها المدعومة من إيران وتقاسم كلا الطرفين السيطرة على المدينة.

وشهدت الأسابيع القليلة الماضية مقتل عدد من عناصر النظام في تلك الاشتباكات، وكان آخر ضحاياها رئيس مفرزة الأمن العسكري في منطقة سوق الجبس التابعة لحي الحمدانية في حلب العقيد هزاع ولو، الذي قتل مع مرافقه، وأصيب آخرون.

وتنقل تقارير إعلامية محلية، عن سكان المدينة، قولهم: إنهم يعيشون في رعب مستمر جراء ازدياد عمليات الخطف خصوصا للفتيات والنساء، وابتزاز "شبيحة" النظام لأهالي المخطوفين مقابل الحصول على مبالغ مالية، وفي حالات أخرى يتحول المخطوف إلى ضحية فيُقتل على يد الخاطفين.

وتشير التقارير إلى: أن الوضع الأمني في حلب ازداد سوءا بعد سيطرة النظام على كامل الأحياء الشرقية لحلب والتي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، مفيدة بأن العناصر التي فرغت من القتال على جبهات حلب، وأوكلت إليهم مهمة حماية المدينة أصبحوا يوغلون في عمليات السرقة والتعدي على المدنيين.

صراعات أجهزة

ارتباطا بملف الانفلات الأمني وفقدان بشار الأسد السيطرة على مناطق النظام السوري، يبدو الصراع الدائر بين أجهزة الأمن والاستخبارات، توازيا مع حركة تغييرات كبيرة ومفاجئة أُجريت نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكبار الضباط في سلاح الجو، ووزارة الداخلية، وحركة تنقلات واسعة بين أمناء أهم المعابر الحدودية والمناطق الحرة.

الصراع الذي أشارت إليه تقارير إعلامية، يجري بين المخابرات العسكرية التي  تهيمن على المحافظات الجنوبية بالتعاون مع روسيا، وبين الفرقة الرابعة التي تستحوذ على دمشق وما حولها وعلى الأراضي المتاخمة للبنان، وتقوم بعمليات تهريب واسعة النطاق.

هذه الأجهزة تنافسها المخابرات الجوية على الهيمنة والنفوذ، الأمر الذي فجر صراعات مفتوحة وعمليات اغتيال وتصفية أصبحت ظاهرة في مختلف المحافظات السورية.

وتتصارع المليشيات التابعة لتلك الأجهزة للسيطرة على الحواجز الأمنية في المراكز السكنية وطرق التجارة الرئيسية، حيث تحقق إيرادات مالية من خلال ابتزاز المدنيين ورجال الأعمال.

وأدت التوترات بين الضباط والجنود وأفراد المليشيات وعناصر الشرطة المحلية إلى حملة من الاعتقالات طالت الشخصيات الأقل رتبة، وأدت إلى وقوع اشتباكات وعمليات اغتيال نُسبت إلى فصائل المعارضة.

اللافت أن مسألة الخلافات بين الأجهزة الأمنية في مناطق سيطرة نظام الأسد لم تكن حديثة العهد، بل تواترت الأنباء بشأنها قبل أعوام، ومن بين ذلك ما كشفته تقارير صحفية في مارس/آذار 2015.

أفادت التقارير: بأن الأسد فقد السيطرة على أجهزة أمنه، إذ تتوالى المعلومات من دمشق عن تخبط هذه الأجهزة، ونشوء صراعات بين رؤسائها، وتبادل الاتهامات بالخيانة أو التقصير.

ونقلت عن مصدر قوله: إن "النظام السوري المتهالك عسكريا، بدأ يقتنع بأنه يفقد السيطرة الأمنية والاستخباراتية، لذا انطلق في حملة مجنونة، لتصفية كل من يملك أسرارا ومعلومات قد تدينه".

ألاعيب إيران

لا يمكن الحديث عن فوضى أمنية وعسكرية في مناطق النظام السوري، دون التطرق إلى الدور الإيراني المباشر فيها، إذ تلعب طهران دورا بارزا في تزكية الصراع بين أجهزة الأمن السورية والمليشيات التابعة لها، حيث تنسق بعض هذه المليشيات مع الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية.

وتدعم إيران المخابرات الجوية والفرقة الرابعة، وتقدم لهما ما يلزم للسيطرة على باقي المنافسين، فيما تحاول روسيا كبح جماح هذه المليشيات عبر الفيلق الخامس وإعادة دمج الفصائل المعارضة ومليشيات النظام ضمن الهياكل العسكرية التقليدية.

في ميدان آخر، يتسبب الانتشار غير المسبوق للقوات الإيرانية في المناطق الساحلية بالمزيد من السخط، حيث ينزل كبار الضباط الإيرانيين في أفضل الفنادق والشقق المفروشة بسواحل اللاذقية ويستحوذون على طوابق بأكملها في فندق "ميريديان"، وفي شقق مفروشة بالعمارات المطلة على البحر، بينما يمنع السكان المحليون من الوصول إلى تلك المناطق حماية للقيادة الإيرانية.

وعبّر مئات السكان عن سخطهم من استمرار النظام في منعهم من دخول قراهم بريف اللاذقية، وتحويلها إلى مقرات لإقامة عناصر من المليشيات الإيرانية في الريف الممتد نحو 50 كيلومترا على طريق حلب.

وأدى توقيف القوات الروسية أنشطة "المركز الثقافي" الإيراني، ومركز "جامع الرسول الأعظم للتنمية والدعم"، وغيرها من المؤسسات الإيرانية باللاذقية إلى توقف المساعدات التي كانت تقدم لأكثر من 4 آلاف عائلة علوية، إلى تركيز تلك المؤسسات جهدها على القرى الشيعية مثل "اشتبرق" و"كفرية" و"الفوعة".