خوف استثماري.. كم خسر قطاع الأعمال نتيجة قطع الإنترنت بالعراق؟

تسبب قطع خدمة الإنترنت في العراق، على إثر المظاهرات الشعبية الأخيرة، خسائر مالية هائلة، طيلة أيام الاحتجاجات التي استمرت لمدة عشرة أيام، في محاولة من الحكومة لاحتوائها، بعدما انطلقت من بغداد وامتدت إلى محافظات في وسط وجنوب البلاد.
وبعد مطالبات أطلقها سياسيون واقتصاديون، أعادت السلطات العراقية خدمة الإنترنت، الذي تسبب انقطاعه بالشلل التام في الكثير من القطاعات العاملة في العراق، وتحديدا القطاع الخاص، وسط دعوات وجهت للحكومة بتعويض الخاسرين.
وانطلقت المظاهرات بعدة مطالبات أبرزها محاربة الفساد، والقضاء على البطالة، ثم تطورت الشعارات لاحقا وطالب المتظاهرون بإسقاط الحكومة.
حجم الخسائر
تكبدت الشركات والبنوك وقطاع الأعمال عموما في العراق خسائر تراوحت ما بين 40 و50 مليون دولار يوميا، جراء قطع خدمة الإنترنت لمدة 5 أيام بشكل مستمر، و5 أيام أخرى متقطعة، في جميع أنحاء البلاد باستثناء إقليم كردستان.
وبذلك تتراوح الخسائر الإجمالية بين 400 و500 مليون دولار خلال عشرة أيام، وهذه الخسائر، بحسب مختصين، قابلة للزيادة، لأن خدمة الإنترنت على الجوال استمرت لأكثر من ذلك.
تلك التقديرات غير الرسمية، أكدتها لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، إذ قال العضو فيها محمود ملا طلال، إن: "الخسائر في العراق وصلت لأكثر من نصف مليار دولار جراء قطع الانترنت بحسب المؤشرات".
وفي السياق ذاته، قال محمد الزبيدي، عضو غرفة تجارة بغداد، إن: "خسائر القطاع الخاص لا يمكن حسابها حاليا، لكن التقديرات المبدئية تقول إنها تتراوح بأي حال بين 40 و50 مليون دولار ككل"، مؤكدا أن: "الحكومة قانونا ملزمة بدفع تعويضات لمن تضرر جراء هذا القطع".
وأقدمت الحكومة العراقية على قطع خدمة الإنترنت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، في بغداد ومحافظات عدة، وشهدت مقتل أكثر من 120 شخصا وإصابة ما يزيد على 6 آلاف، بسبب استخدام العنف المفرط من قوات الأمن لتفريقها.
وأعادت الحكومة الإنترنت الثلاثاء 8 أكتوبر/ تشرين الأول، لساعات قبل أن تعيد الحظر عليه مرة أخرى، ثم أعادته صباح الجمعة. وأعلنت وزارة الاتصالات في بيان لها إعادة خدمة الإنترنت على مدار الساعة.
وذكرت الوزارة في بيانها المقتضب، الجمعة 11 أكتوبر/ تشرين الأول، أنها استحصلت الموافقات الرسمية بشأن عودة خدمة الإنترنت اعتبارا من الجمعة، مؤكدة أن: "عودة الخدمة ستكون على مدار الساعة".
القطاعات المتضررة
طالت الخسائر المترتبة جراء انقطاع خدمة الإنترنت، قطاعات عدة في البلاد، ولا سيما الخاصة منها، وهي: شركات السياحة، التحويل المالي، البنوك، الهاتف المحمول، الاستيراد، سوق الأسهم (البورصة)، خدمات التوصيل والتكسي، كانت أبرز المتضررين في البلاد.
وقال عضو لجنة الخدمات البرلمانية، إن: "القطع الاحترازي لخدمة الإنترنت أوقف الإجراءات الإدارية التي تقوم بها الدوائر المركزية بالمحافظات، ولا سيما ما يتعلق بمجال البورصة، والخطوط الجوية العراقية، والأنواء الجوية، والأسعار والبضائع، وكل ذلك تسبب بخسائر مالية".
وعلى مدى سبعة أيام واصلت مكاتب السياحة والسفر تقديم اعتذاراتها لعملائها، الذين تكبد بعضهم خسائر كبيرة نتيجة عدم تمكنهم من السفر.
يضاف إلى ذلك، ما تحدث عنه مراقبون اقتصاديون، بأن: "أكثر من ٥ آلاف شخص من سائقي خدمة (تكسي كريم) وخدمات أخرى تُقدم عبر تطبيقات الهواتف المحمولة توقفت عن العمل طيلة هذه المدة".
وأشاروا إلى أن: "أكثر من ٤٠٠ سائق دراجة في تطبيقات توصيل الطعام (طلباتي، توترز، عالسريع، وغيرها) كلها مشاريع توقفت عن العمل تماما، بسبب قطع الإنترنت على خدمة إنترنت الهاتف المحمول".
وأعادت وزارة الاتصالات العراقية، خدمة البيانات "3G" لجميع خطوط أجهزة الهاتف المحمول في عموم محافظات العراق، الأربعاء 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أي بعد خمسة أيام من عودة خدمة الإنترنت في البلاد.
وسائل بديلة
حاولت بعض الشركات المحلية اللجوء إلى تقنيات بديلة لإيقاف الضرر جراء قطع الإنترنت.
وفي حديث لـ"الاستقلال" قال "أبو إبراهيم" صاحب مكتب صرافة وتحويل مالي في بغداد، إن: "الأضرار كبيرة ولا يمكن تقديرها، لأن التحويلات المالية اليومية تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وكلها توقفت بسبب انقطاع خدمة الإنترنت".
وأشار أبو إبراهيم إلى أن: "شركات التحويل المالي لجأت إلى طريقة جديدة حاولت من خلالها تمشية مصالح الناس وإيقاف الخسائر المتزايدة بشكل يومي، وذلك عبر استخدام شرائح هواتف محمولة (سيم كارد) للدول المجاورة".
وأوضح أن الكثير من شركات التحويل المالي، لجأت إلى الخدمة الدولية لشرائح الهواتف المحمولة التركية والإيرانية والمصرية، وحتى المحلية من شركتي "كورك، وآسيا سيل" المسجلتين في إقليم كردستان العراق، فضلا عن هواتف "الثريا".
لكن تلك المحاولات، بحسب صاحب مكتب الصرافة، كانت محدودة جدا وجاءت متأخرة، أي قبل إعادة خدمة الإنترنت بيومين تقريبا، إضافة إلى أن السلطات العراقية، بدأت بملاحقة من يقوم بإدخال هذه الشرائح إلى البلد، على اعتبار أنها تخل بالأمن، لأنها تستخدم من جهات تدعو إلى المظاهرات.
وأفادت تقارير محلية، بأن الحديث يدور عن دخول ألف شريحة هاتف دولية وتفعيل خدمة الإنترنت عليها، لاستخدام بعضها في بث الصور والأفلام، وإنشاء حسابات على "تويتر"، والدفع لاستخدام العنف سواء.
وذكرت أن: "جهات سياسية تسعى لتوجيه تهم مباشرة إلى أشخاص بالتورط في تهديد أمن العراق واستقراره من خلال التشجيع على التظاهر والإخلال بالنظام"، مبينة أن: "قوى عدة، تتهم أخرى منافسة لها بالوقوف خلف التظاهرات".
خوف المستثمرين
على الرغم من أن السلطات العراقية تعلن في أكثر من مناسبة أنها تبذل جهودا استثنائية لإقناع المستثمرين العرب والأجانب على حد سواء بدخول السوق العراقي، من خلال تطمينهم باستتباب الأوضاع، لكن انقطاع الانترنت مؤخرا، قد ينسف كل ذلك.
وبحسب الخبير الاقتصادي صبيح الهاشمي، فإن: "انقطاع خدمة الإنترنت تسبب بتعطل اتفاقات وتفاهمات استثمارية، في مختلف القطاعات، وهذا من شأنه أن يترك جوانب سلبية في مجال المال والأعمال".
الهاشمي أكد في حديث لـ"الاستقلال" أنه: "في لقاءاتنا العديدة مع السفارات الأجنبية نعمل على تطمينهم بأن الأوضاع في البلد آمنة ومستقرة، وبإمكان شركات الاستثمار المجيء إلى العراق من أجل إنجاز مشاريع عدة، لكن حدوث حالات انقطاع للإنترنت والفوضى، يزعزع الثقة".
لكن الخبير الاقتصادي العراقي، أشار إلى: "وجود هجمة إعلامية من دول الإقليم والجوار ضد البلد، لأنهم يطمحون أن يبقى العراق بلدا استهلاكيا، حتى هم ينتجون ونحن نستهلك، وأن تضخيم الأخبار في بعض الأحيان قد يضر بنا".
وأوضح الهاشمي، أن: "شركات الاستثمار متحمسة للعمل في العراق بشكل عام، والبصرة بشكل خاص، ولكن قطع الإنترنت على خلفية خروج الناس بمطالب يعيق ذلك"، مشيرا إلى أن: "ما جرى يبقى حالة مؤقتة وليست واقعا مستمرا، لكن هنا من يريد أن يبقي العراق بلدا مُستهلكا لمنتجاتهم".
أما عضو غرفة بغداد محمد الزبيدي، فإنه يؤكد أن: "خطوات مثل قطع الإنترنت تخيف الشركات الأجنبية وتعطي لها إشارة بأن الدور الحكومي غير مطمئن، وتعكس أنه غير قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة".
وأردف: "قطع الإنترنت لأيام عمدا من أجل السيطرة على محتجين، يُفسر بأن من يديرون البلد لا يقدّرون أهميته في عالم اليوم، وبالتالي هذا لا يشجع المستثمرين لكي يضخوا بأموالهم في مشاريع جديدة في العراق".
وأبرم العراق في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الصين، في زيارة أجراها رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، الذي اصطحب وفدا ضخما مكون من 60 مسؤولا ورجل أعمال.
وكشف عبد الحسين الهنين مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، أن: "حجم الأعمال بين العراق والصين سيتجاوز الـ500 مليار دولار خلال الـ10 سنوات المقبلة".
وبحسب تصريحات الهنين، فإن: "ملتقى عراقي - صيني سيعقد في بغداد (لم يذكر توقيته) بمشاركة 40 شركة صينية كبرى برعاية السفارة الصينية في بغداد إلى جانب شركات عراقية لمتابعة المشاريع".
كما أن العديد من الشركات الأجنبية ومنها: الألمانية "سيمنز" والأمريكية "إكسون موبيل" والروسية "لوكيل" وغيرهم الكثير، تستثمر في العراق، إذ تتركز مهاما في الغالب على إدارة حقول النفط في محافظات جنوب العراق، إضافة إلى الاستثمار في مجال توفير خدمة الكهرباء.
المصادر
- الخدمات النيابية تعلن حجم خسائر العراق من قطع الانترنت
- نصف مليار دولار خسائر العراق من قطع الإنترنت
- الحكومة العراقية تعلن اعادة خدمة الانترنت على مدار الساعة
- اتهامات مباشرة لاشخاص بالتورط بتهديد امن العراق ودخول شرائح اتصال دولية بسبب الانترنت
- العراق يعيد خدمة البيانات 3G بعد ايقافها بسبب التظاهرات
- قريباً .. بغداد تحتضن الملتقى {العراقي ـ الصيني}
- شركات النفط في العراق
- سيمنز تباشر العمل في تنفيذ عقود المرحلة الاولى