لوبوان: هكذا ينظر المصريون إلى احتجاجات الجمعة المرتقبة

بعد الإطاحة بسلفه الرئيس الراحل محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، قال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مراراً وتكراراً إنه لن يسمح بثورة جديدة، إذ حذّر في عام 2018 من ذلك بالقول: "أولئك الذين يؤمنون بتكرار ما حدث قبل سبع أو ثماني سنوات (ثورة يناير) لا يعرفونني جيدًا".
وجاءت تصريحات السيسي هذه، بعد موجات غضب قصيرة أثارها انفجار الأسعار، وخاصة ارتفاع تذكرة المترو بنسبة 250٪.
في ضوء هذه التصريحات، تطرّقت أسبوعية "لوبوان" الفرنسية، إلى المظاهرات التي شهدتها مصر في القاهرة ومدن مصرية أخرى، مثل الإسكندرية والمحلة، قبل أيام، استجابة لدعوات جرى إطلاقها عبر شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة برحيل السيسي.
وقالت المجلة: "أدّى الخوف من الإطاحة به، إلى موجات من الاعتقالات كانت أوسع نطاقًا ولا يمكن التنبؤ بها. تُقدّر المنظمات غير الحكومية عدد المسجونين بما لا يقل عن 60000 من المعارضين والصحفيين والمحامين أو حتى أصحاب الفكاهة".وأضافت "في مواجهة الافتقار إلى الأماكن العامة ووسائل الإعلام الحرة، أصبحت الشبكات الاجتماعية هي السبيل الوحيد لإثارة غضب الطبقات الشعبية، فبعد تطبيق تدابير التقشف، ظهر الهاشتاج #ارحل_يا_سيسي عدة مرات، وتم تداوله على نطاق واسع في الخارج من قبل وسائل الإعلام القريبة من جماعة الإخوان المسلمين. لكن حتى يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، لم تتم ترجمة أي دعوة للاحتجاج على النظام إلى الشوارع".
اعتقالات ضخمة
وانطلقت شرارة المظاهرات هذه المرة بعد أن خرج رجل الأعمال والمقاول محمد علي متحدثاً من منفاه في إسبانيا عن فساد السيسي وقيادات من الجيش وبنائهم للقصور من أمول الشعب المصري. ومن خلال مقاطع الفيديو التي حصدت ملايين المشاهدات، دعا المقاول الثوار الذين أُصيبوا بالصدمة بسبب القمع وكانوا ممنوعين حتى من التفكير، للنزول إلى الشوارع.
وأشارت إلى أنه في المدينتين الرئيسيتين الإسكندرية والقاهرة، وكذلك مدينتي السويس والمحلة، استفاد بضع مئات من الأشخاص من صفارة المباراة النهائية لكرة القدم بين الأهلي والزمالك، التي تمت متابعتها في المقاهي، لتكوين تجمعات.في المنصورة، ودلتا النيل، أظهر مقاطع فيديو حشدًا يرفع لافتة ضخمة تُمجّد السيسي، بينما في ميدان التحرير الشهير، قلب ثورة 2011، ظهر شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وبسرعة، تدخلت الشرطة وفرقت المتظاهرين دون عنف، وتم نشر تعزيزات بفضل المركبات المدرعة الحديثة التي تم شراؤها من شركة أركوس الفرنسية (رينو سابقًا)، وفقًا لما ذكره العديد من المراقبين.
وتتابع المجلة الفرنسية: "في وسط القاهرة، أبلغ صحفي عن رؤيته العشرات من الرجال يرتدون ملابس مدنية مسلحين بالعصي، خرجوا من الحافلات الصغيرة ولاحقوا بقوة من لا يريدون المغادرة، تم إلقاء القبض على أكثر من 500 شخص في جميع أنحاء البلاد، بحسب محامين ومنظمات حقوق الإنسان ونشرها موقع الأخبار المستقل الوحيد، مدى مصر".
وأكدت أنه رغم ذلك لم يحدث شيء، ولم تُصدر وزارة الداخلية أي بيان صحفي ولم تتحدث وسائل الإعلام عن كثب، فقط خرج بيان أدان "مؤامرات الوكلاء والمرتزقة والهاربين لتشويه رموز الدولة".
وأضافت: "في اليوم التالي، تعلمت السلطات الدرس وطوقت ميدان التحرير بسيارات الشرطة والضباط الذين يفتشون حقائب المارة، لكن لاحظ القاهريون، الذين اعتادوا على المظاهرات، عدم وجود دبابات الجيش التقليدية".
ونوّهت بأن خروج الجيش يُعدُّ اعترافاً بوجود خطر حقيقي على النظام، لكن السلطات تريد إقناع الجميع بأن الوضع تحت السيطرة، مشيرة إلى أنه على الرغم مما شهدته السويس في اليوم السابق، فإن ما يقرب من 200 محتج تحدوا السلطات مرة أخرى، والذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن، ولم يُسفر ذلك إلا عن جرحى فقط، حسب فرانس برس.
تجاهل الفقراء
من القاهرة، يتلقى محمد، بائع ملابس منذ ثلاثين عامًا، صور هذه الاحتجاجات بقلق، ويقول: "نحن لسنا بحاجة لرؤية المزيد من الشهداء يسقطون، نحن نعاني، ولكن إذا كان هناك ثورة، فإن وضعنا يمكن أن يزداد سوءًا".
ولفتت "لوبوان" إلى أنه بالنسبة للكثيرين، التظاهر في عام 2019 يُشبه مهمة انتحارية، ليس فقط لأن ردة فعل النظام العسكري وحشية إلى حد بعيد، ولكن أيضًا لأنه يحاول قتل فكرة بديل لحكمه، لأن رئاسة السيسي، منحت هيئة أركان الجيش دوراً رائداً في الاقتصاد من خلال مضاعفة المشروعات العقارية الكبرى وزعزعة استقرار القطاع الخاص. وفي أبريل/نيسان الماضي، اعتمد السيسي دستوراً جديداً أكد قبضته على المؤسسات والخدمات الأمنية في البلاد.في أحد المقاهي بحي السيدة زينب، كانت الأحداث التي شهدها نهاية الأسبوع في قلب المحادثات، ويقول عامل يبلغ من العمر (45 عامًا): "السيسي لا يُمكنه بعد الآن تجاهل الفقراء، لا نريد منه قلب كل شيء، لكن على الأقل عليه أن يُعيد التوازن إلى سياسته ويُراعي الصعوبات التي نواجهها".
ونوّهت المجلة بأن الضرائب والإجراءات التقشفية التي فرضها صندوق النقد الدولي، في مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، تؤثر بشكل متزايد على الطبقة العاملة والفقراء. يتجاوز معدل التضخم 20 ٪، خلال ثلاث سنوات، ارتفع الفقر أربع نقاط ليصل إلى 32.5 ٪.
وأشارت "لوبوان" إلى أن الآراء تتباين حول الهدف النهائي لهذه المظاهرات، لكن الجميع يتحدث بحماس وفخر عن "أولئك الذين تجرأوا" ليعبروا عن صوتهم.
وعلى الرغم من التعتيم على المعلومات في وسائل الإعلام التقليدية، تبدأ الأخبار في الانتشار بالريف، فمنذ أن تحدث أحمد إلى أسرته التي تعيش في قرية بصعيد مصر، قام ابن عمه البالغ من العمر 20 عامًا بإمطاره بالرسائل قائلاً: "اعلمني عندما تكون هناك مظاهرة أخرى، سأتي على الفور!.
مليونية مرتقبة؟
وذكرت أنه في أحدث فيديو له صدر في 21 سبتمبر/أيلول، دعا رجل الأعمال محمد علي بالفعل إلى استمرار التظاهر، ويريد أن يصل عدد المحتجين إلى "مليون شخص" يوم الجمعة المقبل. وفي حين أن الاعتقالات قد وصلت بالفعل إلى المئات، يبدو أنه يعتبر سقوط السيسي إجراءً شكليًا، حتى أنه يحرف الواقع ويشكر الشرطة على السماح للناس بالتظاهر، وفق المجلة.
بالنسبة إلى منتقديه الذين يتهمونه بالرغبة في إغراق مصر في حالة من الفوضى، قال إنه يكفي "تعيين 50 خبيرًا وممثلًا عن المجتمع المدني في كل محافظة" لرسم نظام انتقالي.
ورأت المجلة أنه في الوقت الذي يستعد فيه السيسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تحبس مصر أنفاسها.
ونقلت عن شخصية ثورة عام 2011، في مشاركة لها على مواقع التواصل الاجتماعي "حدث شيء في ليلة 20 سبتمبر، وأدعو الله أن يحدث شيء جيد. أنا لا أحاول أن تكون آمالي عالية جداً. الأمل لعبة خطيرة في هذا الجزء من العالم، لكن لا ينبغي التقليل من أهميته".