نيويورك تايمز: هذه أخطاء كوشنر في ورشة البحرين الاقتصادية

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية افتتاحيتها تحت عنوان "خطة كوشنر لتنمية الشرق الأوسط.. أحلام كبيرة منفصلة عن الواقع"، وقالت فيها إن ورشة البحرين الاقتصادية التي عُقدت الأسبوع الماضي بمشاركة عربية وإسرائيلية ورفض فلسطيني، جاءت بأحلام كبيرة عرضها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، إلا أنها لم تعبر سوى عن أحلام كبيرة بعيدة كل البعد عن الواقع.

اعتبرت الصحيفة أن العرض الترويجي لمشروع جاريد كوشنر للسلام في الشرق الأوسط، الذي حدد 50 مليار دولار للاستثمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة لها مثل إسرائيل والأردن ومصر، وُصف بـ"الترويج العقاري الخيالي في نيويورك"، إذ أفاد أن الفلسطينيين يمكنهم استخدام هذه الأموال الطائلة في الاستثمار في أراضيهم التي تعاني من كارثة اقتصادية، كان من نتيجتها أن وصلت نسبة البطالة العام الماضي إلى ما يقارب 31%.

العرض الذي قدمه كبير مستشاري البيت الأبيض والمطور العقاري السابق في نيويورك، خلال مؤتمر البحرين الاقتصادي، بحسب الصحيفة، يحوي ما يُفترض به أن يكون الأساس الاقتصادي لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وعود كوشنر

لقد دعى كوشنر المشاركين في المؤتمر أن يتخيلوا الواقع الجديد المفترض تحقيقه في الشرق الأوسط؛ إلا أنه اتضح للمراقبين أنه باستثناء اللهجة الدعائية التي استخدمها في العرض، لا يوجد جديد في خطته التي اعتمدت بشكل أساسي على الإنشاءات التي تحتاجها المنطقة بشدة في مشروعات البنية التحتية. وقد تم تضمينها في مقترحات وعروض مشروعات سابقة تقدم بها كل من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وآخرون في خطط السلام السابقة التي أصابها الفشل ولم يُكتب لها النجاح.

أفادت الصحيفة بأن أكثر التعهدات طموحاً هو ممر النقل الذي من المفترض أن يربط قطاع غزة بالضفة الغربية، كما أنه من المفترض أن يربط هذا الطريق بين الأراضي الفلسطينية بطريق رئيسي ومن المحتمل أن يُضاف إليه خط حديث للسكك الحديدية.

يحتوي العرض على تحديث المنشآت الحدودية القائمة، وبناء محطات شحن جديدة، بالإضافة إلى تحديث محطات الشحن القديمة، واستخدام حلول تكنولوجية جديدة في المعابر بهدف تسهيل تدفق الفلسطينيين والبضائع بين الأراضي الفلسطينية وكل من إسرائيل ومصر والأردن وبلدان أخرى في المنطقة.

وعلى الرغم من أن خطة كوشنر للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط تتعامل مع العموميات، إلا أنها تعد بتطوير شبكات الكهرباء الفلسطينية، بالإضافة إلى تطوير محطة توليد الكهرباء في غزة، والشروع في بناء محطات للطاقة المتجددة، بالإضافة إلى أنه بهدف مضاعفة إمدادات المياه خلال خمس سنوات، تعد الخطة ببناء مرافق جديدة لتحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، وكذا مياه الآبار وشبكات التوزيع.

وأشارت الافتتاحية، نقلا عن خطة كوشنر، إلى أن الحوافز المالية للشركات الفلسطينية الخاصة ستشجع على توسيع القدرات الرقمية الحالية المحدودة من خلال تطوير خدمات الاتصالات عالية السرعة. كما أن هناك مقترحات أخرى تصب تركيزها على توسيع الفرص التعليمية وفرص العمل والإسكان والسياحة وسيادة القانون.

بعيدا عن الواقع

تبدو الخطة بشكلها ومكوناتها الحالية غير واقعية، بحسب الصحيفة الأمريكية، فإسرائيل تسيطر على الحياة الاقتصادية للأراضي الفلسطينية، مما يعني أنه لا يمكن بأي حال أن يتم تنفيذ أي من بنود الخطة دون الموافقة الإسرائيلية، ومع أن الخطة لا تتطلب التزاماً تمويليا من الجانب الإسرائيلي أو رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو -لأنه من المتوقع أن تقوم دول الخليج العربي والاتحاد الأوربي والمستثمرون من الشركات الخاصة بتمويل المشروعات التي تتضمنها الخطة كأساس لعملية السلام المقترحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين- إلا أنه لا يوجد التزام سياسي بكل تلك الأمور التي من المفترض أن تحل الشق الاقتصادي من عملية السلام المزمع مناقشتها في الشرق الأوسط.

زيادة على ذلك، إنه من غير المرجح أن تقوم دول عربية بتمويل خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تشترط عدم قيام دولة فلسطينية.

ما يجعل خطة كوشنر الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط أكثر سريالية، هو أنها تأتي بعد وقت قصير من قيام الإدارة الأمريكية التي يمثلها كوشنر بقطع المساعدات الأمريكية المخصصة للبرامج التي تدعم المجار الفلسطينية ونظام الرعاية الصحية في الأراضي الفلسطينية.

واستطردت الصحيفة في سرد ما تراه أسباباً لجعل مقترح كوشنر للسلام الاقتصادي غير واقعي، قائلة؛ إن حقيقة أن مسؤولين من الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية -الذين تعرض مستقبلهم للخطر على الأرجح- تغيبوا عن المؤتمر الذي استمر يومين في البحرين، وأن العديد من الدول العربية والأوروبية لم يرسلوا سوى ممثلين من المستوى الأدنى، ما يبيّن الانزعاج الدولي الواسع من مقترحات كوشنر الاقتصادية والخطة الموعودة لحل القضايا السياسية الإسرائيلية الفلسطينية التي من المفترض متابعتها.

بقعة مغرية

وفي سياق متصل ذكرت "نيويورك تايمز" أن فريق ترامب يراهن على أن الاستثمارات الأكثر ربحية، التي من المزمع تنفيذها في الأراضي الفلسطينية ستجعل الفلسطينيين يتخلون عن تطلعاتهم لإقامة دولة مستقلة، وهو هدف دعمته الولايات المتحدة كجزء من التفاوض على علملية السلام منذ عام 2002، إلى أن أعرب الرئيس ترامب عن رأي أكثر مرونة، لو كان الأمر بهذه السهولة لكان قد حدث قبل سنوات.

من الأسباب التي تجعل مقترح كوشنر للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط غير واقعي أن القادة الفلسطينيين، الذين أوقفوا اتصالاتهم مع واشنطن منذ شهور، يرفضون مقترح خطة كوشنر، في الوقت الذي تدعم فيه كل من الممكلة العربية السعودية والإمارات، المتحالفتين مع إسرائيل ضد إيران، خط كوشنر للتنمية الاقتصادية، إلا أنهما قرنتا إمكانية تحقيق الخطة بالتوافق الفلسطيني على قبول الخطة ومشاركتهم فيها، بالإضافة إلى وجوب اقتران الخطة الاقتصادية مع الحل السياسي.

إلا أنه يبدو أن الجانب الأكثر حماسة للمشاركة في خطة كوشنر المقترحة هم المليارديرات المستثمرون الذين رأوا للمرة الأولى منذ زمن طويل فرصاً اقتصادية واعدة في هذا الجزء من العالم الذي تجاهله العالم بأسره طويلاً، وعبّر الكثيرون منهم عن شغفهم في المشاركة في مشروعات الاكتتاب التي تطرحها الخطة كما وصفها وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين.

كان كوشنر محقاً عندما قال، إن الطريق القديم والتقليدي لم يجد نفعاً في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومع ذلك، فمن خلال تقديم خطة تتجاهل تطلعات الفلسطينيين في الدولة ومطالبهم بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإنه يجعل النجاح أقل احتمالًا، وصدق حين قال: "لا نريد أن نفشل في فعل ذلك بنفس الطريقة التي تم بها في الماضي".

واختتمت "نيويورك تايمز" افتتاحيتها عن مؤتمر البحرين لعرض خطة كوشنر للتمية الاقتصادية في الشرق الأوسط قائلة، إن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو اعترف في اجتماع مغلق مع الزعماء اليهود مؤخرا، أن الخطة قد تكون "غير قابلة للتنفيذ". لكن إذا تمكن كوشنر من حشد المستثمرين الأقوياء والشركات الدولية كمشجعين للسلام في الشرق الأوسط، فيمكنه تقديم مساهمة حقيقية.