السلفية.. أداة تحالف "الرياض وأبوظبي" لتطويع اليمن

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ شن عمليته العسكرية في اليمن في 25 مارس/آذار 2015، وتحالف الرياض ـ أبوظبي يوظف كل الأدوات المتاحة لتنفيذ أجندته، كما يعمل على إنشاء كيانات أخرى، ويطوعها لخدمة مشاريعه.

في المحافظات الجنوبية، قامت الإمارات بإنشاء ودعم ألوية عسكرية في الساحل الغربي، وأحزمة أمنية وتشكيلات ونخب عسكرية، في كل من عدن وشبوة وحضرموت، بالإضافة إلى محاولاتها لإنشاء نخبة عسكرية في المهرة، وفي المقابل استخدمت قوة ناعمة، فعملت على شراء ولاءات دينية، سلفية على وجه الخصوص، ووظفتها لخدمة مشاريعها التوسعية.

ولأن الأيديولوجيا السلفية، في الأساس، متصالحة مع الأنظمة الحاكمة، بل داعمة لها، والخطاب السلفي يحمل مفاهيم دينية تخدم الأنظمة الحاكمة، فإن السعودية والإمارات قامتا باستقطاب عناصر سلفية وتمويلها، ومن ثم تجنيدها لتأدية دورها في التأثير على العامة، وخلق أرضية اجتماعية تتصالح مع وجودها، وخلق وعي عام ينسجم مع القضايا والمشاريع التي تنفذها في المدن اليمنية، لا سيما في الجنوب.

تأسيس مراكز سلفية في المهرة

التيار السلفي في اليمن من أشد التيارات إخلاصا للسعودية، لهذا أسست الرياض مراكز دينية للجماعات السلفية في المهرة، كخطوة لتعزيز وجودها العسكري في هذه المحافظة، في ذات الوقت عملت الرياض بمحاولات لتغيير الخريطة السياسية والاجتماعية في المحافظة، فحاولت إنشاء مركز سلفي آخر في مدينة "قشن"، ثالث أكبر مدينة في محافظة المهرة.

وقد شهدت المدينة سابقا توافد أعداد كبيرة من السلفيين، وعقد محافظ المهرة راجح باكريت، الذي عرف بولائه للنظام السعودي، اجتماعاً مغلقاً مع شيخ السلفيين في ذات المركز، بعد قيامه بتوزيع مساعدات غذائية وعينية مقدمة من السعودية، الخطوة التي قوبلت برفض شعبي، واحتجاجات واسعة، ضمت تيارات مدنية وحزبية، أصدر على إثره بيانا دعا فيه إلى منع بناء مراكز للجماعات الدينية المتطرفة في المديرية، ومحافظة المهرة عموماً، موضحا أن توطين الغرباء بأعداد كبيرة ليس له أهداف إنسانية لاستيعاب النازحين، وإنما لأبعاد أخرى سينتج عنها نتائج سلبية على المجتمع "

حاضنة جديدة

وفي الأسبوع الماضي افتتح الشيخ السلفي يحيى الحجوري مركزا سلفيا، في مدينة مأرب، بعد عودته من السعودية التي أقام فيها منذ خروجه من صعدة في 2013، إثر الحرب التي شنها الحوثيون على السلفيين في دار الحديث بدماج، أسفر عن خروج الجماعة من المدينة.

بحسب الناشط والراصد الحقوقي موسى النمراني، فإن "السعودية، التي عرفت بدعم التيار السلفي لتثبيت حكمها، تسعى لتأسيس جماعات سلفية في مدينة مأرب، لمقاومة تمدد حزب الإصلاح (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن)، والحيلولة دون تحول مدينة مأرب لحاضنة اجتماعية للحزب، عقب الحرب التي شنها الحوثيون على المدن اليمنية.

مضيفا لـ "الاستقلال": ما حصل من تصفية واعتقال للقيادات الإصلاحية في عدن الخاضعة لسيطرة الإمارات، يجري العمل عليه في مأرب عبر زرع مجموعات دينية وأخرى غير دينية.

رجل الإمارات

الولاء السلفي للإمارات في عدن أشد وضوحا، فقد قامت الإمارات بتوظيف الشيخ السلفي هاني بن بريك لخدمة مشاريعها، وكان بن بريك قد ظهر قبلها على الساحة اليمنية كمقاتل يواجه الحوثيين في عدن، ليتم فرضه بعد ذلك من قبل الإمارات كوزير في الحكومة الشرعية، لكن الرئيس هادي ما لبث أن أصدر قرارا بإقالته وإحالته للتحقيق على إثر تحركاته وتنسيقه مع الإمارات بأنشطة وفعاليات تدعو للانفصال.

لكن الشيخ السلفي الذي يرى وجوب طاعة ولي الأمر، تمرد على قرار الرئيس هادي، وقام عقب ذلك، بمعية عيدروس الزبيدي، محافظ عدن المقال والمحال للتحقيق، وبدعم من الإمارات، بتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو للانفصال، ويعمل كبديل عن الحكومة الشرعية، كما عمل على إنشاء حزام الأمني يحكم سيطرته على محافظة عدن.

الولاء المطلق

استخدمت الإمارات الشيخ السلفي، الذي يدين لها بالولاء المطلق، كذراع لها في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، وقام هو بدوره في تجنيد عناصر سلفية، تعمل تحت إمرته، وأصدر الفتاوى في وجوب محاربة حزب الإصلاح، "الخطر الأكبر"، حد وصفه، وفي المقابل قام بدوره في امتداح قادة الإمارات والثناء على كل ما تقوم به من أجندة في الجنوب، بشكل واضح، عبر المنبر وعلى حسابه في تويتر الذي ينشط فيه بشكل لافت، وكذلك في تحركاته وأنشطته التي عادة ما تنطلق من مقر إقامته الأخير في أبو ظبي.

يقول النمراني: "يقوم بن بريك بدوره في تصدير محمد بن زايد كولي أمر وقائد يحمي حمى الإسلام، ويدافع عنه من المد الرافضي المدعوم من إيران والمتمثل بالحوثيين، والمد الإرهابي، المتمثل في تيار الإخوان المسلمين"، ويدلل بن بريك لأتباعه بجهود محمد بن زايد في إخراج الحوثيين من عدن.

تصفية المخالفين

بالطبع، لم تعمل كل العناصر السلفية في عدن لصالح المشروع الإماراتي، بل قام البعض بإنكار ما يقوم به بن بريك من أنشطة وتحركات تخدم بشكل صريح الأجندة الإماراتية، لكن تلك الأصوات تم تغييبها، عبر التصفية الجسدية، كما حصل مع الشيخ عبد الرحمن العدني الذي كان قد بعث برسائل "مناصحة" يحذر فيها بن بريك من "الانحراف عن خط السلفية"، و13 شيخا سلفيا آخرين دفعوا ثمن رفضهم ما يقوم به هاني بن بريك.

كتائب أبي العباس

قامت الإمارات بإنشاء ودعم كتائب أبي العباس السلفية في تعز، وهي تشكيلات مسلحة تم استيعابها ضمن اللواء 35 مدرع التابع للشرعية والمدعوم من تحالف الرياض أبو ظبي، يرأس الكتائب القائد السلفي عبده فارع المكنى أبو العباس، الرجل الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في قوائم الإرهاب لديها بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، لانخراطه في العمل مع تنظيمات إرهابية، وارتباطه بأنشطة تمويلية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بحسب بيان الخزانة الأمريكية.

تدعم الإمارات هذه الكتائب السلفية وتمولها بالسلاح والأموال وتسعى من خلالها، لتنفيذ مشاريعها في المدينة التي تقع على مقربة من مضيق باب المندب، بالإضافة إلى دورها في الحد من نفوذ حزب الإصلاح في المحافظة، كما تقوم بمحاولاتها في إنشاء حزام أمني على المدينة، على غرار الحزام الذي تم تشكيله في عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة .

التحالف والقاعدة

لم يتوقف دعم التحالف للعناصر السلفية فقط، بل تجاوزه إلى التحالف مع تنظيمات مصنفة كأنظمة إرهابية، فبحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية فإن السعودية والإمارات تستعينان في حربهما على الحوثيين في اليمن بجماعات "جهادية"، بعضها تربطها علاقات بتنظيم القاعدة.

وفي أغسطس/آب 2018 نشرت وكالة الأسوشيتد برس تحقيقا صحفيا مطولا، ذكرت فيه أن صفقة سرية تم إبرامها بين الإمارات وتنظيم القاعدة، نصت على خروج التنظيم من محافظتي شبوة وحضرموت (جنوبي اليمن) مقابل حصول قادة التنظيم على أموال دفعتها لهم الإمارات.

وأضاف التقرير أن الصفقة تضمنت، بالإضافة إلى الأموال المدفوعة للتنظيم، اتفاقا بضم 10 آلاف من رجال القبائل المحليين، بمن في ذلك 250 فردا من عناصر تنظيم القاعدة، إلى الحزام الأمني، التشكيل المسلح المدعوم من الإمارات في عدن والمحافظات الجنوبية.

وكان تقرير "المستخدم الأخير" الذي أعده تلفزيون دويتشه فيله قد تحدث عن حيازة أفراد من تنظيم القاعدة لأسلحة أمريكية في تعز، وأوضح تقرير لـ"سي إن إن"، أن تنظيم القاعدة شق طريقه إلى الخطوط الأمامية في تعز عام 2015، وهي الفترة التي كان قد خرج منها من محافظات حضرموت وشبوة إثر الصفقة الإمارتية، وشكل تحالفات قوية مع الميلشيات الموالية للسعودية، وكذلك ميلشيات أبي العباس المدعومة من الإمارات في تعز.

 وكانت شبكة أريج قد ذكرت في تحقيقها الاستقصائي أنها وجهت أسئلة للسلطات السعودية والإماراتية عن كيفية حصول فصائل مسلحة وأفراد من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية على أسلحة أمريكية، لكنها لم تتلق ردا.

مشاريع توسعية

ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام السلفية كأداة لخدمة مشاريع توسعية، ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تم استخدام السلفية الوهابية من قبل الغرب كأداة لمواجهة التمدد السوفيتي، وهذا ما صرح به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لصحيفة الواشنطن بوست في مارس/آذار 2018. عندما قال إن الوهابية فرضت على السعودية فرضا من قبل الدول الغربية، لكن ما لا يمكن فهمه هو أن السعودية التي تدعي أن الوهابية فرضت عليها فرضا، تقوم بنفس الدور الذي قامت به الدول الغربية في القرن الماضي، حيث تقوم حاليا بتأسيس مراكز سلفية في اليمن، وتطوعها لخدمة مشاريعها وأجندتها في اليمن، وكذلك الحال بالنسبة للإمارات.

لا تنحصر تلك الغرابة في قيام السعودية والإمارات بتطويع تلك العناصر السلفية، بل تمتد للسؤال عن كيفية قبول تلك العناصر بالقيام بتلك الأدوار التي تملى عليها، وكيف رضيت أن تعمل لصالح أجندة خارجية.  

تناقض المفاهيم

الإمارات ومعها السعودية، تستبعد في خطابها مع الجماعة السلفية كل المفاهيم التي تتحدث عن الدولة والديمقراطية والبرامج السياسية والتعدد السلمي للسلطة، وحسبما يقول المحلل السياسي ياسين التميمي، لـ"الاستقلال": "فبدلا من ذلك تقوم بالحديث عن مفاهيم دينية كولي الأمر، والطاعة، وولاية المتغلب، في تناقض واضح للمفاهيم والحلول التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار الوطني، الذي دعت إليه السعودية لحل الأزمة اليمنية".

وعن الصراع بين حزب الإصلاح والجماعة السلفية، يقول الكاتب والصحفي منصور النقاش، لـ"الاستقلال"، عاشت السلفية إلى جانب حزب الإصلاح في اليمن، في أعلى درجات التصالح الديني والمذهبي، وقد انحصر أقصى خلاف حصل بينهما في المنابر، لكن الإمارات عملت، منذ دخولها إلى اليمن، على تغذية ذلك الخلاف، وحولته إلى صراع دموي، وما حصل في عدن من تصفيات لقادة إصلاحيين خير مثال على ذلك".