تجمع بين 17 لغة.. ماذا تعرف عن التركية؟

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعتزم الحكومة التركية بقرار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخذه في 2014، إدراج اللغة العثمانية في المدارس التركية كمادة إلزامية، تأكيدا على توصيات مجلس شورى التعليم الوطني. الهدف من القرار هو تمكين الدارسين من مطالعة ما كتبه علماء الدولة العثمانية في العلوم، وتمكين الناشئين من قراءة لغة أجدادهم التي كتبت قبل مئة عام.

لم تمر هذه الدعوة من دون إحداث أي جدل، وذهب زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو إلى حدَّ اعتبارها عودة بالأتراك نحو العصور الوسطى، ورِدّة عن إرث أتاتورك والجمهورية الحديثة.

ما أصل اللغة التي تشبثت بها المعارضة معلنة القطيعة مع تاريخها؟

لغتان الأكثر تأثيرا

يبلغ عدد الكلمات في المعجم التركي 111 ألف و270 كلمة، 14 ألف و981 منها مقتبسة من 17 لغة أجنبية، حسب تقرير "هيئة اللغة التركية" لسنة 2006. وتأتي في المرتبة الأولى اللغة العربية التي يصل عدد كلماتها في المعجم التركي إلى 6 آلاف و459 كلمة، وتحلّ في المرتبة الثانية اللغة الفرنسية، ويصل عدد كلماتها في المعجم التركي إلى 5 آلاف و180 كلمة، ثم اللغة الفارسية بألف و361 كلمة.

ومن أقل اللغات تأثيرا في المعجم التركي، اللغة العبرية التي لا يتجاوز عدد كلماتها 7 كلمات، فيما عدد الكلمات البرتغالية فيه 3 فقط. وفيما تكون بعض الكلمات المقتبسة من لغات أخرى لا تعني نفس المعنى ويكون المقصود بها شيء مختلف، فإن أغلب الكلمات لها المعاني نفسها في لغتها الأصلية. في اللغة العربية مثلا كلمة "Rüy"  (رؤية)، و "hücre" (حجرة)، (يقصد بها الغرفة الصغيرة وغالبا تطلق على الزنزانة).

أما في اللغة الفرنسية، فبينما يقصد بكلمة "intéressant" (غريب) بدل (مهم)، فإن كلمة "Pardon" (استميحك عذرا) والتي تستخدم بشكل دارج جدا لها نفس المعنى في الفرنسية، يستخدم الأتراك، وإن كان في أوساط راقية، أيضا كلمة "merci" (شكرا) وهي بنفس المعنى أيضا. قد تكتب هذه الكلمات وتنطق بشكل مختلف لكن معناها لا يختلف.

كلمات فرنسية في المعجم التركي لها نفس المعنى:

kabın  -  cabine - وهي إما غرفة تجريب الملابس أو حجرة الهاتف

Vagon -   le wagon  -  وهي المقطورة

Ganyan -  le gagnant - ,وباللغة التركية تطلق حصراً على الرابح في اليانصيب أما بالفرنسي فهو الفائز

Klima -  la clime  -  المكيف

Atölye  - atelier -  ورشة

أصل اللغة

شهدت اللغة التركية عبر تاريخها الطويل تغيرات عدة، بعد أن أقام الأتراك علاقات متنوعة مع الحضارات المتعاقبة، واستخدموا العديد من الأبجديات والخطوط المختلفة متأثرين بتلك الحضارات. اللغة التركية بكل لهجاتها هي لغة أقوام تمتد مواطنهم من الصين شرقا إلى أوروبا غربا، ومن بلاد القرم شمالا، حتى سواحل البحر المتوسط الشمالية جنوبا.

تنسب اللغة التركية إلى لغة أورال آلتاي، وهي مجموعة من اللغات التي يجمع بينها وحدة أو تقارب في البناء اللغوي، أكثر من التقارب في الجذور اللغوية، وهي من اللغات الإلحاقية أو الإلصاقية، وليست من اللغات المتصرفة السامية كالعربية. أي أن جذر الكلمة يضاف له لواحق ومقاطع عدة لاشتقاق معان جديدة، ولا يتغير فيها أصل الكلمة.

اللغة التركية التي تعتمدها الجمهورية اليوم، ما هي إلا فرع من الفروع العديدة، التي انقسمت إليها اللغة التركية الأم. الفرق بين اللهجات التركية كانت بسيطة للغاية، لكن كثرة هجرة القبائل التركية إلى مواطن الحضارة وتشتتهم بينها، جعل الفروق تتسع بين اللهجات التركية، حتى إن بعض الأتراك كان يصعب عليهم التفاهم مع أبناء بلدهم من سكان المناطق الأخرى.

أحد الأسباب لتقسيم اللغة التركية ولهجاتها هو جغرافي، فيما كان البعد القبلي حاضرا في هذا التقسيم. ويمكن القول إن اللغة التركية الأم والتي تسمى أويغور ترك انقسمت إلى لغتين باعتبار الموقع الجغرافي: اللغة التركية الشرقية، وهي التي كانت تستخدم من طرف المماليك في مصر، والغربية التي تفرعت إلى ثلاث فروع، الأذرية والتركمانية ولهجة الأناضول.

التحول

منذ 1250م وحتى منتصف القرن الخامس عشر ميلادي، يطلق اللغويون على اللغة التركية اسم التركية العثمانية القديمة، وكانت تحتوي على قدر كبير من الكلمات التركية الخالصة. منذ 1450م وحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، أطلق الأتراك على لغتهم اسم التركية الوسيطة، وقد كانت أكثر تعقيدا واستيعابا للثقافات المختلفة.

أما المرحلة الثالثة فتبدأ من 1840 إلى 1910، وتتسم بإدخال قدر كبير من المفاهيم الفكرية الغربية والمصطلحات الأدبية الأوروبية. ولم تكن لغة خالصة، بل مزجت بين التركية والعربية والفارسية. مناهضة استخدام العربية والفارسية في اللغة التركية أتى في 1911 من جماعة أطلقت على نفسها اسم "اللغة الجديدة Yeni Lisan" بهدف تبسيط اللغة.

لم يكن مصطفى كمال أتاتورك أول من دعا إلى تغيير اللغة واستبدال أبجديتها العربية باللاتينية، بعد قيام الجمهورية التركية سنة 1923. مجموعة من الأدباء الأتراك سبقوا أتاتورك إلى ذلك، منهم محمد منيف باشا الذي أكد أن هناك صعوبة في ترجمة الأعمال الأدبية، وذلك سنة 1862، إلا أن محاولاته فشلت.

بعد إلغاء الخلافة سنة 1924، وتولى أتاتورك رئاسة الجمهورية بعد إعلان استقلالها من طرف بريطانيا، أعلن الرئيس الجديد أنه يرغب بإلحاق تركيا بالعالم الغربي لا الشرقي ومحو النفوذ الديني من الحياة العامة وعلمنة الدولة، وأن ذلك لن يتم سوى بتغيير جذري في اللغة.

في 1928 طبعت الدولة الحروف الجديدة وقدمتها إلى الوزراء والقادة، وتم صدور قانون الأبجدية اللاتينية بعد موافقة مجلس الأمة التركي عليه.

يرى الباحث اللغوي التركي عبدالله إلغاز، أن تغيير اللغة جعلها نقية من اللغات الأجنبية وجعلها لغة قومية، والرفع من نسبة التعلم، وجعل علاقاتها تتطور مع الأمم المتحضرة. النظام العسكري بتركيا، في الفترة الماضية، جعل من الصعب على الأصوات الرافضة لهذا التغيير أن تتعالى. وكان الرافضون يرون أن هذا التغيير له آثار سلبية على حضارتهم وتاريخهم.

وذهب المفكر التركي كاظم كرا بكر إلى اعتبار أن العالم الإسلامي سينظر إلى المجتمع التركي نظرة عدائية بسبب اختلاف اللغة والقطع مع الأصل. أما الأديب اللبناني شكيب أرسلان، فقال إن ترك الحرف العربي هو ضربة عظيمة لتركيا في حياتها العلمية والأدبية والاقتصادية.

فهل يتمكن مناصرو الحرف العربي من الانتصار مجددا في هذه المعركة؟

الكلمات المفتاحية