علم كردستان على جدران منازل خانيونس المدمرة.. ماذا يفعل “بي كا كا” بغزة؟

داود علي | منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

كان أحد مراسلي الحرب الفلسطينيين الذين يخوضون مهمة صعبة في قطاع غزة، يتجول بين أنقاض مدينة خانيونس المحطمة، لإبراز جرائم حرب الاحتلال وتوثيقها. 

لكنه اكتشف مفاجأة من نوع آخر عندما وثق وجود علم كردستان على أحد جدران منازل الفلسطينيين المدمرة التي اقتحمها الجيش الإسرائيلي ثم انسحب منها لاحقا.

ففي 12 أبريل/ نيسان 2024، أظهر فيديو المراسل الفلسطيني عبارة "Free Kurdistan" مكتوبة بألوان العلم الكردستاني، المعبر عن حزب العمال الكردستاني أو تنظيم بي كا كا "PKK" المصنف إرهابيا من قبل الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. 

بالإضافة إلى ذلك وجدت عبارة أخرى مثيرة للانتباه والغرابة وهي "vamos "avrina وتعني “هيا بنا إلى عفرين”.

وعفرين هي مدينة معروفة شمال غربي سوريا تتبع محافظة حلب وغالبية سكانها من الأكراد، ولها رمزية لدى حزب العمال الكردستاني. 

وهو ما طرح تساؤلات عن وجود هذا العلم في غزة، وما طبيعة وجود عناصر “بي كا كا” ضمن قوات الجيش الإسرائيلي التي ترتكب جرائم حرب غير مسبوقة في القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023؟ 

“حليف الأحلام” 

تمتد علاقة إسرائيل بقطاع من الأكراد منذ عام 1948، عندما وصل 8 آلاف يهودي كردي كمهاجرين إلى فلسطين. 

وحاليا يقدر عدد اليهود الأكراد في الأراضي المحتلة بأكثر من 600 ألف ويوجد أكبر تجمع لهم في محيط مدينة القدس. 

وهم يلعبون دورا محوريا في الحفاظ على العلاقات الثقافية والتجارية غير الرسمية بين إسرائيل وإقليم كردستان العراق تحديدا.

ولطالما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أكثر من مرة، دعمه إنشاء دولة كردية مستقلة قائلا: "الشعب الكردي هو شعب يكافح، وقد أثبت التزامه السياسي واعتداله السياسي، كما أنه جدير باستقلاله السياسي".

ووصل الأمر أن محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف" العبرية، ألون بن دافيد، نشر مقالة في 30 يونيو/ حزيران 2015،  وصف فيها حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، بـ "حليف الأحلام لإسرائيل". 

وفي نفس العام (2015) كشف نائب رئيس الموساد الأسبق "نحيك نفوت" في مذكراته أن الموساد (هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلية)، عمل على تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني.

وذكر أن الأكراد لعبوا دورا مركزيا في مساعدة إسرائيل على تهجير يهود العراق أواخر عام 1969، حيث نقلوا اليهود من منازلهم باتجاه الحدود مع إيران، التي كانت في حالة تحالف غير معلن حينها مع إسرائيل، ثم نقلوا إلى الأراضي المحتلة.

وأورد الضابط الإسرائيلي في كتابه الذي نشر بعنوان "عالم بأكمله: قصة رجل موساد"، أنه تولى إرساء أواصر التحالف بين إسرائيل وأكراد العراق منذ عام 1969، حيث تم تدريبهم وتسليحهم بعناية شديدة.

إزعاج أنقرة 

في 22 سبتمبر/ أيلول 2023، أجرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، حوارا مع فريدريك هوف، أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة. 

وأقر هوف بأن دعم تل أبيب لقيام دولة كردية ومساعدتها في تسليح عناصر تنظيم "بي كا كا" يهدف في الأساس إلى إزعاج تركيا، مشيرا إلى وجود علاقات متقدمة للغاية بين إسرائيل والأكراد خاصة في كردستان العراق.

وشدد على أن إسرائيل ساندت "بي كا كا" لوجيستيا واستخباراتيا خلال مواجهته للحكومة التركية خلال عملياتها العسكرية الواسعة في "جبال قنديل" شمالي العراق، وهي أبرز معاقل "بي كا كا".

لكن العلاقة بين التنظيم وإسرائيل لها أبعاد أخرى من التعاون، ففي 24 أغسطس/ آب 2015، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه كلي على النفط الوارد إليها من إقليم كردستان العراق.

حيث بلغت نسبة الواردات قرابة 19 مليون برميل نفط في عام واحد، وأوردت أن نفط كردستان يغطي احتياجات تل أبيب بنسبة أكثر من 77 بالمئة وبأسعار مخفضة جدا.

وذلك مقابل الحصول على دعم من اللوبي اليهودي في أميركا للقضية الكردية والترويج لـ "بي كا كا" والحيلولة دون تصنيفه إرهابيا على نحو أوسع، بحسب المساعي التركية.

دولة الأكراد 

ولطالما أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين، دعمهم تأسيس دولة خاصة للأكراد تمتد من العراق إلى إيران وتركيا. 

ففي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، صرحت "تسيبي هوتوفلي" نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، أن بلدها تدعم إنشاء دولة كردية مستقلة تكون نواتها في شمال العراق ثم بالتبعية تمتد إلى تركيا وسوريا وإيران.

وقالت صراحة: "إن الهدف هو أن تستطيع إسرائيل الوصول إلى العمق الإستراتيجي لتلك الدول من خلال علاقاتها الإستراتيجية الوثيقة مع الأكراد منذ عقود" وهو ما سيتحقق حال قيام دولة مستقلة لهم.

وفي مايو/ أيار 2006، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، وهو يرد على سؤال أثناء زيارته للكويت بشأن العلاقة بين الأكراد والإسرائيليين. أن الأمر ليس جريمة.

وعقب: "إذا أقامت بغداد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يمكننا أن نفتح قنصلية في أربيل" ولم يخف علاقاته الطيبة تجاه إسرائيل في أي مناسبة.

2000 عنصر 

لكن التطور اللافت أن تتوارد الأنباء والدلالات باصطفاف عناصر "بي كا كا" جنبا إلى جنب مع وحدات الجيش الإسرائيلي التي ترتكب واحدة من أفظع جرائم الحرب في غزة.

ففي 3 نوفمبر 2023، وبعد أقل من شهر على بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، نشرت صحيفة "تركيا" التركية المحلية، تقريرها عن تعاون عناصر حزب العمال الكردستاني  مع الكيان الصهيوني.

وقالت: تم إرسال ألفي عنصر من هذا التنظيم إلى الأراضي المحتلة في غزة كمرتزقة للقتال إلى جانب جيش الاحتلال.

وأضافت: "تم تخصيص مبلغ حوالي 220 دولارا لكل عنصر، وسيتم دفع مبلغ 25 ألف دولار كتعويضات لعائلاتهم في حال قتلوا أو أصيبوا في هذه الحرب".

وأوضحت أن "القوات الصهيونية تخشى دخول الأنفاق التي حفرتها المقاومة، وتخشى ألا تخرج منها على قيد الحياة، لهذا استخدمت مرتزقة حزب العمال".

ثم أتبعت: "وعليه فقد وصل إلى الأراضي المحتلة 2000 مقاتل مرتزق من الدول الأوروبية والعراق وسوريا وأميركا جميعهم تحت مظلة بي كا كا".

وأشارت إلى أنه تم نقل عناصر “بي كا كا”، الذين حصلوا أيضا على الجنسية الإسرائيلية بواسطة 3 طائرات من أربيل إلى الأراضي المحتلة . 

وانتقل هؤلاء الأشخاص بشكل رئيس من منطقة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا إلى شمال العراق ومن ثم إلى تل أبيب لأنهم على دراية بحرب المدن.

وأكد على هذا أيهان بيلجن، المتحدث السابق باسم حزب الشعب الديمقراطي، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما وصف العمل الذي قام به الأكراد بأنه انتحاري. وقال في تصريح له لوسائل إعلام تركية: "من الواضح أنهم يحاولون جعل الأكراد والإسرائيليين شركاء.. هذا فخ عديم الرحمة".

وشدد بالقول: "مكان الأكراد في هذه الحرب هو مع المقاومة الفلسطينية وليس ضدها".