دعاه لزيارة موسكو.. هل يتحالف بوتين ونتنياهو ضد تركيا في سوريا؟

هذا التقارب لم يكن مجرد بروتوكول بل خطوة محسوبة ضمن لعبة النفوذ
في تطور يعكس أبعادا أعمق للعلاقات الروسية الإسرائيلية، تحدثت العديد من التقارير عن دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة موسكو وحضور العرض العسكري في الساحة الحمراء.
وتحتفل روسيا في 9 مايو/أيار 2025 بيوم النصر في الحرب العالمية الثانية، الذي تشير إليه باسم “الحرب الوطنية العظمى”، ومن المتوقع أن يحضر العديد من رؤساء ورؤساء وزراء الدول احتفال هذا العام.
ووفقا لصحيفة "سوهو" الصينية، فإن هذا التقارب لم يكن مجرد بروتوكول، بل خطوة محسوبة ضمن لعبة النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تتلاقى المصالح الروسية والإسرائيلية في احتواء التحركات التركية في سوريا.
فبينما تدير موسكو قاعدة عسكرية إستراتيجية في طرطوس، تتمسك تل أبيب بنفوذها في الجولان، مما يفتح الباب أمام تحالف براغماتي لموازنة النفوذ الإقليمي، رغم الخلافات التقليدية بين الجانبين.
وقالت الصحيفة: إن العلاقات الروسية الإسرائيلية تتسم بتركيبة معقدة؛ حيث تتداخل المصالح الإستراتيجية مع التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط.
فرغم فترات التعاون الوثيق بين الطرفين، كما حدث في 2018 خلال مشاركة نتنياهو في العرض العسكري بالساحة الحمراء، فإن التوترات المتزايدة لم تلغ المصالح المشتركة، خاصة في سوريا.
وأوضحت أن "إسرائيل تلعب دورا بتحقيق التوازن الإقليمي، خصوصا فيما يتعلق بالدور التركي، بينما تسعى روسيا لتعزيز نفوذها رغم الضغوط الغربية".
وفي هذا الإطار، تعكس الصحيفة الصينية أبعاد هذه العلاقة الإستراتيجية ودوافعها السياسية.

التفاعل الروسي الإسرائيلي
ووصفت ما يحدث في هذا العالم بأنه “أكثر غرابة من الدراما التلفزيونية”، متسائلة: “من كان يتوقع أن الحدث الأكثر لفتا للأنظار في العناوين الدولية خلال الأيام الماضية سيكون دعوة روسيا لإسرائيل لحضور العرض العسكري في الساحة الحمراء؟”
وتلفت إلى أنه بمجرد انتشار الخبر، ضجت مواقع الإنترنت بردود فعل متباينة؛ حيث استنكر البعض بشدة قائلا: "روسيا تصافح الجلاد"، بينما سخر آخرون قائلين: "أليست هذه طبيعة السياسة الدولية؟".
وهنا تبرز الصحيفة حقيقة أن "العلاقة بين روسيا وإسرائيل لم تكن يوما بالأبيض والأسود".
ورغم الضجة الحالية، فإذا عدنا بضع سنوات إلى الوراء، فسنجد أن هذين الطرفين كانا معتادين على لقاءات الساحة الحمراء.
ففي عام 2018، كان نتنياهو يقف جنبا إلى جنب مع بوتين يشاهد العرض العسكري، وحينها لم يتحدث أحد عن “التفريط في المبادئ مقابل المصالح”.
وفي هذا الصدد، تشدد الصحيفة الصينية على أن "السياسة الدولية تتغير بشكل أسرع من تقليب الصفحات".
وفيما يخص نقطة التحول الرئيسة، تنوه إلى أنه لا يمكن تجاهل الصراع في سوريا، إذ تمثل القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس نقطة إستراتيجية حيوية على البحر المتوسط.
ومع تصاعد نفوذ أنقرة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، لا شك أن موسكو بدأت تشعر بالقلق. ووفق الصحيفة، تدخلت إسرائيل هنا قائلة: "نحن مستعدون لمساعدتكم في احتواء تركيا".
وفي هذه النقطة، فهمت موسكو الرسالة فورا، والتي تفيد بأن "عدو عدوي هو صديقي المؤقت".
وأضعف سقوط نظام بشار الأسد النفوذ الروسي في المنطقة، لصالح تركيا التي دعمت على مدار سنوات بعض فصائل الثورة.
وبعد أن خسرت روسيا مكاسبها في سوريا، شن المفكر الروسي ألكسندر دوغين هجوما حادا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موجها إليه اتهامات بالخيانة الإستراتيجية.
وقال ألكسندر دوغين الباحث السياسي الملقب بـ"عقل بوتين" والمستشار السياسي والعسكري للكرملين: إن "سوريا كانت فخا لأردوغان، لقد ارتكب خطأً إستراتيجيا، وخان روسيا وإيران".
وتابع: "لقد انتهى (أردوغان)، الآن بدأت نهاية تركيا الكمالية (في إشارة إلى مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك). دعمناكم حتى الآن، لكن من الآن فصاعدا ستندمون".
إضافة إلى ذلك، تذكر الصحيفة أن إسرائيل تمتلك السيطرة على مصادر المياه في مرتفعات الجولان، وهي ورقة لا يمكن تجاهلها ضمن معادلة جنوب سوريا.
وبالإشارة إلى أن كل طرف له مصلحة في هذه العلاقة، تؤكد أن "دعوة إسرائيل لحضور العرض العسكري لم تكن سوى خطوة طبيعية في سياق المصالح المتبادلة".

طبق مشترك
وفي هذا السياق، تلفت النظر إلى أن سوريا اليوم لم تعد تحت سيطرة نظام بشار الأسد وقسمت فعليا إلى ثلاث مناطق نفوذ؛ الفصائل المدعومة من تركيا والقوات الكردية المحمية من قبل الولايات المتحدة والطائفة الدرزية التي تحظى بدعم إسرائيلي.
وخلال الآونة الأخيرة، أعلنت إسرائيل صراحة أنها ستبقي قواتها في مرتفعات الجولان إلى أجل غير مسمى، في خطوة واضحة لتحويل جنوب سوريا إلى منطقة نفوذ خاصة بها.
ولكن في الوقت نفسه، تؤكد الصحيفة أن “تركيا، التي لها تاريخ طويل في الشرق الأوسط، لن تقف متفرجة بينما توسع إسرائيل نفوذها، وهنا تظهر أهمية الدور الروسي”.
وتابعت: "عملت إسرائيل في الخفاء على إقناع الولايات المتحدة بأن وجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا يخدم الجميع".
وبوصفها أن "هذا الكلام يبدو غريبا"، تنوه الصحيفة إلى أن "تركيا، بصفتها عضوا في الناتو (حلف شمال الأطلسي)، يُفترض أنها حليف للغرب، لكن إسرائيل هي من تدافع عن استمرار الوجود الروسي".
"ولكن الأمر ليس معقدا"، من وجهة نظر الصحيفة، فـ“القواعد الروسية في سوريا تحد من الطموحات التوسعية لتركيا في الشرق”.
وهو ما يعني تقليل التهديدات على إسرائيل من الشمال، بينما تحتفظ موسكو بموقعها الإستراتيجي على البحر المتوسط.
وفيما يخص هذا الأمر، تقول الصحيفة: إن "جدالا كبيرا يدور على الإنترنت، منقسما بين مجموعتين رئيستين".
تتمثل الأولى في "مناصري فلسطين الغاضبين بشدة"، معتبرين أن روسيا "خانت قضية مناهضة الاستعمار بمصافحتها للجلادين".
في المقابل، أنصار روسيا المنقسمون أصلا إلى رأيين؛ فريق يرى أن “المصالح الوطنية تأتي قبل العواطف”.
بينما "يخشى آخرون أن تؤدي هذه الخطوة إلى إحباط حلفاء موسكو التقليديين مثل إيران و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس".
وهنا تتساءل صحيفة "سوهو" الصينية: “بالنظر إلى الواقع، منذ متى كانت السياسة الدولية قائمة على النقاء الأخلاقي؟”
ومن ناحية أخرى، تلفت إلى أن "روسيا محاصرة من قبل الغرب، وتسعى للاستفادة من أي ورقة قوة يمكنها الحصول عليها".
أما إسرائيل فتبحث عن أي مخرج دبلوماسي بعد الأزمة التي فجرتها حرب غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولذلك، فإن مشاركتها في عرض الساحة الحمراء تمنحها فرصة الظهور في صورة "ضحية الحرب العالمية الثانية"، وتتيح لها في الوقت نفسه التفاهم مع موسكو حول الملف السوري، وهو ما وصفته الصحيفة بأنه "صفقة مربحة للطرفين".

الدروس المستخلصة
وفي النهاية، تشير الصحيفة إلى ضرورة عدم الاكتفاء بمشاهدة المشهد الظاهري، والانتباه لما وراء الكواليس. ففي رأيها، هذه المناورة بين روسيا وإسرائيل قدمت درسا حيا في العلاقات الدولية.
وفي هذا الصدد، تتساءل: "هل يمكن القول: إن روسيا تجاهلت المبادئ الأخلاقية؟ ربما، لكن إذا فقدت قواعدها العسكرية في سوريا، فسيصبح أسطولها في البحر الأسود محاصرا داخل مياهه الإقليمية".
وتكمل: "هل إسرائيل بلا كرامة؟ قد يبدو الأمر كذلك، لكن مع وجود تركيا على حدودها الشمالية، فإن أي رئيس وزراء في مكان نتنياهو كان سيشعر بالقلق الشديد"، وفق زعمها.
وفي هذا الإطار، تشدد على أن "بقاء الدول ليس نزهة"، واصفة هذا الأمر بأنه "أشبه بالرقص على حافة السكين".
أما على نطاق أوسع، تتحدث الصحيفة عن أن "المشهد في الشرق الأوسط يزداد تعقيدا".
وأردفت: "تحاول واشنطن استخدام أنقرة لموازنة النفوذ الروسي، بينما تتعاون إسرائيل مع روسيا لاحتواء تركيا، فيما تراقب إيران من جانبها بحذر تحركات حماس".
ووسط كل هذه التداخلات، تجد روسيا نفسها بشكل غير متوقع تلعب دور “الطرف الثالث الحاسم”.
وهذا يوضح أن "لعبة القوى الكبرى لا تدور حول الصواب والخطأ، بل حول من يمتلك أكبر عدد من الأوراق الرابحة".
وبناء على ذلك، تؤكد الصحيفة أن "دعوة روسيا لإسرائيل لحضور العرض العسكري لم تكن مجرد قرار عابر".
وأوضحت أنها "كانت خطوة محسوبة على رقعة الشطرنج السورية، ووسيلة لتشكيل تحالفات تكتيكية في مواجهة التوسع التركي، كما أنها نموذج مثالي للواقعية السياسية".
وأما من يندد بـ "التخلي عن المبادئ مقابل المصالح"، فترى الصحيفة أنه "ببساطة يتعامل مع السياسة الدولية وكأنها لعبة أخلاقية مثالية".
واستدركت أنه "في عالم الصراعات الكبرى، لا يوجد أعداء أو أصدقاء دائمون، بل فقط مصالح متغيرة".
وهنا، تختتم الصحيفة بالقول: إن "الأوضاع الدولية تتغير كل يوم، لكن هناك حقيقة ثابتة؛ من يملك السلاح والموارد يكون صوته مسموعا".
ولفتت إلى أن "روسيا تستمد قوتها من قواعدها في سوريا، وإسرائيل تتمسك بقبضتها على مرتفعات الجولان، وهو ما يمنح قادتهما الثقة للوقوف جنبا إلى جنب في الساحة الحمراء".