بلغ حد مطالبتها بالاعتذار لإسرائيل.. لماذا يشيطن الإعلام السعودي حماس؟

بعد مرور أسبوعين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أجرت قناة العربية السعودية مقابلة مع رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الخارج خالد مشعل لقيت احتفاء إسرائيليا وغضبا عربيا.
شكلت هذه المقابلة نقطة انطلاق لما أصبح عليه شكل التغطية الإعلامية السعودية لاحقا للعدوان المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وانطلق العدوان في ذلك اليوم بعد تنفيذ كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس عملية هجومية في مستوطنات غلاف غزة، ردا على الانتهاكات بحق المسجد الأقصى قتلت فيها أكثر من 1200 إسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين انبرت وسائل الإعلام السعودية لإدانة عملية حماس وشيطنة الحركة، وسط مشاركة ملحوظة للجان الذباب الإلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي.
مقابلة العربية
واحتفت صحيفة هآرتس العبرية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بمقابلة الصحفية المصرية في قناة العربية رشا نبيل مع خالد مشعل "حيث طرحت عليه أسئلة عن 7 أكتوبر لم يجرؤ عليها أي صحفي عربي حتى الآن"، وفق وصفها.
وعلى سبيل المثال، طرحت نبيل أسئلة من قبيل: كيف تطلب من الغرب والعالم دعم القضية الفلسطينية عندما يكون التركيز الآن على ما فعلته حماس بالمدنيين الإسرائيليين؟
وتجاهلت نبيل هنا أن أغلب الإسرائيليين هم في الواقع مسلحون أو جنود احتياط، كما أنهم مستوطنون يعيشون في أراض مصنفة وفقا للقانون الدولي على أنها محتلة.
كما سألت الصحفية مشعل: "يقول الغرب إن الحرب هي رد إسرائيلي على ما فعلته حماس في 7 أكتوبر والمجتمع الدولي يسمح لها بالرد بما يسميه بالدفاع عن النفس. هل هناك أي فرصة للاعتذار عما حدث للمدنيين الإسرائيليين؟".
وتقول هآرتس: "اهتمت شبكات التلفزيون العربية ببث مقاطع من العملية التي صدم بها زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، إسرائيل، لكن قناة العربية وتحديدا رشا نبيل تجرأت وتناولت الأمر من المنظور الإسرائيلي".
وأضافت الصحفية في كلامها لخالد مشعل: "لقد شاهد العالم الغربي على شاشات تلفزيونه هجوما غير مشروع لحماس على المدنيين الإسرائيليين، أنتم المسؤولون عن صورة الحركة حول العالم، والآن تتم مقارنة الحركة بداعش”.
المذيعة رشا نبيل من قناة العربية Al Arabiya تحاور خالد مشعل حوار جريء ومباشر واسئلة مهمة جدا
للمتابعة هنا ������������ pic.twitter.com/ri4g6FmauC— ��������منير الجاغوب �������� (@MonirAljaghoub) October 19, 2023
وبعد المقابلة، تعرضت الصحفية المصرية لانتقادات وهجوم واسع على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ووصفها البعض بالوقحة.
لكن بعض زملائها دعموها، وأبرزهم طارق الحميد، رئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وفي تغريدة بعد المقابلة، شكر رشا نبيل وقناة العربية، كضيف: "هكذا يعمل الإعلام الاحترافي، هذه هي الصحافة الحقيقية"، وفق تقديره.
وبدت نبيل في المقابلة وكأنها تستجوب خالد مشعل، حتى تساءل كثيرون: هل سيكون الأمر بنفس الصورة لو استضافت مسؤولا إماراتيا أو سعوديا؟
وفي حديثها عن تغطية الإعلام العربي، استعانت صحيفة هآرتس برأي أمجد طه، الصحفي والمحلل السياسي البريطاني، الذي تعود أصوله إلى إقليم الأهواز العربي في إيران، ويقدم نفسه على أنه بحريني الجنسية، ويقيم في دولة الإمارات.
وقال طه وهو مؤلف كتاب “خداع الربيع العربي” في انتقاده للتغطية الإعلامية العربية للعدوان إن "التقارير الانتقائية تغذي الغضب والكراهية لإسرائيل".
وتابع أن "العديد من وسائل الإعلام مذنبة بالتغطية الأحادية الجانب، المنحازة لصالح حماس مع إهمال الصورة الأوسع”، وفق رأيه.
بدورها، قالت صحيفة معاريف: "قناة العربية لا تبث كلمات متعاطفة مع إسرائيل وتحاول إظهار عدم تأييدها لكنها تنتقد حماس وتعمل ضدها منذ بداية الحرب وتحلم باليوم التالي لها".
وأشارت خلال تقرير مطول عن تغطية العدوان في 14 ديسمبر إلى أن قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط السعوديتين تعبران عن رغبتهما بانتهاء حركة حماس.
تواطؤ وتلاعب
وتواطأت قناة العربية وغيرها من وسائل الإعلام السعودية مع رواية الاحتلال الإسرائيلي في قيادة حركة حماس المعركة من قلب مستشفى الشفاء.
وظهر المحلل العسكري لقناة العربية توفيق قهوجي وهو يقول إن مركز عمليات حماس يقبع في مستشفى الشفاء، كما وصف الحركة بـ"تنظيم الدولة" وهو ما احتفت به وسائل إعلام عبرية.
تغطية قناة العربية للحرب على غزة تلقى إعجاب المتحيزين لإسرائيل في الإعلام الأمريكي، وتتم ترجمة مقاطع منها للإنجليزية، مثلما تُترجم للعبرية وتلقى إعجاب معلقي القنوات الإسرائيلية.
قناة إسرائيلية نقلت هذه المقاطع للمحلل العسكري لقناة العربية توفيق قهوجي.. مرة يصف فيها مستشفى الشفاء… pic.twitter.com/PDjslgVhcj— حافظ المرازي (@HafezMirazi) November 9, 2023
وتتلاعب قناة العربية بصياغة الأخبار، فعلى سبيل المثال أوردت أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ناشد في آخر خطاب له الدول العربية لاستخدام كل الخيارات "لوقف الحرب".
#إسماعيل_هنيّة يناشد الدول العربية لاستخدام "كل الخيارات" لوقف الحرب الإسرائيلية#غزة#فلسطين#العربية pic.twitter.com/XUCUGqPcG4
— العربية (@AlArabiya) December 14, 2023
لكن في الحقيقة، دعا هنية إلى ذلك دون مناشدة. ويظهر هذا التلاعب محاولة من قناة العربية لإظهار حماس بمظهر الغريق الذي يريد إنهاء العدوان بأي طريقة.
وحرّف موقع المونيتور تصريحات لعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق يتحدث فيه عن إمكانية الاعتراف بإسرائيل.
وبعد ساعات من المقابلة مع الموقع، قال أبو مرزوق في تغريدة على موقع إكس إن ما نشر جرى تحريفه وغير دقيق، لكن قناة العربية قالت إنه تراجع، في إشارة منها إلى تكذيبه.
أبدى خلالها استعداد الحركة لأن تصبح جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية.. عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق يتراجع عن تصريحاته حول استعداد الحركة للاعتراف بإسرائيل#العربية pic.twitter.com/wSBsBvlBrq
— العربية (@AlArabiya) December 16, 2023
وضمن مسلسل الشيطنة، كتب الصحفي السعودي طارق الحميد في صحيفة الشرق الأوسط، "ما نراه اليوم عملية بيع وشراء مكثفة بحق القضية (الفلسطينية) التي ما هي إلا ورقة بيد إيران، وحماس، والفارق الآن أن البيع والشراء باتا على عينك يا تاجر كما يقال شعبيا".
وزعم خلال مقال نشر في 17 ديسمبر أن "حماس تحاول حماية نفسها من الطرد من تركيا وقطر، والنجاة من ملاحقة الاغتيالات التي تعهدت بها إسرائيل، وآخر همّها الآن الحفاظ على حياة يحيى السنوار، أو باقي رفاقه، بقدر ما أنها تحاول المحافظة على الحركة".
كما قالت الصحيفة في مقال للصحفي السعودي عبدالرحمن الراشد المعروف بمعاداته للمقاومة إن "الذين أنعشتهم أنباء هجمات السابع من أكتوبر ربما لم يخطر ببالهم، ولو للحظة، أن يتساءلوا عن اليوم التالي، ما الذي سيحدث بعده؟ الذي جرى بعده متوقع تماماً. هجوم كاسح وتهجير".
وتابع: "في هجمات 7 أكتوبر الخاسر الوحيد هو الفلسطيني، حتى الإسرائيليون رغم عدد قتلاهم الكبير يجدون فيها فرصة لتصفية حساباتهم".
كما أفردت الصحيفة ذاتها وجرائد سعودية أخرى مثل عكاظ عشرات المقالات لشيطنة المقاومة الفلسطينية وإدانة عملية حماس.
وتزايدت شيطنة المقاومة وتضاعفت إلى حد مطالبة حماس بالرحيل والاستسلام وإعلان الهزيمة من خلال مقالات على صحيفة الشرق الأوسط من أمثال عبدالرحمن الراشد وطارق الحميد وغيرهم، وفق ما قال أستاذ الإعلام السياسي أحمد بن راشد بن سعيد.
وأضاف لـ"الاستقلال": "لما لم يثمر العدوان عن هزيمة حماس بعد أكثر من 70 يوما، صعد هؤلاء صراخهم وشتهم، كما لا تزال عملية الصدمة مستمرة وصلت إلى حد الفرح بتقدم الجيش وإلقاء اللوم على المقاومة في ما يجري من دمار، وهو أمر سيسجله التاريخ بوصفه وصمة عار".
ما السبب؟
ويتجنب الإعلام السعودي ذكر كلمة مقاومة، فهي خطر وشر مطلق وفعل عبثي عدمي انتحاري فيما يكمن الحل في الاستسلام الذي يسمى التفاوض اليوم، بحسب ابن سعيد.
وشدد على أن الهجوم الشديد على هنية والسنوار وأبوعبيدة الناطق باسم القسام وشتمهم بشكل مقزز في المنصات الاجتماعية وحتى في الإعلام السعودي يدل على حجم الصدمة من أن المقاومة تصنع نماذج مختلفة للجيل الجديد.
ويرى ابن سعيد أن هذه التغطية تعكس الموقف السعودي القديم من المقاومة الفلسطينية في وقت تلقي الأزمة خلفها وتحرص على استمرار حفلات الترفيه.
وقال إن "الدولة السعودية غيرت منذ أكثر من عقدين من الزمن إستراتيجيتها في التعامل مع الكيان الصهيوني من المشاركة في مقاومته إلى الانخراط في التوجه العربي المسمى السلام".
وبناء على ذلك تغيرت الثقافة والبيئة التي كان النظام السعودي يتحرك فيها من معاداة إسرائيل إلى الحياد وصولا إلى التحالف المحتمل.
وقبل عملية طوفان الأقصى، أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سبتمبر/أيلول، الاقتراب "أكثر فأكثر" من التطبيع مع إسرائيل، لكنه كرّر موقف المملكة بضرورة أن يشمل أي اتفاق معالجة قضايا الفلسطينيين.
In his recent interview, Mohammed bin Salman, the Saudi Crown Prince, answered a journalist's question regarding the possible normalization of ties between Saudi Arabia and Israel. pic.twitter.com/1ynQj54mlh
— In Context (@incontextmedia) September 22, 2023
ويتعزز موقف السعودية من المقاومة، من معاداتها للإسلاميين والإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، وفق تقدير ابن سعيد.
وتابع: "الدولة السعودية اتخذت موقفا من التيارات الإسلامية منذ عقدين من الزمن لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر (تفجير برجي التجارة العالميين واتهام السعودية بالمشاركة في العملية)، كما تصدت لثورات الربيع العربي وكانت رأس حربة في إجهاضها".
وربط الأكاديمي السعودي بين معاداة المقاومة والربيع العربي، لأن نجاح تلك الثورات كان بداية لمواجهة الصهيونية وإعادة تشكيل المنطقة والعودة لعقيدة المواجهة.
ورأت السعودية في الربيع العربي خطرا لأسباب كثيرة منها أنه سيغير ثقافة التطبيع وينذر بقدوم ديمقراطيات ومجالس شورى وانتخابات ومشاركة شعبية وميلاد دول مؤسسات في المنطقة، وكل هذا يحبط ويزعج ويربك رؤية المملكة للمنطقة، وفق تقديره.
ولذلك فهو يعتقد أن عملية طوفان الأقصى أزعجت صانع القرار السعودي لأنه رأى فيها خلطا للأوراق وإرباكا للمشهد لا سيما أن المملكة كانت على وشك التطبيع مع الكيان.
وعن مخطط الإعلام السعودي، يقول ابن سعيد إنه "منذ عام 2008 (العدوان الأول على غزة) رأينا الدعاية السعودية تشيطن حماس وترميها بكل ناقصة لكن ذلك تطور مع الزمن مثل السخرية منها ومن أسلحتها ومقاومتها إلى أن وضعت في خانة الإرهاب".
وذكر أن السعودية صرفت ملايين الدولارات منذ أكثر من 30 سنة على الإعلام السعودي الخارجي ممثلا بقنوات إم بي سي وروتانا وغيرها "التي دمرت العالم العربي بنشر الفساد الأخلاقي كمقدمة للرذيلة السياسية الكبرى وهي التطبيع والاستسلام للعدو وقتل روح المقاومة في هذه الأمة".
ولفت إلى أنها استثمرت في الفنانين لكنها رأت فجأة أن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار والناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة أصبحوا هم رموز الأمة اليوم.
وقال إن "حركة إسلامية تنتمي لمدرسة الإخوان خطفت فجأة الأنظار وأعادت تشكيل المشهد الذي حاولت السعودية تغييبه وهو أمر كان صادما للمملكة، وهذا يفسر ردة فعلها السياسية المتشنجة".