بدأتها إيران.. كيف تنعكس الهجمات المتبادلة على علاقة طهران وإسلام أباد؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

فتح الهجوم الصاروخي النادر الذي شنته إيران على جارتها باكستان، باب التساؤل واسعا عن مدى انعكاس ذلك على العلاقة بين البلدين، خصوصا أن إسلام أباد أصدرت بيانا شديد اللهجة، عدت ما حصل انتهاكا لسيادة البلاد، وطردت السفير الإيراني، ثم أتبعته بهجوم مماثل.

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت وكالة "إرنا" الرسمية الإيرانية، أن طهران استهدفت مقرين لجماعة "جيش العدل" المسلحة في الأراضي الباكستانية، وأن "صواريخ ومسيرات استخدمت في الهجوم"، كما جرى تدمير مقرين لجيش العدل البلوشي الإيراني (المعارض).

وتنشط جماعة "جيش العدل" المعارضة المصنفة في إيران على أنها "منظمة إرهابية"، على الحدود الإيرانية – الباكستانية في محافظة سيستان وبلوشستان، وتنفذ عمليات من حين لآخر.

ولعل آخر عملياتها تبنيها في 17 يناير 2024، عملية اغتيال الضابط في الحرس الثوري الإيراني، العميد حسين علي جاودانفر، بمحافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، وهو في طريق خاش المؤدي إلى مدينة زاهدان.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، قتل 11 من أفراد الشرطة والجيش في هجوم على مركز للشرطة في مدينة "راسك" جنوب شرقي إيران. واتهم التلفزيون الرسمي جماعة "جيش العدل" بالوقوف وراء الهجوم.

وتقول جماعة "جيش العدل" التي تأسست عام 2012، إنها تقاتل إيران من أجل استقلال محافظة سيستان وبلوشستان، ونيل المزيد من الحقوق للشعب البلوشي الذي يمثل المجموعة العرقية الرئيسة في المحافظة.

غضب باكستاني

ولم تتأخر إسلام أباد كثيرا في الرد على الهجمات الصاروخية الإيرانية التي نالت أراضي باكستانية، فقد نفذ جيشها في 18 يناير، ضربات استهدفت أماكن لمسلحين من البلوش في منطقة حدودية جنوب شرقي إيران.

وخلال بيان لها في 18 يناير، قالت وزارة الخارجية، إن "باكستان نفذت هذا الصباح سلسلة ضربات عسكرية منسقة جدا ودقيقة ضد ملاذات إرهابية في محافظة سيستان بلوشستان الإيرانية"، مضيفة أن "عددا من الإرهابيين قتلوا".

ونقلت وكالة "نادي المراسلين الشباب" للأنباء عن مسؤول أمني في إقليم سستان وبلوشستان الإيراني (لم تكشف هويته) أن صواريخ عدة أطلقت من اتجاه باكستان أصابت قرية حدودية في الإقليم، مؤكدا أن ثلاث نساء وأربعة أطفال على الأقل لقوا حتفهم، وأنهم لم يكونوا مواطنين إيرانيين.

وفي 17 يناير، اتخذت إسلام أباد قرارا باستدعاء سفيرها في طهران، وطرد السفير الإيراني لديها، وذلك بعد "الانتهاك الصارخ" للسيادة الباكستانية، مؤكدة في الوقت نفسه أنها "تحتفظ بحق الرد على هذا العمل غير القانوني".

وأصدرت الخارجية الباكستانية بيانا، أكدت فيه أنها أبلغت الحكومة الإيرانية بأنها لن تسمح بعودة السفير الإيراني الموجود في إيران حاليا، وأنها قررت "تعليق كل الزيارات رفيعة المستوى الجارية أو المقرر لها بين البلدين في الأيام المقبلة".

وأضاف البيان الباكستاني أن "المسؤولية عن العواقب ستقع مباشرة على عاتق إيران".

وفي حديث مع نظيره الإيراني حسين عبد اللهيان، قال وزير الخارجية الباكستاني، جليل عباس الجيلاني، إن الإجراءات الأحادية في التعامل مع "الإرهاب" يمكن أن تقوض الاستقرار والسلام في المنطقة.

وأشار الوزير الباكستاني إلى أن الهجوم الصاروخي أضر بالعلاقات الباكستانية ــ الإيرانية، مضيفا أن إسلام أباد تحتفظ بحق الرد على هذه "الخطوة الاستفزازية".

وشدد على أن "الإرهاب في المنطقة يشكل تهديدا مشتركا، ويتطلب جهودا منسقة"، مشيرا إلى أن "الجهود الأحادية يمكن أن تقوض السلام والاستقرار الإقليميين بشكل خطير، ولا ينبغي لأي دولة في المنطقة أن تتبع هذا المسار".

واتهمت الخارجية الباكستانية، إيران بتنفيذ عمليات قصف جوي على مناطق حدودية داخل أراضيها أدت الى مقتل طفلين، وإصابة ثلاثة آخرين، وأنها استدعت كبير دبلوماسيي طهران في إسلام أباد (لم تذكر اسمه) للاحتجاج على هذا "الانتهاك غير المبرر للمجال الجوي" الباكستاني.

وأوضحت في 17 يناير، أن "انتهاك السيادة هذا يمكن أن تكون له عواقب وخيمة. ومثل هذه الأعمال الأحادية لا تتفق مع علاقات حسن الجوار وأن تقوض بشكل خطير الثقة الثنائية".

وفي وقت سابق من 17 يناير، أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في جلسة حوارية بمنتدى "دافوس" الاقتصادي في سويسرا، احترام بلاده لسيادة باكستان واستقلالها، مشددا على أنها "سترد بقوة على أي هجوم يهدد أمنها القومي".

وأتى القصف في يوم التقى رئيس الوزراء الباكستاني أنور الحق كاكار مع وزير الخارجية الإيراني على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

كما جاء في يوم أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية فيه عن إجراء بحريتي البلدين مناورات في مضيق هرمز ومياه الخليج.

احتواء محتمل

وعن تداعيات الأزمة بين البلدين وتبادل الهجمات الصاروخية، قال أستاذ العلاقات الدولية في العراق، مؤيد الونداوي، إن "العلاقات الباكستانية الإيرانية- على أقل قدير في العقود الأخيرة- لم تشهد أي مشكلات، وإنما يسودها التقارب والتفاهم".

وأضاف الونداوي لـ"الاستقلال" أن "الواقعة الحالية، هو أن إيران عندما أطلقت صواريخها باتجاه باكستان، لم تكن بإشعار مسبق أو حوارات بين البلدين حول نشاطات معينة تأتي من الأراضي الباكستانية، لذلك كان على الإيرانيين أن يحسبوا خطوتهم جيدا قبل المضي بها، لأن جارتهم دولة نووية".

ورغم ذلك، رأى، أن "مثل هذه الحوادث لا تقود إلى تصادم إطلاقا، لأن الحروب ليست لعبة سهلة، كما أن إيران لا تحتاج لها كما هو الحال بالنسبة لباكستان".

لكن هناك من يحاول أن يخلخل الوضع الإيراني من خلال تحريض العشائر غير الفارسية في تكوينها العرقي، وفق تقديره.

وأعرب الونداوي عن اعتقاده بأن "المجتمع الدولي في الوقت الحالي لا يحتمل حصول حرب بين إيران والباكستان، خصوصا أننا أمام المحيط الهندي، وهذا خط ملاحة دولي مهم، فالخطر إذا ما حصل فإنه سينتشر في هذه المنطقة، لذلك أنا استبعد وقوع صدامات عسكرية بين البلدين".

توقع أستاذ العلاقات الدولية أن "تتغلب لغة الدبلوماسية لدى الطرفين لتجنيب البلدين أي صدامات عسكرية، وذلك على أمل ألا تتكرر حوادث من هذا النوع في المستقبل".

وأشار إلى أن "النظام السياسي الحالي في إيران لديه تجربة طويلة في العلاقات الدولية لأكثر من 40 عاما، وسيجلس مع الباكستانيين لحل هذه المشكلة، خصوصا أن العلاقات بين البلدين لم تشهد في الماضي معضلات من هذا النوع، وأن الحادثة التي حصلت هي الأولى من نوعها".

ولفت إلى أن "إيران تدرك أن أحد أهم تهديدات أمنها الوطني هو إمكانية استخدام التكوينات العرقية في بلادها لإحداث انقسامات داخلية".

وذكر أن "(توتير الأجواء) عبر اللعب على أسس عرقية وطائفية يستخدمها الغرب، وبالتالي الإيرانيون لديهم حساسية كبيرة من موضوع إثارة مثل هذه النعرات".

وتابع: "ليست هناك أي مؤشرات بأن يدفع الغرب لإشعال حرب إيرانية باكستانية، رغم ما فعلته إيران في المنطقة عموما، سواء حضورها في سوريا أو العراق أو اليمن والخليج وأماكن أخرى بالعالم".

ونوه إلى أن "الغرب يذهب إلى إحداث الصراع الناعم الذي يبقي إيران مشغولة بشؤونها الداخلية السياسية العسكرية الاجتماعية الاقتصادية، أما موضوع الحرب فإني لا أراه خيارا سواء للدول الغربية أو إيران نفسها".

وبحسب الونداوي، فإن "إيران أرادت إيصال رسائل من خلال إطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى، أنها تملك قدرات صاروخية قادرة على أن تصيب الأهداف، والوصول إلى إسرائيل أو أي دولة عربية أيضا، وحتى الدول التي تقع من جهة الشرق التي تضم باكستان والهند كذلك".

"علاقة دقيقة"

وعلى الصعيد ذاته، قال مايكل كوغلمان مدير معهد جنوب شرق آسيا في مركز "ويلسون" للدراسات في العاصمة الأميركية واشنطن إنه "سبق لإيران أن شنّت عمليات ضد مسلحين متمركزين في باكستان، لكني لا أذكر أي عملية بهذا الحجم".

وحذّر كوغلمان من أن هذا الهجوم "يدفع الروابط بين باكستان وإيران، وهي علاقة دقيقة حتى في أفضل أيامها، نحو أزمة خطرة"، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في 17 يناير.

وفي 15 أغسطس/ آب 2023، نشر "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية"، تقريرا تناول فيه العلاقات الباكستانية- الإيرانية، قائلا إنها "تستند على إجراءات صعبة لتحقيق التوازن، فهي تسير في فلك الخطابات أكثر من المنافع المتبادلة، وأن التعاون التجاري والعسكري الثنائي مازال عند الحد الأدنى".

ولفت إلى أن "تجنيد الحرس الثوري الإيراني للشيعة الباكستانيين للالتحاق بلواء زينبيون (مليشيا شيعية) للقتال من أجل الحفاظ على النظام السوري، أثار غضبَ إسلام أباد بشدة، لكنها امتنعت عن توجيه انتقاد علني إلى طهران للكف عن مثل تلك الأعمال".

وفي المقابل، تشعر إيران بالقلق من الدَعم الخارجي للمُسلحين البلوش والسنة في سيستان بلوشستان مما يجعلها مُستاءة من باكستان.

ومع ذلك يسعى الجاران إلى الحِفاظ على علاقة عمل تحت ذريعة التعاون الثنائي، ولا تزال سياساتهما الخارجية والأمنية بعيدةً كل البُعد من أن تكون متوافقة، وفقا للتقرير.

وأفاد "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" بأنه "قد لا تستطيع إيران وباكستان إحراز تحسُن ملموس في علاقاتهما حتى تنتهي العقوبات المفروضة على برنامج طهران النووي، وحتى تُوقِف الأخيرة تدخُلها في الدول ذات السيادة".

وعقب الهجوم الصاروخي الإيراني على باكستان، دخلت الصين على خط الأزمة، ودعت كلا من طهران وإسلام أباد إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد"، وذلك في تصريحات لمتحدثة وزارة الخارجية ماو نينغ، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة بكين.

وفي 17 يناير، نقلت وكالة الأناضول التركية عن ماو نينغ، قولها: "إن الصين تعتقد أن العلاقات بين الدول يجب أن يتم التعامل معها على أساس القواعد الدولية والتي ترتكز على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".

ودعت متحدثة الخارجية الصينية طهران وإسلام أباد إلى "ممارسة ضبط النفس وتجنب الأعمال التي تؤدي إلى تصعيد التوتر"، مشددة على أنه "ينبغي احترام وحماية سيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامة أراضيها" مع ضرورة "الحفاظ بشكل مشترك على المنطقة سالمة ومستقرة".