بعد سقوط الأسد في سوريا.. هذا ملاذ روسيا الجديد على ضفاف البحر المتوسط

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد سقوط نظام الديكتاتور بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024، تحاول روسيا إعادة التموضع العسكري والإستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مع تحول واضح في أنظارها نحو ليبيا بصفتها نقطة ارتكاز بديلة.

وكان بديهيا أن تفقد روسيا، الداعم الرئيس للأسد الكثير من نفوذها في سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام بعد سقوط النظام.

وفي هذا السياق، يتناول موقع "دويتشه فيله" الألماني أزمة موسكو بعد سقوط النظام فيما يتعلق بمستقبل وجودها العسكري في سوريا.

ولفت إلى أن روسيا بدأت في إعادة التموضع البحري العسكري ونقلت معدات وعتادا من قواعدها السورية إلى الأراضي الليبية، مستفيدة من علاقتها المتنامية مع مليشيات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر.

كما تأتي عمليات النقل العسكري بدعم مباشر من مليشيات محلية أبرزها "فيلق إفريقيا" الذي يضم عناصر مرتزقة فاغنر السابقة. 

وأوضح الموقع أن هذا التحول لم يكن عسكريا فحسب، فقد شمل تورطا أوسع في شبكات التهريب والاتجار بالبشر؛ إذ أصبحت ليبيا مركزا إقليميا لعمليات الهجرة غير النظامية، التي تستخدمها روسيا اليوم كأداة ضغط سياسية على الاتحاد الأوروبي، في ظل غياب إستراتيجية أوروبية فعالة لمواجهة هذا التحدي المتصاعد.

وتحدث الموقع عن كيفية عمل شبكات تهريب البشر وتيسير عبور المهاجرين في ليبيا، ودور روسيا والأطراف المحلية في ذلك.

ملاذ بديل

وأشار إلى أن روسيا، منذ سقوط نظام الأسد، تواجه مشكلة تتعلق بمستقبل قواعدها العسكرية في سوريا: القاعدة البحرية في ميناء طرطوس المطلة على البحر المتوسط، وقاعدة حميميم الجوية.

وبات من غير المؤكد إذا ما كانت موسكو ستتمكن من الاحتفاظ بهاتين القاعدتين، أو إلى أي مدى، بعد الإطاحة بشريكها الأسد. ومع هذا التطور، حظيت ليبيا بأهمية متزايدة بالنسبة لروسيا. 

فمنذ سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، لاحظ خبراء أمنيون تزايد حركة الطيران من سوريا إلى ليبيا، حسب "دويتشه فيله".

وأضاف: "كما رست عدة سفن روسية في قاعدة طبرق البحرية شرق ليبيا، والتي تخضع لحفتر، المسيطر على معظم الشرق الليبي".

وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق المجريسي، إنه "بعد سقوط الأسد مباشرة، انطلقت العديد من الرحلات الجوية والبحرية التي تستهدف نقل معدات روسية من سوريا إلى ليبيا".

وتابع الخبير الذي ألف دراسة جديدة حول الوجود الروسي في ليبيا: "هذه الدولة أصبحت في نظر موسكو ملاذا آمنا في منطقة البحر المتوسط". 

وأشار المجريسي إلى أن روسيا تسعى إلى تحقيق عدة أهداف في ليبيا. فإلى جانب رغبتها في الحفاظ على وجود عسكري على البحر المتوسط -وهو ما كان قائما بالأساس في سوريا- فإنها تريد استغلال الموارد الطبيعية الليبية، لا سيما في مجال الطاقة".

وأضاف: "بسبب العقوبات الغربية، تحاول موسكو كذلك إيجاد أسواق بديلة لصادراتها، وتستخدم ليبيا كمركز رئيس لتصدير أسلحتها".

وفي ذات السياق، ذكر الموقع، نقلا عن دراسة أجراها مركز صوفان الأميركي للدراسات الإستراتيجية، أن "شحنات مدفعية تصل إلى قوات حفتر، أو ربما تصدر إلى قوى مناهضة للغرب في دول مجاورة".

"كما أن لروسيا مصلحة في التأثير على مسار الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا؛ حيث تستخدمها كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي".

حفتر الابن

ومن المعروف أن روسيا دعمت القائد العسكري المنشق خليفة حفتر في شرق ليبيا منذ سنوات.

ولذا، رأى أولف لاسينغ، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور في مالي، أن "حفتر لا يزال الشريك الأكثر أهمية لروسيا في ليبيا". 

وعلى الرغم من وجود علاقات دبلوماسية روسية مع الغرب الليبي وطرابلس، فإن موسكو تركز بشكل أساسي على حفتر.

لكنه أشار إلى أن هذا يحمل "مخاطرة كبيرة"؛ بسبب عمر حفتر البالغ 81 عاما، إلى جانب أن "حكمه قد يكون هشا في ظل الضغوط السياسية الأميركية". وهنا تبرز أهمية دور ابنه صدام وهو أيضا جنرال في الجيش.

جدير بالذكر أن إسبانيا أصدرت مذكرة اعتقال بحق صدام حفتر في عام 2024 بتهمة تهريب أسلحة، لكنه في الوقت نفسه، أصبح الشريك الأساسي لروسيا في ليبيا.

ويضيف المجريسي في دراسته أن "صدام حفتر وفر لروسيا شبكة من القواعد العسكرية الليبية، ومقابل ذلك ساعدت موسكو صدام على تحويل ليبيا إلى مركز لتهريب الأسلحة والمخدرات والوقود والبشر".

ويؤكد أولف لاسينغ وجود رحلات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، نفذتها شركة طيران سورية خاصة.

ونُقل عبر تلك الرحلات مهاجرون من دول آسيوية مثل باكستان وبنغلاديش إلى شرق ليبيا، ومن هناك إلى السفن المتجهة إلى إيطاليا.

تجارة البشر

وبحسب المجريسي بنى صدام حفتر باستخدام مليشياته الخاصة (لواء طارق بن زياد) بنية تحتية معقدة لعمليات تهريب البشر.

 وتستفيد منها شبكات تهريب دولية مقابل رسوم، في حين يدفع المهاجرون الثمن، مخاطرين بحياتهم أملا في الوصول إلى حياة أفضل في أوروبا. 

ويفيد المجريسي أن بعض المهاجرين يدفعون ما يصل إلى 9000 دولار أميركي.

وأضاف: "يتبع تهريب البشر نمطا واضحا، فعند وصولهم إلى ليبيا، يسلم المهاجرون وثائقهم إلى مليشيا أخرى، تحتجزهم بدورها حتى دفع المبلغ المطلوب. وغالبا ما يحتجزون لعدة أيام أو أسابيع في ظروف غير إنسانية".

ويتابع: "بعدها يتقاضى صدام أموالا إضافية من أجل السماح لزوارق الهجرة بالإبحار: 100 دولار عن كل مهاجر في القوارب الصغيرة التي تضم ما بين 300 إلى 550 شخصا، أو مبلغ إجمالي قدره 80 ألف دولار للقوارب الأكبر". 

وأردف: "هناك أيضا من يُنقلون إلى غرب ليبيا، مما يُظهر مدى تجاوز الجماعات المسلحة الليبية للحدود السياسية من أجل الربح".

وأكمل: "يختلف طريق المهاجرين إلى ليبيا؛ فالإفريقيون يأتون غالبا عبر الطرق البرية، أما الآسيويون فيسافرون جوا، قبل أن ينتقلوا إلى الشرق الليبي حيث يسلمون إلى شبكة حفتر".

وهنا يأتي دور روسيا مجددا؛ حيث يقول المجريسي: إنها "تستخدم الهجرة كسلاح"، مشيرا إلى أن "موسكو نقلت سابقا، خلال الحرب في سوريا، مهاجرين من دمشق إلى مينسك، ومن هناك حاولوا التوجه إلى أوروبا الغربية، ما زاد الضغط على حدود الاتحاد الأوروبي".

وتابع: "لا يعرف إذا ما كانت هذه الرحلات الجوية ما تزال قائمة. لكن بعد سقوط الأسد، بات التركيز الجغرافي على منطقة الساحل الإفريقي، حيث تسهم المليشيات الروسية في دفع مزيد من الناس للهجرة نحو أوروبا، بالتنسيق مع صدام حفتر".