سعيد أقال وزراء بخلفية عسكرية.. إلى أين تتجه المواجهة مع الجيش التونسي؟
شمل التعديل 19 وزيرا وثلاثة كتاب دولة قبل الانتخابات رئاسية
ناقشت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية التغييرات الوزارية الأخيرة التي أجراها رئيس النظام التونسي قيس سعيد، حيث أقال عدة ضباط كانوا يشغلون مناصب وزارية رئيسة، مما أثار تساؤلات حول نوايا الرئيس في إبعاد الجيش عن الحياة السياسية.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه الإقالات قد تكون جزءا من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الدعم الذي يعتمد عليه سعيد، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وفي هذا الإطار، تطرح تساؤلات حول "ما إذا كانت هذه التغييرات تعكس رغبة سعيد في تقليص دور الجيش في السياسة"، وهو ما قد يحرم الرئيس من دعم مهم في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية.
التخلص من العسكر
وأجرى سعيّد في 25 أغسطس/آب، تعديلا وزاريا كبيرا شمل وزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد، وذلك بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إقالة رئيس الوزراء أحمد الحشاني بدون إبداء أي تفسير، واستبداله بوزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري.
وشمل التعديل 19 وزيرا وثلاثة كتاب دولة، قبل انتخابات رئاسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول. وأنهيت مهام وزير الدفاع عماد مميش، ووزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي.
وجرى تكليف خالد السهيلي بوزارة الدفاع ومحمد علي النفطي بوزارة الخارجية، فيما احتفظ وزراء المالية والعدل والداخلية بمناصبهم.
وأحكم سعيد قبضته على السلطة في 2021 بعد أن حل البرلمان المنتخب، ويترشح لفترة جديدة أمام مرشحين اثنين هما زهير المغزاوي وعياشي زامل.
ولتبرير التعديل الوزاري المفاجئ، أشار سعيد إلى "عدم كفاءة المسؤولين المقالين، بل وحتى تواطؤ بعضهم مع أعداء الشعب".
وتنوه الصحيفة إلى أن الجامع المشترك بين هؤلاء المسؤولين السابقين البارزين في حكومة نجلاء بودن -التي أُقيلت في 2023- ثم في حكومة أحمد الحشاني، الذي أُقيل في 7 أغسطس 2024، هو أنهم كانوا "ضباطا رفيعي المستوى وأعضاء في المجلس الوطني للأمن".
ونتيجة لذلك، تبرز أن حقيقة إبعادهم واستبدالهم بمدنيين، باستثناء وزارة الصحة، يدفع إلى التساؤل عن حالة العلاقات بين سعيد والجيش.
وتقول إن الجيش "مؤسسة تحظى بتقدير كبير من قبل الشعب الذي يعدها ركيزة للدولة الجمهورية، والتي كان الرئيس يبدو حتى الآن معتمدا عليها".
وكان هذا الاعتماد واضحا بشكل خاص عندما استحوذ سعيد على سلطات واسعة في 25 يوليو/ تموز 2021، وبعد أن أعلن نفسه في أبريل/ نيسان 2024 رئيسا للقوات الأمنية المسلحة والمدنية.
ليلى جفال
بعد ثلاث سنوات، وفي الوقت الذي أصبحت ولايته على المحك مرة أخرى في مسابقة انتخابية وضع قواعدها، يراجع سعيد دعمه ويضع الجيش في مأزق، على حد وصف الصحيفة.
ومن ناحية أخرى، تلفت إلى أنه في قصر قرطاج، يُشاع أن الجيش رفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، لا سيما أن مجلس الأمن الوطني يبت في قضايا المصادرة والمصالحة الجنائية.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا الفعل يُفسر من قبل الرئيس على أنه "نقص في الدعم لمشروعه".
وفي هذا السياق، يذكر المراقبون المطلعون أيضا أن "هناك خلافات بين جزء من السلطة التنفيذية والوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن والدفاع التي يرأسها الجنرال حبيب الضيف".
جدير بالإشارة إلى أن هذا الجنرال، الذي سيُحال إلى التقاعد بداية عام 2025، أسهم في الكشف عن عدة فضائح داخل مكتب وزيرة العدل، ليلى جفال، والتي أبقاها قيس سعيد في منصبها رغم كل شيء.
ترقية ذات حدين
وبالحديث عن التغييرات الأخرى التي حدثت في عهد الرئيس التونسي، تطرقت "جون أفريك" أن قصة الجنرال مصطفى الفرجاني.
وقالت إن الفرجاني، بفضل سمعته كقائد للطب العسكري، ترك الخدمة العامة عام 2022 لينضم إلى فريق مستشاري سعيد.
وعام 2021، كانت نادية عكاشة، رئيسة ديوان قيس سعيد آنذاك، قد اقترحت اسمه لمنصب رئيس الحكومة.
وفي مفاجأة عامة، حصل مصطفى الفرجاني، في 21 أغسطس 2024، على ترقية إلى رتبة جنرال قوات، وهي أعلى رتبة في التسلسل العسكري.
وفي الوقت نفسه، تلفت إلى أن هذه الترقية الاستثنائية تُعد أيضا بـ "مثابة إبعاده"، حيث إن وظائفه الجديدة كوزير للصحة تبعده عن قصر قرطاج.
وكان الفرجاني قد طور علاقات مع الدائرة المقربة من الرئيس، كما أنه أصبح شخصية محورية لاستقباله الشكاوى من جميع الأطراف.
وتقول "جون أفريك" الفرنسية إن "سعيد، بطبعه مشكك، لا يحتفظ بموثوقية (تجاه الدائرة المحيطة به) لفترة طويلة".
وفي غضون ذلك، تعتقد أن "إبعاد أعضاء الجيش من دائرته القريبة، في سياق توتر سياسي شديد، قد يحرم الرئيس من عنصر معتدل وغير سياسي أساسي لتهدئة الأزمات".