ازدواجية متطرفة.. كيف تخضع "نتفليكس" لمطالب الهندوس وتشوه المسلمين؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تعج منصة "نتفليكس" العالمية بالعديد من الأفلام الهندية والأجنبية التي تنشر التعصب ضد المسلمين أو تصورهم بصورة إباحية أو تشوه الحجاب، وسط رفض قاطع بالاستجابة لمطالب حجبها.

بالمقابل، ترضخ المنصة للهندوس وتوافق على مطالبهم بمنع وحجب أفلام يظهر فيها مسلم يحب هندوسية، أو يأكل لحم البقر المقدس لديهم.

توقيف مفاجئ

وفي 11 يناير/ كانون الثاني 2024، رضخت "نتفليكس" مجددا، بعدما تنازلت لهم مرات سابقة، بإزالة فيلم هندي شهير من العرض، بعد حملة مناهضة له قادها قوميون هندوس متطرفون، بحجة أن الفيلم به مشاهد حب بين شاب مسلم وفتاة هندوسية.

كما احتجوا على تضمن الفيلم مشاهد تُظهر المسلمين وهم يأكلون لحوم البقر (التي يعبدها الهندوس)، ويصل بهم الأمر لقتل مسلمين لأنهم يذبحونها في الأعياد لتناول لحومها، وفق صحيفة "تايمز أوف إنديا" في 12 يناير.

وعد نقاد وسياسيون إزالة "نتفليكس" للفيلم، مقابل رفضها حجب أفلام احتج عليها مسلمون، "ازدواجية معايير"، وقالوا إن إزالة الأفلام التي يحتج عليها الهندوس المتطرفون "تُظهر قوة الجناح اليميني الهندوسي" في الهند.

وفيلم "آنابوراني: آلهة الطعام"، أو "Annapoorani: The Goddess of Food"، هو ثاني أكثر الأفلام مشاهدة على منصة نتفليكس في الهند، ويحقق إيرادات جيدة للمنصة، لكنها أوقفته فجأة بعد الحملة الهندوسية المتطرفة ضده.

وتدور الأحداث حول ابنة كاهن هندوسي تحلم بأن تصبح أفضل طاهية، لكنها تواجه تحديات بسبب نشأتها الهندوسية، حيث اعتادت على أكل وطبخ الطعام النباتي فقط، ولا تطبخ اللحوم أو الفراخ لأنها من أسرة كاهن متشدد ترفض أكل لحوم الأبقار المقدسة.

حين انضمت الفتاة الهندوسية التي تمثل دورها الفنانة "نايانثارا" لمدرسة الطهاة، لتلعب دور طاهية طموحة، اضطرت للكذب على أسرتها المتطرفة وقالت لهم إن دراستها لماجستير إدارة الأعمال لا يخالف عقيدتهم.

وذلك لأنها بدأت في لمس وطهي اللحوم التي يعدها الهندوس "خطيئة"، ويساعدها زميلها المسلم (فرحان) في الدراسة، ويقنعها أن أكل اللحوم لم يكن محرما بين كبار كهنة الهندوسية السابقين في منفاهم، ومع الوقت يقعان في الحب.

Planning to watch Annapoorani The Goddess of Food, starring Nayanthara.
Hearing that the film is promoting Hindu Muslim Fraternity ���� pic.twitter.com/I7eEIKAF0y

— Laibah Firdaus. لائبہ فردوس (@FirdausLaibah) January 6, 2024

لكن الأسرة تكتشف الأمر وتبدأ مشاكل تتعلق برفض المجتمع الهندوسي زواج الفتاة من شاب مسلم لأسباب عقدية.

ويعتقد المتطرفون الهندوس أن المسلمين يسعون لتحويل الهندوسيات للإسلام بالزواج، كما يسعون لزيادة عددهم بالزواج من هندوسيات.

وحال حب مسلم لهندوسية والزواج منها، يروجون قصصا عن اختطاف المسلمين للهندوسيات للزواج منهن، حيث يحرمون الزواج المختلط بين الأديان.

مع أن الفيلم بسيط ويراه مسلمون "يروج للأخوة الهندوسية المسلمة"، أقام الهندوس المتطرفون من أتباع الحزب الحاكم الدنيا واتهموا الفيلم بأنه يروج لما يسمونه "جهاد الحب"، كما يظهر فيه البطل وهو يأكل لحم البقر، وهو ما يحرمونه.

و"جهاد الحب" مصطلح مهين صاغه القوميون الهندوس المتطرفون الذين يتهمون الرجال المسلمين بالزواج من نساء هندوسيات لإجبارهن على التحول للإسلام.

احتجاجات هندوسية

وقامت "نيتفليكس" ببدء عرض الفيلم على منصتها في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، وظل الهندوس يعترضون ويشتكون ويحذرون ويقدمون بلاغات للشرطة ضد منتجي وأبطال الفيلم، فقامت بإزالته من منصتها في 10 يناير 2024، أي بعد 12 يوما فقط.

هندوس موالون للحزب الحاكم ومنظمات هندوسية متطرفة، أبرزها "باجرانغ دال" و"فيشوا هندو باريشاد" أو "المجلس الهندوسي العالمي"، قدموا شكاوى للشرطة ضد أبطال الفيلم والمخرج والمنتجين واستوديوهات "نيتفليكس" في الهند.

وزعموا أن الفيلم يروج لـ"جهاد الحب"، كما أنه يتضمن مشاهد تُظهر أكل المسلمين اللحوم، وأن بطل الفيلم حاول تغيير رأي البطلة الهندوسية بأكل اللحوم بينما هي نباتية.

الناشط الهندوسي المتطرف راميش سولانكي، أحد الذين قدموا الشكوى بحجة "إيذاء مشاعر الهندوس" زعم أن الفيلم يقوم على "تصوير الرومانسية بين الأديان" ومن ثم يدخل ضمن فئة "جهاد الحب"، وفقا لصحيفة "جنوب الصين" الصادرة في هونغ كونغ في 12 يناير.

واحتج هندوس آخرون على الفيلم وقادوا حملة لمقاطعته على مواقع التواصل الاجتماعي واستجابت "نتفليكس"، بزعم أنه "يسترضي المسلمين" ويعد "مادة مثالية لغسيل أدمغة الفتيات الهندوسيات الصغيرات!".

#Annaporani : The Goddess of Food (Tamil )on Netflix is one of the most Hinduphobic films that I have seen in 2023

Blatant anti-Brahmin elements, Muslim appeasement galore, perfect material to brainwash young Hindu girls. No wonder it got washed out at the BO❗️

— Dhoom Tananana (@dhoomtananana40) January 5, 2024

أيضا قدم عضوان بارزان في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، الذي ينتسب له رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بلاغا للشرطة ضد الفيلم ومنتجيه وأبطاله والمخرج، بزعم أنه "يجرح مشاعر مجموعة دينية في الهند".

وهو بند في القانون الهندي وضعه الحزب الحاكم ويقر عقوبة لمن يفعل ذلك تصل إلى ثلاث سنوات أو بغرامة مالية، أو الاثنين معا.

ولم يكتف العاملون في استوديوهات "نتفليكس" بالهند بسحب الفيلم بل بعثوا برسالة مذلة إلى مجموعة هندوسية يمينية متطرفة مرتبطة بحكومة مودي، يعتذرون فيها عن "إيذاء المشاعر الدينية لمجتمع الهندوس والبراهمة".

مما يدل على قوة القوميين الهندوس في التأثير على كيفية تصوير المجتمع الهندي على الشاشة.

ورغم ترهيبهم المسلمين والعاملين في "نتفليكس" لحذف الفيلم، زعم المتحدث باسم جماعة هندوسية متطرفة انتقدت الفيلم، شريراج ناير، إن صانعيه "أدركوا خطأهم وحذفوه ولم نتدخل أبدا في الحرية الإبداعية لأي فيلم"!.

رقابة سابقة

ولم يكن هذا أول فيلم يضغط الهندوس لحجبه عبر نتفليكس أو السينما الهندية، إذ سبق للمنصة العالمية الاستجابة مرات عديدة لمطالب الهندوس المتطرفين.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 قامت بحذف مسلسل هندي شهير (أ سوتبل بوي) من منصتها بعد احتجاج الهندوس أن نهاية المسلسل تُظهر ممثلة تتقمص دور شابة هندوسية وممثلا يتقمص دور شاب مسلم، وهما يقبلان بعضهما، وخلفهما معبد هندوسي.

وسجلت الشرطة الهندية قضية ضد منتجين هنود يعملون في نتفليكس بسبب هذه "القُبلة"، وفق التلفزيون الألماني الحكومي في  26 نوفمبر 2020.

وقدم وزير وقيادي في الحزب الهندوسي الحاكم دعوى قضائية تتضمن اتهامات للمسؤولين عن الفيلم بـ"اقتراف أعمال خبيثة من شأنها إيذاء مشاعر مجموعة دينية"، بحسب شبكة "سي إن إن" في 24 نوفمبر 2020.

وفي ديسمبر 2023، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن نتفليكس ومنصة "أمازون برايم" استبعدتا مشاريع أفلام ومسلسلات عدة في الهند تدور حول العلاقة بين مسلمين وهندوسيات، خشية غضب الهندوس ومقاطعتهم للمنصتين.

وضمن هذا العداء الهندوسي لأفلام يزعمون أنها تسئ لهم، واجهت الممثلة الهندية الشهيرة ديبيكا بادوكون وفريق فيلم "بادمافاتي" تهديدات بالقتل في نوفمبر 2017.

ووصل الأمر لعرض متطرفين هندوس مكافآت مالية كبيرة لإيذائها بسبب مزاعم أنها أساءت لملكة هندوسية في فيلم قامت ببطولته عبارة عن قصة حب مع سلطان مسلم.

وفي عام 2021، واجهت "أمازون برايم" احتجاجات وقضايا مماثلة لدى الشرطة، واضطر الموظفون إلى طلب الحماية من الاعتقال، بعد أن عدت الجماعات الهندوسية اليمينية مسلسلها السياسي "تانداف" مهينا لمشاعرهم الدينية واتهموه بالترويج لـ"جهاد الحب".

وقالت صحيفة "إنديان إكسبريس" في 29 نوفمبر 2023 إن "نتفليكس كانت تعرض نسخا غير منقحة من الأفلام الهندية، لكنها بدأت تقوم بإزالة أجزاء حساسة منها في إصداراتها الأخيرة، بما في ذلك الرسائل السياسية التي تتعارض مع خط الحكومة الهندوسية المتطرفة".

وأوضحت أنه "منذ بداية 2023 أصبحت نسخ نتفليكس من الأفلام في الهند تتطابق مع الإصدارات التي خضعت للرقابة محليا، بغض النظر عن مكان عرضها في العالم".

تشويه الإسلام

عكس موقفها بالرضوخ للهندوس، عرضت "نتفليكس" عددا من الأفلام التي تعادي المسلمين أو تحاول غسيل مخ الشباب المسلم.

وحين احتج مسلمون وعرب على أفلام عرضتها نتفليكس، تسئ للمسلمين رفضت المنصة مطالبهم بالإزالة.

وهو ما دفع مسلمين لاتهامها بازدواجية المعايير وأن لها أهدافا أخرى تتعلق بالغزو الفكري وتضييع الهوية الاسلامية عبر نشر مشاهد إباحية وأخرى لشواذ وإظهار مسلمات محجبات بصورة غير لائقة.

ففي عام 2019 عرضت "نتفليكس" فيلما يسيء للمسلمين هو "مرجون والحجاب الطائر" يحكي قصة فتاة مسلمة تخلع حجابها للمشاركة في مسابقة رقص.

وفي العام التالي 2020 عرضت فيلما يُسمى "كيوتز"، وهو درامي فرنسي أبطاله سنغاليون مسلمون، وتدور قصته حول فتاة فرنسية سنغالية نشأت في بيئة إسلامية تقليدية.

وفي أغسطس/آب 2020 دعت وزارة الأسرة التركية، أكبر هيئة مراقبة تلفزيونية للتصدي لهذا الفيلم على شبكة نتفليكس، ونقلت صحيفة "بيرغون" عن الوزارة قولها إن الفيلم "يسئ للأطفال ويؤثر سلبا على نموهم النفسي والاجتماعي".

وحاولت نتفليكس تبرير ردود الفعل الغاضبة على الفيلم بزعم أن ذلك يعود للمقطع الدعائي للفيلم، والذي قالت إنه لا يمثل الفيلم بشكل صحيح، واكتفت بتغيير المقطع السابق واستبداله بآخر، دون سحب الفيلم ذاته.

أيضا حاولت مجموعة نتفليكس، تصوير مسلسل في تركيا في يوليو/ تموز 2020 يُصور شخصية شاذة جنسيا.

وحين رفضت الحكومة منحها إذن التصوير، إلا بعد حذف هذا المشهد الشاذ، رفضت وأوقفت التصوير في تركيا، وآثرت إلغاء المشروع تماما بدل الخضوع للرقابة، مع أنها رضخت لمطالب الهندوس في وقف عرض أفلام بأكملها لأن بها "مشهد مسلم يأكل لحم البقر!".

أيضا بدأت بعض أشهر المسلسلات على نتفليكس بإدخال شخصيات شرقية ومسلمة بصورة سيئة، منها مسلسل تمثل إحدى شخصياته الرئيسة فلسطينية ترتدي الحجاب وتنخرط في علاقات جنسية متعددة.

وشاب فلسطيني اسمه "مو" –وهذا اسم الفيلم- يسافر من الخليج إلى أميركا ويعيش حياة متفلته مع مسيحية مكسيكية ومعه أمه وأخته المحجبات، ليبدو فيلم نتفليكس وكأنه يشوه صورة الفلسطيني ويجعله يقبل التطبيع.

رقابة هندوسية

للهند تاريخ طويل من الرقابة على الأفلام، لكن صناعة السينما في البلاد أصبحت تحت رحمة وإرهاب الحزب الهندوسي الحاكم ومنظمات الشباب الهندوسي المتطرفة، منذ تولي مودي رئاسة الوزراء عام 2014.

ومنذ تولي الحزب المتطرف (بهاراتيا جاناتا) الحكم، والهندوس يفرضون وصايتهم على بوليوود ويعملون ضد أبطالها من الممثلين المسلمين.

وهناك حملات يقودها الهندوس ضد قرابة 10 ممثلين مسلمين يحملون اسم "خان" في بوليوود، أشهرهم الثلاثي شارو خان، وعمر خان، وسلمان خان.

ويطالب المتطرفون الهندوس بمقاطعة أفلامهم، ووقف الإنتاج لهم، خصوصا لو ظهروا فيها وهم يحبون ويتزوجون هندوسيات.

وبدأ تراجع بوليوود "بشكلها القديم" المتسامح دينيا، بالتزامن مع صعود التعصب الثقافي الهندوسي، والتهميش الذي أعقبه للمسلمين في السياسة، وبلغ ذروته في عهد النظام الحالي، الذي وصل إلى السلطة عام 2014 بـ"هندسة" السينما.

أحد أسلحة هؤلاء المتطرفين كان تنفيذ حملات مقاطعة هندوسية لبوليوود، حيث زعم القائمون عليها أن هدفهم "تنظيفها"، بحجة أنها "وكر للجنس والمخدرات وكراهية الهندوسية"، لكن هدفهم "الممثلون المسلمون".

وأكد موقع "آسيا سنتينل" في 14 يناير، أن "السينما الهندية تتحول تدريجيا للخضوع للقومية الهندوسية، وتتزايد المخاوف أن تصبح في قبضة اليمين المتطرف بالكامل والحزب الهندوسي".

ونقل الموقع عن نقاد أن "صناعة أفلام بوليوود الشهيرة تعمل حاليا على تجميد الممثلين المسلمين والابتعاد عن الترفيه لخدمة الأهداف السياسية اليمينية لحزب بهاراتيا جاناتا".

كما تتجه هذه الصناعة، بضغوط من الحزب الحاكم، لما يسمى "تنقية المجتمع الهندي ثقافيا" والذي يعني تهميش الأقليات بشكل منهجي، وخاصة المسلمين.

وأشار "آسيا سنتينل" إلى أن "التأثير اليميني الهندوسي المتنامي في صناعة السينما يمثل قلقا متزايدا بشأن سعيهم لفرض الهندوتفا، أو القومية الهندوسية في جميع أنحاء البلاد، حيث تعمل حكومة بهاراتيا جاناتا على تضييق مساحة الديانات والمجموعات العرقية الأخرى".

الكلمات المفتاحية