تنفذ جرائم بالضفة وغزة.. لهذا تتجه واشنطن لمعاقبة كتيبة نيتسح يهودا

إسماعيل يوسف | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تقترب الولايات المتحدة الأميركية من فرض عقوبات جديدة على إسرائيل، تستهدف هذه المرة كتيبة عسكرية بعد أن اتخذت خطوة مماثلة بحق مستوطنين متطرفين.

ونقلت صحيفة "أكسيوس" الأميركية في 20 أبريل/نيسان 2024 عن مصادر بوزارة الخارجية قرب فرض واشنطن عقوبات على كتيبة نيتسح يهودا التابعة للجيش الإسرائيلي بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان في قطاع غزة والضفة الغربية.

ولقيت هذه الخطوة انتقادات حادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه، رغم استرضاء واشنطن الاحتلال بصفقات سلاح ودعم عسكري مستمر.

قصة العقوبات

بدأ الأمر بفرض وزارتي الخارجية والخزانة الأميركية عقوبات على شخصيات صهيونية متطرفة تمارس أعمال قتل وترويع للفلسطينيين في الضفة الغربية بدعوى الحرص على أن يكون هناك مستقبلا دولتان في فلسطين المحتلة وينتهي الصراع.

ومنذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت الولايات المتحدة ثلاث حزم من العقوبات ضد مستوطنين بسبب ارتكابهم أعمال عنف ضد الفلسطينيين.

وفي 19 أبريل 2024 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على كيانين إسرائيليين لدورهما في جمع تبرعات لجمعيات متطرفة صهيونية عنيفة.

وهما "صندوق جبل الخليل"، الذي جمع بالفعل 140 ألف دولار للمستوطن، ينون ليفي الذي قاد مجموعة من المستوطنين هاجمت مدنيين من الفلسطينيين والبدو وأحرقت حقولهم ودمرت ممتلكاتهم.

والكيان الثاني، هو "شلوم أسيريتش" الذي جمع 31 ألف دولار لديفيد تشاي تشاسداي الذي أضرم النيران في مركبات ومبان فلسطينية وتسبب في أضرار لممتلكات في حوارة بنابلس، ما أسفر عن استشهاد مدني فلسطيني.

أيضا أعلن الاتحاد الأوروبي، في 19 أبريل 2024 أنه وافق على فرض عقوبات على أربعة أشخاص وكيانين بسبب أعمال العنف التي يمارسها مستوطنون إسرائيليون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية.

ولفت مجلس الاتحاد في بيان إلى أن الكيانين المدرجين هما (لاهافا) وهي جماعة يهودية يمينية متطرفة تدعي تفوق اليهود، و"شباب التلال".

وقالت صحف أوروبية إن هذه الخطوات تأتي "لحث إسرائيل على وضع حد لممارسات المستوطنين التي تهدد استقرار المنطقة وتعرقل عملية السلام"، وفق تصريحات مسؤولين أوروبيين وأميركيين.

وبموازاة حربه المستمرة على غزة منذ أكثر من 6 أشهر، صعد الجيش ومستوطنون إسرائيليون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، ما أسفر عن استشهاد 485 فلسطينيا وجرح نحو 5 آلاف آخرين واعتقال أكثر من 8 أشخاص، بحسب مؤسسات فلسطينية معنية.

وهؤلاء المستوطنون بينهم جنود صهاينة وكتيبة كاملة تمارس أعمال الإرهاب ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية مشكلة من الجنود اليهود المتشددين، ولذلك بدأت لجنة خاصة تابعة للخارجية الأميركية أواخر 2022 التحقيق في الاتهامات الموجهة لهم.

وكانت كل أصابع الاتهام تشير لكتيبة "نيتسح يهودا" بعد ورود تقارير حول انتهاكها حقوق الإنسان، وتنفيذها أعمال عنف ضد مدنيين فلسطينيين، وكان أبرزها قتل الأميركي الفلسطيني المسن عمر أسعد.

وكشف موقع "أكسيوس" 20 أبريل 2024 أنه من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال أيام عن عقوبات ضد كتيبة "نيتسح يهودا" الإسرائيلية بسبب "انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة".

وقال بلينكن في 19 أبريل 2024 إنه اتخذ "قرارات" بشأن اتهامات لإسرائيل بانتهاك مجموعة من القوانين الأميركية التي تحظر تقديم المساعدة العسكرية لمن يرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية.

وتتضمن العقوبات منع تقديم مساعدات عسكرية أميركية للكتيبة، وحرمان جنودها من المشاركة في تدريبات مع الجيش الأميركي، أو أي نشاط ممول من قِبَل الولايات المتحدة.

وتستند الإجراءات العقابية إلى "قانون ليهي"، نسبة للسيناتور الأميركي السابق "باتريك ليهي"، والذي صدر عام 1997.

ويحظر هذا القانون على الجيش الأميركي تقديم مساعدات عسكرية أو تنفيذ نشاطات تدريبية مع وحدات عسكرية أو أمنية أو أجهزة شرطة، "يثبت تورطها بانتهاك حقوق الإنسان".

وقد كشف موقع برو ببليكا الأميركي ProPublica في 17 أبريل 2024 أن لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية أبلغت بلينكن أنه يجب على الولايات المتحدة تقييد مبيعات الأسلحة إلى الوحدات العسكرية الإسرائيلية التي اتُهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بما في ذلك القتل والاغتصاب.

لكن الموقع أكد أن "بلينكن فشل في اتخاذ أي إجراء أو التصرف بناءً على هذا الاقتراح في مواجهة الانتقادات الدولية المتزايدة لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين في وزارة الخارجية".

وقال العديد من مسؤولي وزارة الخارجية الذين عملوا في العلاقات الإسرائيلية إن تقاعس بلينكن قوض الانتقادات العلنية للرئيس جو بايدن، وأرسل رسالة إلى الإسرائيليين مفادها أن الإدارة ليست مستعدة لاتخاذ خطوات جادة وفق موقع ProPublica.

ونقل عن مسؤولين حاليين وسابقين في وزارة الخارجية، أن اللجنة أوصت في النهاية بأن يتخذ وزير الخارجية الإجراء اللازم، ما دفع لنشر أنباء توقع فرض العقوبات قريبا.

وتقول صحيفة "واشنطن بوست" 22 أبريل 2024 إنه تم تطبيق قوانين ليهي في الماضي على مئات من وحدات الشرطة والجيش الأجنبية بما في ذلك في كولومبيا والمكسيك وكمبوديا. 

و"نادرا ما يتم استخدامها ضد حليف سياسي وثيق للولايات المتحدة، مما يوضح توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب خلال حرب غزة التي استمرت ستة أشهر" حتى الآن، وفق الصحيفة.

ومقابل ما تعلنه واشنطن عن عقوبات ضد وحدات الاحتلال، لم يتم فرضها أو تطبيقها بعد، يتزايد الدعم العسكري الأميركي لذات الجيش، ما يثير تساؤلات حول النفاق والازدواجية الأميركية.

ويوم 20 أبريل 2024، أقر مجلس النواب الأميركي حزمة مساعدات بقيمة 26.4 مليار دولار لإسرائيل، ومن المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على الإجراء، بينما تعهد بايدن، بتوقيعه ليصبح قانوناً.

وتقدم واشنطن مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليارات دولار لحليفتها إسرائيل منذ زمن طويل. 

وينتقد الديمقراطيون اليساريون دعم إدارة بايدن الثابت لإسرائيل، الذي يقولون إنه يمنحها شعورا بالحصانة من العقاب.

لماذا نقلوها لغزة؟

هذه الكتيبة، تعد جزءا من لواء كفير، وتتكون إلى حد كبير من قوات يهودية متشددة، توجد حاليا على جبهة قطاع غزة، بعد أشهر عمل في الشمال قرب حدود لبنان، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل 21 أبريل 2024.

وفي السابق، عملت على التمركز بشكل دائم في الضفة الغربية، حيث كانت في قلب العديد جرائم العنف ضد الفلسطينيين.

وفي مطلع عام 2024 بدأت الكتيبة مهامها القتالية في قطاع غزة لأول مرة منذ إنشائها، وكان مكانها في المناطق الحدودية، ونفذت عمليات داخل القطاع.

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" في 8 يناير/كانون الثاني 2024 عن المتحدث باسم "نيتسح يهودا" أن جنودًا من الكتيبة وشركات حريدية أخرى يقاتلون داخل قطاع غزة.

قالت: اجتاحت الكتيبة بيت حانون، شمالي القطاع، ودمر جنودها مواقع إطلاق صواريخ مضادة للدبابات ونقاط مراقبة وممرات أنفاق، وقتلوا عددا من المسلحين، حسب رواية جيش الاحتلال.

وبحسب بيان للجيش 20 أبريل 2024 “كتيبة نيتسح يهودا هي جزء من الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة وتعمل وفقا للقانون الدولي”.

وحاول وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، دعم كتيبة "نيتسح يهودا" واجتمع بهم في محيط قطاع غزة المحاصر يوم 22 أبريل 2024 ليقول لهم ردا على العقوبات الأميركية المحتملة: “لن يعلمنا أحد في العالم الأخلاق”.

وزعم غالانت: "حقيقة أن جنديًا أو جنديين ارتكبوا خطأ ما، لا يجب أن تدفعنا للوم كتيبة بأكملها".

وأضاف أن "المكان الذي توجدون فيه في بيت حانون هو لحماية مدينة سديروت (المحتلة) من أي هجوم، بما في ذلك عمليات الاقتحام وإطلاق الصواريخ".

والمفارقة أنه ما أن غادر "غالانت" المنطقة أطلقت المقاومة في غزة عدة صواريخ على سديروت بعد مرور 200 يوم على الحرب في رسالة بالغة الدلالة.

وتتكون الكتيبة من عناصر يمينية متطرفة من جماعتي "الحريديم" و"شبيبة التلال"، وتعد الوحدة الأشد عنفا ضمن دائرة الوحدات العسكرية الإسرائيلية في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين.

وثبت تورطها بجرائم حرب، وانتهاك حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي جعلها عرضة للوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية، وإمكانية حرمانها من المساعدات العسكرية بكافة أشكالها.

وتقول صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن أعضاء هذه الكتيبة "شاركوا في العديد من حوادث العنف المثيرة للجدل، كما أدينوا في الماضي بتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين".

ورصد تحقيق مطول لصحيفة "هآرتس" العبرية في العديد من الحوادث التي تورطت فيها الكتيبة، أن النتيجة التي توصلت إليها هي أنها "أصبحت نوعا من المليشيات المستقلة التي لا تخضع لقواعد الجيش".

أكدت في تقرير نشرته 21 أبريل 2024 أن "كتيبة نيتسح يهودا مشهورة بتاريخ طويل من السلوك السيئ، ومدفوعة بأيديولوجية مشربة من حركة المستوطنين".

وتصفهم "هآرتس" بأنهم مجموعة من الجنود العنيفين الكاذبين ممن يحملون "أيديولوجية اليمين المتطرف". 

“نيتسح يهودا”

وجرى إنشاء كتيبة "نيتسح يهودا" أو "يهودا الخالدة"، حتى يتمكن اليهود الأرثوذكس المتطرفون وغيرهم من الجنود المتدينين "من الخدمة دون الشعور بأنهم يخلون بمعتقداتهم"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 21 أبريل 2024.

حين تأسست "نيتسح يهودا" كوحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي، عام 1999، كانت تضم فقط رجال من الحريديم (اليهود المتدينين)، يتميزون بالولاء لـ "دولة إسرائيل".

لذا أسمتها وسائل الإعلام العبرية باسم "الكتيبة الحريدية"، أو "ناحال حريديم"، وتم منحهم، بخلاف بقية الجنود الآخرين وقتا إضافيا للصلاة والدراسة الدينية.

كما يسمح لحاخاماتهم بتقديم دروس يومية، ووجبات طعام تتوافق مع المعتقدات الدينية ومراعاة ألا يختلط هؤلاء مع القوات النسائية.

كانت هذه الكتيبة في البداية وحدة صغيرة أنشئت بهدف تشجيع الرجال الحريديم على التجنيد في الجيش الإسرائيلي، على أساس أنهم سيكونون قادرين على الحفاظ على أسلوب حياتهم الديني.

اسم "نيتسح يهودا" هو اختصار لعبارة "الشباب العسكري الحريدي" بحسب المنظمة. إذ سميت بيهودا على اسم يهودا دوفدفاني، وهو مؤسس الكتيبة وكذلك "لواء غفعاتي".

وفي عام 2005 أصبحت تسمى الكتيبة 97 من لواء مشاة كفير، الذي يركز على “مكافحة الإرهاب الفلسطيني”، وفق وصف جيش الاحتلال.

والنواة الأولى للكتيبة "ناحال حريديم" كانت تضم 30 جنديا، ضمن مشروع بدأته منظمة "نيتسح يهودا" بالتعاون مع وزارة الجيش، والآن يخدم فيها حوالي 1000 جندي.

و"لواء كفير" معروف بتاريخه الواسع من الانتهاكات والقتل بحق الفلسطينيين، والعديد من مجنديه، متورطين بشكل مستمر في العديد من حوادث العنف سيئة السمعة، والتعذيب والسلوكيات غير اللائقة، بحسب ما نشر موقع "972 +" الإسرائيلي المستقل 28 فبراير 2024.

وبجانب الحريديم، بدأت الكتيبة لاحقا تستقطب، المستوطنين ذوي التوجه اليميني المتشدد، المعروفين باسم "شبيبة التلال"، والذين لم يستطيعوا الانخراط في وحدات الجيش القتالية التقليدية واشتُهروا بأعمالهم شديدة العداء للفلسطينيين.

وهم ينتمون إلى اليمين المتطرف، ويتبنون فكرا عنصريا قائما على العنف والتخريب، بناء على أُسس عقدية وسياسية، توجب إقامة "دولة يهودية" خالصة على ما يسمونه "أرض إسرائيل الكبرى".

وانزعج قادة الاحتلال من العقوبات المحتملة لأنها تعرقل خطط الحكومة الإسرائيلية لدمج اليهود الحريديم في الجيش.

وخاصة أن الحكومة مطالبة بتقديم إفادة نهائية للمحكمة الإسرائيلية العليا في 30 أبريل حول تجنيد الحريديم رسميا، وهي قضية تثير غضبا وانقساما في دولة الاحتلال.

ما زاد الانزعاج الصهيوني، كشف صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 21 أبريل 2024، أن "واشنطن تدرس فرض عقوبات على وحدات عسكرية وشرطية إسرائيلية أخرى تعتقد أنها ارتكبت انتهاكات لحقوق الفلسطينيين".

الصحيفة نقلت عن مصدرين أميركيين لم تسمهما، إنه على الرغم من أن الكثير من التركيز ينصب على سلوك الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، إلا أنه سيتم أيضاً التحقيق في سلوك وحداته العاملة بغزة.

ولفت المصدران إلى تدفق مقاطع مصورة نشرها جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، تظهر انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان.

وقالا إنه من المتوقع أن تحذو دول غربية أخرى حذو الولايات المتحدة في معاقبة وحدات الجيش الإسرائيلي، التي أكدت جماعات حقوقية أنها تنتهك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية بشكل متكرر.