بريطانيا وفرنسا تدعمان الاحتلال الإثيوبي في أرض الصومال.. ما الأسباب؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

نظرا لعدم الاعتراف باستقلالها، فإنه لا توجد سفارات أجنبية في إقليم أرض الصومال الانفصالي بالقرن الإفريقي،  رغم أن بريطانيا أنشأت مكتبا تمثيليا لها هناك منذ سنوات. 

ورغم تأكيد لندن وباريس والاتحاد الأوروبي علنا  أهمية احترام سلامة أراضي الصومال بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم استعمارية مع إقليم أرض الصومال، تفكر فرنسا وعديد من الدول الأوروبية في العمل بشكل أوثق مع الإقليم، لكن طبيعة هذا التقارب لا تزال محل نقاش.

وفي 8 مارس/ آذار 2024، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن المستجدات الواقعة في أرض الصومال، وعن وجود مساع دبلوماسية في لندن وباريس لتثبيت مذكرة تفاهم إثيوبيا مع صوماليلاند. 

زيارات كايد 

وذكرت المجلة الفرنسية أن توقيع إقليم أرض الصومال الانفصالي لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا، أدى إلى تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع دولة الصومال التي رفضت الاتفاق الموقع (مطلع يناير/كانون الثاني 2024) بين إثيوبيا وصوماليلاند (أرض الصومال).

والاتفاق المذكور يمنح أديس أبابا حق استخدام ميناء بربرة المطل على خليج عدن بالبحر الأحمر وإنشاء قاعدة عسكرية لها هناك، مقابل الاعتراف بها دولة مستقلة، تهدد أمن واستقرار الصومال. 

في الأثناء، عمل كبير دبلوماسيي الانفصاليين عيسى كايد على حشد الدعم البريطاني والفرنسي اللازم لتثبيت الاتفاقية.

وبالفعل أجرى وزير خارجية إقليم أرض الصومال عيسى كايد زيارة مهمة إلى لندن. وبعدها إلى باريس في الفترة بين 11 و14 مارس/ آذار 2025. 

وفي باريس تحديدا عقد اجتماع مع لجنة الصداقة الفرنسية الإفريقية، التي تتكون من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية، بمن فيهم سيدريك بيرين وأوليفييه كاديتش الذي زار أرض الصومال في يوليو/ تموز 2023، وساهم في خلق فرصة لزيادة نفوذ فرنسا هناك. 

بينما كان الغرض الرئيس من رحلة كايد هو ترسيخ مذكرة التفاهم التي وقعتها أرض الصومال مع إثيوبيا.

وفي لندن، يضر عيسى كايد فعالية نظمها المغتربون في أرض الصومال للدفاع عن مذكرة التفاهم، والتي تسببت في قدر كبير من الذعر في منطقة القرن الإفريقي.

وهو الأمر الذي لم تستسلم له الصومال التي على غرار بقية دول العالم، لا تعترف باستقلال إقليم أرض الصومال الذي أعلن "استقلاله" في عام 1991. 

وقد شرعت بجولتها الدبلوماسية الخاصة لحشد الدعم الدولي ضد هذه المذكرة، لكن جولات كايد تأتي في ظل نظرة بريطانية أوروبية فرنسية مختلفة نحو القرن الإفريقي، الذي تتجدد فيه أطماع الاستعمار القديم. 

شراكات وأطماع

ومن الأساليب التي اتبعتها الحكومة الانفصالية في أرض الصومال، خلال جولة وزير خارجيتها عيسى كايد لعواصم أوروبا تحديدا لندن وباريس، هو أسلوب إغراء الشركات الكبرى للدخول إلى البلد.

ففي باريس شمل جدول أعمال كايد، عقد اجتماعات رفيعة المستوى له مع الشركات الفرنسية الكبرى مثل CMA CGM وشركة Bolloré Logistics التي استحوذت عليها أخيرا لإقناعهم بالاستثمار في البلاد.

إذ تتزايد احتياجات البنية التحتية والخدمات اللوجستية، بينما تطمع هذه الشركات في فتح آفاق جديدة لها داخل منطقة القرن الإفريقي. 

وفي 18 مارس 2024، ذكر موقع "بوليتيكال" الأميركي، أن عيسى كايد، تحدث بوضوح عن المنطقة الحرة في ميناء بربرة، والتي تضم حاليا حوالي 70 شركة وتتسع لحوالي 400 شركة أخرى. 

وذكرت أنه بالفعل أبدت شركة "BioMérieux" الفرنسية الحكومية، اهتمامها بلقاء الوزير، خاصة وأنها تعمل في كينيا وتأمل في التوسع في شرق إفريقيا.

ويطرح اليوم سؤال: لماذا قررت فرنسا وبريطانيا التحرك الآن نحو أرض الصومال، ولعب دور جديد هناك؟ 

يجيب الباحث في الشؤون الإفريقية محمد حسب الرسول، أن توقيع الاتفاقية بين أرض الصومال الانفصالية وإثيوبيا، تدفع بالمنطقة في أتون الصراع الدولي القديم المتجدد، على البحر الأحمر بمياهه وسواحله وموانئه، وعلى منطقة القرن الإفريقي بموقعها الجيواستراتيجي. 

وأضاف في مقال لموقع "الميادين" اللبناني في 5 مارس 2024 أن "الدور البريطاني الفرنسي المعلن في منطقة القرن الإفريقي، والأدوار الأخرى المستترة من إسرائيل ودولة عربية حليفة لها (الإمارات)، تعمق الصراع الدولي بين روسيا والصين من جهة والمعسكر الكولونيالي ممثلا في فرنسا وبريطانيا وأميركا من جهة ثانية".

وخاصة في ظل تمدد النفوذ الصيني الروسي في إفريقيا على حساب النفوذ الكولونيالي الغربي التاريخي في القارة السمراء، قارة الموارد والمستقبل.

وبالتالي وجدت فرنسا وبريطانيا في الاتفاقية ودعم إثيوبيا، ضالتهما للبحث عن موطئ قدم، لا سيما أن اللاعب التركي نزل بثقله منذ سنوات في ذلك الميدان، وفق تقديره. 

الحائط التركي 

لذلك فربما المحفز الأكبر الذي دعا بريطانيا وفرنسا لدعم اتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال، هو الدور التركي المتقدم في القرن الإفريقي، تحديدا تحالفها الوثيق مع الصومال. 

ففي 21 فبراير/ شباط 2024، دخل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى مقر قصره الرئاسي بالعاصمة مقديشو، معلنا لجموع الصحفيين المترقبين، أن "تركيا هي الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها لمساعدة الصومال في حماية مياهه الإقليمية، واستغلال موارده وإعادة تأهيل قواته البحرية".

إعلان الرئيس الصومالي خلال المؤتمر الصحفي جاء بعد ساعات قليلة من توقيع بلاده اتفاقية للتعاون الدفاعي مع تركيا، وصفت بـ "التاريخية". 

ووصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري الاتفاق الدفاعي والاقتصادي مع تركيا بأنه "يوم تاريخي للبلاد"، وقال: "سيكون للصومال حليف حقيقي وصديق وأخ على الساحة الدولية".

وجاءت الاتفاقية في توقيت شديد الحرج لمقديشو، التي تعمل على حشد تأييد دولي لموقفها الرافض للاتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند (أرض الصومال).

وهو أمر عجل تعاون مقديشو وأنقرة بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعية بين الجانبين، بتقدير أن الصومال قنطرة للعبور نحو إفريقيا بالنسبة لتركيا.

الاتفاقية التي قال عنها وزير الإعلام الصومالي داود أويس جامع في منشور عبر منصة "إكس": "إنها خطوة مهمة جدا في تاريخ العلاقات الدبلوماسية التركية الصومالية"، تمتد لـ 10 سنوات كاملة.

وصادق عليها مجلس الوزراء الصومالي تحت عنوان "اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحليف الوثيق للصومال".

يذكر أن الصومال يمتلك أطول السواحل على مستوى إفريقيا، حيث يبلغ إجمالي طولها 3,025 كيلومترات، ما جعله هدفا دائما للقوى الاستعمارية.

وتمتد المياه الإقليمية الصومالية إلى 200 ميل بحري داخل مياه المحيط الهندي، ما يعطي تركيا مزايا اقتصادية وإستراتيجية متعددة.

ويتمتع الصومال بعلاقات جيدة مع تركيا في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والإنسانية والأمنية منذ إعادة تأسيس العلاقات بين البلدين عام 2011.

داء الاستعمار 

وكانت صحيفة "اندبندنت" البريطانية قد نشرت تقريرا في 30 أغسطس/ آب 2023، تحدثت فيه عن واقع القرن الإفريقي السياسي والجغرافي ما بعد الاستعمار الأوروبي.

وذكرت أن دول القرن الإفريقي تحديدا الصومال تعاني من تبعات الاستعمار الأوروبي لأراضيها في القرنين الـ 19 والـ 20.

وأضافت أنه على رغم من حصولها على استقلالها، إلا أن هذا الاستقلال تبعته أثار شتى من نقص السيادة وما لحقه من انعكاسات، ليستمر هذا الاستقلال شكليا، في ظل التحديات البنيوية التي عانت وما زالت تعاني منها هذه الدول حتى اليوم.

وأوضحت أن قضية ترسيم الحدود من التحديات الواضحة التي تعانيها دول القرن الإفريقي وتمثل سببا جوهريا في عدم الاستقرار، وهو أمر متعمد خلفته بريطانيا في كل مستعمراتها تقريبا.

وأكملت: "لا توجد دولة من دول المنطقة إلا ولديها صراعات حدودية مع دول جوارها، الصومال مع كينيا، وكينيا مع أوغندا، والصومال مع إثيوبيا، وإثيوبيا مع السودان، وغيرها". 

بل إن هناك صراعات حدودية داخل الدولة الواحدة، وما يفرزه ذلك من نزعات انفصالية، كما يحدث حاليا في الصومال وإثيوبيا والسودان.

ثم أشارت إلى أن مخلفات الاستعمار مرتبطة أيضا بتحد آخر أكثر خطورة، وهو صراع الهويات بين سكان دول المنطقة، أمام تعدد القوميات والقبليات والعرقيات، وتقسيم هذه القبليات العابرة للحدود السياسية.

وهو الأمر الذي ترتب عليه حالة من عدم الاستقرار السياسي المستدامة، بسبب سياسات التمييز والإقصاء وتدهور معدلات العدالة السياسية والاقتصادية والقانونية بين مختلف المواطنين، بل وتردي الخدمات العامة في كثير من المناطق. 

يذكر أن منطقة أرض الصومال كانت مستعمرة بريطانية سابقة اندمجت بعد أيام من استقلالها في 1960، بالصومال، المستعمرة الإيطالية السابقة التي كانت قد نالت استقلالها للتو أيضا، وشكلتا معا جمهورية الصومال، قبل أن تدخلا في صراع أدى إلى نشوب حرب أهلية.

وظهرت جماعة الحركة الوطنية الصومالية في أرض الصومال في الثمانينيات. وفي 1991، أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد، بعد الإطاحة بالرئيس الصومالي سياد بري، لكنها لم تتمكن من الحصول على اعتراف دولي.