انفجار محتمل.. كيف عمّقت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر من مأساة اليمنيين؟

مع تصعيد "الحوثيين" في البحر الأحمر، يواجه الداخل اليمني تداعيات كبيرة على المستوى الاقتصادي، خصوصا بعد فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على 3 شركات صرافة داخل وخارج اليمن، إلى جانب شخصية مصرفية تابعة للمليشيا الموالية لإيران.
وتشن مليشيا "الحوثي" هجمات على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدار" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 20 نوفمبر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما أعلنت ذلك.
وردا على ذلك، شنت أميركا وبريطانيا هجمات جوية يومي 12 و13 يناير/ كانون الثاني 2024، على مواقع مليشيا الحوثي داخل اليمن، أدت إلى مقتل 5 من أفرادها، فيما توعدت الأخيرة على لسان، عضو المكتب السياسي لها، حزام الأسد، بحرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة، حسبما نشر على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 13 يناير.
وتسيطر مليشيا "الحوثي" المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء منذ انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد عام 2014، وأدى ذلك إلى حرب طاحنة تسببت بـ"أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، كما وصفتها الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2021.
أزمة خانقة
وبخصوص انعكاسات العقوبات الأميركية، قال المحلل اليمني، نبيل البكيري، إن "ما يجرى في البحر الأحمر من تصعيد حوثي لا شك أنه سينعكس سلبا على اقتصاد اليمن، وخصوصا استيراد البضائع، لأن السوق في البلاد استيرادية أكثر منها تصديرية".
وأوضح البكيري لـ"الاستقلال" أن "ما يجري في البحر الأحمر هو نوع من التخادم الأميركي-الإيراني في هذه المنطقة، وبالتالي ما نلاحظه أنه لم تحصل مواجهة حقيقية، وإنما عمليات ينفذها الحوثيون بحجة الدفاع عن غزة، وهي ليست قصدية تصب في صالح القطاع".
ورأى أن "هجمات الحوثيين هدفها الأساس إعلان وجودهم في البحر الأحمر على أنهم قوة ورقم يصعب تجاوزه، وبالتالي على المجتمع الدولي التعاطي معهم على هذا الأساس، وهذه نقطة جوهرية يتخذون من خلالها قضية غزة شماعة للحصول على اعتراف بهم كسلطة أمر واقع في اليمن".
ولفت البكيري إلى أن "الفارق بين سعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثي عن غيرها من مناطق اليمن، لا يستند إلى طبيعة العملية الاقتصادية في أماكن وجود هذه المليشيا، ولا يخضع للعرض والطلب، ولا حتى للاقتصاد الذي يكاد يكون منعدما هناك، وإنما نابع عن قرار سياسي".
ويصل سعر صرف الدولار في المناطق التي تديرها الحكومة الشرعية (معترف بها دوليا وتتحذ من عدن عاصمة مؤقتة له) إلى 1500 ريال يمني، لكن الحوثيون أجبروا البنوك وشركات الصرافة على بيعه بسعر غير حقيقي بنحو 560 ريالا للدولار الواحد.
وبيّن البكيري أن "الحوثي يفرض سعر صرف غير حقيقي، وخصوصا أن العملية الاقتصادية متوقفة في اليمن نتيجة توقف الاستيراد والتصدير في البلاد عموما، وبالتالي هذا يؤثر بشكل كبير على المواطنين، لأن السلعة التي كانت بدولار واحد اليوم وصلت من 5 إلى 10 دولارات".
وأكد أن "هذا الأمر يؤدي إلى استنزاف رواتب اليمنيين غير المنتظمة في التوزيع، والتي لا تكاد تغطي احتياجاتهم، فإن من كان مرتبه 400 دولار قبل الأزمة في البلاد (عام 2014)، الآن لا يتجاوز 30 إلى 40 دولارا، وبالتالي هذا يؤدي إلى انهيار اقتصادي وتضخم وتراجع قيمة الريال".
وشدد البكيري على أن "هذه الأمور تشير إلى انهيار الاقتصاد في اليمن وأزمة خانقة يعانيها المواطن في مناطق سيطرة الحوثي، وحتى المناطق المحررة منهم، والتي تنهار فيها العملة بشكل كبير".
انفجار محتمل
وعن مدى تسبب الاحتقان الاقتصادي المتصاعد في تفجر الداخل، قال البكيري إنه "من الصعوبة بمكان أن نتنبأ بحركة المجتمع، وخاصة في الحالة اليمنية فإنه مجتمع مسلح عشائري وقبلي، وأن حركة الاقتصاد تؤثر فيه بشكل كبير".
وأردف: "لكن هناك حركة تذمر كبيرة بين المواطنين، وهي تعبّر عن نفسها بأصوات معارضة وبعمليات قمع ممنهجة لبعض الشخصيات في صنعاء مثل القاضي عبد الوهاب قطران وغيره من المعارضين الذين يجري تلفيق التهم لهم، لأنهم يعارضون الحوثيين".
وأكد البكيري أن "هناك حركة معارضة واسعة في مناطق سيطرة الحوثيين، تظهر في مواقع التواصل وبأشكال مختلفة، لكن إلى أي مدى يمكن أن تتحول هذه إلى انفجار مسلح أو معارض لا أحد يعلم".
وأعرب عن اعتقاده بأن "البيئة الحاضنة الشعبية المعارضة للحوثيين متوفرة حاليا، لكن لا نستطيع أن نتنبأ في أي لحظة تنفجر، خصوصا مع وجود قمع حوثي شديد، واتخاذهم من قضية غزة ستارا يحاولون التطهر من خلالها وإسكات صوت الشعب ضدهم".
من جهته، كشف الخبير الاقتصادي اليمني، رشيد الآنسي، عن "توقف عدد من شركات الصرافة الأجنبية عن التعاطي مع نظيراتها المحلية في مناطق الشرعية، وذلك بعد أنشطة الحوثيين العسكرية في البحر الأحمر، كونها أضرت بسمعة اليمن الاقتصادية، وخصوصا القطاع المصرفي".
وأوضح الآنسي لصحيفة "الشرق الأوسط" في 6 يناير، أن "هذا الأمر مضاعف في مناطق الحوثيين، وأن مؤشرات انعدام النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الأخيرة تعود إلى أسابيع عدة بعد تجنب كثير من الشركات والبنوك استلام حوالاتهم في مناطق سيطرتها".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "التحويلات ذهبت إلى مناطق الشرعية، وخصوصا مدينتي مأرب وعدن اللتين يتوفر فيهما معروض من سيولة النقد الأجنبي بعد تلاشي المعروض لدى المليشيا".
تأثير كارثي
وعلى الصعيد ذاته، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد قحطان، إن "انقسام الدولة ومؤسساتها ترك آثارا بالغة على مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تعمق الانقسام في الجهاز المالي للدولة وفقدت كل من صنعاء وعدن القدرة على عمل موازنات عامة للدولة، الأمر الذي تصعب معه مواجهة التقلبات الاقتصادية".
وأوضح قحطان لصحيفة "العربي الجديد" في 30 ديسمبر 2023، أن "العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يزيد من التداعيات الاقتصادية على اليمن".
وأكد أن "تأثير تمدد الحرب في المنطقة سيكون كارثيا على اليمن، إذ ستتراجع المساعدات الإنسانية أكثر ويمكن أن ترتفع أسعار المشتقات النفطية، وكذا السلع الغذائية التي سيكون لها بالغ الأثر على الجانب الغذائي، ويُتوقع ازدياد أعداد من يحتاجون للمساعدات الإنسانية".
ووفق بيانات أممية، فإن أكثر من 21.6 مليون شخص، أي 75 بالمئة من سكان اليمن، يحتاجون إلى مساعدات، منهم 17 مليون شخص في فقر مدقع نتيجة انعدام الأمن الغذائي.
وتصاعدت الضغوط على المالية العامة في المناطق الشرعية، بحسب تقرير صدر عن البنك الدولي في أكتوبر 2023، والذي أرجع السبب الرئيس لذلك إلى تهاوي صادرات النفط، وانخفاض الإيرادات الجمركية بسبب تحول الواردات عن ميناء عدن جنوب البلاد.
ويقدر البنك الدولي احتياجات إعادة إعمار اليمن بما يتراوح بين 20 و25 مليار دولار، كما يشير تقرير صادر عن البنك في مايو/ أيار 2023 إلى انخفاض الدعم المقدم لليمن من 5.2 مليارات دولار عام 2015، إلى 2.4 مليار دولار عام 2022.
وجمعت الأمم المتحدة في فبراير 2023، نحو 1.2 مليار دولار من المانحين من أجل خطة مساعدات بقيمة 4.3 مليارات دولار لليمن.
وفي 28 ديسمبر 2023، قالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان إنها فرضت عقوبات على فرد و3 شركات صرافة تتهمهم بتسهيل نقل الدعم المالي الإيراني إلى الحوثيين، وأن اثنتين من هذه الشركات مقرهما اليمن وتتمركز الثالثة في الخارج.
وأوضح وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، براين نيلسون، في البيان أن "الإجراء الجديد يؤكد عزمنا على تقييد التدفق غير المشروع للأموال إلى الحوثيين الذين يواصلون شن هجمات خطيرة على الشحن الدولي ويخاطرون بزعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر".
واستهدفت الإجراءات شبكة يقوم من خلالها الممول المقيم في إيران، سعيد الجمال، والخاضع للعقوبات الأميركية منذ يونيو/حزيران 2021 على الأقل بتوفير أموال إيرانية للحوثيين.
ومن بين الشركات المستهدفة "الأمان كارغو" التي وصفتها وزارة الخزانة بأنها "نقطة وسيطة" لإيصال التمويل المقدم من الحرس الثوري الإيراني إلى الحوثيين.
وقالت وزارة الخزانة إن من بين المستهدفين أيضا شركة "نابكو موني" للصرافة والتحويلات ومقرها صنعاء وكبير مسؤوليها، نبيل علي أحمد الحظا، الذي يشغل أيضا منصب رئيس جمعية الصرافين اليمنيين.
وأضافت الوزارة الأميركية أن العقوبات استهدفت أيضا شركة "الروضة" للصرافة والتحويلات التي يديرها الحوثيون، لقيامها بتحويل أموال إلى الريال اليمني مرسلة عبر حسابات تابعة لرجل الأعمال الحظا.