دعوة "حماس".. هل تفشل المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية المغربي؟

سبق لرئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل أن حضر المؤتمر الوطني للحزب
أشعل حزب العدالة والتنمية المغربي تفاعلات واسعة في البلاد بعد كشفه عن لائحة المدعوين لمؤتمره الوطني المزمع عقده نهاية أبريل/نيسان 2025.
وسيجرى في هذا الحدث انتخاب أمين عام وقيادة جديدة للحزب الذي يرأسه عبد الإله بنكيران منذ آخر مؤتمر وطني استثنائي عقده نهاية 2021.
وأعلن رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر إدريس الأزمي الإدريسي، عدم دعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى المؤتمر، من باب “اللباقة” حتى لا يسمع التقريع بشكل مباشر وهو ضيف على الحزب.
وكشف خلال ندوة صحفية، في 16 أبريل 2025، عن دعوة الحزب لضيوف من فلسطين وتونس وسوريا وتركيا والأردن وموريتانيا والسنغال، وأيضا حركة المقاومة الإسلامية حماس.
عرقلة المؤتمر
وفي بلاغ خارج عن المألوف، دعت "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد"، وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إلى عدم منح الترخيص لتنظيم المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، المقرر عقده يومي 26 و27 أبريل.
ووفق موقع "أشكاين/ماذا وقع"، 18 أبريل 2025، أعربت المنظمة في بيان، عن "أسفها الشديد للتصريحات الأخيرة الصادرة عن الحزب خلال ندوة صحفية حول أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر، خاصة إعلانه توجيه الدعوة إلى حركة حماس لحضور المؤتمر".
وأعلنت المنظمة رفضها "بشكل قاطع مشاركة وفد من حركة حماس"، داعية أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى "تحمل مسؤوليتهم الكاملة تجاه الوطن"، وفق تعبيرها.
وطالبت المنظمة وزير الداخلية بـ "عدم الترخيص لتنظيم هذا المؤتمر، واتخاذ التدابير الضرورية كافة لحماية السيادة الوطنية".
وسبق لرئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل أن حضر المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية لعام 2014، والذي انتخب على إثره عبد الإله بنكيران لولاية ثانية.
كما حضر عام 2017 مع قادة آخرين، والتقى بالفريق البرلماني للحزب ورئيس الحكومة وقتها سعد الدين العثماني.
كما دعا الحزب رئيس المكتب السياسي الراحل إسماعيل هنية وأعضاء آخرين في الحركة لزيارة المغرب سنة 2021.
والتقى خلالها هنية برئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وعدد من رؤساء الأحزاب السياسية ومؤسسات عمومية.
وتلزم وزارة الداخلية الأحزاب السياسية بعقد مؤتمراتها في أوقات محددة وفق القانون التنظيمي للأحزاب، وبشكل دوري، وإلا فيجرى حرمانها من الدعم المالي لتمويل المؤتمر بعد التأخر عن عقده في موعده القانوني، غير أن الوزارة لا تملك سلطة منع مؤتمر وطني لحزب مرخص له إلا في حالة إعلان حالة الطوارئ بالبلاد.

انقلاب الموازين
وتفاعلا مع دعوات المنظمة، قال محمد عوام، الباحث في فقه المقاصد والناشط الحقوقي المدافع عن فلسطين، إن بيانها "عنوان صريح للبؤس والقرف".
وتساءل عوام في حديث لـ "الاستقلال": كيف يعقل أن تندد منظمة تصنف نفسها بأنها حقوقية بدعوة حركة حماس إلى مؤتمر حزبي، مقابل السكوت المطلق أمام جرائم الكيان الصهيوني على أرض غزة، بل وعن التمدد الإسرائيلي في المغرب عبر اتفاقيات لا تنتهي؟
واسترسل: “لست أدري عن أي حقوق يدافع هؤلاء؟ حقوق الإنسان الذي يباد ويحرق في أرضه ووطنه فلسطين؟ أم يدافعون عن الظلمة الفجرة الكفرة من الصهاينة المجرمين؟”
وواصل تساؤلاته قائلا: "هل هذه حقوق أم عقوق؟"، مضيفا: "لقد انقلبت الموازين عند هؤلاء المتصهينين، بعدما انطمست لديهم التصورات".
وشدد الباحث في الفقه المقاصدي على أن "كل من يدافع عن الصهاينة ويكره المقاومة قد فقد إنسانيته، ولم تعد له كرامة، ولذلك لا سبيل لإقناع أعضاء هذه المنظمة بمعاني الرجولة والكرامة والأخلاق؛ لأنهم منها براء".
وبدوره، أكد بنكيران، أن مطالبة جمعية حقوقية لوزير الداخلية بمنع المؤتمر الوطني لحزبه بسبب استدعائه لحركة حماس "قلة حياء كبيرة".
وأضاف في كلمة افتتاحية للاجتماع الأسبوعي للأمانة العامة للحزب، في 19 أبريل 2025 بالرباط، أن حضور “حماس” شرف كبير، مشددا على أن المغاربة يساندونها ويدعمونها.
ورأى أنه "كان يجب أن يُحقق مع من طالب بمنع حماس؛ لأن جلالة الملك (محمد السادس) قال: إن قضية فلسطين على نفس مستوى القضية الوطنية". وبين أن "غضبنا لفلسطين كغضبنا للوحدة الترابية لبلادنا"، في إشارة إلى التمسك بالصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.
وأردف أن "حماس بنضالها واستشهاد قيادييها وأعضائها وعشرات الآلاف من ساكنة غزة والضفة واليمن وسوريا ولبنان وغيرها، قلبت معادلة القضية الفلسطينية".
ونبَّه إلى أن الأمة لن تتخلى عن القضية الفلسطينية، وهي فلسطينية لبعدها الجغرافي فقط، وإلا فهي قضية جامعة لكل الأمة العربية والإسلامية.
ورأى بنكيران أن ما يجرى بفلسطين وغزة خاصة يدمي القلوب، مردفا: "نتعجب من القدرة الكبيرة لهذا المجرم (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو على القتل كل يوم، وتجويع شعب كله، ومنعه من الغذاء والدواء وقتل الصحفيين".
وشدد على أن “الأمة الإسلامية تمر بمرحلة عار كبير يلحق الجميع، حكاما ومحكومين، في وضعية مؤلمة ومؤسفة ومخجلة".
حماس تتفاعل
وذكر موقع "الصحيفة" بناء على مصدر حزبي من داخل العدالة والتنمية، أن قيادة حركة "حماس" قد ردّت بالإيجاب على الدعوة الرسمية التي وجهت لها.
وقالت الصحيفة، 22 أبريل 2025: إن "حماس" سيمثلها في هذا المؤتمر وفد رسمي يقوده الناطق باسم الحركة فوزي برهوم، الذي يزور المغرب لأول مرة.
ورأى مصدر مسؤول في الحزب للصحيفة دون ذكر اسمه، أن مشاركة وفد حماس في المؤتمر "لا تمثل فقط امتدادا طبيعيا لمواقف (العدالة والتنمية) الثابتة في دعم القضية الفلسطينية".
بل هي أيضا رسالة سياسية قوية تعبّر عن استقلالية قرار الحزب، الذي لا يخضع لوصاية أي جهة، ولا لضغط بعض الجهات التي تحاول خلق معارك أيديولوجية مجانية، وفق تعبيره.
وأوضح المصدر ذاته أن "دعوة حماس لم تكن خطوة معزولة أو طارئة، بل جاءت منسجمة مع خط الحزب الداعم للمقاومة، والرافض لكل أشكال التطبيع".
وأضاف المتحدث ذاته أن "من يزعم أن حضور حماس تهديد للأمن القومي إنما يسقط في الخلط المتعمد بين موقف رسمي للدولة وموقف سياسي لحزب مستقل منذ عقود يعبر عن قاعدته وقيمه".
وشدد أن "حضور فوزي برهوم إلى المؤتمر ليس اختراقا، بل موقف تضامني مع شعب يذبح تحت سمع وبصر العالم، ونحن لا نعتذر عن ذلك".
وتابع أن "ما يزعج البعض ليس حضور حماس في حد ذاته، بل حضور فكرة المقاومة في فضاء سياسي اختُزل خلال السنوات الأخيرة في الحسابات التقنية والاصطفافات الانتخابية".
دلالات سياسية
قال الباحث في علم الاجتماع السياسي أحمد بلا، إن بيان المنظمة الحقوقية يعكس الفجوة التي يعيشها البعض تجاه الشعور الجمعي للمغاربة والرأي العام الوطني.
وأضاف بلا لـ "الاستقلال"، أن العديد من التقارير الإسرائيلية صدرت قبل أيام فقط، تؤكد أن المغاربة من أكثر الشعوب كراهية لإسرائيل، وأن مناصريها كنقطة في بحر، وأنهم يدعمون حماس بشكل مطلق.
واسترسل أن هذه التقارير تعكس الحقيقة والواجب تجاه كيان يقتل الأبرياء دون رحمة، ويمارس جرائم الإبادة دون وازع من أخلاق أو قانون، ويرتكب المجازر أمام أنظار العالم، ويستقوي على أهل الأرض بالقوة والدعم الغربي.
وشدد الباحث في علم الاجتماع السياسي على أن بيان المنظمة أعطى زخما جديدا لصالح حزب العدالة والتنمية.
وهو ما يعني أن "المؤتمرين سيجعلون من لقائهم فرصة جديدة لتأكيد رفضهم للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ودعمهم للمقاومة المشروعة والباسلة على أرض غزة".
ولذلك، فإن المؤتمر هو أكبر تجمع سياسي لـ"العدالة والتنمية" ما معركة بعد طوفان الأقصى، وسيكون مناسبة لتأكيد أن الحزب لا يقبل التطبيع حتى وإن وقَّع عليه أمينه العام السابق سعد الدين العثماني بصفته رئيسا للحكومة أواخر 2020.
وأضاف: "كان ذلك التوقيع الورطة من بين أسباب النتائج السلبية التي حققها الحزب في انتخابات 2021، إذ لم تصوت عليه قاعدته الانتخابية الصلبة، والمكونة أساسا من المتدينين وأبناء حركة التوحيد والإصلاح".
وشدد بلا على أن بيان المنظمة الحقوقية وبيانات أخرى لها ومنها بلاغ لدعم وزارة الداخلية في وجه اعتداءات بعض المواطنين على رجال السلطة، وآخر للتنديد بالوقفات والمسيرات التضامنية مع غزة أمام بعض الموانئ المغربية، تؤكد جميعا طبيعة الحقوق التي تدافع عنها.
فهي لا تفهم المعنى الحقيقي للحقوق، ولو كانت تستوعب ذلك لكانت بياناتها كلها إلى جانب المظلمة التاريخية والإنسانية القائمة على أرض فلسطين بسبب الاحتلال، وفق قوله.
واستدرك: "لكنها لا تفعل، لأنها وضعت نفسها تحت تصرف جهات موالية للكيان الصهيوني، مع كامل الأسف".