وزير سوداني سابق: سياسات واشنطن مرتبكة وإطالة الحرب سببها قوى خارجية (خاص)

“المشهد معقد جدا منذ سقوط النظام السابق”
قال وزير الدولة السوداني لشؤون الإعلام الأسبق، ياسر يوسف، إن إطالة أمد الحرب الحالية في بلاده “تتسبب فيها قوى خارجية”.
وأكد يوسف لـ"الاستقلال" أن "القرار السوداني حاليا مرتهن بيد دول أخرى غير الخرطوم"، وتلك الدول برأيه "تدعم مليشيا الدعم السريع وتسعى إلى أن يظل السودان في دوامة من الحروب".
ولفت الوزير الأسبق إلى أن "الولايات المتحدة تلعب دورا التفافيا في السودان، حيث قررت أن تعطي الحرب فرصة ومن ثم تتخذ إجراءاتها".
وفي الوقت ذاته قال إن "السياسة الأميركية في السودان مرتبكة وغير واضحة، لكن الملمح الواضح منها هو تطبيق نظرية (أعطوا الحرب فرصة)".
وأفاد يوسف بأن "الدول التي تدعم استمرار الحرب في السودان يجب أن تعي أن حصولها على ما تريد في ظل السلام سيكون أسهل من الحصول عليه في حالة الحرب".
وشدد على أن السودانيين “تنتظرهم تحديات عديدة بعد أن تضع الحرب أوزارها، وعلى رأسها السعي في التئام الجروح النفسية التي أصابت السودانيين بسبب تلك الحرب”.
وياسر يوسف إبراهيم، مستشار مركز "إفريقيا للدراسات والبحوث"، وحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي المقارن، ووزير الدولة السودانية السابق لشؤون الإعلام، وكذلك كاتب في العلاقات الدولية.

سياسة مرتبكة
كيف ترى التعامل الأميركي مع الواقع السوداني الحالي والحرب المندلعة هناك.. هل تستفيد واشنطن من الوضع الحالي؟
الولايات المتحدة بصفتها دولة عظمى، لها دور كبير في الشأن السوداني، وكان من المتوقع أن تؤدي مفاوضات جدة التي انطلقت بعد شهر واحد من اندلاع الحرب إلى وقفها، خاصة لو قامت بما يجب عليها من الضغط على مليشيا الدعم السريع لتنفيذ إعلان جدة الموقع في مايو/أيار 2023..
لكن المتابع للسياسة الأميركية تجاه السودان يلاحظ أنها سياسة مرتبكة وغير واضحة، وذلك منذ أن أعلنت إدارة باراك أوباما فتح حوار مباشر مع النظام السابق..
وظل صراع الإرادات داخل الأجهزة الأميركية المختلفة مؤثرا بصورة سلبية على صياغة سياسة واضحة للتعامل مع السودان، وهو ما جعل مساهمتها ضعيفة في دعم التحول الديمقراطي بعد أبريل/ نيسان 2019، وباهتا بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023..
كتبت في أحد مقالاتك أن السودان ساحة لتطبيق النظريات.. هل من توضيح لهذه المقولة؟
اتضح من السلوك السياسي للولايات المتحدة أنها غير راغبة أو غير قادرة على فرض ما تنادي به علنا من وقف الحرب والعودة إلى مسار مدني شامل يؤسس لانتقال سلس نحو حكم ديمقراطي يشارك فيه جميع أبناء السودان.
وظلت تقف في منطقة رمادية تجعل المراقب يتوصل إلى نتيجة مفادها أنها تريد أن تصاب الأطراف المتقاتلة بالإنهاك جراء استمرار الحرب، ومن ثم تفرض أجندتها على تلك القوى المنهارة والمنهكة..
وهذه نظرية ظل يتحدث عنها منظرو البنتاغون في التعامل مع صراعات الدول التي لا تؤثر مباشرة في الأمن القومي الأميركي، وطبقت نظرية (امنحوا الحرب فرصة) للمفكر الصهيوني إدوارد لتواك بصورة واضحة في سوريا.
برأيك ماذا يحتاج السودان في هذه المرحلة؟ وكيف يمكن تفكيك المشهد الحالي إن كنت تراه معقدا؟
بالتأكيد المشهد معقد جدا، وهو كذلك منذ سقوط النظام السابق، وزادت الحرب من خطورة الأوضاع على الأرض..
المطلوب حاليا هو إنهاء الحرب لصالح الجيش والقوى الوطنية، ومن ثم تأسيس مسار سياسي يستوعب كل أبناء السودان ليقرروا بأنفسهم خطوات المستقبل..
كيف ترى تأثير العوامل الخارجية بشكل عام على مسار الحرب في السودان؟ بخاصة التدخل الإماراتي الذي تحدثت عنه بعض التقارير؟
ظل العامل الخارجي هو الأبرز في السنوات القليلة الماضية، وتمت مصادرة القرار الوطني بصورة كبيرة لصالح الخارج.
ولعل طول أمد الحرب الحالية يعود بالأساس إلى التدخل الخارجي ودعم المليشيا وفقا لما أثبتته تقارير دولية وإقليمية، وعلى الأطراف التي تدعم المليشيا أن تعلم أن استقرار السودان هو لصالح المنطقة كلها، وما تريد تحقيقه من مصالح مشتركة أيسر بكثير في حال السلم والتعاون منه في حال الحرب والتنازع..

براثن المجهول
ما السيناريوهات المتوقعة في حال استمرار الحرب لعامها الثاني في السودان؟
قطعا استمرار الحرب يعني استمرار معاناة المدنيين الذين أصبحوا لاجئين ونازحين بالملايين، كما أن استمرار الحرب سيضاعف احتمالات انهيار البلاد ووقوعها في براثن المجهول، وهو ما تراهن عليه المليشيا وحلفاؤها في تحالف (تقدم) وداعميها من الخارج..
ولكن ومن واقع التقدم الذي يحرزه الجيش والقوات المشتركة في دارفور وفي جميع المحاور فإن الأمل قائم في حسم الجزء الأكبر والمؤثر في هذه الحرب قريبا بإذن الله.
ما رؤيتك لما قد يؤول إليه الوضع في السودان حال انتهاء الحرب؟ وما المشهد المتوقع بعد انتهائها؟
تنتظر السودانيين تحديات عظمى بعد انتهاء الحرب، لعل أهمها في تقديري كيفية معالجة الجراح النفسية التي وقعت بين السودانيين..
السودان بلد يزخر بالتنوع والتعدد الديني والإثني والثقافي، وصحيح أن هذه الحرب لم تندلع لأسباب جهوية وقبلية ولكن هناك من يحاول جر السودانيين إلى ذلك المربع المقيت، كما أن معركة إعادة البناء السياسي والمادي تظل تحديا لا يقل أهمية وخطورة عن بقية التحديات الأخرى..
هل يمكن إطلاق مسار جديد لإصلاح سياسي وعسكري في السودان؟
الإصلاح مهم ومطلوب، بل واجب وفرض عين، فالذي لا يتجدد يتبدد، والذي لا يتغير سيكون ضحية للتغيير، لأنه لا شيء ثابتا كالتغيير في هذه الدنيا.
وبالتالي فإن التغيير نحو الأفضل وإصلاح أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية ليس محل خلاف، يبقى واجب اللحظة الآن هو استعادة الاستقرار وكسب معركة الكرامة، ومن ثم التفرغ للإصلاح والبناء..
أما حاليا فنحن في منتصف البحر، ويجب أن ندفع جميعا لإنقاذ السفينة نحو البر (فالسفينة الغارقة لا يوجد فيها مسافرون، لأن الجميع ملاحون).

إرث الماضي
في حال وضعت الحرب أوزارها، هل ترى أن الوجوه المشاركة في الأزمة الحالية يمكن أن تستمر بشكل أو بآخر في تكوين المشهد؟ وإن كان من أحد يجب محاسبته من يكون برأيك؟
الأكثر أهمية هو كسب المعركة الحالية، واستعادة الاستقرار والأمان في عموم ربوع البلاد، بالتأكيد هناك انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان تمت، وتجاوزات لا يمكن إغفالها، ولمصلحة الاستقرار فإن القصاص العادل والإنصاف للضحايا هما الضمانة الأساسية لذلك.
وكل من ارتكب جرما بحق الشعب يجب أن يدفع الثمن، على المستوى السياسي الشعب السوداني واع جدا ويعرف تماما من وقف معه وناصره، ومن خانه وباع قضيته..
هل ترى أن الاستقطاب السياسي أسهم في تأجيج الأزمة السودانية؟
ظل الاستقطاب الحاد بين المكونات المختلفة هو طابع الحياة السياسية في السودان منذ الاستقلال منتصف خمسينيات القرن الماضي، وكانت نتيجته استمرار الحروب، وانفصال جنوب السودان..
في اعتقادي نحن بحاجة إلى مساومة تاريخية بين اليمين واليسار، وتحديدا بين الشيوعيين والبعثيين من جهة والإسلاميين من جهة، تقوم تلك المساومة على التعايش المشترك تحت سقف الوطن، وتخفيف الحمولات الأيدولوجية، وتجريم الاستنصار بالأجنبي..
ومن ناحية أخرى، نحن بحاجة إلى تعميق الحوار الفكري والوطني داخل المكونات السياسية نفسها لتجاوز إرث الماضي وفتح أبواب المستقبل مع إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة..
فالأحزاب السياسية السودانية اليوم تقف في محطة حرجة تبدو وكأنها استنفدت أغراضها، وتكاد رئتها تتوقف عن التنفس، وما لم تفتح نوافذ الحوار لاستنشاق أوكسجين جديد فإن هذه الرئة ستنفجر في أي لحظة..
بحكم منصبكم السابق.. كيف تقيّمون أداء الإعلام السوداني في ظل الحرب حاليا؟
الإعلام السوداني كغيره من القطاعات الحكومية والمجتمعية الأخرى يعيش ظروفا صعبة وأوضاعا مأساوية، ومع ذلك لعب الإعلاميون الوطنيون أدوارا كبيرة لدعم الجيش والانحياز إلى المواطنين، وتعرض بعضهم للقتل، وبعضهم للاختطاف والاحتجاز..
عموما عند انتهاء الحرب، هناك حاجة مُلحة لإصلاح حقيقي في مجال الإعلام يشمل القوانين والهياكل، وقبل ذلك البيئة السياسية التي تتيح للصحافة أن تقوم بدورها دون خوف من القمع أو الملاحقة، وتلك أقل هدية تقدم للإعلاميين الذين قاوموا المخاطر ووقفوا الموقف الصحيح في معركة الكرامة..

مهمة إستراتيجية
كيف ترون عودة رئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف إبراهيم محمود أخيرا إلى السودان؟ وهل تتوقعون أن يلعب أي دور على الساحة حاليا؟
عودة رئيس حزب المؤتمر الوطني أمر طبيعي وعادي، فقبل كل شيء هو مواطن له حقوقه الدستورية والقانونية..
وثانيا هو يرأس واحدا من أكبر الأحزاب في الساحة السياسية السودانية، وتؤكد عودته التزام “المؤتمر الوطني” بالعمل السياسي السلمي من داخل البلاد..
وفي ظل الحالة الأمنية الراهنة في الداخل فإن أي وجود للقيادات السياسية والمجتمعية هو أمر مفيد ومما يدعم جهود الاستقرار وتطبيع الأوضاع العامة..
السودان رفض أخيرا تمديد مهمة البعثة الأممية لتقصي الحقائق.. كيف ترون هذا الأمر؟
السودان ظل متعاونا مع كل الجهود الدولية من أجل إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار..
وفيما يتعلق باللجنة الأممية لتقصي الحقائق فإن السودان أوضح بالأدلة عدم توازن تقريرها الذي قدمته لمجلس حقوق الإنسان، كما أثبت أن الآليات الوطنية وفي مقدمتها النيابة العامة تبذل جهودا أكبر بكثير مما قامت به تلك اللجنة.
كيف ترون الاتهامات التي وجهها قائد الدعم السريع إلى القوات المسلحة المصرية بأنها تدخلت ضد مليشياته في منطقة جبل موية؟ وإن كان ذلك واقعا ما رأيكم بهذا التدخل من حيث دوافعه؟
قائد المليشيا (محمد حمدان دقلو حميدتي) ظل ومنذ قيامه بالتمرد على الجيش يطلق الاتهامات، ويحاول تكييف أهدافه وفقا لتغير الظروف..
جبل موية منطقة مهمة وإستراتيجية لوقوعها في تقاطع طرق بين الولايات المختلفة، وتحريرها يعني سهولة تحرير ولاية الجزيرة المهمة كلها وولاية سنار، ولذلك حدث هذا الارتباك في خطابه..
هو يعلم يقينا أن الذين يقاومون مشروعه هم من أخلص شباب السودان وخيرة رجاله...