إسرائيل تواصل إلقاء منشورات ورقية على سكان غزة.. ما جدواها؟

لم تلبث الطائرة أن غادرت سماء المدرسة، حتى بدأ الأطفال بجمع كافة المنشورات وإحراقها
في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 2024، ألقت إسرائيل منشورات ورقية على سكان مدينة غزة دعتهم فيها إلى إخلاء المنطقة في ضوء توغل جيش الاحتلال بها، والتوجه إلى “المنطقة الإنسانية” جنوبا في دير البلح وخانيونس.
وبينما لم يستجب الشعب للمنشورات، أكدت وزارة الداخلية في القطاع أن دعوات الجيش الإسرائيلي للمواطنين في مدينة غزة للتوجه جنوبا مجرد "ضغط وإرهاب نفسي"، وأنه لا مكان آمنا بالقطاع.
وهو ما تحقق لاحقا بقصف الجيش الإسرائيلي بعد 4 أيام فقط منطقة مواصي خانيونس الآمنة، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات. ثم انسحب من مدينة غزة لاحقا.

وقبلها في منتصف فبراير/ شباط 2024، حلقت طائرة مسيرة إسرائيلية من نوع “كواد كابتر” في سماء مدرسة النصيرات الإعدادية ذكور، وسط قطاع غزة، والتي تحولت لمركز إيواء يضم آلاف النازحين.
وألقت مجموعة من المنشورات وضع عليها صور وأسماء شخصيات من المقاومة، ودعت من يعرف معلومة عنهم الإدلاء بها، عبر تطبيقات عدة مقابل مبالغ فلكية.
ولم تلبث الطائرة أن غادرت سماء المدرسة، حتى بدأ الشبان والأطفال بجمع المنشورات الورقية كافة، وإحراقها، وهو إجراء متبع في الشارع الفلسطيني، لمنع الدعاية الإسرائيلية من النجاح في الوصول، وتحقيق أهدافها.
وتستخدم قوات الاحتلال المنشورات الورقية منذ الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008، ولكن خلال العدوان المستمر على القطاع منذ 7 أكتوبر / تشرين الثاني، 2023، زاد استخدامها بشكل لافت.
وتلقي قوات الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية، المناشير عادة من طائرات حربية، ولكن في العدوان الحالي باتت المسيرات ذات المراوح، المعروفة بالكواد كابتر، تستخدم أيضا لإنزال المنشورات، لمناطق محددة.
توجيه النازحين
ومنذ بداية العدوان ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات تدعو سكان محافظتي الشمال وغزة، للتوجه باتجاه جنوب منطقة وادي غزة، وسط القطاع.
ورفض العدد الأكبر من السكان الانصياع لتوجيهات جيش الاحتلال، فقام الأخير بمجازر جماعية كبرى بحقهم، كتدمير مربعات سكنية بأكملها، وقصف المدارس، والمشافي التي يقصدها النازحون داخل مدينة غزة، وارتكاب فظاعات بحق من يصلون لهم في مراكز الإيواء، كالإعدام والتعذيب واغتصاب النساء.
وحاول الاحتلال من خلال هذه الجرائم ترسيخ ضرورة تنفيذ تعليماته، ولكن رغم كل هذا، لا يزال قرابة 800 ألف في الشمال لم ينزحوا من منازلهم، حسب المكتب الإعلامي الحكومي.
ونفذ الاحتلال العديد من الاقتحامات البرية دون إبلاغ السكان، وارتكب في اللحظات الأولى لهذه الاقتحامات مجازر بشعة، كهجومه على مخيم المغازي وسط القطاع مطلع يناير / كانون الثاني 2024، وهجومه على غرب مدينة خانيونس، جنوب القطاع فبراير / شباط 2024.
وهجومه على مخيم النصيرات وسط القطاع، 11 يونيو/ حزيران 2024، وهجومه المستمر على مخيم الشجاعية شرق مدينة غزة، نهاية الشهر ذاته.
ويستخدم الاحتلال منشورات ترحيل سكان القطاع كعقاب جماعي أيضا، حيث أبلغ بساعات متأخرة من الليل سكان الجانب الشرقي من مدينة خانيونس بضرورة إخلاء منازلهم والتوجه لمنطقة "المواصي".
وهي مساحة واسعة من الكثبان الرملية عديمة الخدمات، تقع بين محافظة خانيونس والمنطقة الوسطى؛ لنيته إعادة اجتياح المدينة.
ولكن لم يحصل الهجوم، وتبين أن دعوات الاحتلال أتت لتثقيل كاهل الأهالي، ودفعهم للنزوح في ساعات متأخرة من الليل.

هدف استخباري
وبجانب سياسة العقاب الجماعي، يستخدم الاحتلال المنشورات في سبيل جمع المعلومات عن الأسرى الإسرائيليين بيد المقاومة الفلسطينية.
حيث ينشر صورهم وأعمارهم والمناطق التي تم أسرهم منها، ويطالب المواطنين بتقديم أي معلومات، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وفي بداية بعض المناشير يزعم الاحتلال أن حركة حماس فقدت قوتها، ولن تتمكن من محاسبة من يتخابر مع الاحتلال، كما أنه سيوفر الحماية للمتخابر وعائلته وبيته.
وتكرر إلقاء الاحتلال منشورات تحمل صور الأسرى، وتختلف هذه المنشورات بحسب المكان الذي تلقى فيه.
حيث ألقيت صور لأسرى خلال ديسمبر / كانون الأول 2023 في مدينة دير البلح وسط القطاع وكذلك في فبراير/ شباط 2024، وأبريل/ نيسان 2024، ونشرت صورا مختلفة في رفح بشكل متواصل، فوق مناطق تجمع النازحين.
كما ينشر الاحتلال صور قادة ومقاومين ونشطاء عسكريين ومدنيين، ويطالب كذلك من رآهم، أو يعرف عائلاتهم، بالتواصل مع الجيش الإسرائيلي.
وفي نهاية أكتوبر 2023، نشرت قوات الاحتلال في عموم قطاع غزة، منشورات تحمل صور 10 من قادة القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ونشرت بجوار كل اسم، قيمة مكافأة مالية حسب أهمية المطلوب بنظر إسرائيل.
فيما ألقت طائرات الاحتلال منشورات تحمل صور وأسماء مقاومين تزعم أنهم قادوا عمليات السابع من أكتوبر.

وكان أحد المنشورات التي ألقتها الطائرات يناير / كانون الثاني 2024، بصيغة " يا أهل غزة، لقد فقدت حماس قوتها، لن يتمكنوا من قلي بيضة، نهاية حماس قريبة، من أجل مستقبلكم، قدموا المعلومات التي تمكننا من القبض على الذين جلبوا الخراب والدمار إلى قطاع غزة، فكر في مستقبلكم، السرية مضمونة".
وبجانب النص المكتوب وُضعت صورة قائد حماس في غزة، يحيى السنوار وبجانب اسمه مكافأة 400 ألف دولار، والقائد في القسام محمد السنوار بمكافأة 300 ألف دولار.
والقائد العسكري رافع سلامة مع مكافأة قدرها 200 ألف دولار، وأخيرا القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، بمكافأة 100 ألف دولار.
وفي مقابل الجهد الدعائي الهائل الذي يؤديه جيش الاحتلال ومخابراته، لا يبدو أن هناك نتائج إيجابية لهذه المحاولات.
ورغم المبالغ الطائلة التي عرضها مقابل الإبلاغ عن أسراه في غزة، أو آسريهم، من خلال المنشورات، فقد فشل الاحتلال في استرجاع عدد كبير من أسراه في غزة، ومن بين 160 أسير لم يتمكن من تحرير سوى 7 أسرى أحياء.

دعوات للتجنيد
ويستخدم الاحتلال المنشورات بشكل علني ومباشر؛ لابتزاز وإجبار الغزيين على العمل كمخبرين معه.
وسبق أن نشرت قوات الاحتلال منشورا تزعم من خلاله أنها اكتشفت بيانات سرية لضباط أمن في وزارة الداخلية في غزة، يقومون بجمع معلومات عن أشخاص تحت المراقبة من قطاع غزة.
ونشرت صور 3 منهم، وألقت عليهم مسمى "العملاء لحركة حماس" ، ونشرت أحاديث مزعومة نسبتها لهم، كما نشرت في ذات المنشور أرقام بطاقات شخصية "الهوية"، دون الأسماء والصور، لعشرات الأشخاص ممن تعدهم عملاء لحماس، ودعتهم لـ "التواصل مع جيش الاحتلال قبل فوات الأوان"، في دعوة مباشرة للتخابر مع الاحتلال.
وبجانب الدور الأمني، تلعب المنشورات التي تصيغها مخابرات الاحتلال وجيشه، دورا تحريضيا ضد المقاومة، في محاولة لنزع الحاضنة الشعبية الملتفة حولها.
وبشكل متواصل تلقي منشوراتها على المناطق المكتظة بالنازحين، وتحمل هذه المنشورات مسؤولية معاناتهم للمقاومة، وتنشر صورا لشخصيات سياسية لحركة حماس والجهاد الإسلامي في مكاتب وقاعات، وتقارنهم بالنازحين بالخيام.
وعقب كل مجزرة، تنشر قوات الاحتلال مزاعم أن المجزرة كانت لأجل شخصيات مطلوبة في المكان.
وعقب مجزرة تحرير الرهائن الأربعة من مخيم النصيرات، ألقت قوات الاحتلال منشورا لصورة من سوق المخيم، ورسمت فوقها عبارات مغرضة مثل "حماس تستعمل سكان غزة كدروع بشرية" و "حماس عدو الشعب الفلسطيني" و "حماس قصرت في أداء واجب الحاكم".
وفي منشور آخر كُتِب عليه "يا قتلة حماس (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) حديث نبوي شريف" مع صور مجازر، وتختم مناشيرها بعبارة الفتح الصادق، مع نجمة داوود.
وفي مقابل هذا التحريض، لايزال التأييد الشعبي للمقاومة في ذروته، حيث تتكرر هتافات الفلسطينيين للمقاومة بشكل روتيني، مع تشييع الشهداء أو لحظات انتشالهم، مطالبين المقاومة بالانتقام.
وكذلك في مراكز النزوح، كما يلاحظ دعم أبناء القطاع للمقاومة بالتكبير والتهليل مع إطلاق الصواريخ، أو إعلانات المقاومة عن عملياتها.

استفزاز وسخرية
وفي مجال آخر، تعمل مخابرات الاحتلال على استفزاز مشاعر الشارع الفلسطيني، من خلال منشورات ساخرة تهزأ بها من الفلسطينيين، وأحوالهم مع الحرب.
وحتى شعائرهم الدينية، حيث تتضمن بعضها آيات قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة، في مزيج من السخرية والشماتة بالأوضاع في غزة.
وبعد مجزرة المستشفى المعمداني، في 30 أكتوبر 2023، ألقت الطائرات الإسرائيلية، منشورات كتب عليها " فأخذهم الطوفان وهم ظالمون، آية قرآنية، جيش الدفاع الإسرائيلي، الوعد الصادق".
وخلال ديسمبر 2023، ألقت طائرات الاحتلال منشورات على تجمعات النازحين في رفح، تخبرهم بها بأن الحرب ستطول حتى شهر رمضان، عبر عبارة "رمضان يجمعنا".
وفي رمضان وأثناء المجازر الإسرائيلية الشعواء، والمجاعة المستشرية، ألقت الطائرات على النازحين في قطاع غزة، منشورات كتب فيها، "أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام، صوما مقبولا وذنبا مغفورا، وإفطارا شهيا، جيش الدفاعي الإسرائيلي/ فتح آفاق جديدة لسكان غزة".

الضفة الغربية
ولا تقتصر هذه السياسة على قطاع غزة، حيث باتت المنشورات تنشر بشكل واسع في الضفة الغربية.
ومع العمليات المتصاعدة بالضفة، نشر الاحتلال منشورات فوق أرجاء الضفة الغربية تقول “كل من يعتبر نفسه عضوا في حركة حماس، أو يقوم بتأييدها بأي شكل من الأشكال، حتى لو رفع علم الحركة، هو المسؤول الوحيد عما يلحق به وبعائلته”.
وواصل تهديداته قائلا: "الجيش الإسرائيلي سيصل إليه، لبيته، ولكل من يتعاون معه، ولن يسمح لحماس برفع رأسها في الضفة أبدا".
وأخيرا، بعد تلقي الاحتلال ضربات مؤلمة في مخيم بلاطة بالضفة الغربية عبر العبوات الناسفة وعمليات إطلاق النار، نشر منشورات تقول: “إلى السكان الأعزاء، الإرهاب دمر المخيم، المسلحون في المخيم يستغلونكم، ويستخدمون المنطقة المدنية كقاعدة للإرهاب”.
وأضاف: "هم يخبئون العبوات، ويطلقون النار من المنازل والمؤسسات المدنية .. من أجل أمنكم أبلغوا كابتن أبو سلطان" (الضابط المسؤول عن مخيم بلاطة شمال الضفة).