ابنة رجل أعمال سيناوي مقرب من السيسي تعالج في إسرائيل.. لماذا؟

ضجة أثارتها فتاة مصرية تبلغ من العمر 12 عاما، وابنة رجل أعمال معروف ومقرب جدا من نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي وكبار قادة الجيش في سيناء، عقب نقلها "سرا" إلى مشفى إسرائيلي.
وتلقت الفتاة علاجا طبيا طارئا في مستشفى "هداسا عين كارم" بالقدس المحتلة، بحسب ما أفادت به القناة الثانية العبرية في 8 فبراير/ شباط 2024.
وهو ما توافق مع ما نشرته القناة السابعة العبرية أيضا، والتي قالت إن "ابنة أحد المقربين من الحكومة المصرية والنخبة الأمنية في سيناء، تتلقى العلاج الطبي في مستشفى هداسا عين كارم بالقدس، بعد أن تعرضت لحادثة مروعة".
وأرجعت نقل الطفلة المصرية إلى إسرائيل لأن مستشفى "هداسا" به قسم مخصص لعلاج الصدمات المعقدة عند الأطفال، وهو ما لا يوجد في سيناء.
طيبة العرجاني
ونشر حساب ناشط على منصة "إكس" باسم، محمد فتحي، في 8 فبراير، صورة لابنة العرجاني، قائلا: "طيبة، ابنة إبراهيم العرجاني تعالج بسرية تامة في مستشفى (هداسا عين كارم) في فلسطين المحتلة بالقدس".
وأضاف: "ذلك إثر حادث توفيت فيه ابنة أخ العرجاني (مضعان) وأكثر من شخص أصيب ووصلت إلى القدس للعلاج في 25 يناير".
وأرجعت القناة السابعة العبرية أن إسرائيل وافقت على السماح لابنة رجل الأعمال المصري بتلقي العلاج لديها "في مبادرة غير عادية في هذه الفترة".
وأشارت إلى أن موافقة الحكومة الإسرائيلية "تعكس رغبتها في الحفاظ على علاقات وثيقة مع مصر".
وذكرت أن التوترات بين القاهرة وتل أبيب تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية المطالبات الإسرائيلية بالسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين الجانب المصري وقطاع غزة،.
ونقلت أن السيسي رفض تلقي اتصال هاتفي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لكن بادرة علاج أفراد من عائلة العرجاني داخل إسرائيل في القدس المحتلة، "سيسهم في كسر حالة التوتر، وإبداء حسن النية"، بحسب "القناة السابعة".

تساؤلات مشروعة
وأكد الباحث المصري محمد ماهر، أن "الوحيد الذي تنطبق عليه مواصفات ما ورد في التقارير الإسرائيلية هو إبراهيم العرجاني، لأنه رجل أعمال سيناوي مقرب من الجيش والمخابرات العامة وله نفوذ هائل في البلاد، ما يجعل من نقل ابنته إلى إسرائيل للعلاج أمرا مهما وذا حيثية".
وكشف ماهر لـ"الاستقلال" أنه "بالفعل مجموعة من عائلة العرجاني تعرضت لحادث سير في 25 يناير، ومات فيها حفيده من ابنته الأخرى، وأصيبت الابنة الصغرى التي تعالج في إسرائيل، حتى إن زوج ابنته التي لقيت مصرعها، كتب نعيا لزوجته وابنه ثم حذف الخبر لاحقا".
وأردف: "كذلك كثير من مواقع التواصل الاجتماعي على رأسها الصفحة الرسمية لاتحاد قبائل سيناء نشرت بالفعل نعيا لرجل الأعمال المصري في وفاة حفيده، لكن سرعان ما تم حذف الخبر في نفس اليوم من جميع المنصات والمواقع".
واستطرد الباحث المصري: "هناك كثير من التساؤلات عن واقعة علاج ابنة العرجاني في إسرائيل تتجاوز الجانب الإنساني، أولها لماذا لم تعالج ابنة الرجل المهم داخل مصر؟ ولماذا تم نقلها إلى إسرائيل تحديدا؟ وكيف دخلت إسرائيل؟"
وتابع: "هل للرجل علاقات وثيقة بجهات إسرائيلية؟ أم هل تم التوسط له من جانب جهات مصرية لدى إسرائيل؟ ولماذا كشفت إسرائيل من الأساس عن هذه الواقعة؟ ولماذا عد علاج (ابنة) الرجل لافتة على استمرار وتطوير العلاقات المصرية الإسرائيلية؟"
وأرجع ماهر الإجابة عن هذه التساؤلات إلى "أهمية العرجاني نفسه لمصر ولإسرائيل"، ويرى أن "الرجل حاليا هو المتحكم الأول في أهم عنصر دخل جغرافيا شمال شرق سيناء، وهم عنصر القبائل والبدو".
وعلل ذلك لعدة أسباب أن "القبائل هم أهل الأرض والعالمين بجغرافيتها، وهم الذين كانوا حاضنة للحركات المسلحة، وحاضنة لإمداد غزة بالدعم المادي (والعسكري أحيانا)، وبالتالي السيطرة عليهم من قبل كيان كـ(اتحاد قبائل سيناء) الذي يقوده العرجاني، يحسم عوامل القوة في المنطقة لصالح تلك الجهات، على رأسها النظام المصري ودولة الاحتلال".
وبالتالي "ليس بمستغرب أن تهرع إسرائيل لخدمته، فضلا عن وجود اتصالات مستمرة بينهما"، كما فسر الباحث المصري.

بيزنس "غزة"
وبدأ تصاعد دور العرجاني في غزة تحديدا ضمن دور مصر في الوساطة من أجل تثبيت الهدنة بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال عقب معركة "سيف القدس" التي اندلعت في مايو/ آيار 2021.
وقتها أوعز نظام السيسي للعرجاني بإرسال معدات شركته (مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار) إلى القطاع.
وقال المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي برائيل، إن "المستفيد الرئيس من خطة إعادة الإعمار هي شركة أبناء سيناء، لمالكها إبراهيم العرجاني، الذي يترأس أيضا قبيلة الترابين البدوية".
وأوضح في تحليل نشره في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن "العرجاني، الذي يمتلك أكبر شركات المقاولات في مصر، يتلقى الأوامر فيما يخص حركة البضائع إلى غزة من الاستخبارات بقيادة عباس كامل".
وذكر أن "العرجاني يتحرك نيابة عن الجيش المصري في غزة ويشرف على العمل، ويوقع اتفاقيات مع مقاولي البناء هناك".
وبالفعل عقب حصوله على ضوء أخضر من جهاز المخابرات العامة، أصبحت شركتا العرجاني، "مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"أبناء سيناء للتشييد والبناء" تحتكر كل ما يتعلق بغزة، من بضائع وتشييد ونقل السكان.
جزيرة العرجاني
لكن العرجاني في الحرب الدموية الأخيرة غير المسبوقة التي تشن على غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وراح ضحيتها آلاف المدنيين، وسحق القطاع بشكل شبه كامل، يلعب دورا أخطر من كل ما سبق.
وهو ما يجعله محل اهتمام لدى الإسرائيليين، ويفتحون لأقاربه وأبنائه أبواب المستشفيات والرعاية في القدس المحتلة.
ونشرت صحيفة "مدى مصر" المحلية في 12 فبراير 2024، تقريرا بعنوان "شبه جزيرة العرجاني" عن تحركات رجل الأعمال منذ بداية العدوان، وما فعله إمعانا في حصار غزة والاستفادة منه.
وقالت إن "دخول البضائع التجارية بدل المساعدات وتسعيرات خروج الناس من القطاع أضحت أسرارا يعرفها الجميع".
وأضافت: "وراء المعبر، يقف شخص وحيد تتقاطع عنده خطوط الأعمال والسلطة والعلاقات الدولية.. شخص تحول، خلال أقل من عقد، من طريد سابق للعدالة إلى قائد كتيبة من القبائل تساعد الجيش في حربها على الإرهاب، وأحد أكبر رجال الأعمال في مصر: إبراهيم العرجاني".

وقال الموقع المصري إنه "حصل على عدد من الوثائق الحصرية وأنه تحدث خلال الأشهر الماضية مع 17 مصدرا، 6 فلسطينيين جربوا تنسيق الخروج من غزة، واثنان من المنسقين المصريين، واثنان من السائقين العاملين مع شركة (هلا) المملوكة للعرجاني".
إضافة إلى "مصدر يعمل في معبر العوجة، ومصدران من جمعية (الهلال الأحمر المصري)، وأربعة من قبائل سيناء".
وتابع: "جميعهم شرحوا كيف أسس العرجاني إمبراطوريته خلال عقد واحد، في بلد تعرف مؤسساته بسيطرتها، وكيف انتهى إلى بسط نفوذه على المنفذ الوحيد إلى غزة، يتحكم في دخول قليل من الحياة إلى القطاع الذي يموت تحت القصف والجوع".
واستطرد الموقع: "غير أن عددا شحيحا من عشرات الآلاف من المصابين في غزة، والذين قضى كثير منهم بجراحهم، لم يستطيعوا العبور إلى مصر للعلاج، أما العرجاني فأبواب مستشفيات الاحتلال مفتوحة له ولأقاربه".