محليات تركيا تفكك التحالفات الحزبية التقليدية.. ما حظوظ كوروم وإمام أوغلو؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

تتجه تركيا من جديد إلى سباق انتخابي في 31 مارس/ آذار 2024، سيكون الأخير لمدة 4 أعوام، من أجل انتخاب رؤساء البلديات للمدن الكبرى وأعضاء مجالس البلدية، في حدث يعد منعطفا في السياسة التركية.

ويتنافس على رئاسة البلدية الكبرى في إسطنبول 49 مرشحا، أهمهم أكرم إمام أوغلو عن حزب الشعب الجمهوري (علماني)، ومراد كوروم عن حزب العدالة والتنمية (يمين وسط)، ومحمد ساتوك بوغرا كافونجو عن الحزب الجيد (قومي).

 إضافة إلى عزمي قره محمود أوغلو عن حزب الظفر (يميني متطرف)، وبيرول أيدن عن حزب السعادة (إسلامي)، ومحمد ألتين أوز عن حزب الرفاه من جديد (إسلامي)، وميرال دانيش بيشتاش ومراد تشيبني عن حزب مساواة وديمقراطية الشعوب (كردي).

وبينما يشير تقدم هذا العدد من المرشحين إلى عرس ديمقراطي كبير ستعيشه تركيا، إلا أنه من المتوقع أن يتصدر السباق الانتخابي مرشح حزب الشعب الجمهوري إمام أوغلو ومرشح حزب العدالة والتنمية كوروم، وسط إشارات متضاربة بشأن الأوفر حظا بينهما.

محورية 31 مارس

ويرى الرئيس التركي أردوغان أن الانتخابات المحلية المرتقبة ستكون نقطة تحول في تاريخ تركيا سواء سياسيا أو اقتصاديا، إذ يرى أن فوز تحالف الجمهور (العدالة والتنمية والحركة القومية) في البلديات، خاصة الكبرى منها مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، سيساهم في تحقيق رؤية "قرن تركيا" وإنجاز مشاريعها.

وتحدث أردوغان في لقاء جماهيري أقيم في مدينتي فان وهكاري (غرب) في 16 مارس، عن "سياسة الاستغلال (التي تتبعها المعارضة) التي كلفت تركيا أعواما، لتحل مكانها سياسة البناء والخدمات" حال فوز تحالفه.

وقبل ذلك قال أردوغان في اجتماعه مع كتلة حزب العدالة والتنمية البرلمانية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023: "لن ننسى أبدًا أن منافسينا ليسوا من يواجهوننا، بل من يسيطرون عليهم.. نحن نقاتل ضد العقل المدبر الذي يحرك بإصبعه الدمى (المعارضة)".

من ناحية أخرى، ستكون انتخابات 31 مارس، آخر انتخابات يخوضها الرئيس التركي في تاريخه السياسي بحسب ما يمليه القانون.

ونقلت وكالة الأناضول أن أردوغان قال في لقاء مع ممثلي وقف الشباب التركي "توغفا" في 8 مارس إن هذه الانتخابات ستحدد من سيحمل الأمانة من بعده.

أما مرشح حزب العدالة كوروم فيقول إن إسطنبول ستصبح حال انتخابه، مدينة قوية رائدة مستعدة من حيث البنية التحتية لزلزال إسطنبول الكبير وتتعاون مع الحكومة للعمل من أجل صالح المدينة وأهلها إضافة لحل مشكلة المواصلات والمرور التي تعاني منها المدينة. 

ويمثل زلزال إسطنبول الكبير أكبر مخاوف الناخب في إسطنبول، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب 11 محافظة في 6 فبراير/ شباط 2023، وراح ضحيته أكثر من 50 ألف مواطن.

إذ يرى متخصصون وعلى رأسهم الخبير في علوم الأرض ناجي غورور أن إسطنبول على أعتاب زلزال كبير قد تتجاوز شدته 7 درجات.

لذلك تتصدر الانتخابات مسألة الاستعدادات للزلزال وتجهيز البنى التحتية ودعم الأبنية وترميمها، لتقليل الخسائر البشرية والمادية قدر الإمكان، خاصة في مدينة مثل إسطنبول يتجاوز عدد سكانها الـ16 مليونا.

التحالفات الحزبية

وظهرت الحاجة لتأسيس تحالفات حزبية في تركيا مع انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي في عام 2017 لحل مشكلة عدم تمكن الرئيس المنتخب أو أي من المرشحين، من الحصول على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات.

كذلك أتاحت للأحزاب الصغيرة الحصول على مقاعد بالبرلمان عبر تخفيض العتبة من 10 بالمئة إلى 7 بالمئة.

وبينما تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الحركة القومية والرفاه من جديد والاتحاد الكبير (تحالف الجمهور) من أجل خوض انتخابات 2023 الرئاسية، تحالف حزب الشعب الجمهوري مع أحزاب الجيد والسعادة والديمقراطي والديمقراطية والتقدم والمستقبل (تحالف الشعب).

ويلاحظ أن تحالف الشعب ضم أحزابا محافظة مثل أحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم؛ لاجتذاب قاعدة حزب العدالة والتنمية، كما احتضن حزبا قوميا مثل الحزب الجيد للحصول على أصوات القاعدة القومية أيضا.

غير أن تحالف الشعب خسر الانتخابات، وفقد حزب الشعب الجمهوري 39 نائبا لصالح أحزاب المستقبل والديمقراطية والتقدم والسعادة والديمقراطي والجيد والتغيير التركي، كانوا قد ترشحوا عبر قوائم حزب الشعب الجمهوري. 

من ناحية أخرى فاز تحالف الجمهور بالانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية عبر التحالف مع حزب الحركة القومية وأحزاب محافظة مثل الرفاه من جديد والاتحاد الكبير، إضافة للحصول على دعم أحزاب القضية الحرة المحافظ واليسار الديمقراطي. 

واليوم يتعاون حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية في 30 مدينة كبرى بحيث يتخلى أحد الحزبين عن تقديم مرشح ويدعم مرشح الحزب الآخر، فيما وصلا إلى تفاهمات في 51 محافظة مظهرين علاقة تحالف قوية مبنية على التعاون والتفاهم واحترام رأي الطرف الآخر.

وفي مقابل ذلك، نجح حزب الشعب الجمهوري في بناء تحالف مع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب الذي يعرف بعلاقته مع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا المصنف إرهابيا في تركيا والاتحاد الأوروبي، فيما سمي بـ"اتفاق المدن"، اتفق بموجبه الحزبان على دعم بعضهما في عدد من المدن والأقضية.

تغيير المواقف

رغم اتفاق واسع على أن السباق الانتخابي سيكون بشكل رئيس بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري خاصة في العاصمة أنقرة وإسطنبول وإزمير، إلا أن هناك أحزابا فضلت أن تنفصل عن تحالفاتها وتخوض الانتخابات بمرشح منفصل.

وكان الحزب الجيد من أهم هذه الأحزاب، ويعود ذلك إلى الخلافات التي وقعت في الانتخابات الرئيسة مع أعضاء التحالف؛ عندما رفضت رئيس الحزب ميرال أكشنر أن يكون كمال كليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة حينذاك، مرشحا توافقيا عن تحالف الشعب.

ورغم أن أكشنر قالت حينها إن "الحزب الجيد حوصر في الزاوية وأجبر على الاختيار بين الموت أو المرض"، إلا أنها وافقت على ترشيح كيليجدار أوغلو بعد أن قبل شروطها بتعيين رئيسي بلديات إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، نائبين للرئيس حال فوزه. 

ومع خسارة كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، أعلنت أكشنر أن حزبها لن يتحالف مع الطاولة السداسية في انتخابات 31 مارس المرتقبة وأنه سيقدم مرشحين منفصلين عنه في مختلف المحافظات التركية.

وقالت أكشنر في لقاء مع الصحفي فاتح ألتايلي في 6 سبتمبر/ أيلول 2023: "رفاقي يقولون إن إمام أوغلو ويافاش لم يصغيا لصوت الشعب (في 2023) وإنه ليس علينا أن نسيء إليهم.. لكننا سنقدم مرشحين منفصلين بما في ذلك في إسطنبول وأنقرة، وأنا أؤيدهم".

من جانبه قدّم حزب مساواة وديمقراطية الشعوب (الشعوب الديمقراطي سابقا) مرشحين منفصلين لـ58 بلدية مدينة كبرى وقضاء بينها إسطنبول، رغم توصله لتفاهمات مع حزب الشعب الجمهوري حول بلديات أخرى.

ولم يتم التفصيل في التفاهمات التي تمت داخل تحالف المدن، غير أن الرئيس أردوغان قال بأن الهدف من هذا التحالف "ليس إيجاد أفضل من يعمل على إدارة المدينة، بل لترشيح أسماء من شأنها أن تكون دمية تتحرك وفق ما تمليه عليها المنظمة (حزب العمال الكردستاني)، يعني قنديل". 

وعلى الناحية الأخرى أعلن حزب الرفاه من جديد، مشاركته في الانتخابات بمرشح منفصل في جميع المحافظات التركية.

ويقول فاتح أربكان رئيس الحزب، إن الأرقام في الاستطلاعات تشير إلى أنهم يحصلون على 7-8 بالمئة من الأصوات مما يدلل - بحسب قوله - على أنهم سيحصلون على ما يزيد على الـ20 بالمئة من الأصوات في الانتخابات.

وقال أربكان خلال لقاء مع أعضاء حزبه في دوزجه إن هدفه من الترشح بشكل منفصل يتركز في الوصول إلى السلطة في انتخابات 2028 عبر الفوز بالإدارات المحلية.

مؤكدا: "ستقودنا النتيجة التي سنحصل عليها والقفزة الهائلة التي سنحققها في هذه الانتخابات إلى 2028. وسيؤدي ذلك إلى وصول حزب الرفاه إلى السلطة مرة أخرى في عام 2028".

من جانبه، يرى مرشح العدالة والتنمية كوروم أن لا طائل من ترشح حزب الرفاه من جديد لأن السباق الرئيس سيكون بينه وبين أكرم إمام أوغلو، مؤكدا أنه يتعين على القاعدة المحافظة أن تختار بين مرشح يقول "لنكسر أغلال آيا صوفيا ونفتحها للعبادة" ومرشح يقول "لنجعل من آيا صوفيا متحفا".

ميزان متأرجح

ورغم وجود مخاوف من أن يقسم أربكان أصوات تحالف الجمهور نظرا لأن الرفاه من جديد يرشح أسماء من شأنها استقطاب قاعدة حزب العدالة والتنمية.

إلا أنه من ناحية أخرى يصب أيضا في صالح التحالف، إذ إن ذلك سيعني أن أصوات معارضي تحالف الجمهور لن تجتمع في منافسيهم "تحالف المدن".

فبعد كل شيء، كان من أهم عوامل فوز إمام أوغلو ومنصور يافاش في إسطنبول وأنقرة في عام 2019، تحالف أحزاب المعارضة واجتماعهم على مرشح واحد، بما فيهم حزب الشعوب الديمقراطي الذي أعلن حينذاك أن هدفه "تعزيز قوة وفرصة المرشحين المنافسين لمرشحي حزب العدالة والتنمية".

وبحسب الكاتب الصحفي محرم صاريكايا نقلا عن بيرفين بولدان، الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي آنذاك، حيث كان مرشحو تحالف المعارضة خيارا وحيدا وبديلا قويا ضد مرشحي تحالف الجمهور، وبتقدير هذا فإن وجود أكثر من بديل قوي ذي شأن لدى شرائح المجتمع في الانتخابات، قد يعزز من فرصة فوز مرشحي تحالف الجمهور وبالتالي تجنب سيناريو 2019.

من ناحية أخرى فقد إمام أوغلو أهم داعميه الذين كانوا السبب الأساسي في فوزه عام 2019، وعلى رأسهم الحزب الجيد وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب، الأمر الذي قد يرجح الكفة لصالح مراد كوروم، مرشح العدالة والتنمية. 

ويعمل تحالف الجمهور على جذب الناخبين الذين لم يصوتوا أبدا للتحالف سابقا دون إهمال الناخبين الذين صوتوا لمرة واحدة على الأقل لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.

إذ تصل نسبة الفئة الأخيرة في إسطنبول إلى 68 بالمئة، بحسب رئيس فرع إسطنبول لحزب العدالة والتنمية عثمان نوري كاباك تبه في مقابلة مع صحيفة "هاكسوز خبر" نشرت في 8 يونيو/ حزيران 2023.

غير أن الصحفي جنيد أوزديمير يرى أن "صمود إمام أوغلو أمام كوروم في استطلاعات الرأي رغم تفكك الطاولة السداسية بل وإعلانهم العداء تجاه بعضهم البعض، يحسب نجاحا باسم إمام أوغلو كيفما تم تقييم الأمر".

شهادة 5 أعوام

وبالرغم من الدور الذي لعبه دعم الأحزاب المختلفة لإمام أوغلو في 2019، والدور الذي سيلعبه سحبها والتقدم بمرشحين منفصلين، إلا أن فاتورة 5 أعوام من رئاسته قد تكلفه مقعده في 31 مارس.

إذ يعرف إمام أوغلو بإجازاته التي لم يتخل عنها رغم ما مرت به إسطنبول من أزمات وسيول وثلوج، كما يعرف بعدم وفائه بالعديد من الوعود الانتخابية التي قدمها قبيل انتخابه من إنشاء طرق المترو وإعداد إسطنبول للزلزال الكبير وإنشاء طرق نقل تحت البحر داخل المدينة. 

وكانت أجوبة أكرم إمام أوغلو في لقاء مع الصحفي جنيد أوزديمير حول وعوده الانتخابية السابقة التي لم يحققها تتلخص في جمل مثل: "لا أذكر"، "لا أعرف ماذا وعدت كلمة بكلمة"، "لم ننجز هذا لأنه لم يكن من الممكن إتمامه خلال 5 أعوام".

من ناحية أخرى يُعرف منافسه من العدالة والتنمية مراد كوروم، بإنجازاته وبناء منازل لم تتأثر في زلزال 6 شباط الذي ضرب 11 محافظة وراح ضحيته أكثر من 50 ألف مواطن. كذلك يعرف بأنه قام ببناء 365 ألف مجمع سكني خلال 5 أعوام من ولايته كوزير للتخطيط العمراني والتغير المناخي.

جدير بالذكر أن إمام أوغلو الذي اتهم غير مرة، أن الحكومة "تعرقله" لمنعه من القيام بإنجازات وانتقد "الديمقراطية" في تركيا، لم يسمح للحزب الجيد بأن يعلق حملاته الانتخابية في مدن أنقرة وإسطنبول وإزمير بعد إعلان أكشنر تقديم مرشح منفصل.

وقالت أكشنر معلقة: "من يعيقنا ليست السلطة بل المعارضة، ولم يكن القصر (الرئاسي) من يقوم بفرض الرقابة علينا، بل البلدية.. من يحاول أن يعرقلنا لم يكن "بيش تبه" (المجمع الرئاسي)، بل كان "ساراتش خانة" (مقر بلدية إسطنبول الكبرى)".

أخيرا، وقبل أيام معدودة من الانتخابات، تم تسريب مشاهد لحقائب مليئة بالعملة الأجنبية في فرع حزب الشعب الجمهوري بإسطنبول بما يعادل 140 مليون ليرة تركية بحسب صحيفة صباح التركية. وأظهرت الصور شخصيات معروفة في حزب الشعب الجمهوري وهم يعدون الأوراق النقدية.

ورغم أن الادعاء العام بإسطنبول بدأ مباشرة تحقيقا بشأن الصور، إلا أن المشاهد أزعجت قاعدة حزب الشعب الجمهوري والأهم زعيمها السابق كمال كليتشدار أوغلو الذي أعرب في اتصال هاتفي مع الصحفي أمين بازارجي يوم 20 مارس عن انزعاجه الشديد من المشاهد دون أن يعلق عليها.

وقال رئيس شركة الاستطلاعات "ماك" محمد علي كولات والمعروف بقربه من الشعب الجمهوري إنه من المتوقع أن تؤثر مشاهد عد الأوراق النقدية على الانتخابات المرتقبة وأن هناك فئة من قاعدة الحزب انزعجت من المشاهد. 

وبالنظر لما سبق، يمكن القول إن فرصة أكرم إمام أوغلو في الفوز أقل مما كانت عليه في 2019 خاصة مع سحب بعض أحزاب المعارضة القوية مثل الحزب الجيد وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب دعمها.

إضافة إلى شهادة 5 أعوام من رئاسته للبلدية انتهت بوعود لم يتم الوفاء بها وشعارات لم يتم العمل بها وما أسمته الصحف بـ "فضيحة" لم تتكشف خيوطها بعد.