ألمانيا تصادق على حكم بالسجن مدى الحياة لضابط بنظام الأسد.. ما الدلالات؟

مصعب المجبل | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

استفاد لاجئون سوريون من نظام "الولاية القضائية العالمية" المعمول به في دول أوروبية، لجر ضباط في نظام بشار الأسد إلى العدالة لمحاكمتهم على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.  

وأثبتت السنوات الأخيرة نجاح الضحايا وأقاربهم وشهود، بجمع أدلة قاطعة تدين الجناة ممن وصلوا إلى دول اللجوء لجرهم إلى قفص الاتهام ومحاكمتهم على ما اقترفوه بحق السوريين عقب اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011. 

"15 شاهدا"

 وصادقت المحكمة الاتحادية العليا في ألمانيا نهاية يوليو/ تموز 2024 على قرار الحكم الذي أصدرته محكمة كوبلنز، بالسجن مدى الحياة بحق الضابط السابق في استخبارات النظام السوري، أنور رسلان.

وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2022، قضت محكمة كوبلنز الألمانية بالسجن المؤبد على أنور رسلان، في محاكمة مثلت سابقة عالمية على صعيد محاسبة النظام السوري على جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

وأكد المحامي السوري أنورالبني المطلع على قضية رسلان، أنه "لولا شجاعة الضحايا والشهود" لما تمكن القضاء من كشف جرائم النظام السوري والحكم على المجرمين، حسبما قال في منشور على حسابه في فيسبوك.

وفي أحدث محاكمة لضابط سابق في نظام الأسد يعيش بالقارة الأوروبية، أطلق القضاء السويدي محاكمة ضد الضابط السابق بقوات الأسد، العميد محمد حمو (65 عاما) في 15 إبريل/ نيسان 2024.

حيث يحاكم بتهمة المشاركة في جرائم حرب عام 2012، ليصبح أعلى عسكري سوري رتبة يخضع لمحاكمة في أوروبا على خلفية قمع الثورة.

وحمو المقيم في السويد، متهم بـ"المساعدة في والتحريض على "ارتكاب جرائم حرب" بسوريا، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.

وحضر حمو إلى قاعة المحكمة وهو يرتدي قميصا أزرق داكنا وسروال جينز وينتعل حذاء رياضيا. وأصغى بانتباه لدى تلاوة المدعية كارولينا فيسلاندر لائحة الاتهام ودون ملاحظات.

وقالت فيسلاندر إن حمو أسهم عبر "تقديم المشورة والعمل" في معارك خاضها الجيش السوري"وتضمنت بشكل منهجي هجمات نُفذت في انتهاك لمبادئ التمييز والحذر والتناسب" في إشارة لعدم التفريق بالقصف بين أهداف مدنية وعسكرية كما يقتضي القانون الدولي.

وتشير لائحة الاتهام إلى أن حمو كان من خلال الدور المنوط به شريكا في هذه الجرائم، واتخذ بشكل خاص القرارات المتعلقة بتسليح الوحدات العملياتية، وكان خلال هذه الفترة مسؤولا عن تنفيذ مختلف العمليات العسكرية.

وتتعلق التهم بالفترة الممتدة بين مطلع يناير و20 يوليو 2012، ويدلي سبعة مدنيون، بينهم سوريون ينحدرون من محافظتي حمص وحماة، بشهاداتهم خلال المحاكمة، بالإضافة إلى مصور بريطاني أصيب خلال إحدى الضربات الجوية لطائرات النظام السوري المذكورة في لائحة الاتهام.

وفي هذا السياق، قالت كبيرة المستشارين القانونيين في منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية عايدة سماني إن "الهجمات في حمص وحماة ومحيطهما في 2012، تسببت بأذى كبير للمدنيين ودمار هائل للممتلكات المدنية".

وأضافت لوكالة الأنباء الفرنسية أن "التصرفات نفسها تكررت بشكل منهجي من قبل الجيش السوري في مدن أخرى على امتداد سوريا"، مؤكدة أن ذلك جرى "بإفلات تام من العقاب".

وأوضحت سماني أن محاكمة حمو ستكون أول محاكمة في أوروبا "تتعامل مع هذا النمط من الهجمات العشوائية من قبل الجيش السوري"، مشيرة الى أنها "ستكون الفرصة الأولى لضحايا الهجمات لإسماع صوتهم في محكمة مستقلة"

فيما أكد المحامي السوري أنور البني، أن لائحة الاتهام شملت المساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب بصفته رئيس وحدة التسليح التابعة للفرقة 11 التابعة للفيلق الثالث للجيش السوري في حمص وحماة، وتحديدا في حي بابا عمرو وبلدة الرستن وكذلك في منطقة الحولة بين 1 يناير 2012 و20 يوليو 2012".

وبين البني، أنه "يوجد حاليا 8 مدعين في القضية، كما يوجد حاليا 15 شاهدا في القضية بين شهود عيان أو خبراء".

ولفت البني، إلى أن "البيانات الختامية للادعاء ومحامي الدفاع ومحامي المدعي ستعقد في 21 مايو 2024، وهو تاريخ نهاية المحاكمة المقرر".

ونوه البني، إلى أن منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية في ستوكهولم CRD تولت دعم الملف وتمثيل الضحايا.

ويلاحق النظام السوري قضائيا في دول عدة، أبرزها ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا، وتطبق هذه البلدان مبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح بمحاكمة منفذي أخطر الجرائم المرتكبة ضد رعايا أجانب خارج أراضي الدولة.

وبسبب ذلك، أخذ ضحايا النظام السوري والمحامون المتخصصون بحقوق الإنسان يركزون جهودهم في الدول التي تقبل "الولاية القضائية الشاملة"، في مطاردة الجناة وجرهم للمحاكمة.

دور الضحايا

لكن النقطة الجوهرية في تلك المحاكمات في أوروبا، هي كما يصفها المحامون "شجاعة الضحايا وإصرارهم على ملاحقة الجناة" طارحين أي هواجس للخوف من آلة القمع الكبيرة في سوريا.

وشهدت السنوات الأخيرة جهودا كبيرة بذلها ضحايا نظام الأسد في إيصال صوتهم للمحاكم المحلية وتقديم كل ما بحوزتهم من أدلة تثبت جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد.

ومن أبرز تلك الجهود، استماع قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا في أكتوبر 2023 إلى شهادات معتقلين سوريين وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب "موحدة" تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وضربهم بشكل "مبرح" من قبل أفراد أجهزة النظام السوري إبان إخماد الثورة.

ويكثف أحمد حلمي، الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان، جهوده في محكمة العدل الدولية، بعدما سُجن ثلاث سنوات ابتداء من العام 2012.

وقال حلمي للفرنسية: "أعلم أنّ الناس يتعرضون للتعذيب على مدار 24 ساعة في اليوم.. ولا يحدث هذا أثناء الاستجواب فقط، بل يحدث أحيانا من أجل المتعة، وذلك ببساطة لأنهم يعتقدون أن لديهم حصانة من العقاب". وأشار إلى أن "مئات الأشخاص يموتون بسبب التعذيب كل شهر" داخل أقبية وسجون نظام بشار الأسد.

وقاد إصرار الضحايا من اللاجئين على ملاحقة المتورطين بجرائم ضد السوريين إلى جر عدد من ضباط نظام الأسد إلى المحاكمات بعد جمع الأدلة الكافية وتقديمها إلى محاكم في دول أوروبية بعد تعاون كبيرة من قبل فريق من المحامين السوريين والأجانب. 

وفي محاكمة غير متوقعة شجعت المزيد من الضحايا لتقديم إفاداتهم دون أي تحفظ أو خوف، حكم في كوبلنتس غرب ألمانيا في يناير 2022 بالسجن المؤبد على العقيد السابق في الاستخبارات السورية أنور رسلان  (58 عاما)  بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية إبان قمع المتظاهرين.

وكانت هذه أول محاكمة في العالم على انتهاكات ارتكبها مسؤولون في النظام السوري عقب اندلاع الثورة.

ووقتها الذين قادوا أنور رسلان الذي كان يضطلع بمهام في فرع الخطيب الأمني سيئ الصيت بدمشق، إلى قفص الاتهام ومن ثم انتزاع حكم تاريخي، هم الضحايا أنفسهم.

إذ قالت لينا محمد التي أدلت بشهادتها حول اعتقالها في عام 2012 في الفرع الذي كان أنور رسلان مسؤولا عنه: "سؤالي هو: "هل تلك هي العدالة التي ننشدها؟ إن العدالة التي أنشدها بصراحة تتمثل بمحاكمة بشار نفسه وأعوانه الذين ما يزالون يرتكبون جرائم مروعة".

كما قال وسيم مقداد الذي اعتقل أربع مرات في بداية الثورة وقام أنور رسلان بالتحقيق معه بنفسه: "يمثل ذلك بداية الطريق الطويل الذي يتجه نحو إحلال العدالة بسوريا".

ولذلك بنى المدعون العامون في ألمانيا أساس قضيتهم المرفوعة ضد أنور رسلان بمساعدة العشرات من الشهود السوريين في ألمانيا وغيرها، كما أجروا تحقيقا منفصلا جمعوا من خلاله أدلة على مدار عقد كامل من الزمان وذلك حتى يتبين لهم ما تمارسه الدولة في سوريا من أعمال في الداخل.

وما كان لافتا حينها هو عودة معتقلين سابقين ليواجهوا شبح الماضي في ألمانيا، حيث كانت الأدوار هذه المرة، مقلوبة، حينما وجدوا سجانهم السابق؛ رسلان، أنحف بكثير مما يتذكرونه، وكانت يداه ترتجفان.

ووقتها علقت ستيفاني بوك مديرة المركز الدولي لأبحاث وتوثيق محاكمات جرائم الحرب التابع لجامعة ماربورغ بألمانيا بالقول: "كان ذلك الحكم بالغا في الأهمية، والرسالة التي يوجهها هي أنه لم يعد هنالك أي ملاذ آمن لمجرمي الحرب، وإنها لإشارة واضحة بأن العالم لن يقف متفرجا من دون أن يفعل أي شيء تجاههم".

وحكم على ضابط الصف السابق في الاستخبارات السورية إياد الغريب في شباط/فبراير 2021، بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف سنة بتهمة التواطؤ في المحاكمة نفسها.

وفي شباط/فبراير 2023، حكم في برلين على رجل عديم الجنسية، كان عضوا في مليشيا موالية للحكومة، بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية مقتل أربعة مدنيين على الأقل في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق عام 2014.

كما يحاكم الطبيب العسكري علاء موسى منذ كانون الثاني/يناير 2022 في فرانكفورت (غرب) بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويواجه 18 تهمة تعذيب لمعارضين وقتل أحد المعتقلين بالحقن، ولا تزال المحاكمة مستمرة.

وكانت كندا وهولندا أكدت في شكوى إلى محكمة العدل الدولية، شددت فيها على أن الضحايا السوريون يتحملون "آلاما جسدية وعقلية لا يمكن تصورها، ويعانون جراء أعمال التعذيب، بما في ذلك المعاملة المقيتة في الاعتقال، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي".

وكانت بعض الدول قد أدانت أفرادا أو لاحقتهم قضائيا، باسم الولاية القضائية العالمية، لارتكابهم جرائم حرب في سوريا، لكن لطالما كان هناك استياء في العواصم الغربية بسبب عدم وجود خطة أوسع لتقديم هذه القضية أمام القضاء الدولي.

ولم تتمكن محكمة العدل الدولية التي تتخذ لاهاي مقرا من التعامل مع سوريا، لأنها لم تصادق على نظام روما الأساسي، أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة.

كما أن روسيا والصين منعتا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يقضي بإحالة الوضع في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية عام 2014.

مسار إحقاق العدالة

ولا شك أن إعداد الملفات القضائية المتعلقة بملاحقة مرتكبي الجرائم المرتكبة في سوريا يحتاج إلى البحث عن أدلة وشهود من الضحايا.

وعلاوة على ذلك، واجهت الجهود التي تبذلها المنظمات المدنية السورية التي أخذت على عاتقها ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة في سوريا صعوبات كثيرة.

وقدمت دراسة عن "الولاية القضائية العالمية" أعدها "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" المعني بملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة في سوريا، معلومات مهمة عن أهمية الشهود من الضحايا الموجودين في أوروبا وأهمية ذلك في مسار إحقاق العدالة بسوريا وعدم الإفلات من العقاب.

وبين المركز أن العديد من اللاجئين المنتشرين في الدول الأوروبية ترددوا في إعطاء شهاداتهم عن جرائم ارتكبت بحقهم أو شاهدوها بسبب الخوف على أقاربهم وعائلاتهم في سوريا، حيث إنهم يخشون الإدلاء بما لديهم من معلومات أو أن يعرضوا أقاربهم في سوريا لخطر التضييق والملاحقة من القوى المسيطرة في سوريا.

وأشار المركز إلى أن دور الضحايا والشهود الناجين من الموت والمنتشرين في أوروبا والعالم هو دور مهم ومحوري ليس فقط في التعرف على المجرمين وتحديد المشتبه بهم، وإنما أيضا في دفع السلطات المعنية بما تملكه من معلومات وأدلة على فتح التحقيقات وتوقيف المشتبه بهم ومحاكمتهم".

ومضى يقول: "فلولا شجاعة الضحايا والشهود في الادعاء على المجرمين وتقديم شهاداتهم إلى الشرطة والمحاكم لما كنا اليوم نتحدث عن توقيف ومحاكمة بعض المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من أمثال أنور رسلان والطبيب علاء موسى وموفق الدواه مسؤول حاجز مخيم اليرموك" جنوب دمشق.

 ولما جرى كذلك إصدار مذكرات توقيف دولية بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة المتهمة بـ ارتكاب مجازر في المدن السورية، إضافة إلى ضباط كبار مثل اللواء علي مملوك مدير مكتب الأمن الوطني سابقا ومستشار الأسد راهنا وغيرهم الكثير من المسؤولين بالنظام. 

ويؤكد المركز أن الكثير من اللاجئين لا يعرفون أن المحاكم الأوروبية تستطيع التحقيق في جرائم وقعت في بلدانهم الأصلية، وبعضهم لا يثق بتقديم أية معلومة خاصة وأنهم يتحسبون من أن تلحق بهم أية معلومة يقدمونها الأذى بهم أو بأقرابهم وأسرهم، أو تتسبب في تقويض طلبات اللجوء الخاصة به، بينما فضل البعض الصمت بعد أن خاضوا رحلات محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.

ورأى المركز في البحث المنشور في يناير 2022، أن "صمت بعض اللاجئين أو ترددهم في تقديم ما لديهم من معلومات حول جرائم ارتكبت بحقهم أو بحق غيرهم لا يشجع فقط المجرمين على التمادي في إجرامهم، بل ويساعد أيضا كبير المجرمين في سوريا على الاستمرار في حكم سوريا والسوريين والإفلات من العقاب".

وراح يقول: "لذلك على اللاجئين عدم التردد أو والخوف ونهيب بهم ضرورة إبلاغ السلطات المعنية بما لديهم من معلومات حول المشتبه بهم بارتكاب جرائم تعذيب وقتل واغتصاب مثلا وأن يحافظوا على الأدلة وغيرها".