آخر عملياته كانت في إيران.. تعرف على خريطة انتشار تنظيم الدولة حول العالم

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

الهجمات في محافظة "كرمان" جنوبي إيران، أعادت "تنظيم الدولة" إلى الواجهة مجددا، وذلك بعد تبنيه هجومين انتحاريين استهدفا تجمعا قرب قبر قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في 3 يناير/ كانون الثاني 2024، وهي الذكرى الرابعة لاغتياله بطائرة مسيرة أميركية في بغداد.

والعمليتان الانتحاريتان أسفرتا عن مقتل وإصابة أكثر من 300 شخص، حسبما نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية.

ضربات التنظيم التي تأتي بعد إنهائه في العراق عام 2017، وبعدها بعامين في سوريا، أثارت تساؤلات عن خارطة وجود عناصر "الدولة" حاليا، وإلى أي مدى يمكن أن تبث مثل هذه العمليات الروح مجددا في جسده؟.

في عام 2014، أعلن زعيم تنظيم الدولة السابق أبو بكر البغدادي، من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى العراقية، إقامة دولة العراق والشام الإسلامية، قبل أن تعلن الولايات المتحدة مقتله بقوة خاصة أرسلتها إلى ريف إدلب الشمالي في سوريا عام 2019.

"ولاية خراسان"

وانطلاقا من الهجمات الأخيرة في كرمان، فإن تواجد تنظيم الدولة في إيران ودول أخرى قريبة منها غير ناطقة بالعربية، جاء بعد وقت قصير من إعلان تنظيم "الخلافة" في العراق وسوريا عام 2014، أعلن أعضاء سابقون في حركة طالبان-باكستان ولاءهم للبغدادي.

ولاحقا انضم إليهم أفغان محبطون ومنشقون من حركة طالبان، ثم اعترف في أوائل 2015، تنظيم الدولة بإنشاء ولاية له في خراسان، بحسب تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية في أغسطس/ آب 2021.

خراسان هو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى.

وأنشأ تنظيم "الدولة-ولاية خراسان" أول منفذ له في أفغانستان عام 2015، وتحديدا في منطقة أشين الجبلية، في مقاطعة ننغارهار شرقي البلاد، وهي الوحيدة التي تمكنت من إقامة وجود ثابت فيها بالإضافة إلى منطقة كونار المجاورة.

ويفيد تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي في يوليو/ تموز 2021، بأن أعداد مقاتلي تنظيم الدولة في "ولاية خراسان" تتراوح بين 500 وبضعة آلاف، دون الكشف عن خارطة توزيع هؤلاء بين البلدان.

وبخصوص مدى إنعاش تفجير كرمان، رأى الباحث العراقي لطيف المهداوي لـ"الاستقلال"، أن "التشكيك دائما يلاحق عمليات تنظيم الدولة في إيران، ذلك لأن الأخيرة متهمة أساسا بتأسيس هذا التنظيم في سوريا والعراق".

ولم يستبعد المهداوي أن "يكون نظام طهران وراء تدبير مثل هذه الهجمات، حتى يوجد مبررا لعملياته الخارجية وترسيخ رمزية سليماني الذي يحرق الشعب الإيراني صوره، لذلك نرى أنه مباشرة بعد الهجوم اتهم الغرب بتدبيره، وذلك قبل الإعلان عن تبني تنظيم الدولة للتفجيرين".

من جانبه، حمل كبير مستشاري الرئيس الإيراني، محمد جمشيدي، في تدوينة على منصة "إكس" في 3 يناير 2024، إسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية الانفجارين، وأن "الإرهاب مجرد أداة".

 

وفي الهجوم الذي تبناه التنظيم على مزار ومرقد "شاهجراغ" في شيراز الإيرانية، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وأودى بحياة 15 شخصا، شكك محللون في هذه الرواية، نظرا لأن التنظيم لم يشن هجمات داخل إيران منذ عام 2018.

وشككت جهات إيرانية معارضة وأخرى موالية في تبني تنظيم الدولة للهجوم الدامي الذي استهدف مزار "شاهجراغ"، إذ وصفته بأنه "حادثة مدبرة"، وأن النظام هو المستفيد الوحيد منها.

وقالت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة إنه "رغم إعلان تنظيم الدولة مسؤوليته عن الجريمة، فإن الأمر مشكوك فيه. وحتى يثبت العكس، يجب الافتراض أن النظام يقف خلف الكواليس على غرار العديد من الحالات الأخرى".

وفي السياق ذاته، وجهت قناة على تطبيق "تلغرام" تتبع الشبكة التلفزيونية الإيرانية الأولى (tv1irib_sima)، اتهامات لرئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني السابق ورجل الدين، حسين طائب.

وربطت القناة بين "ضبط نفس" النظام بعد الاحتجاجات المندلعة في البلاد منذ سبتمبر/ أيلول 2022، وشملت هتافات نالت المرشد علي خامنئي وحرق صور الخميني وإصابة عناصر من الباسيج والحرس الثوري، و"تعريض طائب وعصابته البلاد للخطر بعمل غبي"، في إشارة إلى هجوم شيراز.

وأشارت القناة إلى إقالة حسين طائب من رئاسة استخبارات الحرس الثوري بسبب "عدم جدارته وعمالته"، مشيرة إلى أن "هذه العصابة المفلسة والملوثة والمشبوهة، حاكت حبلا داخليا ودوليا آخر لشنق النظام عبر تدبيرها حادثة شاهجراغ المشؤومة".

 

العراق وسوريا

وفي آخر إحصائية صدرت عن العراق الذي يعد معقل تنظيم الدولة السابق، كشف الفريق أول ركن، قيس المحمداوي، نائب رئيس قيادة العمليات المشتركة، التي تنظم تعاون القوات الأمنية العراقية مع التحالف الدولي، عن احتفاظ التنظيم بنحو 400 إلى 500 مقاتل في العراق.

وأوضح المحمداوي خلال مؤتمر صحفي عقده في 12  مارس/آذار 2023، مع رئيس جهاز مكافحة الارهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي، أن "تنظيم الدولة ينتشر في ثلاث إلى أربع محافظات، ويشن عناصره هجمات متفرقة ضد أجهزة الأمن والمدنيين، لكنه فقد القدرة على كسب عناصر جديدة".

وبحسب تقديرات نشرت في تقرير لمجلس الأمن الدولي في فبراير/ شباط 2023، فإن لدى التنظيم "ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف عضو ومؤيد ينتشرون بين العراق وسوريا"، يصنَفون "تقريبا من المقاتلين".

وأضاف تقرير مجلس الأمن أن التنظيم عمل بالعراق في "المناطق الجبلية الريفية"، مستفيدا "من الحدود مع سوريا التي يسهل اختراقها"، فقد تركزت أنشطة التنظيم في محافظات "الأنبار، ونينوى، وكركوك، وديالى، وصلاح الدين، وشمال بغداد".

ورغم تراجع احتياطاته المالية المقدرة حاليا بين 25 إلى 50 مليون دولار، وفق تقرير مجلس الأمن، لكن التنظيم "بدأ بغسل الأموال من خلال استثمارات في أعمال تجارية مشروعة مثل الفنادق والعقارات" في سوريا والعراق.

أما في سوريا، فقد كشف تقرير نشره "المركز الأوروبي" لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في 29 أغسطس 2023، أن التضاريس السورية المعقدة من صحراء وجبال تساعد تنظيم الدولة في عمليات التمويه والاختباء في إنشاء معسكرات التدريب العسكري والأيديولوجي.

ولفت إلى أن "تصور التنظيم الإستراتيجي حول المنطقة الجغرافية والوقت في سوريا بات يمثل عنصرا حاسما لإمكانية عودة ظهوره مستقبلا، فهو ينشط فيها رغم تراجع هجماته خلال الأشهر الأولى من عام 2023، والتي سجلت تراجعا بنسبة (55 بالمئة) مقارنة بالفترة نفسها من 2022".

وأكد التقرير أن التنظيم يواصل تنفيذ هجماته في سوريا انطلاقا من البادية الشامية، التي تنتشر فيها خلاياه، لا سيما على الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة ودير الزور، ويرجع السبب إلى أن هذه المنطقة مفتوحة ومن السهل لعناصر التنظيم التوغل فيها.

ويرجع سبب تحرك التنظيم بأريحية نسبيا في هذه المنطقة (البادية) إلى أنه استفاد جيدا من معاركها والتحركات في صحراء الأنبار، وقد يصبح لديه على المدى المتوسط خطط للسيطرة على بلدات ومدن سوريا، وبالأخص المناطق المأهولة في أرياف كل من إدلب وحماة والسويداء، وهدفه الأساس هي زيادة أعداد أفراده وموارده، وفقا للتقرير.

مصر وليبيا

وتمتد يد تنظيم الدولة نحو الدول العربية في قارة إفريقيا، ولا سيما في مصر وليبيا، إذ أشار تقرير للأمم المتحدة عام 2023 إلى احتمال وجود عدد يتراوح بين 800 إلى 1200 مقاتل للتنظيم في سيناء المصرية.

وفي 16 يناير 2023، نشر مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" المصري، تقريرا تحدث عن  تصاعد هجمات تنظيم الدولة فرع "ولاية سيناء"، وأصبح لديه دوافع عالية لشن هجمات في المدن والمناطق الحضرية الكبرى على طول قناة السويس.

ولفت التقرير إلى أن "مستوى التهديد لجميع المدن الرئيسة مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد لا يزال كبيرا، ما يعني احتمال وقوع هجوم في بعضها".

وفي ليبيا، حيث كان التنظيم يسيطر ذات يوم على شريط من الأراضي على ساحل البحر المتوسط، دب الضعف في صفوفه، لكن لا يزال بإمكانه استغلال الصراع المستمر في البلاد، وفقا لتقرير الأمم المتحدة عام 2023.

وتواجد تنظيم الدولة منذ عام 2014 إلى 2016 في مدينتي سرت وبنغازي الليبيتين بشكل أساسي، وقدرت الولايات المتحدة في وقتها عدد عناصره بنحو 3 آلاف.

وفي 6 يناير 2024، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا القبض على هاشم بوسدرة الذي يعد زعيم تنظيم الدولة في البلاد، وشغل قبل ذلك أمير "ولاية طرابلس"، على يد جهاز "الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة".

وقال جهاز "الردع لمكافحة الإرهاب"، خلال بيان له في 6 يناير، إن "بوسدرة جرى ضبطه في وقت سابق، ثم تأجل الإعلان عن تاريخ اعتقاله، لتسهيل الإحاطة بعناصر التنظيم كافة ومكافحة منابعه في ليبيا، وسط ظروف معقدة لاصطياد الذئاب المنفردة بحذر وهدوء".

وأضاف أن "بوسدرة المكنى باسم (خبيب) سبق وأن تم تعيينه أميرا للحدود، وتولى بشكل مباشر تسهيل دخول الإرهابيين إلى ليبيا وتنقلهم بين المدن، قبل أن يكلف أميرا للتنظيم على ما يعرف بـ(ولاية طرابلس)".

وتابع الجهاز أن "كل عناصر تنظيم الدولة في ليبيا قد سقطوا بين قتيل وسجين لينطق القضاء بحكمه العادل في حقه"، مؤكدا أنه "سينشر اعترافات المتهم خلال الفترة القريبة المقبلة".

القارة السمراء

وبعيدا عن ليبيا ومصر الدولتين العربيتين الإفريقيتين، فإن تنظيم الدولة يتواجد أيضا في عدد من دول حوض بحيرة تشاد، وهي، تشاد والنيجر ونيجريا والكاميرون ومنطقة الساحل الوسطى على طول حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

ويقول المحلل السياسي التشادي أبكر إدريس حسن، إن توسع تنظيم الدولة في القارة الإفريقية، لم تسلم أي من المناطق الجيوسياسية الأربع من نشاطه، ومن أسباب انتشاره هي الموارد الطبيعية، إلى جانب عوامل أخرى من أجل الخدمات اللوجستية، وحشد الأموال.

ولفت الخبير التشادي في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 8 أبريل/ نيسان 2023، إلى أن "حوض بحيرة تشاد" هو أكبر منطقة عمليات للتنظيم، وهي المنطقة ذاتها التي يوجد فيها تنظيم "بوكو حرام".

وتضم منطقة الساحل والصحراء نحو 1300 مقاتل، ويترتب على ذلك مخاطر على دول القارة في ظل تشابك المصالح فيها، كما أصبحت العمليات الإرهابية وسيلة لتبليغ رسالة احتجاج دموية وتوجيه الضربة للمؤسسة الأمنية، وفق المتحدث.

من جهته، يقول الخبير المصري رفعت سيد أحمد، إن الحقائق المتوفرة أن تنظيم الدولة يوجد بشكل أساسي في المنطقة الشمالية الشرقية من مالي وتحديدا في منطقة مينكا على حدود النيجر، وكذلك على حدود بوركينا فاسو مع النيجر وشمال نيجيريا  ومالي.

وأضاف أحمد في تقرير نشره مركز "رع" المصري للدراسات الإستراتيجية في 3 أغسطس 2023، إن "عدد مقاتلي التنظيم في مجمل القارة الإفريقية يقدر بنحو 50 ألفا".

وعلى صعيد "الذئاب المنفردة" التي يستخدمها تنظيم الدولة حول العالم، نشر الكاتب السوري، فراس فحام مقالا تحدث فيه عن استحواذ شعبة مكافحة الإرهاب في مدينة إسطنبول التركية على أرشيف لتنظيم الدولة كان يعتزم عدد من عناصره بيعه لعناصر المخابرات الإيرانية بمبلغ يصل إلى 9.3 ملايين دولار.

وذكر فحام في مقال نشره على موقع قناة "تي آر تي" التركية في 11 سبتمبر 2023، أن الأرشيف يحتوي على بيانات شخصية لأكثر من 9500 عنصر من "الذئاب المنفردة" المنتشرين في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك وسويسرا والنمسا وإسبانيا.

وتشمل المعلومات أسماء العناصر وأماكن إقامتهم والتدريبات والدورات التي تلقوها من التنظيم.

و"الذئاب المنفردة" مصطلح يُطلَق على العناصر الذين لا تربطهم علاقة تنظيمية مع "تنظيم الدولة"، لكن من المحتمل أن ينفذوا عمليات إرهابية بشكل منفرد بدوافع أيديولوجية وعقائدية أو حتى نفسية، وتستغلّهم التنظيمات من أجل تنفيذ عمليات في منطقة يجرى تحديدها وفق أجندة مسبقة.

وشاع هذا المصطلح في الحقبة الزمنية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث تعرضت الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول أخرى لعمليات مسلحة من أشخاص غير منظمين، ويجري تجنيدهم عن طريق شبكات عنكبوتية عن بُعد.