أعضاء المخابرات.. هكذا فضحت ملاحقات قضائية فساد نواب في برلمان الأسد

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، عزز نظام بشار الأسد دورات برلمانه بشخصيات تدين له بالولاء الكامل، قبل أن يطعمه بـ"أمراء حرب" وقادة مليشيات أوغلت في دماء السوريين.

هذا التغير في أعضاء البرلمان وصل لحد ارتكاب بعض هؤلاء الأعضاء تجاوزات كبيرة وتورطوا في قضايا فساد مستفيدين من الحصانة الممنوحة لهم عبر ورقة دخول البرلمان بتزكية من أجهزة المخابرات.

إلا أن هذه الحالة، التي تعكس جانبا من الصورة العامة للنظام السوري، وفق المراقبين، دفعت بوزارة العدل في حكومة الأسد إلى إصدار مذكرات توقيف بحق بعض هؤلاء النواب.

فساد علني

وقال مصدر في وزارة العدل التابعة للنظام، إن "الوزير (أحمد السيد) سبق أن أرسل عدة كتب إلى البرلمان، تطلب منح الإذن بالملاحقة القضائية بحق عدد من النواب، لكن مجلس الشعب لم يتخذ أي إجراء، بخصوص السماح برفع الحصانة عن نواب".

ونقلت “شبكة البعث ميديا” المقربة من النظام، عن المصدر دون ذكر اسمه، قوله في 27 مارس 2024 إن “المراسلات ليست حديثة، إنما جرى إرسالها خلال الأشهر السابقة”.

وأوضح أنها “تتضمن طلب الإذن بالملاحقة القضائية بحق عدد من النواب (لم يحدد عدهم)، لارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون”.

وأكد المصدر أن “البرلمان لم يتخذ بعد أي إجراء بحق أولئك النواب بشأن منح الإذن، وتسبب بتصرفه هذا بإعاقة عمل السلطة القضائية”.

وأبدت وسائل إعلام موالية للنظام السوري استغرابها من موقف البرلمان، خصوصا أنه ورغم الحصانة التي يتمتع بها النواب، فإن الدستور لا يفرق بين نائب ومواطن أو مسؤول فيما يتعلق بارتكاب الجرائم التي يعاقب عليها القانون.

ودعا البعض إلى وضع تشريع يحدد مهلة زمنية محددة للتخاطب بين البرلمان والوزارة، مع تحديد عقوبات لمن لا يلتزم ووضع آلية واضحة لتطبيق تلك العقوبات.

وأمام هذا الضغط على البرلمان من قبل وزارة العدل، رفع برلمان النظام، في  28 مارس 2024 الحصانة عن العضو فؤاد علداني، وذلك بعد نحو شهرين من مطالب بملاحقته على خلفية قضايا تهريب وفساد.

وأكد موقع "أثر برس" المقرب من النظام رفع الحصانة عن علداني، قائلا إنه كان هناك شبه إجماع على منح الإذن لوزارة العدل والمحاكم لاستدعاء العضو، وبالتالي رفع الحصانة عنه.

وذكر الموقع أن "رفع الحصانة عن أحد أعضاء مجلس الشعب لا يعني فصله من المجلس بل هو منح إذن للمحاكم لاستدعائه والتحقيق في الدعاوى"، مشيرا إلى أن العضو في هذه الحالة "يحق له حضور الجلسات وممارسة صلاحياته كاملة".

وفور رفع الحصانة المؤقتة عن علداني، استحضر تاريخه الأسود وخلفيته التي أوصلته إلى قبة البرلمان.

أدوار قذرة

وبحسب منظمة "مع العدالة" فإن عضو "مجلس الشعب" فؤاد محمد صبحي علداني هو من مواليد مدينة بنش بريف إدلب عام 1977، وهو قائد مليشيا "نمور الأسد" في “قوات النمر/ الفرقة 25 قوات خاصة” التابعة لقوات النظام، حيث انضم مبكرا إلى "قوات النمر" مع مجموعته، وشارك في جميع المعارك معها.

وتقول المنظمة إن "اسم علداني ورد في شهادة المنشق آفاق أحمد عن مجزرة مساكن صيدا في درعا التي حدثت في 29 أبريل/ نيسان 2011، والتي أدت إلى مقتل العشرات من أبناء الشعب واعتقال أكثر من 100 متظاهر من ضمنهم حمزة الخطيب وثامر الشرعي اللذان قتلا على يد عناصر المخابرات الجوية في دمشق".

وتضيف أن عضو برلمان الأسد "شارك في اقتحام مدن دوما وداريا وتلكلخ، وساعد في تجنيد مخبرين للنظام في عربين ودوما وبانياس وتلكلخ، وهو شريك في كل الجرائم التي ارتكبتها قوات النمر عامة ومجموعة نمور الأسد خاصة".

ومطلع عام 2023، ضبطت محطة محروقات في حلب تتلاعب وتتاجر بالمازوت، ليقوم أصحابها بالتخلص من 300 ألف ليتر مازوت ورميها في الأراضي الزراعية تجنبا لضبطها من قبل الجمارك.

وتبين لاحقا أن المحطة تعود للبرلماني علداني، حيث جرى الاستماع لأقواله في مكتب المجلس بناء على طلب وزير العدل منح الإذن بملاحقة النائب قضائيا بتهمة تهريب المازوت.

وأحال مكتب البرلمان الملف إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لدراسته وتقديم المقترح برفع الحصانة أو عدمه.

والحادثة تحولت آنذاك إلى قضية رأي عام، ولا سيما أن إهدار تلك الكمية الهائلة من المازوت تزامن مع أزمة شح في المحروقات في أوج أيام الشتاء والبرد، في ظل حاجة المواطنين في مناطق سيطرة النظام لأي ليتر من المازوت يمنحون به أسرهم بعضا من الدفء.

وتنص المادة 71 من الدستور على أن البرلمانيين يتمتعون بالحصانة طيلة مدة ولاية المجلس ولا يجوز في غير حالة الجرم المشهود اتخاذ إجراءات جزائية ضد أي عضو منهم إلا بإذن سابق من المجلس، ويتعين في غير دورات الانعقاد أخذ إذن من مكتب المجلس ويُخطَر المجلس عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراءات.

وتشرح المادة 228 من النظام الداخلي للمجلس إجراءات رفع الحصانة حيث يقدم طلب رفع الحصانة من وزير العدل إلى رئيس مجلس الشعب مبيناً فيه نوع الجرم ومكانه وزمان ارتكابه وأوراق القضية، فيما يقوم مكتب المجلس باستدعاء العضو لإعطائه حق الدفاع عن نفسه ويعد تخلّفه عن الحضور تنازلا عن هذا الحق.

ويقوم رئيس المجلس بعد ذلك بإحالة طلب الوزير مع مرفقاته ومحضر أقوال العضو إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية التي يتوجب عليها إعداد تقريرها خلال 10 أيام على الأكثر من تاريخ إحالة الأوراق ورفع التقرير إلى رئيس المجلس الذي يعرضه على النواب لمناقشة طلب رفع الحصانة، ومن ثم التصويت عليه ويُتخذ القرار النهائي بالأغلبية المطلقة. 

لكن رغم هذه المواد النظرية التي تضع إصبعها في عين الفاسدين داخل برلمان الأسد، إلا أن الشواهد كثيرة على إدخال النظام شخصيات مقربة منه مشهود لها بالفساد إلى قبة البرلمان.

وتتصدر سوريا التي يحكمها الأسد، ترتيب دول العالم في قائمة البلدان الأكثر فسادا، وفق تصنيف منظمة "غلوبال ريسك" لعام 2023، المتخصصة في خدمات إدارة المخاطر، الذي يصنف 196 دولة وتصدره منظمة الشفافية الدولية.

وسبق أن اعترف العضو في برلمان النظام، طلال حوري، بالفساد الذي أصابهم وأصاب حكومة النظام، وذلك خلال جلسة لمناقشة الأوضاع الاقتصادية المتردية وانهيار الليرة السورية أمام الدولار. 

كما سرت أنباء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 عن هروب حسام القاطرجي أبرز "أمراء الحرب" المحسوبين على عائلة الأسد إلى الخارج، والذي جرى تنصيبه برلمانيا منذ عام 2016.

والقاطرجي (40 عاما) أصبح عضوا في برلمان النظام كونه يمسك بشريان النفط المغذي للنظام ودوائره الحكومية وشكل مليشيا عسكرية منذ عام 2015.

وقيل أن أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام استولت على كامل أملاك قاطرجي، عقب هروبه إلى خارج سوريا بعد "تورطه بقتل قريبته"، كما ذكرت صفحات محلية.

إدارة مصالح الأسد

منذ صعود حافظ الأسد إلى السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري، لم تعرف سوريا انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة، بل إن جميع أعضاء البرلمان تتم تزكيتهم من قبل أجهزة المخابرات وتجرى انتخابات برلمانية صورية.

ومضى هذا الحال حتى اندلاع الثورة ضد نظام الأسد الذي استلم الحكم وراثة عن أبيه عام 2000 في دولة جمهورية، حيث اعتمد النظام على تطعيم البرلمان بشخصيات من طبقات مختلفة طبقا للحاجة إليها لمواجهة الثورة.

وسهلت أجهزة مخابرات النظام دخول بعض رجال الأعمال إلى البرلمان كمستقلين، لتحقيق "منفعة متبادلة" في ظل انهيار الاقتصاد جراء العقوبات الغربية والأميركية.

كما سمح النظام بدخول شخصيات من مختلف المناطق السورية، ممن لعبت دورا كبيرا في مساندة قوات الأسد بقمع الثورة من خلال تجنيد بعض أفراد مناطقها ضمن لجان محلية جرى تسليحها من قبل وزارة الدفاع لهذه المهمة.

وهذا ما ظهر جليا في الدورات البرلمانية التي ظهرت فيها شخصيات دخلت البرلمان وتعرضت لسخرية واسعة من السوريين لعدم أهليتهم بهذا المنصب.

ففي انتخابات البرلمان لعام 2020 تألف المجلس من 250 عضوا، معظمهم ينتمون لحزب “البعث” الحاكم، والأحزاب التي تتشارك معه ضمن "الجبهة الوطنية التقدمية".

وحينها عقد الائتلاف الوطني السوري المعارض ورشة قانونية، رأى فيها أن انتخابات مجلس الشعب “غير شرعية”.

وأوضح أن نظام الأسد "خالف من خلال تلك الانتخابات الإجراءات القانونية الواردة في القرار الأممي لتشكيل اللجنة الدستورية، والتي وافق عليها نظام الأسد، حيث يُمنع عليه القيام بأي انتخابات إلا بعد صياغة دستور جديد للبلاد، وأن تتم بإشراف الأمم المتحدة".

ونوه الائتلاف المعارض إلى غياب المناخ العام الذي أقيمت فيه هذه الانتخابات، ولا سيما في "غياب نصف الشعب السوري الذين هجّرهم النظام بشكل قسري وأبعدهم عن ديارهم، وأثر هذه الممارسات على حقوق المهجّرين وعلى المستقبل الجيوسياسي والاقتصادي والمذهبي للمنطقة، وخاصة مع تكريسها من خلال النفوذ الروسي الإيراني".

وألمح الائتلاف وقتها، إلى نقطة مهمة، وهي مسألة "التشريعات التي يصدرها مجلس الشعب التابع للنظام، والتي تخدم مصالحه الضيقة، وتغطي على جرائمه المتعلقة بسلب حقوق المهجّرين والنازحين واللاجئين من سكن وملكية، والتي تمنع فرص ودوافع عودة ملايين المهجرين".

وأكد الائتلاف على أن مثل هذه الانتخابات البرلمانية، محاولة للتغطية على "فشل نظام الأسد في إدارة البلاد، وعجزه عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان، والتي أوصل فيها 83 بالمئة من السوريين إلى ما تحت خط الفقر".

ويبلغ عدد سكان البلاد قرابة 25 مليون نسمة، منهم 15.3 مليون شخص  مهجرون داخليا وخارجيا بفعل آلة الأسد العسكرية عقب قمع الثورة، وقد بات ما يقرب من 70 بالمئة من السوريين راهنا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.